طرح عليّ أحد
الصحفيين مجموعةً من الأسئلة عن علاقة الشرق بالغرب، كانت الكلمات التالية وجهة
نظر في قراءة الأسئلة:
- مرّت علاقات
الشرق خصوصاً الشرق العربي بالغرب في مراحل ومحطات متعددة ومختلفة في سلبياتها
وإيجابيتها. كيف ينظر المثقّف العربيّ إلى هذه العلاقة؟
- يمكن لنا
تأريخ بدايات العلاقة بين الشرق والغرب، في العصر الحديث، بمدفع نابليون بونابرت
الذي أيقظ العالم العربي بصوته المدوي من سباته اللاذع. والعلاقة لم تتغير إلى اليوم إذ لا يزال يسودها
صوت السلاح وضجيج الطائرات المقاتلة والصواريخ الخارقة للأصوات والقارات. هذه
الملاحظة توصيف لناحية سلبية، دامية من نواحي العلاقة التي بدت كاقتحام شرس وفظّ
للمجال العربيّ ولكن لا يخلو من إيجابيّة تكمن في حدوث الدهشة، والدهشة تحرّر نظر
الإنسان من المألوف وتنقذه من علاقته البديهية والباهتة مع الأشياء، هذه الدهشة
أتقن تصويرها الرسّام العالمي "أنطوان كويبل"(Antoine
Coypel)
حين صوّر مجموعة من الدبلوماسيين المغاربة مسلطاً الضوء على تعابير الوجوه ودهشة
العيون المفتوحة على آخرها، وهم يشهدون لأوّل مرة عرضاً مسرحياً لم تألفه عيونهم
كما لم يألفه مفهومهم عن الأدب والفنّ والثقافة، وهذه الدهشة الساذجة والدالّة
التقطتها أيضاً عين الجبرتي وعرض لنا نماذج منها في كتابه الغنيّ " عجائب
الآثار".
أظنّ أنّ هناك
شخصيتين يمكن العودة إليهما للاستفادة من رهافة نظرتهما للعلاقة بين الشرق والغرب،
الشخصية الأولى هي رفاعة الطهطاوي، الشيخ الأزهريّ المعمّم، الذي عرف كيف لا يتنكر
لعباءته وبراءته وكيف يستحلب ضروريات الحضارة الغربية للنهوض بالأمة الواهنة، دون
السقوط في التماهي المرضيّ الكلّيّ، فاستطاع أن يحافظ على توازن شخصيته، ويتجلى
هذا التوازن في عنوان سيرته ومشاهداته الباريزية:" تخليص الإبريز في تلخيص
باريز"، ولا أظنّ أنّ العنوان كان ضحيّة السجْع، بقدر ما كان رسما لتوازن
مرهف بين شرق راسخ تجسّده، من جهة، كلمة "الإبريز" لا كلمة "
الذهب" الشائعة والمألوفة، ومن جهة أخرى، كلمة "باريز" التي تحيل
إلى مكان، في وقته، نابض بصنوف العلوم والمعارف، والشخصيّة الثانية هي أحمد فارس
الشدياق، الذي سجّل رؤيته ورغابه
الإصلاحية بحريّة طليّة وجريئة في سيرته الذاتية الفاتنة " الساق على الساق
في ما هو الفارياق".أما اليوم فيبدو أن علاقتنا مع الغرب لم تتقدم، قيد أنملة،
عما كانت عليه في بداياتها مع تغيّرات شكلية لا غير. وهي، في غالبيتها، علاقة غير
سوية وغير سليمة، يعتريها التشنّج، والحدّة، طوراً، والريبة العالية النبرة طوراً
آخر. وهذه كلّها أمور لا توفّر النقاء لا لعدسة العين ولا أيضاً لعدسة الكاميرا.
- هل يمكن أن
نجد الغرب الذي يساند قضايانا اليوم من دون الاكتفاء بالنظر إلى المصالح أم أن
الغرب كله لا يتعامل إلا بالمصالح؟
- العمل
الصالح لا يكون إلاّ بناء على مصالح، والمشكلة ليست في كلمة مصالح وما تتضمنه من
دلالات تعود أصولها، لغوياً على الأقلّ،
إلى معنى الصلاح، المشكلة في الصفة المتغيرة التي ترافق كلمة مصالح، مصالح
راقية، متبادلة، أو أنانية، أو آنية الخ... ولا أظنّ أنّ دولة في العالم تقوم
بأعمالها خالصة لوجه الله، إنما أعمالها لوجه غايات واضحة أو مستترة، غايات نبيلة
وجليلة أو غايات واطئة وقصيرة النظر. حسابات الربح والخسارة تدخل في كل مجال من
مجالات الحياة، والربح والخسارة مفهومان ليس بالضرورة أن يكونا دائما متعلقين
بأمور مادية، ولكن قبل التساؤل، فيما أظن، عن التعاطف مع قضايانا من الخارج علينا
أن نتساءل هل نحن متعاطفون أصلاً وفعلاً مع قضايانا الذاتية التي تمسّ منا اللحم والعظم
والروح؟ وهل نعرف أين تكمن مصلحتنا مع الجغرافيا والتاريخ والتراث؟ التوتر الحاصل
في عالمنا العربي، والأزمات الذاتية المرة التي تنهش الأعمار والأوقات ألا تدلّ
جميعا على أننا لا نحسن الإصغاء إلى متطلبات الذات؟ من هنا لا أجد غرابة من عدم
وجود سند خارجي متين لنا يقوم على مفهوم الحقّ والعدل.
- كيف يقرأ
المثقف العربي نظرة الشرق إلى الغرب ونظرة الغرب إلى الشرق؟
- ليس هناك من نظرة واحدة إلى الغرب لدى المثقّف
العربي. فالمثقّف العربي متعدد الألوان والمشارب والانتماءات والاتجاهات، فمصادره
ليست واحدة، وخلفيّاته مرهونة بموقعه الجغرافي وتجاربه الشخصية، فهناك المثقف التقدمي والمثقف الرجعيّ، وهناك المثقف التوفيقيّ
والمثقف الحالم والمثقف المدجّن والمثقف المتمرّد والمثقّف الانتهازيّ والمثقف
الابتزازيّ إلخ. ولكن ثمة شعوراً يكاد يلامس الإجماع وهو الامتعاض بتعدّد
درجاته من الغرب، وكلّ من موقعه الثقافي يوصّف العلاقة. البعض يقوم بتبرئة الغرب
من ترنّح الشرق معتبرا أن ما نحن فيه هو من صنع يدينا، وقلة حيلتنا، والبعض الآخر
يعتبر أن "لا شيء يأتي من الغرب يسرّ القلب". هذه العبارة تلتقي، في
عمقها، مع نظرية المؤامرة التي تكفي المؤمنين السؤال والقتال، والعبارات التي
تتحوّل إلى ما يشبه الأمثال عنيفة ومرعبة لأنها تدخل حيّز البدائه المغلقة. النظرة
مشتتة لأنّ المثقّفين مشتتون وكلّ يغني على ليلاه وبلواه. أمّا نظرة الغربي
بغالبيتها فهي أسيرة صورة نمطية سلبية، تعزّزها للأسف، اليوم، أحداث تزيدها رسوخاً،
وندرة هم الذين يعملون على رسم صورة موضوعية محكومة بسياقات الأوقات الراهنة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق