" القبض على اللص بعد محاصرته في غرفة محكمة " كان أصلا من الأقوال الشعبية، ومشابها لقول شعبي آخر يقول: القبض على الكلب بعد اخلاق الباب وراءه. تهدف هذه الخطة الى جذب العدو الى مكان محكم تحت سيطرتنا الفعالة للقبض أو القضاء عليه. وتستخدم هذه الخطة في الأعمال العسكرية بهدف مطاردة العدو مع اجباره على الدخول الى كمين محكم دون وجود مفر له من أجل القضاء عليه بشكل كامل، ذلك لأنه إذا هرب من الكمين وتخلص من موقفه الحرج، فسيشفى من إصابته، وستعود اليه الحيوية والقوة وامكانية شن هجوم جديد علينا. هذا من جهة، ومن جهة أخرى إذا هرب العدو من الكمين فمن الصعب مطاردته نظرا الى احتمال تدبيره حيلة أخرى قد تنطلي علينا. وفيما يلي قصة حدثت في الصين القديمة وشهدت تنفيذ خطة " القبض على اللص بعد محاصرته في غرفة محكمة " شهدت الصين في عام 880 الميلادي الموافق عهد أسرة تانغ الملكية القديمة انتفاضة بزعامة هوانغ تشاو – قائد جيش الفلاحين المتمردين – حيث قاد جيشه لمهاجمة مدينة تشانغ آن – مدينة شيآن حاليا – التي كانت عاصمة لأسرة تانغ الملكية، واستولى عليها في النهاية. فهرب الامبراطور من المدينة بينما أمر الجيش الملكي بصد هجوم المتمردين ومنع مطاردتهم له. واستمرت الحرب بالقرب من مدينة تشانغ آن نحو سنة واحدة، شهد الجيش الملكي من خلالها تعزيزا حيث ازدادت قوته بالتدريج حتى أصبح أقوى من جيش المتمردين. عندما رأى هوانغ تشاو أن الوضع قد أصبح في غير صالحه بحيث أن الجيش الملكي سيهاجم مدينة تشانغ آن ويستولي عليها عاجلا أو آجلا، أمر جيشه بالانسحاب من المدينة عائدا الى قاعدته القديمة استعدادا لتدبير خطة حرب جديدة ضد الجيش الملكي. إستولى الجيش الملكي على مدينة تشانغ آن فعلا، وبعد دخوله المدينة أصبح الضباط والجنود في غاية الفرح والمرح حيث يأكلون ويشربون ويلعبون وقد ارتخت معنويتهم ويقظتهم. وفي الوقت نفسه كان هوانغ تشاو يتجسس أخبار المدينة، وبعد أن عرف أحوال الجيش الملكي هذه، رأى أن الفرصة قد جاءت اليه حيث قال لضباطه إن العدو قد دخل الغرفة، وعلينا أن نغلق أبوابها وراءه لتكون محكمة دون ترك أي مفر ليهرب منه. وبعد أيام أمر جنوده بمحاصرة المدينة ثم أحكموا محاصرتها في ليلة مظلمة وبشكل خفي، وفي اليوم التالي شنوا هجوما مباغتا عليها دون أية معرفة واستعداد لدى جنود الجيش الملكي داخل المدينة لمواجهة القتال. وبسرعة فائقة اقتحم الجنود المتمردون المدينة وقتلوا عددا كبيرا من جنود الجيش الملكي، وأسروا البعض الآخر الذي لم يجد أثناء القتال أي مهرب له. وبذلك استولى هوانغ تشاو على هذه العاصمة الكبيرة من جديد باستخدام خطة " القبض على اللص بعد محاصرته في غرفة محكمة " تهدف هذه الخطة الى محاصرة العدو الذي يبدو ضعيفا من حيث الطاقة والعدد داخل مكان محكم نسيطر عليه بشكل فعال بدون وجود أي مفر له. ثم القيام بالهجوم عليه مع القضاء عليه بشكل كامل. لأن العدو إذا هرب فقد يصبح الوضع معقدا نسبيا في المستقبل. أما مبدأ تنفيذ هذه الخطة فهو نصب كمين كغرفة محكمة أولا، ثم تدبير حيلة تجذب العدو الى الدخول في الكمين مع تشديد الحصار عليه وقطع كل اتصالاته مع الخارج. وإذا كشف العدو معلومات عن الكمين فستفشل الخطة بكاملها. لذلك يجب أن تجري كل الأعمال التحضيرية بحذر بالغ وسرية تامة مع تدبير خدعة فعالة تجعل العدو يدخل الى موقع الكمين للقضاء عليه. تستخدم هذه الخطة أيضا في التنافس التجاري والقطاع المالي أيضا. مثلا أثناء التعامل في بورصة الأوراق المالية يبحث بعض المتعاملين بنظرتهم الثاقبة وحكمتهم يبحثون عن فرصة لجني المنافع الأكبر حيث يتركون أحيانا بعض الفرص التي لا تأتي إلا بأرباح صغيرة، منتظرين فرصة كبيرة توفّر لهم نفعا كبيرا بعد تصاعد الأسهم. والى جانب ذلك يستخدم بعض التجار والمستثمرين هذه الخطة لإجبار منافسيهم على التراجع وحتى الانسحاب من حلبة التنافس. ثم يقومون بضم أعمالهم ومؤسساتهم أو شركاتهم بشكل كامل. لذلك نقول إن التجارة تشهد حاليا استخدام هذه الخطة أكثر فأكثر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق