كنت في فرنسا،ايام
تحضيري للدكتوراه، وكان لبنان يمارس جنونه الأهلي وجنونه الطائفيّ. داعبتني الغربة،
حاولت ان تغريني بالبقاء معلّقا بين مكانين. كثيرون رحلوا واستوطنوا اماكن هجراتهم.
لم اترك لبنان حين تركته خوفا من ان تلوّث الحرب الطائفية مشاعري. افتخر بأنني
انتمي لوطن عربي ولغة عربية لا لطائفة. ذهبت لأدرس لا لأعمل.
انهارت الليرة اللبنانية، صار العمل ضرورة للتمكن من متابعة التعليم وإقامة الأود. توزّع الوقت بين العلم والعمل. أكل العمل من وقت العلم ولكنه امدّه بفرصة الاستمرار والوصول الى برّ الرغبات المنشودة. كاد العمل يلعب برغباتي وقراراتي. وفي لحظة غيّرت كلمة مصير إقامتي. كلمة قرأتها للكاتب الفرنسي André GIDE أندريه جيد (1869-1951) يقول فيها: "عشْ حيث تحبّ أن تموت". طبعاً، لا أحد يعرف بأي أرض يموت. مكان الموت وزمانه من الأسرار لحكمة إلهيّة بهيّة. ولكن الأمنية تكفي لتحديد مكان الإقامة لا مكان الغياب.
اسمع عن وصايا كبار في العمر يعيشون في الغربة وحين يأتيهم الأجل يوصون أهلهم بحمل جثامينهم والعودة بها الى مقابر الأوطان. الوطن ليس مجرد مقبرة. قررت ان اموت في بلدي، وهذا سبب عيشي فيه. كثيرون لا يتصورون حنين الجثث للأوطان.
قال لي شخص مرّة: أحب ان ادفن في استراليا.
قلت له: جسدك يكذّبك لأنّك تعيش هنا.
كثيرون تغير جثثهم رأيها في الرمق الأخير بعد فوات التوبة والتربة. البعض يظن انه لا يمكن تخيل شعور جثّة تشعر بالغربة في مقابر الغرباء.
ولكن للرسول الكريم كلمة يقول فيها: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق