جاءت عبارة " للقبض على اللصوص إقبض على زعيمهم أولا " أصلا في أحد أشعار الشاعر الصيني المشهور دو فو في أسرة تانغ الملكية الصينية القديمة حيث قال في أحد أشعاره " لإسقاط الفارس إرم السهام على جواده، وللقبض على اللصوص إقبض على زعيمهم أولا " ويقصد هذا الكلام بأن الهجوم يجب أن يستهدف أولا قائد الأعداء. وبذلك يمكن تحقيق الانتصار الكامل على الأعداء كلهم سواء في الحرب أو في المنافسات الأخرى. تطبيق خطة " للقبض على اللصوص إقبض على زعيمهم أولا " في الحرب يهدف الى تركيز أهم وأكبر قوة لتدمير قيادة العدو والقضاء على قائده الأعلى لدفع الأعداء الى الفوضى والاضطرابات ليفقدوا معنويتهم، ومن ثم شن الهجوم السريع عليهم والانتصار عليهم في النهاية. وإذا كان العمل بالعكس أي ترك زعيم الاعداء يهرب، فيكون ذلك كترك النمر يهرب الى غابات الجبل مع منحه وقتا وفرصة يشفى فيها من جرحه، وبعد ذلك يعود للقيام بهجوم جديد بعد نزوله من غابات الجبل. وفيما يلي قصة حقيقية استخدمت فيها هذه الخطة في الحرب في الصين القديمة. شهدت الصين فترة ازدهار، سياسيا واقتصاديا وثقافيا، في القرن الثامن الميلادي الموافق عهد أسرة تانغ الملكية. إلا أن الامبراطور الصيني في أواخر هذه المرحلة التاريخية عاش في غاية الاسراف والتبذير غير مهتم بشؤون الدولة. الأمر الذي جعل الوزراء وكبار المسؤولين مهملين لمسؤولياتهم ومتقاعسين عن أداء واجباتهم فارتكب الكثير منهم الاختلاس والابتزاز مما أثار استياءا متزايدا وشكاوى كثيرة من المواطنين. فوقع في بعض المناطق حركات تمرد وانتفاضة ضد الحكومة الملكية. ومن بين زعماء المتمردين ضابط إسمه آن لو شان الذي كان مسئولا للجيش الملكي باحدى مناطق البلاد. وقاد أنصاره في انتفاضة في محاولة اسقاط الحكم الامبراطوري. وزحفت قوات المتمردين نحو مدينة تشآن آن التي كان عاصمة للصين القديمة. وفي السنة التالية استولوا عليها فعلا بينما فر الامبراطور الى منطقة بعيدة. فاحتل آن لو شان القصر الامبراطوري وأعلن نفسه أمبراطورا جديدا. قاد آن لو شان بعد ذلك جيشه المتمرد لمواصل الزحف الى مناطق آخرى في محاولة احتلال المزيد منها لتوسيع انتصاره. وكان من بين أنصاره ضابط يُعرف باسم يي زي تشي، كان يقود جيشا كبيرا لمهاجمة مدينة وي يانغ التي كانت تعتبر احدى المدن الاستراتيجية الهامة داخل البلاد. ولم يكن بداخل هذه المدينة حينذاك سوى بعضة آلاف جندي بقيادة قائدهم الشجاع تشانغ شون. ورغم قلة عددهم إلا أن كل واحد منهم كان شجاعا يعتزم الدفاع عن المدينة بكل ما يملكه مهما كانت التضحية. وبعد أن طوق المتمردون المدينة شنوا العديد من الهجمات عليها إلا أنهم لم ينجحوا في اسقاطها. وبقى الجانبان في وضع تشبث وجمود. من أجل كسر حصار المتمردين والانتصار عليهم دبر تشانغ شون خطة وأمر جنوده بتطبيقها. وبعد غروب الشمس حيث انتهى المتمردون في أعمالهم العسكرية، وبدأوا بالاستراحة، طلب تشانغ شون من جنوده أن يقرعوا الطبول ويهتفوا بأصوات عالية. فنهض المتمردون جميعا معتقدين أن جنود المدينة سيخرجون منها لمهاجمتهم. فأمسكوا الأسلحة استعدادا لمواجهتهم، إلا أن جنود المدينة لم يخرجوا. وفي اليوم الثاني تكرر المشهد مرة أخرى كما تكررت الحالة أيضا في كل ليلة في الأيام المتتالية العديدة. الأمر الذي جعل المتمردين يشعرون بتعب وغضب وحيرة شديدة حتى ارتخت معنويتهم كما أصبحت قوة مهاجمتهم للمدينة في النهار ضعيفة بكثير. ومن أجل كسر حصار المتمردين على المدينة فكر تشانغ شون أخيرا في تدبير خطة تمكنه من الانتصار عليهم. كانت الخطة بذاتها خطة " للقبض على اللصوص إقبض على زعيمهم أولا " والتي تستهدف زعيم المتمردين يي زي تشي. إلا أن جنود المدينة لم يروه سابقا، ولم يعرفوا شكله وملامحه. ومن أجل تمييزه من بين جنوده أمر تشانغ شون جنوده باطلاق السهام من على سور المدينة. الأمر الذي جعل المتمردين يتجمعون حول زعيمهم يي زي تشي لحمايته، وبذلك عرف تشانغ شون وجنوده الهدف المطلوب. فأطلقوا جميعا المزيد من السهام باتجاه يي زي تشي الذي أصيب أخيرا بجروح عديدة، وسقط من ظهر جواده على الأرض، مما أثار اضطرابا كبيرا وارتباكا شديدا في صفوف المتمردين، وبسرعة إنسحبوا من المعركة. وبذلك انتصر تشانغ شون بجيشه القليل العدد على المتمردين الكثيرين ونجح في الدفاع عن مدينته. يبدو أن خطة " للقبض على اللصوص إقبض على زعيمهم أولا " سهلة الفهم إلا أن تطبيقها صعب نسبيا نظرا الى أن الزعيم غالبا ما يتمتع بحماية كاملة مكثفة يصعب كسرها. لذلك من الضروري أن يتم اكتشافه أولا ثم جعله مكشوفا في ميدان القتال مع شن الجهوم المكثف عليه. وبهذا الاسلوب يمكن القبض عليه أو القضاء عليه ومن ثم القضاء على " اللصوص الآخرين بأجمعهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق