" إغراء النمر ليخرج من عرينه " على حد تعبيره يعني استخدام الحيلة لجذب العدو الذي كان ملزما موقعه الحصين ليخرج منه للقضاء عليه في النهاية. وفي الصين القديمة غالبا ما تعرّض الناس المقيمون بالقرب من الجبال للافزاع والاصابة من النمور التي تعيش في غابات الجبال. ومن أجل القبض على هذه النمور المفترسة استخدموا حيلة إغرائها لتخرج من عرينها في غابات الجبال لتفقد سندها الجغرافي ثم دبروا خططا للقبض عليها. وفي الأعمال العسكرية بدأ الناس يستخدمون أيضا هذه الخطة حيث يدبرون خطة مماثلة لجذب العدو ليخرج من قلعته الحصينة. ثم شن الجهوم أو اقامة الكمين للقضاء عليه. أشار كتاب فن الحرب المؤلف من سون وو الى أنه إذا امتلك العدو موقعا استراتيجيا متينا بينما كان على الأهبة الكاملة لمواجهة القتال فيجب عدم اجراء هجوم مباشر ضده. بل من الأفضل تدبير حيلة لجذبه للخروج من موقعه الحصين ليفقد زمام المبادرة ثم القيام ببعض الاعمال العسكرية كاقامة الكمين وغيرها من أجل القضاء عليه في النهاية. وأهم شئ في تطبيق هذه الخطة هو اغراء العدو ليخرج من " عرينه ". وفيما يلي قصة حقيقية لاستخدام هذه الحيلة في العملية العسكرية. كانت بداية القرن الثاني الميلادي موافقة لعهد الممالك الثلاث المتحاربة في الصين القديمة حيث دارت الحروب دائما بين مملكة وي ومملكة شو ومملكة وو. كان ملك وو يفكر دائما في توسيع مملكته بالقوة. فوضع خطة عسكرية لهدف الاستيلاء على مدينة لو جيانغ التي كانت من أهم المدن الاستراتيجية الكبرى بالقرب من حدود مملكته إلا أنه عرف بوضوح أن ليو شون الذي كان يحكم هذه المدينة يملك موقعا متفوقا ملائما له، واذا شن الهجوم المباشر عليه فقد تكون فرصة تحقيق النصر ضئيلة. لذلك بعد التشاور مع مستشاريه وضع الملك وو خدعة تهدف الى اغراء ليو شون الى الخروج من مدينته ليفقد سنده الجغرافي ثم اجراء عملية عسكرية للقضاء عليه. فأرسل الملك مبعوثه الى ليو شون مع اهدائه كمية كبيرة من الهدايا الثمينة. وبعد وصول المبعوث سلم الي ليو شون رسالة من الملك قال فيها إنه يريد اقامة شراكة استراتيجية معه مضيفا أن بعض رجال القبائل والعصابات المحلية تزعجه دائما في المنطقة الحدودية، لذلك طلب من ليو شون أن يساعده بارسال جيشه للقضاء على رجال القبائل والعصابات معبرا أيضا عن شكره الجزيل المقدم له. بعد أن قرأ ليو شون الرسالة وخاصة بعد مشاهدة تلك الهدايا الثمينة سرّ سرورا كبيرا، فقرر ارسال جيشه الى خارج المدينة استعدادا للقتال ضد رجال العصابات. ورغم نصائح مستشاريه بعدم فعل ذلك إلا أنه أصرّ على ما أقره. وعندما عرف الملك وو أن جيش ليو شون قد خرج من مدينته التي قد اصبحت ضعيفة الدفاع قاد جيشه فورا في هجوم مفاجئ عليها. وأثناء العملية لم يواجه الملك مقاومة فعالة حتى استولى على مدينة لو جيانغ. وبعد أن عرف ليو شون الخبر ندم ندما شديدا إلا أن كافة الامكانيات والأوقات قد فاتته بحيث لم يكن قادرا على تغيير هذا الوضع. ولم يكن له أي مفر إلا الهرب الى مملكة أخرى. تستخدم خطة " اغراء النمر ليخرج من عرينه " دائما في حروب العصر الحديث. مثلا خلال حرب المقاومة ضد العدوان الياباني على الصين في الحرب العالمية الثانية. احتل الغزاة اليابانيون الكثير من المدن والمواقع الاستراتيجية الهامة، وقاموا ببناء القلاع والحصون المتينة فيها لتعزيز حراستها وشن الهجوم منها على الجيش الصيني. أما الجيش الشعبي الصيني تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني فكان لا يملك أسلحة حديثة كثيرة كما لا يقدر على شن هجوم مباشر ضد الأعداء الأقوياء. ورغم ذلك وضع سلسلة من الخطط العسكرية المرنة بما فيها " إغراء النمر ليخرج من عرينه " لجذب الغزاة اليابانيين ليخروجوا من قلاعهم. ثم قام بمحاربتهم بحرب العصابات. وكانت نتيجة ذلك فعالة جدا بحيث اباد عددا كبيرا جدا من الأعداء في الحلقات السابقة قدمنا لكم خطتي" يناور في الشرق للهجوم على الغرب" و" مهاجمة مملكة وي لإنقاذ مملكة تشاو ". وكلاهما متشابه مع خطة " إغراء النمر ليخرج من عرينه " إلا أن الأخيرة يتركز مبدأها بشكل رئيسي علـى عملية " أغراء " التي تكتسي بلون الخداع الكثيف، ومن ثم تحقيق الانتصار على العدو أو المنافس.
السبت، 29 ديسمبر 2012
" إغراء النمر ليخرج من عرينه " على حد تعبيره يعني استخدام الحيلة لجذب العدو الذي كان ملزما موقعه الحصين ليخرج منه للقضاء عليه في النهاية. وفي الصين القديمة غالبا ما تعرّض الناس المقيمون بالقرب من الجبال للافزاع والاصابة من النمور التي تعيش في غابات الجبال. ومن أجل القبض على هذه النمور المفترسة استخدموا حيلة إغرائها لتخرج من عرينها في غابات الجبال لتفقد سندها الجغرافي ثم دبروا خططا للقبض عليها. وفي الأعمال العسكرية بدأ الناس يستخدمون أيضا هذه الخطة حيث يدبرون خطة مماثلة لجذب العدو ليخرج من قلعته الحصينة. ثم شن الجهوم أو اقامة الكمين للقضاء عليه.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق