خطة " البسمة على ثغره والخنجر خلف ظهره " تعني اظهار ملامح متواضعة مهذبة لطيفة خارجيا من أجل تخفيف حذر المنافس والتشويش عليه مع تدبير خطة للهجوم عليه بشكل مفاجئ. وتُستخدم هذه الخطة دائما في السياسة والدبلوماسية لهدف خداع الخصم وتجريده من عنصر المبادرة واليقظة. هناك دليل لتطبيق هذه الخطة أثناء احدى المعارك في الصين القديمة. يحكي أنه في عهد الممالك الثلاث الصينية التي يرجع تاريخها الى أكثر من ألف وثمانيمائة سنة حيث كانت في الصين ثلاث ممالك كبرى هى مملكة شو ومملكة وو ومملكة وي. وكانت مملكة وي أكبر وأقوى من المملكتين حينذاك. لذلك كان ملك وي طموحا يفكر دائما في محاولة ضم المملكتين. وأمام هذا الوضع توصلت مملكتا شو ووو الى اتفاق لعقد تحالف من أجل الدفاع المشترك من هجوم جيش مملكة وي. ومن أجل تعزيز هذا التحالف تزوج ملك شو من أخت ملك وو. ورغم ذلك كان لكليهما طموحات أيضا لانتزاع السلطة الامبراطورية وتوحيد الصين بالقوة. لذلك كانت الصدامات والمعارك دائما ما تحدث فيما بينهما أيضا. وبين حدود الممالك الثلاث هناك مدينة تُعرف باسم جينغ تشو التي تتمتع بموقع استراتيجي هام. لذلك دارت معارك وعمليات عسكرية دائما بين الممالك الثلاث من أجل السيطرة على هذه المدينة. فاستولى عليها أخيرا الملك ليو بي / ملك المملكة شو ثم طلب من ضابط بارز إسمه قوآن يو حراستها. ومنذ ذلك الوقت لم يقم ملك وو وملك وي بأي عملية مباشرة لمهاجمة هذه المدينة لخوفهما من قوآنغ يوي وعدد جيشه الكبير. بعد تعزيز الحراسة لمدينة جينغ تشو فكر قوآنغ يوي في قيادة جيشه لمهاجمة مملكة وي، ولكنه قلق من احتمال قيام مملكة وو بهجوم على مدينة جينغ تشو من خلفه. فطلب من مجموعة كبيرة من جنوده الأقوياء مواصلة حراسة المدينة بعد مغادرته. وبعد ذلك حاول ملك وو فعلا انتهاز هذه الفرصة لمهاجمة المدينة. فبدأ يفكر في حيلة لتحقيق هدفه. وكتب أولا رسالة بعث بها الى قوآنغ يوي أشاد بشجاعته وبسالته بمختلف الكلمات المجاملة. وبعد قراءة الرسالة شعر قوآن يوي بكل السرور والفخر لأنه يحب هذه المجاملة ولكنه لم يعرف أن ذلك هو حيلة تستهدف ازالة حذره ويقظته. بل كان يعتقد أن ملك وو لن يدبر عملية لتهديد مدينة جينغ تشو. فأمر الجنوده الذين كانوا يحرسون المدينة بالخروج منها لتعزيز قواته التي تشارك في معركة ضد مملكة وي. وبذلك أصبحت الحراسة داخل المدينة ضعيفة. وفي الوقت نفسه قام ملك وو بالاتصال مع ملك وي استعدادا لشن هجوم على قوأن يوي من مقدمته ومؤخرته. قاد قوآن يوي جيشه لمحاربة جيش مملكة وي في الجبهة الأمامية دون معرفة ما حدث خلفه بينما أرسل ملك وو جيشا ضخما لشن الهجوم على مدينة جين تشو. وتنكر الجنود بأشكال المدنيين الذين اختبأوا داخل السفن التجارية وتسللوا من طريق المياه الى المدينة ثم شنوا هجوما مفاجئا عليها ولم يمض وقت طويل حتى احتلوها. وبعد أن عرف قوآن يوي وجنوده الخبر وقعوا في اضطرابات ولم يعودوا قادرين على مواصلة القتال مع جيش مملكة وي فإنسحبوا من جبهة القتال وانهزموا في المعركة بعد التعرض لخسائر فادحة. وهكذا إنطلت عليهم خطة " البسمة على ثغره والخنجر خلف ظهره " تستخدم هذه الخطة أيضا ودائما في العصر الحديث وخاصة في المنافسات التجارية. مثلا نلاحظ دائما من خلال المفاوضات التجارية أن طرفا مفاوضا يبدي تراجعا في مسألة مستهدفا بذلك تخفيف حذر ويقظة طرف آخر، ويسعى في نفس الوقت لإيجاد فرصة وامكانية لتحقيق هدفه ولكسب مصالح أكبر وأكثر. والى جانب ذلك يحدث دائما على شبكة الانترنت أن مروّجي الأخبار المزورة أو ما يسمى ب" المهاجم الأسود " يستخدمون بعض الموضوعات الممتعة والمثيرة أو الصور الكاريكاتورية المتحركة المضحكة لجذب المزيد من مستخدمي الشبكة ليزوروا مواقعهم. وبعد دخولهم تكلّفهم الأموال أو تصاب أجهزتهم بالفيروسات التي يصعب عليهم ازالتها. تعتبر خطة " البسمة على ثغره والخنجر خلف ظهره " سلاحا ذا حدين. لذلك نقول هنا أن أي فرد يجب أن يحافظ في أي وقت على الحذر الشديد واليقظة الكاملة وخاصة عندما يقابل مجاملة مجهولة من شخص غريب. لأن هذه المجاملة قد تدفعك الى خسائر أو حتى نكبة كبيرة. أعزائي المستمعين، استمعتم قبل دقائق الى خطة " البسمة على ثغره والخنجر خلف ظهره " وهى الخطة العاشرة من الخطط الحربية الست والثلاثين الواردة في الكتاب الصيني المشهور" فن الحرب لسون وو". وسنواصل تقديمها في الحلقات القادمة، وشكرا على حسن متابعتكم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق