من المعروف أن حشرة الزيز بعد انسلاخها تترك قشرتها معلقة على غصون الشجرة، وكأنها زيزة حية أخرى. أما تطبيق هذه الخطة في الأعمال العسكرية والتجارية فيعني تدبير خطة تنكرية لخداع العدو أو المنافس مع الانسحاب الخفي من أجل التخلص من خطر أو ضيق. وتستخدم هذه الحيلة دائما في حالة أن القوة الذاتية أصبحت ضعيفة بالمقارنة مع العدو أو المنافس. من بين العمليات العسكرية التي استخدمت فيها هذه الخطة حرب حدثت في القرن الثالث الميلادي الموافق عهد الممالك الثلاث المتحاربة بالصين القديمة. وكان كل من أباطرة ممالك وي وشو ووو يطمح في الانتصار على الآخرَينِ وتوحيد البلاد والاستيلاء على سلطة الدولة. لذلك كانوا يحاربون بعضهم ضد البعض بين حين وآخر. وجدير بالذكر أن في مملكة شو وزير بارز إسمه تشو قه ليانغ، وهو قائد عسكري حكيم ومشهور ليس في عهده فحسب بل ظلت شهرته قائمة حتى يومنا هذا. وبذكائه وحكمته كان دائما ما يحقق الانتصارات في المعارك مع مملكتي وي ووو. لذلك كلما قابله خصومُه في ميدان القتال تسمكوا بالحذر الشديد من انطلاء حيلته عليهم. ذات مرة قاد تشو قه ليانغ جيش مملكة شو متوجها نحو الشمال لمحاربة جيش مملكة وي. فأرسل امبراطور وي جيشه فورا لمواجهة الأعداء. وعندما تقابل الجيشان استعدادا لبدء القتال أصيب تشو قه ليانغ بمرض شديد شعر بأنه لا يشفى منه، كما عرف أيضا أن جيش مملكة وي إذا أطلع على خبر مرضه أو حتى وفاته فسيشن هجوما قويا على جيشه الذي لن يحقق انتصارا على الخصوم بدونه. وإذا إنسحب جيشه فورا أو بعد وفاته من المنطقة فسيطارده جيش مملكة وي. لذلك استدعى قائد الجيش جيانغ وي وعلّمه بتوجيهات كيفية سحب الجيش من المنطقة بعد وفاته. بعد أيام توفى تشو قه ليانغ متأثرا بمرضه فعلا، ووفقا لخطته لم يعلن جيانغ وي خبر وفاته، بل كتم السر بشكل محكم، وفي الوقت نفسه استدعى نجارا ليصنع تمثالا خشبيا مشابها جدا لتشو قه ليانغ قامة وشكلا، وألبسه ملابسه ثم وضعه في عربته القديمة. وبعد إكمال هذه الأعمال أمر جيانغ وي بانسحاب معظم أفراد الجيش الى المملكة مع نقل تابوت تشو قه ليانغ معهم أيضا. بعد أن عرف قائد جيش وي خبر انسحاب جيش شو، قاد جنوده لمطاردته. وعندما إقتربوا منه شاهدوا مجموعة من الجنود بزعامة جيانغ وي قد إعترضت طريقهم، وفي مقدمتهم عربة جلس فيها تشو قه ليانغ. كما شاهدوا أن تشكيلة هؤلاء الجنود منتظمة وكل واحد منهم يبدو في حماسة عالية ومعنوية مرتفعة، فشعروا بحيرة ومخاوف معتقدين أن تشو قه ليانغ قد دبُّر حيلة لجذبهم الى كمين. فأمر القائد بانسحاب جيشه فورا لكي لا تنطلي الحيلة عليهم. وبعد أن شاهد جيانغ وي انسحاب جيش مملكة وي سحب قواته أيضا وبشكل سري. وعندما أطّلع قائد جيش وي على خبر وفاة تشو قه ليانغ مع التأكد من انسحاب جيش مملكة شو أصبح في غاية الندم، لأن الوقت قد سبقه كما فاتته الفرصة السانحة لمحاربة الخصوم والانتصار عليهم. هناك قصة أخرى استخدمت فيها خطة" تخلص مثلما يتخلص الزيز من قشرته " حدثت في عهد أسرة سون الملكية الصينية الموافق القرن الثالث عشر الميلادي، حيث نشبت الحرب بين جيش سون وجيش قومية جين - احدى الاقليات القومية الصينية بشمالي البلاد. وكان الوضع في صالح جيش جين لأن جيش سون أقل منه عددا وقوة. وأمام هذه الوضع أمر قائد جيش سون بانسحاب الجيش من ميدان الحرب من أجل الحفاظ على القوات العسكرية. بدأ الانسحاب في ليلة مظلمة. وكان جنود جيش جين يستريحون داخل مخيمات معسكرهم. وفجأة تعالت أصوات الطبول المزعجة من معسكر جيش سون القريب من معسكر جيش جين، فنهض قائد جيش جين وظن أن الأعداء شنوا هجوما مباغتا على معسكره، وأمر جنوده بمواجهة المهاجمين. إلا أنهم لم يجدوا أي مهاجم. فعادوا الى معسكرهم بعد هدوء أصوات الطبول. ولكن لم يمض وقت طويل حتى عادت الأصوات مرة أخرى فنهضوا ثانية. وتكرر الأمر مرارا وتكرارا حتى أوقع الجنود في فزع وذهول شديدين. وظن القائد أن الخصوم استخدموا هذه الحيلة لازعاج جنوده لإضعافهم وتقويض معنويتهم. فطلب من جنوده ألا ينهضوا مهما كانت الأصوات. وفي اليوم التالي انخفضت أصوات الطبول، واعتقد قائد جيش جين أن الأعداء ربما شعروا بتعب وملل، فأمر جنوده بالهجوم علي معسكرهم، وبعد دخولهم اليه لم يجدوا أي شخص بل شاهدوا فقط عشرات الخراف المربوطة والمعلقة على الأشجار، وتحت أقدامها طبول كثيرة، بحيث كانت تضرب الطبول بأقدامها وتحدث أصواتا. وفي ذلك الحين عرف القائد أنها خدعة قد إنطلت عليه. وهذا هو مثال آخر لتطبيق" تخلص مثلما يتخلص الزيز من قشرته ".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق