لا يزال الانسان الى اليوم يحاول الكشف عن اسرار
الحيوانات لا حبّا بأسرارها وانما حبا بكشف اسرار ذاته المتوارية في سلوك الحيوان،
أو معرفة بعض نواحي قوّته التي لا يمكن عن تفصح عن فحواها الا من طريق معرفة بنية
الحيوان، فجزء كبير من الانجازات العلمية الراهنة هي بنت كشف اللثام عن الطريقة
التي تتدبّر بها الحيوانات شؤون نفسها. فكليلة ودمنة في نظري هو ترجمة عملية لكتاب
الحيوان أحد أشهر نصوص الجاحظ سيّد النثر العربيّ الذي يبث في تضاعيفه فضل الحيوان
على الانسان، وهذا ما يضمره نصّ " الرجل والفراشة"، ونصّ" السلعون
والثعلب"، ونصّ "السلحفاة والثعلب" وهي حكايات صينيّة المصدر
والأنفاس.
ذات يوم ظهرت
فتحة في شرنقة عالّقة على غصن شجرة، وصدف ان انتبه رجل الى الأمر، فجلس لساعات وهو يحدَّق في الفراشة الصغيرة . فجأة وهي تجاهد في دفع جسمها من فتحة الشرنقة
توقفت الفراشة عن التقدّم. يبدو أنها تقدمت قدر استطاعتها ولم تستطع أكثر من
ذلك، قال الرجل، حينها قرر ان يمدّ يد
المساعدة للشرنقة التي تعاني من آلام المخاض، فاخذ مقصاً وفتح الشرنقة، خرجت
الفراشة بسهولة، لكنّ جسمها كان مشوهاً وجناحيها منكمشان ! ظَلّ الرجل ينظر متوقعا ً في كلّ لحظة أن تنفرد أجنحة الفراشة، تكبر وتتسع وحينها
فقط يستطيع جسمها الطيران بمساعدة أجنحتها، لكن لم يحدث أي من هذا.
في الحقيقة لقد قضت الفراشة بقية حياتها كسيحة الأجنحة. لم يفهم الرجل بالرغم من طيبة قلبه ونواياه
الحسنة أن الشرنقة
المضغوطة وصراع الفراشة للخروج منها، كانتا وسيلة لضغط سوائل معينة من الجسم إلى داخل أجنحتها، لتتمكّن من التحليق على ذوقها الفاتن.
بلال عبد الهادي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق