ناسك الاقحوان كتاب من اليابان، وهذه مختارات من حكاياته
نقلا عن أحمد السعداوي من جريدة الاتحاد
كتاب “ناسك الأقحوان” عبارة عن مجموعة حكايات شعبية من اليابان، جمعها
ريتشاد غوردون سميث ويأتي ضمن سلسلة من الكتب تجمع تراث الشعوب من الحكايات
والأساطير والخرافات الشعبية، منسجمة مع الأهداف والقيم التي اختطتها لنفسها
مبادرة “كلمة”، والتي تسعى أبوظبي من خلالها إلى تجسيد ثقافة التسامح والحوار،
وبناء جسور التواصل بين شعوب الأرض وحضاراتها، وتعزيز العمق الثقافي الجامع بين
مختلف الأعراق والجنسيات والثقافات، وجمعها تحت سقف واحد، هو سقف الثقافة والمعرفة
والكلمة التي تجمع ولا تفرّق.
نختار بعضاً من القصص التي وردت في هذا الكتاب، وسنعمل على عرضها كي تنقل
لنا صورة حية عن التراث الياباني القديم وما يحتويه من قيم وأفكار، وبدايتنا مع
قصة “شبح الثلج”.
الشبح الثلجي
|
|
تقول الحكاية
«في شمال مقاطعة إشيغو، قبالة جزيرة سادو على بحر اليابان، تتساقط الثلوج بغزارة،
وقد يصل ارتفاعها إلى عشرين قدماً، حتى إن كثراً دُفِنوا تحت الثلوج ولم يعثر
عليهم حتى فصل الربيع. منذ سنوات غير بعيدة، دُفنَت ثلاث سرايا من الجيش تحت
الثلوج في أوموري، ولم ينجُ منها سوى ثلاثة أو أربعة جنود، ولم يتمّ العثور عليهم
سوى بعد أسابيع، وكانوا كلّهم أمواتاً.
من الطبيعي أن تثير الاختفاءات الغامضة مخيلة الأشخاص الذين يميلون إلى
التوهّم والخيال. وقد لازمت قصص الأشباح الثلجية سكان الشمال، الذين يقول عنهم
سكان الجنوب إنهم يكثرون من تناول الساكي، فيرون الأشجار المكسوّة بالثلوج نساءً،
وهذا ما يفسرّ ما رآه مزارعٌ اسمه كيوزايمون.
في قرية هوي المؤلّفة من أحد عشر منزلاً يسكنها الفقر، عاش كيوزايمون
فقيراً تعيساً وحيداً بعد أن فقد ابنه وزوجته.
عند بعد ظهر التاسع عشر من يناير من العام الثالث من عصر تامبو، أي في
العام 1833، هبّت عاصفة ثلجيّة مريعة. أقفل كيوزايمون الأبواب وجلس في كوخه
يستريح. عند الحادية عشرة ليلاً، استيقظ على صوتِ الباب يُطرَق طرقاً غريباً
منتظماً. جلس في فراشه ينظر إلى الباب غير عارف من قد يكون الطارق. طُرِق الباب
ثانيةً وسُمِع صوت فتاة. ظنّ كيوزايمون أنها قد تكون ابنة أحد جيرانه بحاجة إلى
المساعدة، فنهض من فراشه لكنه عندما وصل إلى الباب، خشي أن يفتحه. طُِرِقَ الباب
وسُمِعَ صوت الفتاة مجدداً فصاح: “من أنت؟ وماذا تريدين؟”.
فأجاب الصوت: “افتح الباب! افتح الباب!”.
|
|
قال كيوزايمون:
“أفتح الباب! كيف لي أن أفعل ذلك وأنا لا أعرف من تكونين وماذا تفعلين في الخارج
في هذا الوقت المتأخر وفي ليلة عاصفة كهذه؟”.
أجاب الصوت: “يجب أن تدعني أدخل. كيف لي أن أكمل طريقي، والثلج يغطّي الأرض
وما زال يتساقط؟ أنا لا أطلب منك الطعام، لا أطلب سوى ملجأ لي”.
قال كيوزايمون: “آسف، لا فسحة لدي، لذا يستحيل أن أدخلك منزلي”.
أجاب الصوت: “لا أريد مرقداً، لا أريد سوى ملجأ”. فقال كيوزايمون: “لا
يمكنني إدخالك في كلّ الأحوال فذلك مناف للشرائع والأخلاق”.
قال كيوزايمون كلمته، وأحكم إقفال الباب، ولم يجرؤ حتى على النظر من خلال
مصراعي الباب ليرى من كان الزائر. استدار للعودة إلى فراشه، وارتعب لرؤية طيف
امرأة متّشحةً بالبياض، وشعرها منسدلٌ على ظهرها.
وجه جميل
ودار حوار بين المرأة الشبح وكيوزايمون نخلص منه إلى أنها جاءت تخبره بأنها
روح زوجة إيزابورو الذي يقطن احدى القرى المجاورة وسبق وان ماتت في عاصفة ثلجية
وما لبث زوجها أن أهمل ولدها العجوز وتخلى عنه لتفعل به صروف الدهر ما تشاء وبعد
هذه المحادثة مع المرأة الشبخ خلد كيوزايمون إلى النوم وصبيحة اليوم الثاني ذهب
لقرية فوجد كلاً كيوزايمون وإيزابورو أن المرأة الشبح غادرت بطيفها منزل الأول
وظهرت للثاني، بعد نصف ساعة من منتصف الليل، وبقيت معه حتى وعدها بالعودة إلى منزل
والدها ومساعدته في شيخوخته.
هذه قصّتي عن الأشباح الثلجية، فكلّ من مات من البرد والثلج تحوّل شبحاً
ثلجياً يظهر عندما تتساقط الثلوج.
وحتى اليوم ما زال الكهنة في الشمال يصلّون من أجل راحة نفوس الأموات جراء
العواصف الثلجية، ومن أجل ألا تطارد أشباحهم أقرباءهم.
أما ثاني القصص التي نتناولها فهي حكاية «شجرة الكرز المربعة».
شبكة الكرز
في العصور القديمة، وقبل وصول التحول الأوروبي السيئ الذكر إلى اليابان،
عاش في كاساماتسو، في ناكاساتاني، قرب شيشيكواي موراشينجي غان، مقاطعة هيتاشي،
عجوز إقطاعي حاد الطباع اسمه أوداساييمون. كانت قلعته على هضبة مكسوة بشجر
الصنوبر، وتبعد ثلاثة أميال عما يعرف بمحطة كاميتاشي على شبكة حديد نيبون. وقد
اشتهر ساييمون بشجاعته كجندي، ولعبه الرديء في لعبة الغو ومزاجه السيئ وفظاظته حين
يخسر.
وقد حاول أقرب أصدقائه التابعين له تصحيح طباعه بعد خسارته في اللعبة،
ولكنه لم يتوصل إلى نتيجة. كل من يفوز أمامه في اللعبة، يضربه على وجهه بمذرات
حديدية ثقيلة مثل التي يحملها المحاربون القدماء، وكان يغضب لدرجة أنه يمكن أن
يستل سيفه ويقطع رأس صديقه المفضل إذ تدخّل في هذه المواقف. وأكثر ما كان يخيف
المحاربين الشجعان، هو أن يدعوهم سيدهم لمنازلته في لعبة الغو. وأخيراً، قرروا
فيما بينهم، تجنب أن يقتلوا على يديه بعد أن يهزموه، وفضلوا أن يدعوه يفوز. لم
يشكل الأمر فرقاً حيث إن لا رهان مالياً على اللعبة. ولكن تراجعت طريقة ساييمون في
اللعب أكثر فأكثر، لأنه لم يتعلم شيئاً. ومع ذلك، وبسبب غروره، ظل يظن أنه أفضل من
الجميع.
يوم الدمى
وفي الثالث من مارس، استضاف أتباعه على مأدبة عشاء، على شرف ابنته الصغيرة
الآنسة شييو. يوم الثالث من مارس، هو يوم الدمى، عندما تعرض الفتيات كل ألعابهن.
ويجول الناس عادة من منزل إلى آخر للتفرّج عليها، أما المالكات الصغيرات فيقدمن
شراب الساكي الأبيض الحلو في فنجان اللعبة. ولاشك، كان ساييمون يختار هذا اليوم
للولائم، ويعتبره مديحاً لابنته. فهو كان يقدم شراب الساكي الأبيض الحلو بعد
الطعام، لشربه في صحة دمى ابنته، بدلاً من صحة رجاله، الأمر الذي كان يعجب
المدعوين أكثر. وكان ساييمون بحد ذاته يكره شراب الساكي الحلو. لذا، وبعد انتهاء
الوليمة، نادى سايتو أوكون، هو أحد أقدم محاربيه وأكثرهم وفاءً، ليلعب معه لعبة
الغو، تاركاً باقي المدعوين يشربون الساكي. لقد تغلغل الفضول في نفس أوكون، فهو لم
يلعب قط مقابل سيدة من قبل، وكان مسروراً جداً لأن الاختيار وقع عليه. لقد قرر
الموت الليلة بعد أن يعلم سيده درساً لن ينساه.
في غرفة مزينة بترف، وضعت رقعة اللعب، بالإضافة إلى علبتين تحتوي كل منهما
على المحاربين، وهم عبارة عن أحجار باللونين الأبيض والأسود. عادة، يستلم الأحجار
البيضاء اللاعب الأول في حين يستلم اللاعب الثانوي الأحجار السوداء. ومن دون
اعتذار أو تفسير، أخذ أوكون العلبة التي تحوي على الأحجار البيضاء، وبدأ بصفها على
اللوحة، وكأنه بلا شك اللاعب الأول.
بدأ مزاج ساييمون بالتعكر، ولكنه لم يظهر ذلك. لقد لعب مباريات كثيرة في
لعبة الغو مع أتباعه الذين تركوه يفوز. وكان واثقاً من أنه سيفوز مجدداً، وسيكون
على أوكون أيضاً الاعتذار لاختياره الأحجار البيضاء.
انتهت اللعبة بفوز أوكون.
قال ساييمون: “علي اللعب مرة أخرى. لقد لعبت بلا مبالاة. سأريك كيف أستطيع
هزيمتك عندما أحاول ذلك”.
ومرة أخرى هُزم ساييمون. ولكن هذه المرة، لم يسيطر على أعصابه، إذا أحمرّ
وجهه، وتطاير الشرر من عينيه، وبصوت صارخ مليء بالغضب، طالب خوض مباراة ثالثة.
وهذه أيضاً فاز بها أوكون. لا يمكن التكهن بمدى غيظ ساييمون. أمسك بمذراته
الحديدية، وكان سيضرب أوكون بقوة على وجهه. ولكن أمسك به منافسه بمعصمه وقال: “يا
سيدي، ما هي أفكارك حول اللعبة؟ إذ تبدو فكرتك عنها مثيرة للفضول! اللاعب الأفضل
هو الذي يفوز، في حين أن اللاعب الثانوي يخسر. إن فشلت في الفوز عليّ في لعبة
الغو، فهذا يعني أنك اللاعب الثانوي. هل هكذا تتقبل جلالتك الهزيمة على يد محارب،
تماماً كما تعلمنا؟ تقبل نصيحة مني، أنا تابعك الوفي، ولا تدع الغضب يسيطر عليك،
فهذا لا يناسب شخصاً في مثل مكانتك”. وبنظرة مليئة بالتأنيب موجهة إلى ساييمون،
انحنى أوكون ولامس الأرض.
صرخ ساييمون: “أيها السافل الوقح! كيف تجرؤ على مخاطبتي بهذه الطريقة؟ لا
تتحرك! ابق في مكانك، ورأسك منحن، حتى أستطيع قطعه”.
واجاب أوكون: ؛إن سيفك هو لقتل أعدائك لا أتباعك وأصدقائك. أغمد سيفك يا
مولاي، أنت لست بحاجة إلى قتلي لأنني قد ضحيت بنفسي لأعطيك النصيحة السابقة، وحماية
الباقين. انظر إلى هنا يا سيدي!”. وخلع أوكون ملابسه وكشف عن جرح كبير على معدته.
وقف ساييمون لبرهة مذهولاً، وتوجه أوكون إليه بالحديث مجدداً قائلاً إن
عليه السيطرة على غضبه، كما عليه معاملة الأشخاص بطريقة أفضل.
وفاة أوكون
لدى سماعه النصيحة للمرة الثانية، استشاط غضباً. استلّ سيفه، وتوجه مسرعاً
إلى أوكون وقال صارخاً: “لن أسمح لنفسي بأخذ نصيحة، حتى من روحك الميتة! وتوجه
بالضربة على رأس أوكون. لم يصبه. بل شطر لوحة اللعبة إلى قسمين بدلاً من ذلك. وبعد
أن لاحظ أن أوكون يلفظ أنفاسه الأخيرة، انحنى إلى جانبه وقال: “أنا آسف كثيراً
لرؤيتك تموت أيها الوفي أوكون! بخسارتك سأخسر أقدم أتباعي وأكثرهم وفاءً. لقد
خدمتني بوفاء مطلق وحاربت ببسالة في كل معاركي. سامحني أرجوك! سأخذ بنصيحتك. لابد
من أنها إشارة من الآلهة بأنهم غير راضين عن تصرفي، عندما جعلوني أخفق في إصابة
رأسك بسيفي، وإصابة لوحة لعبة الغو بدلاً منه”. ارتاح أوكون لرؤية سيده نادماً
أخيراً. وقال له: “لن أنسى، حتى في الممات، العلاقة بين السيد والخادم، وسترافقك
روحي وتسهر على راحتك طيلة أيام حياتك”.
ولفظ أوكون أنفاسه الأخيرة. تأثر سايمون بوفاء أوكون، فأمر بدفنه في حديقته
الخاصة، ودفن معه لوحة لعبة الغو المكسورة. ومنذ ذلك الحين تغير أسلوب سايمون
كلياً. فأصبح طيباً مع كل أتباعه، وصار الشعب سعيداً.
وبعد عدة أشهر من وفاة أوكون، نبتت من قبره شجرة كرز. وفي غضون ثلاث سنوات،
نمت الشجرة وأزهرت بشكل رائع.
وفي الثالث من شهر مارس، وفي الذكرى الثالثة لوفاة أوكون، تفاجأ ساييمون
برؤية الشجرة مزهرة فجأة. كان ينظر إليها، ويفكر في إروائها بنفسه، كما يفعل عادة
في هذا اليوم، عندما رأى وجهاً باهتاً على جذع الشجرة. فقال “أنا أعرفك، أنت روح
الوفي أوكون”. اختفى الوجه. توجه ساييمون إلى الشجرة لروي الجذور، عندما لاحظ تحول
أقسام من جذع الشجرة إلى شكل وحجم مربعات لوحة لعبة الغو! تأثر كثيراً. واستمر
ظهور شبح أوكون في الثالث من مارس لسنوات، وحتى وفاة ساييمون. بني سياج حول هذه
الشجرة، واعتبر المكان مقدساً. ويقال إن هذا المكان يستحق الزيارة إلى يومنا هذا.
سيف ناتوري نوهوتو
وأخيرا اخترنا قصة «سيف ناتوري نوهوتو» التي تروي أن إدي كاموتسو كان
تابعاً لسيد مدينة ناكورا في كيشو. وهو ينحدر من سلالة من المحاربين الشجعان، وقد
تميّز هو في معركة في شيزوغاتاكي التي اتخذت اسمها من جبل في مقاطعة أومي. حارب
هيديوشي العظيم وانتصر على شيباتا كاتسوي في المكان نفسه في العام الحادي عشر من
عصر تانشو الذي بدأ في العام 1573 وامتدّ حتى العام 1592، ما يجعل المعركة في
السنة 1584.
كان أجداد إدي كاموتسو رجالاً أوفياء، وقد ذاع صيت واحد منهم دون غيره من
المحاربين، فقد قطع رأس زهاء ثمانية وأربعين رجلاً بسيف واحد. ومع مرور الوقت،
انتقل سيفه إلى إدي كاموتسو الذي احتفظ به على أنه أثمن كنوز العائلة. كان كاموتسو
ما زال شاباً عندما ماتت زوجته تاركة له ابناً اسمه فوجيواكا. شعر كاموتسو بالوحدة
القاتلة بعد موت زوجته، فما كان منه إلا أن تزوّج فتاةً اسمها ساداكو. ولدت له
ابناً أسمياه غورو. بعد مرور اثنتي عشرة أو أربع عشرة سنة، مات كاموتسو تاركاً
ابنيه في عهدة ساداكو، وكان فوجيواكا في التاسعة عشرة من عمره في ذلك الحين.
كانت ساداكو تحسد فوجيواكا لكونه الابن البكر وبالتالي وريث أملاك كاموتسو،
فحاولت بشتى الوسائل أن تنقل الوراثة إلى ابنها غورو.
في هذا الوقت، جمع غرامٌ سريٌ بين فوجيواكا وفتاة جميلة اسمها تاي، وهي
ابنة إيوازا شيرو. وصارا يلتقيان سراً ليبوحا بما يخالجهما من عواطف حتى إنهما
تبادلا نذور الزواج سراً.
اكتشفت ساداكو الأمر وتحجّجت به لطرد فوجيواكا من المنزل وحرمانه من حقوقه
من أملاك العائلة.
كانت في البيت مربّيةٌ مخلصةٌ اسمها ماتسوي، اهتمت بتربية فوجيواكا منذ
طفولته. وقد حزنت بشدة من الظلم الذي أصاب فوجيواكا، فقررت أن تسرق الصيف من
ساداكو بعد آن استولت عليه من أجل أن تعيده إلى مالكه الأصلي فوجيواكا، إلا أن
ساداكو اكتشفت الأمر فحبستها ومنعت عنها طعام الشراب حتى ماتت وفي الليلة التي مات
فيها، كانت ساداكو جالسةً في زاوية بعيدة من الحديقة بحثاً عن بعض النسيم النعش في
تلك الليلة الحارة.
بعد أن مرّ زهاء نصف ساعة على جلوس ساداكو في تلك الزاوية، تراءى لها فجأة
طيف امرأة نحيلة منسدلة الشعر. ظهر الطيف من وراء عمود قنديل حجري، واتّجه نحو
ساداكو ونظر وأخذ يحملق بها.
تعرّفت ساداكو على الفور إلى ماتسوي وراحت توبّخها على مغادرتها سجنها.
كانت صرخ وتقول: “عودي إلى سجنك أيتها السارقة، فعقابك لم ينتهِ بعد. كيف
تجرؤين على مغادرة سجنك ومواجهتي”.
لم ينبس الطيف ببنت شفة، بل توجّه إلى المكان الذي طُمِر فيه السيف وحمله.
كانتس اداكو تراقب ما يجري، وقد كانت شديدة الشجاعة حتى إنها أسرعت إلى
ماتسوي تحاول أخذ السيف منها، إلا أنه سرعان ما اختفى طيف ماتسوي مع السيف.
هرعت ساداكو إلى الغرفة حيث كانت ماتسوي مسجونة وفتحت الباب بقوّة لتجد
ماتسوي ميتة، ومن الواضح أنه مرّ على وفاتها يومان أو ثلاثة وقد هزل جسمها ونحل.
علمت ساداكو أن ما رأته كان طيف الآنسة ماتسوي فراحت تتمتم نامو أميدا
بوتسو، نامو أميدا بوتسو وهي كلمات صلاة بوذية لطلب الحماية والرحمة.
بعد أن طُرِدَ إدي فوجيواكا من منزله، تشرّد في أماكن عدّة متسولاً طعامه.
في النهاية حصل على عمل متواضع، وتمكّن من العيش في غرفة صغيرة في معبد أوماماشي
أزاكوزا.
في منتصف إحدى الليالي، استيقظ فوجيواكا ووجد طيف مربّيته الهزيلة واقفاً عند
سريره حاملاً في يديه السيف الثمين، وهو أثمن ما في الميراث. وكان السيف مغلّفاً
بقماش قرمزي وذهبي كهده دائماً، فتقدّم طيف الآنسة ماتسوي ووضعه باحترام عند قدمي
فوجيواكا.
قال فوجيواكا” “مربّيتي العزيزة، كم يسرّني...”. وقبل أن ينهي كلامه اختفى
الطيف.
السيف العجيب
كانت في البيت مربّيةٌ مخلصةٌ اسمها ماتسوي، اهتمت بتربية فوجيواكا منذ
طفولته. وقد حزنت بشدة من الظلم الذي أصاب فوجيواكا لكنها لم تفكر بفقدانه المال
أو الأملاك بل انصب همّها كلّه على فقدانه السيف، ذلك السيف العجيب الذي يعود
للابن المنبوذ. وانشغل بالهاليل نهار وهي تفكر بطريقة تعيد فيها السيف إلى
فوجيواكا. بعد أيام عديدة وجدت الحلّ، وقرّرت أن تسرق السيف من المذبح (وهو عبارة
عن صندوق خشبي داخل الضريح، يحمل اسم الجد المتوفي، ويمثّل روحه).
ذات يوم، كانت السيدة ساداكو والآخرون خارج المنزل. فسرقت ماتسوي السيف.
لكنه كان من الواضح أنها لن تتمكن من تسليم السيف إلى مالكه الحقيقي إلا بعد مرور
بضعة أشهر، وذلك لأن خبراً لم يسمع عن فوجيواكا منذ أن طردته زوجة والده من
المنزل. خشيت المخلصة ماتسوي أن تتهم بالسرقة، فحفرت حفرة في الحديقة بالقرب من
الدفيئة (وهي غرفة صغيرة تبنى في حديقة اليابانيين الأغنياء ليُقدّم فيها الشاي)
وطمرت فيها السيف إلى حين تتمكن من إعطائه فوجيواكا.
في اليوم التالي، توجّهت ساداكو إلى المذبح ولم تجد السيف. فما كان منها
إلا أن اتهمت الآنسة ماتسوي بسرقة السيف كونها الخادمة الوحيدة في المنزل. نفت
ماتسوي التهمة الموجّهة إليها، فبرأيها أن ما فعلته هو ضرب من العدالة، إلا أنه لم
يكن من السهل إقناع ساداكو. فأمرت هذه الأخيرة باحتجاز ماتسوي في غرفة خارجية
ومنعت وصول الأرزّ أو الماء إليها حتى تعترف. لم يكن مسموحاً لأحد بالاقتراب من
مكان ماتسوي ما عدا ساداكو نفسها التي تحتفظ بالمفتاح، وكانت تزورها مرةً كل أربعة
أو خمسة أيام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق