غلاف كتاب " لعنة بابل" قبل التعديل |
اسماء الكتب مثل اسماء الناس، بعضها يأتي سريعا، بل يكون
جاهزا، وحاضرا. والبعض لا يأتي بالهيّن، ينتظر ظرفا ما للمجىء به،. كنت قد جمعت
مقالاتي اللغوية لنشرها في كتاب، وهي 60 مقالاً نشرت اغلبها في جريدة الانشاء
الطرابلسية. بعد ان اكتمل لم شمل المقالات، بقي علي اختيار العنوان، لم يخطر ببالي
سريعا، والمضحك ان هناك عنوانا جاهزا في ذهني لكتاب قيد الاعداد عن الصين. الكتاب
الجاهز بلا اسم، والكتاب الناقص وغير الجاهز مكتمل الاسم.
اود هنا الاشارة الى كيفية تكوين الاسم الذي قرّ الاعتماد
عليه، وهو "لعنة بابل". واحب هنا، الاشارة الى كيفية ورود الاسم ببالي، اي انني
اريد ان اشير الى تداعيات المعاني التي أفضت الى ولادة العنوان.
كنت قد استبعدت فكرة اختيار عنوان مقالة من المقالات ليكون
اسما للكتاب، رغم وجود عناوين عامة ممكن ان تكون عنوانا منها مثلا: "ألسنة …
وأوطان" وهو عنوان مقالة عن شاعر صيني هاجر قريته ثمّ عاد فلم يفهم عليه صغار
القرية واعتبروه غريبا عن القرية، والمقال يريد ان يتناول التطوّر الصوتيّ للغة على
الألسنة.
بداية خطر ببالي عنوان:" عش لغتك" او " لا تلعن لغتك"،
والتسميتان من وحي رغبتي في ان نعيش لغتنا العربية بلا عقد . ولكن كنت مترددا في
تبني الاسمين لاسباب لغوية، كنت اريد ان يلفظ العنوان بالعامية والفصحى على السواء.
وهذا لا يتوفّر للعنوانين المقترحين، فـ"عِشْ" بالعامية تلفظ "عِيش" و"لا" في
العامية تتحول إلى "ما". ولكن كلمة " تلعن" كانت قوية الحضور، في ذهني، وكنت قد
استعملتها في عنوان مقال سابق لأسجّل لحظة لغوية ما. كنت في مقهى، ذات يوم، واذ بي
اسمع عجوزا يقول لصديقه : من اين اتيت بالمعلومة؟ يجيب صديقه: من الانترنت. فما كان
من العجوز الا ان نظر باستهزاء الى صديقه، وقال: "شو بدّك بهل حكي، هيدا حكي
انترنت". رنت كلمة "حكي انترنت" في ذهني، وخصوصا اني كنت قد اخترت عنوانا لزاويتي
في الانشاء "حكي جرايد". اعتبرت لحظة سماعي هذه العبارة لحظة جليلة، فأنا لاوّل مرة
اسمع عبارة " حكي انترنت" بالدلالة التي كانت تضمرها "حكي جرايد". وكتبت مقالا
بعنوان" لا تلعن الانترنت"، ومن وحي" لا تلعن الانترنت" خطر ببالي احتمال تسمية
الكتاب بـ"لا تلعن لغتك".
ذهب العنوان المحتمل " لا تلعن لغتك"، وبقيت اللعنة كمقطع
من عنوان محتمل، وكلمة "اللعنة" بوجودها في كتاب عن اللغة يستدعي حضور "بابل"،
وهكذا شعرت ان العنوان صار جاهزا ومقبولا ويحمل دلالات لغوية متعدد، وهو:" لعنة
بابل".
لعنة بابل هي التعدّد اللغويّ بعد الوحدة
اللغوية.
ولكن هل التعددية لعنة؟ ان التعددية "لعنة" بحسب سفر
التكوين. ولكن هناك وجهة نظر اخرى ايضا، يضمرها قول في القرآن الكريم.
ليس في الكتاب مقال عن لعنة بابل، ولهذا السبب وجدت انه من
المناسب بدء الكتاب بوضع اضاءتين: الاولى من سفر التكوين، والثانية من القرآن
الكريم، والاضاءتان بمثابة جسر يربط بين عنوان الكتاب ومقالاته
اللغوية.
فالكتاب يتناول مجموعة من اللغات من وجهة نظري الشخصية، اي
ان التعددية اللغوية من صلب الكتاب، فهناك مقالات تتناول اللغة العبرية، والتركية،
والكورية، والصينية، والفارسية، وبالتأكيد اللغة العربية التي نظرت الى اللغات
الأخرى بعيونها.
إِضاءَة
وَكَانَتِ الأَرْضُ كُلُّهَا لُغَةً وَاحِدًةً وكَلاماً
وَاحِدَاً. وَكانَ أَنّهُم لَمَّا رَحَلوا مِنَ المَشْرِقِ وَجَدُوا بُقْعَةً فِي
أَرْضِ شِنْعَارَ فَأَقاموا هُنَاكَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ تَعالَوْا
نَصْنَعْ لَبِناً وَنُنْضِجُهُ طَبْخاً فَكَانَ لَهُمُ اللِّبِنُ بَدَلَ الحجارَة
والْحُمَرُ كانَ لَهم بَدَلَ الطِّينِ. وَقَالُوا تَعالَوا نَبْنِ لنا مَدِينَةً
وَبُرْجًا رَأْسُهُ إِلى السَّمَاءِ وَنُقِمْ لأَنْفُسِنَا لَنا اسْمًا كَي لا
نَتَبَدَّدَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ كلّه. فَنَزَلَ الرَّبُّ لِيَنْظُرَ
الْمَدِينَةَ وَالْبُرْجَ اللَّذَيْنِ كَانَ بَنُو آدَمَ يَبْنُونَهُمَا. وَقَالَ
الرَّبُّ هُوَذَا هم شَعْبٌ وَاحِدٌ ولِجَمِيعِهِمْ لغَة واحدَة، وَهذَا ما أَخَذوا
يفعَلونَه. وَالآنَ لاَ يَكفّونَ عَمَّا هَمّوا به حَتى يصنَعوه. هَلُمَّ نَهبط
وَنُبَلْبِلْ هُنَاكَ لغَتَهم حَتَّى لاَ يفهَمَ بَعْضُهُمْ لُغَة
بَعْضٍ. فَبَدَّدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ هُنَاكَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ كلّها وكَفُّوا
عَنْ بناء الْمَدِينَةِ، ولِذلِكَ سُمِّيَت «بَابِلَ» لأَنَّ الرَّبَّ هُنَاكَ
بَلْبَلَ لُغَةَ الأَرْضِ كُلَّها. وَمِنْ هُنَاكَ شتَّتَهم الرَّبُّ عَلَى كُلِّ
وجْهِها.
سفر التكوين
11: 1-9
الكتاب المقدّس، منشورات دار المشرق،
بيروت، 1985
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ.
الروم:22
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق