ملحوظة: النص هو
المقدّمة التي وضعتها لكتاب الاستاذ "لي تزانغ يين" 简明汉语教程
بدأ
اهتمامي بدراسة الحضارة الصينية منذ عدّة سنوات، فاكتشفت بعضاً من أدبها وفكرها
وحكمتها العريقة. ولكن كنت أقرأ ذلك إما بالعربية وإما باللغة الفرنسية. ولا أنكر
أنّ الكتب العربية المهتمة بالحضارة الصينية قليلة العدد. ولا أزال اذكر كيف أني
كنت أواجَه من قبل أصحاب المكتبات بشيءٍ من الاستغراب حين أطلب منهم كتبا تتناول
الحضارة الصينية أو اللغة الصينية. كانوا ينظرون إلي بشيء من الذهول ثم يحاولون
تلبية طلبي. ولكن كنت أخرج، أغلب الأحيان، خائباً من المكتبات التي لم تتأقلم بعد
مع يقظة الصين
الحديثة.
ومع تقدّم
قراءاتي عن الحضارة الصينية، شعرت أني لن اقطف الثمار المطلوبة من اهتمامي إذا بقيت
اللغة الصينية بمنأى عن قدراتي. ولكن أين أتعلم اللغة الصينية وأنا في لبنان الغارق
حتى أذنيه، كأغلب الدول العربية، في اللغة الفرنسية أو الإنكليزية، وحيث لا مكان
للغة الصينية تحت سماء لبنان؟! الممتع في وسائل الاتصال الحديثة أنّها ترفض فكرة
المستحيل، فأية لغة، اليوم، في متناول سمعك وعينيك بفضل الانترنت والأشرطة المدمجة
وغيرهما من وسائط المعرفة المتعدّدة. ولكن هل يمكن تعلم أصوات لغة ما من دون أستاذ
يشرف على تغيير عادات لسانك اللغويّة؟
ظلّ الأمر
كذلك إلى أنْ علمت أنّ "جامعة الجنان" في طرابلس اتفقت مع وزارة الثقافة الصينية
لإدراج تعليم اللغة الصينية في قسم الترجمة. وانشاء دورات خاصة للراغبين في اكتساب
هذه اللغة القائمة على الكتابة التصويرية لا على الأبجدية. وجدت رغبة العمر تطرق
أبواب مدينتي، وبدأ مشواري مع تعلم اللغة الصينية، لغة "كونفوشيوس" و" لاو تزه" و"تشوانغ تزه" و" ليه
تزه" عمالقة الحكمة الصينية.
وهنا لا
بدّ من ذكر فضل الأستاذ الكريم " لي تزانغ يين李增垠" الذي كان علّمنا خمس
دورات مكثّفةعلى امتداد سنتين ونيّف بإخلاص أصحاب الرسالات. وأشهد له
بالجهد الذي بذله لإزالة الصعاب التي كانت تعترض عيوننا (فالخطوط الصينية تربك
العيون!) وأفواهنا وأقلامنا، وكيف كان يهتمّ بأسئلتنا ويقوم بتحضير إجابات مفصلة
وميسّرة عنها. كان الأستاذ "لي" إلى جانب تعليمنا اللغة الصينية يقوم بإعداد كتاب
تعليمي سهل التناول للغة الصينية وبلغات أربع، واقترح عليّ إن كان بمقدوري أن أقوم
بنقل نصوص الكتاب إلى العربية، وهي ثقة من طرفه أعتزّ بها أنا الذي لا أزال أحبو في
عالم اللغة الصينية الشيّقة. رحبت بالفكرة، على صعوبتها، كنوع من التعبير عن شكر
الأستاذ "لي" إذ بفضله صار بإمكاني تناول الحضارة الصينية مباشرة من معينها اللغوي
العذب، دون وسيط من لغة أخرى.
أخي
القارىء،
إعلمْ إن
اللغة لا تنفصل عن الاقتصاد. واللغة تكتسب جزءاً لا يستهان به من قوتها عن طريق
اقتصادها. والنمو الاقتصادي السريع والحثيث في الصين يرافقه إقبال عالمي على تعلم
اللغة الصينية في أميركا وأوروبا وبلدان الشرق الأقصى. وما فروع معهد كونفوشيوس
التي تفتتح سنويا في كلّ أنحاء العالم إلاّ خير شاهد على ازدياد الراغبين في تعلم
اللغة التي لا يمكن أن تنافسها أي لغة مكتوبة أخرى في العالم من حيث
الأقدميّة.
أخي
القارىء،
إعلم إنّ
تعلّم اللغة الصينية لا يفتح لك فقط أبواب المستقبل وإنما يمنحك القدرة على التجوال
في آلاف السنوات من عمر الحضارة الصينية العريقة وحكمتها الخالدة.
وختاما
أتمنى لك، عزيزي القارىء، سفراً ميموناً في تضاعيف هذا الكتاب عملاً بالحكمة
العربية القديمة التي ينسبها البعض إلى الرسول محمّد- عليه الصلاة والسلام-
والقائلة: "اطلب العلم ولو في الصين".
وأظنّ
أنّه آن الأوان لوضع هذا المثل موضع التطبيق لا سيّما أنّ القرن الحادي والعشرين لن
تخلو قسماته من ملامح الوجه الصينيّ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق