الأحد، 27 أبريل 2014

بين دعبل الخزاعي ومنذر عياشي


ليس هناك نصّ ثابت، ليس هناك نصّ بمستطاعه أن يقول لك: لا تلعب بي. خذني كما أنا، أو دعني.أجمل ما في النصوص هو القدرة على اللعب بها، قد تلعب بحرف من كلمة، قد تحذف حرفا واحدا من كلمة، أو تضيف حرفا واحدا على كلمة، وقد تترك الجملة كما هي ثمّ تزيد كلمة واحدة، فتقلب النصّ رأسا على عقب، تغيذر اتجاه المعنى، تضيف وتضفي اليه رونقا خاصا، واليوم لفت نظري بيت شعر لدعبل الخزاعيّ وهو شاعر هجّاء، لا يعجبه العجب، وأظهر احتقاره للناس، بل أظهر ما يفوق الاحتقار، محا بجرّة قلم كلّ البشر عن وجه البسيطة، فقال:

" وإني

 لأفتح عيني حين أفتحها

 على كثير

 ولكن لا أرى أحداً "ولكن الصديق القدير لغويّا الدكتور منذر عيّاشي ترك بيت دعبل كما هو، واكتفى لتغيير الدلالة ونقل البيت من حيّز الهجاء الى حيّز الغزل بإضافة كلمة واحدة، بسيطة، فقال:

" وإني

 لأفتح عيني حين أفتحها

 على كثير

 ولكن لا أرى أحداً "

سواك ..

هذه الـ" سواك" سوّت بيت دعبل بالأرض، وشيّدت من أنقاضه بيتا جميلا.

هنا، أذكر عبارة قالها الناقد الفرنسي البديع جيرار جينيت، وهي لعب ولكن من طراز آخر، إذ أخد المثل القائل" يضحك كثيرا من يضحك أخيرا" Rira bien qui rira le dernier، ولعب بحرف واحد هو حرف الراء، في أوّل كلمة الضحك، إذ استأصله ووضع مكانه حرف اللام، فصار المثل:

Lira bien qui lira le dernier.

الإبداع لا يكون أحيانا مكلفا، حرف واحد لا غير هو الفاصل بين الابداع والتكلّف.

أشكر الأخ منذر الذي أعتبر نفسي تلميذا لكتبه إذ لم تسنح لي الفرصة الاّ " فسبوكيا" للتعرف إليك.

وهذه الخاطرة رسالة محبة للصديق الدكتور منذر ولروح دعبل الخزاعيّ.ّ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق