الثلاثاء، 28 مارس 2017

يواقيت المواقيت

تعجبني القراءة اللغوية للمنامات، فالمنامات تستعين بالمفردات لفكّ شيفرة الدلالات. المنام كاليقظة نصّ لغويّ. وكلّ مشهد وإن كان مناميّاً هو مشروع  واللعب باللغة لتوليد المعنى المناميّ يظهر في كلمة "نصّ لغويّ.
ليس هناك علاقة ظاهرة بين كلمة "ياقوت" وكلمة " وقت"، ولكن ليس هذا ما تقوله التفاسير المناميّة، فلمفسّري المنامات كما نرى ذلك في كتب تعبير الرؤيا التراثيّة ومنها كتاب ابن سيرين  رأي آخر. رأي هو ابن العلاقة اللغوية المحض، رأي هو ابن الطبيعة اللغوية. الأدوات اللغوية  كثيرة منها أداة الجناس، ولا تفلت لغة من قبضة الجناس! ولا تفلت المنامات، فيما يبدو، أيضاً من قبضة الجناس، وحتى تفاسير فرويد المناميّة لم تفلت من سطوة الجناس !
جزء من التفاسير المنامية يستمدّ سلطانه من سلطان اللغة، ومن أسماء الأشياء، ومن الحروف التي تتكوّن منها أسماء الأشياء.
بالنسبة إلى كلمة ياقوت، فهي ليست من حيث الظاهر غير اسم لنوع من أنواع الحجارة التي أراد الإنسان العربيّ أن يمنحها صفة الكرامة، فالحجر، هنا، كريم، ثمين كالوقت، ولكنّه أي الياقوت ليس زمنا كريماً أو غير كريم، ومع هذا فهو لغويّاً ومناميّا له صلة بالوقت! ما الذي كان وراء بناء علاقة متينة بين الياقوت والوقت، علاقة هي التي حدّدت وتحكّمت بمسار المعنى؟ إنّها التركيبة اللغويّة للمفردتين، لا أكثر ولا أقلّ. ما يخفيه المفرد قد يكشف عنه الجمع! فالياقوت، في حالة الجمع، يواقيت، والميقات أي الوقت في حالة الجمع مواقيت، والعلاقة الجناسية بين يواقيت ومواقيت لا تغيب عن عين الناظر، هذا الجناس شبه التامّ بين الجمعين لفت نظر المعبّرين إلى دلالة مناميّة ما كان لها أن توجد ربّما لو لم تقع الدلالتان في فخّ الجناس.  ومن هنا، يرى مفسر المنام في الياقوتة وقتا، وليس اي وقت، وقت يحمل كرم محتد الياقوت .وهذا ما تؤكّده تفاصيل المنام التالي الذي ورد في أحد كتب التراث العربيّ:
قال سعيد بن عثمان: " رأيت آتيا أتاني في منامي وقال لي: أخبر أمير المؤمنين أنه يعيش ثلاثين سنة في الخلافة، وآية ذلك أنه يرى في ليلته هذه في منامه كأنه يقلّب يواقيت، ثم يعدّها فيجدها ثلاثين ياقوتة كأنها قد وهبت له". الياقوتة الواحدة في عالم المنام هي سنة كاملة في عالم اليقظة! هل كان للياقوتة المناميّة هذه القيمة الزمنيّة لو لم تتشابه صوتيّاً مع رنين الوقت؟

التفسير اللغويّ للمنامات لا نجده فقط في تفاسير المنامات العربية، بل هو خيط جامع لكلّ الألسنة! وهو خيط يحرّك الكثير من التفاسير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق