الجمعة، 11 أغسطس 2017

الجنازة كنز

جنائز وكنوز
هل من فارق بين " الكنز" و " والجنازة" ؟ ما كان خطر ببالي أن أطرح هذا السؤال لو لم أقرأ ان فعل" كنز" وفعل" "جنز" هما في الأساس فعل واحد توارت أحاديته خلف ثنائية ظاهرة للعيان. والعيان يخدع العيون.
والإبدال الصوتيّ بين الحروف ليس حالة مستحيلة ولا نادرة، بل هي من صلب القوانين الصوتية. ومن يطالع كتب " الإبدال الصوتي" يكتشف خيرات كثيرة  وكنوزاً دلاليّة طريفة السيرة. فلكلّ كلمة سيرة ذاتية، وخبرة، وتجربة.
ومن ينصت بتمعن إلى ما يخرج من بين شفتيه وشفاه من يعرف ينتبه إلى أنّ ابدال صوت بصوت مسألة عادية في اللهجات، والإبدال الصوتيّ قد يكون بين حرف وحرف، أو حركة وحركة. حدّق مثلاً الى الفتحة والضمة والكسرة في عين فعل المضارع " ينزل"، وتأمّل كيف تسمعها من اصدقائك أو معارفك.
فشخص يقول: " بدّي انزَل ع البلد" بفتح حرف الزاي، او " انزُل ع البلد" بضمّ حرف الزاي، أو " انزِل ع البلد" بكسر حرف الزاي. فحركة عين فعل المضارع لا تضارعها حركة في النطنطة! وما تراه على مستوى الحركات تراه على مستوى الحروف. الكاف لها طرائق في النطق مختلفة من بلد الى بلد، والجيم له حالات نطق تقرب من الكاف، والأمر ليس بغريب.
والكنز جاء من الجنز. كيف؟ كلّكم تسمعون بلصوص القبور. ماذا يسرق انسان من قبر؟ هل يسرق هيكلا عظميا؟بالتأكيد لن يحسن استخدام الهياكل العظمية او بقايا ، وان كان للهياكل العظمية فوائد لا تنكر في قراءة التاريخ. فالعظام أرشيف اجتماعي وسياسي ودينيّ. وكنت قد قرأت ان العلماء الاجتماع يدرسون العظام القديمة لاستخراج انواع المآطل التي تؤكل.
كان بعض الناس يلبّسون أسنانهم بالذهب، فكان السارق ينكش القبر أو ينبشه القبر  ليسرق تلبيسة الذهب، أي أنّ الجنز يحمل الذهب.
والصلة بين الكنز والجنز هي ان كلاهما مطمور تحت الأرض، ومتوار عن الأنظار. فالكنز يحبّ السترة! والاختفاء صلة الوصل الدلالية بين الكلمتين.
الحفر للحصول على الكنز كحفر القبر للحصول على تلابيس الأسنان الذهبيّة. وانا هنا اختصرت المسألة بتلابيس الذهب، ولكن نعرف ان الميت، في المعتقدات القديمة، كان يأخذ معه أشياء كثيرة، وليس فقط اسنانه الذهبية. ولا تزال الى اليوم ، في اي حال، القبور كنوز!
وهل الأهرامات غير مدافن مليئة بالكنوز والأسرار والأفكار؟ بل لا تزال الى اليوم كما قلت تعتبر الهياكل العظمية أرشيفا قابلاً للدرس بغرض معرفة كيف كان يأكل الانسان وماذا كان يأكل؟ كما أني قرأت في كتاب عن تاريخ المجاعات  ان العلماء يدرسون عظام الموتى لاستخراج أسباب المجاعات ؟

لا أحد يستهين بالعظم! فالهيكل العظميّ، من الناحية المعجميّة، منجاب ولود. في لغتنا العربية نقول الملك " المفدّى" ولكن " المعظّم"!  وهل كان لهذه الكلمة وجود لولا العظام؟ وكيف لأمرئ أن " يستعظم" أمراً من الأمور لولا العظام؟ ومن هو الإنسان " العظيم" لو لم تتبرّع له " العظْمة" بشيء من " العظَمة"؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق