السبت، 8 ديسمبر 2012

حريم السلطان الصيني والامبراطورة Wu Ze tian



حريم السلطان مكان تترعرع فيه الدسائس والمكائد. وهنا سأروي حكاية امرأة صينيّة اسمها (وو تزه تيان 武则Wu Ze tian) لم توفّر فرصة من الفرص لتحقيق اهدافها، وذلك بغضّ النظر عن القيمة الاخلاقية للأهداف أو الوسائل. فالسلطة ليست على علاقة طيبة مع الأخلاق. فأنت في حريم السلطان حيث للغيرة كرّ وفرّ، وحيث التنافس لا يترك وسيلة شريفة أو غير شريفة للفوز بقلب السلطان الا ويستخدمها. وعبارة "الغاية تبرّر الوسيلة" ليست بنت اليوم، فتاريخ المكائد طويل عريض ولا ينتهي الاّ بنهاية حياة الانسان.

كانت المرأة الصينية موضوع الحديث جارية بسيطة ولكنّها جميلة قدّمت كهديّة  للامبراطور "تاي تزونغ" . كانت ذات طموح وثّاب، والطموح أعمى أحياناً ويرتكب في طريق غاياته الكثير من المجازر. كان طموحها ان تتحوّل الى السيدة الاولى في قصر الامبراطور، إنّه طموح الحضيض بالقمم! ولكن للامبراطور زوجة، ثمّ كان كبيراً في السنّ. ما هي الطريقة التي توصلها الى ذلك اللقب الذي يفتح الشهية؟ حاولت ان تصل إلى نيل مطالبها عن طريق وليّ العهد، كانت الجارية تعرف ان وليّ العهد زير نساء، يعشق عيش اللذّة، واللذّة فخّ يسقط الكثيرون في شراكه، فاستطاعت الجارية بمكرها وغوايتها ان توقع وليّ العهد في حبائلها، فأقامت علاقة حميمة معه خارقة بذلك كلّ التقاليد الصينية حول مفاهيم المحرّم، وصارت ترضي نزوات الأب ونزوات الابن على السواء. توفّي الامبراطور ووصل وليّ العهد الى العرش وحدث ما هو بالحسبان في الأعراف الصينية. تموت طموحات جواري الامبراطور مع موته وتنتهي أحلامهنّ ونزاعاتهنّ. ففي التقاليد الامبراطورية الصينية القديمة حين يموت الامبراطور تحلق شعور الجواري ويرسل بهنّ الى دير منزوٍ لتمضية ما تبقّى من أعمارهنّ في عالم الرتابة  الكئيب والنسيان القاتل، ولكنّه مصير اسود لفتاة طموح لا تؤمن بعالم الرتابة وترفض ان تعيش حياة مغفلة في دير. من دأب الطموح ان يبتكر طرقا ليتدبر امره ووسائل تكسر الرتابة والحواجز. كانت الجارية ذات نفس طويل، والطموح يعرف كيف يتعامل مع الصبر بحنكة ودراية. بقيت في الدير سبع سنوات دون ان تفلّ عزيمتها، ودون أن تستسلم لهذا المصير الباهت، الى ان استطاعت توصيل رسالة الى الامبراطور عشيقها السابق. وراحت توقظ في نفسه ذكريات ماضية وتضرم النار في رغباته الحمراء- والشهوة كبوة -.  كانت من جهة تراود الامبراطور عن نفسها، وتبني، من جهة ثانية، علاقة حميمة مع زوجته. واستعملت الجاريةُ الامبراطورة كشفيعة لها حتّى تستثنى من تطبيق التقاليد الصارمة عليها، فاصدر الامبراطور مرسوماً يسمح لها بالعودة الى القصر. وكان هذا المرسوم الاستثنائيّ يحدث لأوّل مرّة في تاريخ الصين. أظهرت الجارية للامبراطورة محبة غامرة وعرفاناً بالجميل. والحب الذي كانت تظهره ليس اكثر من حجاب تخفي وراءه نواياها, واعادت الجارية حبال الوصل مع عشيقها السابق الذي صار امبراطورا.

كانت الامبراطورة في وضع هشّ. فهي لم تنجب بعد ذكرا يكون وليّ عهد. فوجدت في الجارية حليفة لها في لحظات الضعف. ولكن في عام 654 انجبت الجارية من الامبراطور الفتى المنتظر. وما هي الاّ ايام حتى حضرت الامبراطورة لتبارك لجاريتها الحميمة بمولودها الجديد. ليس من السهل ان يخطر بالبال ما قد يمكن أن تفعله الجارية الماكرة بعد رحيل الامبراطورة. إذ بعد ان غادرت الامبراطورة مقصورة الجارية بوقت قصير أقدمت الجارية على خنق طفلها الوليد فلذة كبدها، فطفلها ليس جزءاً من طموحها الشخصيّ، ولا يمكن لمشروعها ان يتحقق في ظلّ وجود الامبراطورة. وخنق الولد فرصة لها لتحقيق مآربها. وما ان انكشفت جريمة قتل الوليد حتّى راحت الشكوك تحوم بقوّة حول الامبراطورة. وكان من المعروف في بلاط الامبراطور غيرة الامبراطورة الشديدة. تتحوّل غيرتها، في مسرح الجريمة، الى كمين محكم. الغيرة تبيح لنفسها ممارسة القتل وسفك الدماء. كان من المستحيل ان يدور في خلد أحد انّ الأمّ هي التي قامت بالقضاء على ابنها، فالجارية تعرف ان قضاء الحاجات يتطلب حليفاً لا يخذل صاحبه وهو الكتمان، وعليه لا احد في القصر يعرف بطريقة مقتل الطفل. جنّ جنون الامبراطور وقرر اعدام زوجته التي قتلت وليّ عهده، فالتهمة، هنا، يقين لا تتخلّله ذرّة شكّ، ولا مصلحة لأحد غير الإمبراطورة في التخلّص من وليّ العهد الذي لم يخرج من رحمها. ومن المهارة الفائقة ان يحوّل المرء الظنّ الهشّ إلى يقين راسخ! وهكذا قضت الجارية على منافستها بيدي غيرها. وكان الامبراطور صاحب نزوات ويميل الى اللهو اكثر من ميله الى الحكم، فانتهزت الجارية طباعه وميوله لتسحب من تحت قدميه شيئا فشيئا بساط السلطة.

رغم انها وصلت الى مركز القرار فلم تكن تشعر بأمان، فعندما كانت في الحادية والاربعين من العمر وجدت ان الامبراطور يميل الى ابنة اخيها الفتية فسمّمتها. ثم قامت بتسميم ابنها البكر نفسه أيضاً، وقامت بنفي ابنها الثاني بعد أن لفّقت له تهمة.  وبعد موت الامبراطور اعلنت عام 684 انّ المنفيّ لا يصلح للحكم  بسبب الخيانات التي ارتكبها بحقّ الامبراطوريّة ثمّ أرسلت من دسّ له السمّ واعلنت الابن الاصغر الضعيف وريثاً للعرش. وبهذه الطريقة استمرت في الحكم. وبعد ان تخلصت من كل خصومها اعلنت انها سليلة بوذا السماويّ واطلق عليها لقب امبراطور الصين المقدّس والإلهيّ 聖神皇帝.

وهي المرأة الوحيدة التي حكمت بوصفها امبراطوراً مقدّساً في تاريخ الصين المديد.

بلال عبد الهادي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق