الجمعة، 14 ديسمبر 2012

الشحّاذ الأعمى



 

لعلّ من يدرس فنّ الاعلان تكون قد مرّت عليه هذه الحكاية أو ما هو على نسقها، فالإعلان تبليغ بأسلوب بليغ، والحكاية تضمر الى حدّ ما مدرسة رائجة في " الفكر الدعائيّ"، القائم على عنصر الجذب وشدّ الانتباه، وهي تروي حكاية شحّاذ ضرير اعتاد أن يقعد على إحدى عتبات عمارة واضعاً قبعته بين قدميه وبجانبه لوحة مكتوب عليها عبارة بسيطة ومتقشّفة: " أنا أعمى أرجوكم ساعدوني"، عبارة لا تثير شهيّة العابرين كثيراً على مدّ أيديهم إلى جيوبهم.

مرّ، ذات يوم، رجل إعلانات فضوليّ بالقرب من الأعمى، فوقف أمام قبّعته ووجد انها لا تحوي سوى حفنة قليلة من النقود. سحب رجل الاعلانات من جيبه مبلغاً من المال ووضعه في قبّعة الشحّاذ. ثمّ مدّ يده الى اللوحة وقلبها وكتب على قفاها عبارة أخرى وأعادها الى مكانها ومضى. عرف الأعمى أنّ ذلك العابر قد قام بكتابة شيء ما على لوحته فغضب للحظات ثمّ انتبه الى ان قبّعته بدأت تمتلىء بالنقود اكثر من الوقت المعهود. فأحسّ أنّ سرّ هذا التغيّر هو تلك اللوحة التي غيّر بها الرجل ما غيّر. فسأل أحد المارة في طريقه عما هو مكتوب عليها فكانت العبارة من وحي الطقس الربيعيّ آنذاك، وهي تقول: " نحن في فصل الربيع، لكنّني لا أستطيع رؤية جماله". عبارة لم تأتي على سيرة العمى بلفظ، ولكنّها تناولت مفعول العمى، بحنكة بلاغية فعّالة.

كلّ العبرة، هنا، كانت في العبارة، وفي وجهة النظر التي تعرف كيف تركّب قطع "البازل Puzzle" من وحي الظروف.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق