" يناور في الشرق للهجوم على الغرب" هى خدعة تستخدم دائما في العمليات العسكرية في العصر القديم والحديث. ومضمونها على حد تعبير واضعها يتمثل في وضع خطة لشن الهجوم على غرب العدو ولكن العملية تبدأ بهجوم خادع على شرقه من أجل جذب قواته الرئيسية الى الشرق. وبعد أن تصبح جبهة العدو الغربية ضعيفة يبدأ الهجوم القوي الحقيقي عليها. وتهدف هذه الخدعة الى تشويش تفكير العدو ليتخذ خطة تكتيكية أو استراتيجية خاطئة، وإذا انطلت الخدعة على العدو يبدأ الهجوم الحقيقي عليه للانتصار عليه في النهاية. كانت هذه الخدعة غالبا ما تستخدم في الصين القديمة. واثناء القرن الثاني الميلادي. قاد تشو زون/ ضابط احدى ممالك عهد أسرة هان الشرقية في الصين القديمة قاد جيشه لمقاتلة قوات الفلاحين المتمردين التي كانت مرابطة داخل مدينة تعرف باسم" وان تشنغ " وتعتبر قاعدة لهم. وبعد بدء المعركة كانت قوات الفلاحين تدافع عن المدينة من هجوم الجيش الملكي مستندة الى سور عال وجيش كبير من المقاتلين. ورغم فرض الجيش الملكي حصارا كاملا ومحكما على المدينة إلا أنه لم يحقق أي تقدم. وبعد مرور أيام قام تشو زون بتعديل خطته بحيث أمر بشن هجوم خادع على جنوب غربي المدينة. فأرسل قائد قوات الفلاحين فورا معظم جنوده الى هذه الجهة للدفاع عنها. وفي ذلك الوقت أمر تشو زون جنوده بشن هجوم قوي حقيقي على شمال شرقي المدينة الذي كان يحرسه عدد غير كبير من المقاتلين فخرقوا هذا المكان واحتلوه ثم استولوا على كل المدينة وحققوا انتصارا في النهاية. تهدف خدعة " يناور في الشرق للهجوم على الغرب" الى اخفاء الخطة الحقيقية بأسلوب خدع العدو وتشويش تفكيره مما يجعله يتخذ قرارا خاطئا يمكن انتهازه للانتصار عليه. تستخدم هذه الخدعة أيضا ودائما في حروب العصر الحديث. مثلا. في آواخر الحرب العالمية الثانية. استعدت قوات الحلفاء لشن هجوم استراتيجي على الجيش الالماني وهى عملية الانزال التاريخية المشهورة على شاطئ نورماندي الفرنسي. واستغرق الاعداد لهذه العملية أكثر من سنتين. وامتازت العملية بالتخطيط الرائع والسرية المطلقة لدرجة أن القوات المعدة للمشاركة لم تكن تدري حتى اللحظات الأخيرة أين ومتى سيكون التنفيذ. ومن أجل تشويش قادة الجيش الألماني قامت قوات الحلفاء بنشر المعلومات الخادعة وجمع بعض الجنود في مواقع أخرى غير موقع الانزال للقيام بالتدريبات عليه. الأمر الذي جعل قادة الجيش الألماني يعتقدون بأن منطقة جالاي هى موقع الإنزال لقوات الحلفاء وايقنوا حتى بعد بدء عملية الانزال بأن عملية قوات الحلفاء في نورماندي هى خدعة غير حقيقية. وبهذا التخطيط السري بدأت العملية الجبارة تجري على قدم وساق. وكانت عشرات الآلاف من الناقلات والمركبات القتالية تتحرك على الطرق البريطانية تحمل مئات الآلاف من الجنود متوجهة الى مناطق التجمع في مواني الإنزال. وفي السادس من يونيو عام 1944 كانت خمسة آلاف سفينة حربية تحمل ملايين الجنود من قوات الحلفاء محمية بعشرة آلاف طائرة مقاتلة وقاذفة تبدأ بأكبر إبرار بحري في التاريخ على الأرض الفرنسية في نورماندي. وفي النهاية نجح مليونان ونصف مليون جندي من قوات الحلفاء في الإبرار وبدأوا يطاردون الجنود الألمان، ودقوا بهذه العملية أجراس نهاية أدولف هتلر وإمبرياليته النازية. ويعتبر الإنزال في نورماندي أفضل مثال في تطبيق خطة " يناور في الشرق للهجوم على الغرب " في الحروب الحديثة. الى جانب الأعمال العسكرية تستخدم هذه الحيلة أيضا في المنافسات التجارية وحتى لدى قيام رجال الشرطة باستجواب المجرمين حيث أن رجال الشرطة غالبا ما يوجهون أولا بعض الأسئلة غير المتعلقة بالقضية للمجرمين من أجل تشويش انتباههم وبعد أن يفقد المجرمون تركيزهم يوجهون اليهم أسئلة هامة وبشكل مفاجئ. وبهذه الطريقة يكشفون أعمالهم الاجرامية. قبل تطبيق خدعة " يناور في الشرق للهجوم على الغرب " يجب الحصول على كافة المعلومات عن العدو أو المنافس مع بحث أوضاعه وتغيراته النفسية ومتابعة أية حركة من تحركاته. ولا يمكن اتخاذ قرار نهائي إلا بعد إكمال هذه الأعمال المذكورة. ويجب أن تعرف عدوك أو منافسك جيدا بينما تعرف نفسك جيدا أيضا ثم تتخذ خطوتك أو تخوض معركتك. وبذلك سيكون النصر حليفا لك بلا شك. هنا نقطة هامة يجب الاهتمام بها وهى أنه عندما تريد تنفيذ هذه الحيلة يجب أن تحافظ على اليقظة وترفع درجة الحذر حتى تكبح أية امكانية للعدو أو المنافس باستخدام الخدعة أيضا لمواجهتك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق