خطة" مشاهدة الحريق عبر النهر" تعني متابعة حريق وقع في معسكر العدو والتريُّث الى حين قدوم فرصة الانتصار عليه بعد تفاقم وضع العدو. وبعبارة أخرى أنه عندما يقع شغب واضطراب داخل صفوف العدو يجب علينا ألا نتخذ عملا بل علينا انتظار الفرصة بالصبر بينما نتابع تطور الوضع الذي قد يتحول الى أزمة خطيرة يسقط فيها العدو. وبهذه الخطة نحقق هدفنا بتكلفة قليلة أو حتى بدون أي تكلفة. أستخدمت هذه الخطة دائما في الحروب في الصين القديمة. وفي عهد الممالك الثلاث الذي امتد تاريخه من عام 220 الى 280. وعندما توفى الملك يوان شاو الذي كان من أهم الشخصيات المتنفذة القوية حينذاك حدثت تناقضات بين أبنائه الذين تخاصموا فيما بينهم من أجل انتزاع السلطة. وأمام هذا الوضع قام تساو تساو وهو ضابط عسكري قوي ورجل متنفذ آخر قام بمطاردة أبناء يوان شاو في محاولة القضاء عليهم. فهرب هؤلاء الأبناء بعد هزيمتهم في معركة مع تساو تساو الى منطقة تُعرف باسم وو هنغ. فقاد تساو تساو جيشه للزحف الى المنطقة لمطاردتهم. فواصل الأبناء الفرار حتى وصلوا أخيرا الى معسكر ضابط متنفذ آخر إسمه قونغ سون كانغ. وبعد سماع تساو تساو ذلك الخبر تشاور مع مستشاريه لبحث تطور الوضع حيث قالوا له: يا مولاى عليك أن تنتهز هذه الفرصة السانحة لمطاردة الأعداء الذين قد أصبحوا الان ضعفاء جدا يعانون من أزمة خطيرة لا تطاق. ولكن تساو تساو ضحك وقال لهم: لا داع الى أي عمل الآن، بل أجلس هنا لانتظار وصول قونغ سون كانغ الى هنا لتقديم رؤوس أبناء يوان شاو الىّ. فتراجع بجيشه فعلا الى قاعدته ليستريح جنوده بينما ينتظر قدوم قونغ سون كانغ اليه. وعندما وصل أبناء يوان شاو الى قونغ سون كانغ للاستسلام له شكّك في نيتهم الحقيقية لأنه عرف أن لديهم طموحات كبيرة. وقد يكون استسلامهم مجرد اللجوء المؤقت اليه. وإذا استقبلهم فسيغضب تساو تساو منه وإذا حالف هؤلاء الأبناء لمحاربة تساو تساو شعر بقلق من أنهم سيخونونه إذا عادت القوة اليهم. فأرسل مستشاريه الى الاطلاع على الوضع ومعرفة المعلومات عن تساو تساو. وبعد معرفة انسحاب تساو تساو الى قاعدته دون اتخاذ أي حركة ضده أصبح مطمئن القلب بينما قرر قتل هؤلاء الأبناء معتقدا أنهم سيغدرون به عاجلا أو آجلا. فقتلهم بعد ذلك فعلا ثم أرسل رؤوسهم الى تساو تساو تعبيرا عن عدم خصومته معه وموقفه المتحالف معه في المستقبل. وبهذه الخطة قتل تساو تساو بيد قونغ سون كانغ أعداءه بدون أية تكلفة. هناك خطة " الجلوس على قمة الجبل لمشاهدة الصراع بين نمرين" وخطة " اشتباك الكركي والمحارة ينتج حظا للصياد، مشابهتان لخطة " مشاهدة الحريق عبر النهر". وكلها تتحدث عن وقوع الصراع بين صفوف الأعداء أو المنافسين مما يتيح الفرصة للطرف الثالث الذي ينتصر عليهم بتكلفة صغيرة. وكل هذه الخطط تؤكد أهمية انتهاز فرصة الأزمة داخل صفوف الأعداء أو المنافسين. وبعد أن تزداد الأزمة شدة وتتفاقم أوضاعهم الداخلية بحيث تنهار قواهم يجب اتخاذ القرار العملي الصائب للانتصار عليهم في النهاية. إن فهم خطة " مشاهدة الحريق عبر النهر " سهل إلا أن تطبيقها صعب نسبيا. لأن الأزمة لا تحدث لدى الأعداء إلا نادرا. فعلينا أن ننتظر الفرصة بكل الصبر والصمود. وبعد وقوع الأزمة لا نستعجل في عمل بل يجب انتظار تدهور الوضع حتى تشتد التناقضات فيما بين الأعداء ويبدأون التشاجر والخصام حتى يتقاتلون فيما بينهم بحيث يصبحون بعد ذلك ضعفاء من خلال الشجار والاقتتال الداخلي. ثم نتخذ عملية لتحقيق الانتصار الكبير بتكلفة ضئيلة. يستخدم التجار هذه الخطة دائما في المنافسات التجارية في العصر الحديث من أجل اضعاف المنافسين وابعادهم عنهم. مثلا حدث قبل سنوات في سوق المشروبات الصينية صراع عنيف بين العديد من المشروبات كمشروبات الشاي والمياه المعدنية والمشروبات الغازية مثل كوكا كولا وغيرها. وعندما اشتدت المنافسة حدة بين هذه المشروبات التي اصبح كل نوع منها مرهقا وحتى انزلق بعضها الى حافة الافلاس شارك نوع جديد من المشروبات إسمه " التوحيد" في المنافسة. وبفضل جودته الممتازة وأسلوب الترويج والتسويق البارز في حملة الاعلانات التجارية الضخمة وخاصة بانتهاز الفرصة التي قد أصبح فيها منافسوه ضعفاء من خلال المنافسة حققت مشروبات " التوحيد " نجاحا وشهدت مبيعاتها ازديادا سريعا ومستمرا واحتلت حصة كبيرة في سوق الصين الداخلية. ويعتبر ذلك خير دليل لتطبيق خطة " مشاهدة الحريق عبر النهر " في الأعمال التجارية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق