الأحد، 25 نوفمبر 2018

وهم الثبات


القاعدة الوحيدة الثابتة في هذا العالم هي عدم وجود شيء ثابت.
كلّ شيء يتغيّر ، يتحرك كما مياه الأنهار.
اليقين ملاذ غير آمن، ملاذ خدّاع.
وفي العربية قول شائع أو مفردة تقال في المفرد والجمع وتدرج في صيغة سؤال: كيف الحال؟ أو كيف الأحوال؟

( ومن طريف أمر هذه الكلمة أنّها unisex ، فبإمكانك ان تقول : هذا الحال، وبإمكانك أن تقول : هذه الحال).

مشكلة المفردات أنها تكون حجابا يخفي .
كلمة حال تعني عدم الثبات بل استحالته ولكن بشكل خفيّ.
وفي العربية نربط الحال بالآنيّ عبر قول مأثور: بقاء الحال من المحال. وهذا طبيعي جدا. فالحال فيها رائحة التحولات المستمرة من خلال ذلك الرابط المتين على صعيد الجذر.
ومن الطريف في هذا الجذر ( ح و ل) وجود حرف علّة فيه، فحرف العلة متحول بطبعه، لا يثبت على شكل واحد.
فالألف تصير واوا أو ياء.
ث تبادل أدوار دائم بين حروف العلة، وتحول بحسب المقام.
والحال كالطقس، وفي العربية ايضا نقول: نلبس لكل حال لبوسها.
وحين قلت الحال كالطقس، إنما كنت أسلط الضوء على عبارة " أحوال الطقس"، وكل طقس يفرض لباسه أو لبوسه، فليس من الطبيعي لباس معطف فرو بدل المايوه في عزّ الصيف لممارسة هواية السباحة من حيث المبدأ مثلا!
الثبات وهم، والانسان يستكين لهذا اليقين الموهوم لأنّه مريح كما تريح " العادات والتقاليد"، ومن فرط ولعنا بالثبات أنتجنا مثلا سقيما هو " يللي بغيّر عادتو بتقل سعادتو" مثل يغري بالكسل ، يغري بالسير في الطرق المطروقة ويحذّر من اكتشاف طرق جديدة، طرق جديدة تقلّص من حجم سعادتك.
والسعادة مطلب، ولكن السعادة هنا سعادة مشروطة أو سعادة تحيط بها أسلاك شائكة .
ما أقوله هنا هو تفصيل آخر على فكرة كتبتها في مقال سابق بعنوان " الإسلام والجمود".
وأنا أعرف أن الإسلام بخلاف المسلمين متحرّك ، جوّال في الأمكنة والأزمان.
وكنت أحكي مع صديقي العزيز الدكتور الشيخ حسام سباط فأخبرني أنه من المستحب في الصلاة أن يغيّر المرء مكان صلاة النوافل أو السنة عن مكان صلاة الفرض في المسجد كدليل على ولع الإسلام بالحركة. وهذه النقطة شديدة الرمزية والدلالة.
الحركة بركة ليس فقط حركة الأجساد وإنما أيضا حركة الأفكار.
والأفكار كالماء إذا سكنت أسنت.

#بلال_عبد_الهادي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق