لا أدري مدى صحّة الحكاية التالية، ولكن أظنها تستحق ان تُحكى، ولقد رواها ابن الجوزي في كتاب «الأذكياء». وللمؤلف تصنيفان طريفان يكمل بعضهما بعضاً، الأول هو الذي ذكرت، والثاني هو «أخبار الحمقى والمغفلين». وكأن ابن الجوزي وجد ان الكتابة عن الذكاء تستدعي حكماً الكتابة عن الحمقى وأهل الغفلة، وابن الجوزي ليس شخصية عابرة في تراثنا الاسلامي.
تقول الحكاية ان سعيد بن عثمان تسلل الى الخليفة المهدي من باب المنامات. ولا ريب ان الاحتيال في المنامات لا يحدّه خيال. فليس أسهل من ان تقول رأيت في المنام كذا وكذا، لأنه ليس بمقدور أحد ان يكذّبك ولا أن يصدقك، وعليه أنت بَيْنَ بَيْنَ، فكلّ منام تخترعه او تراه فعلاً، هو، في نظر الناس، منام قابل لأن يكون مناماً حقيقياً، رافقك هنيهات من نومك، وقد يكون حيلة من حيل اليقظة للوصول الى مآرب لا يعلمها إلاّ منتحلها.
سعيد بن عثمان الرائيّ مراء جداً ومغامر، أيضاً، جداً. فليس مستحيلاً ان ترى أي شيء في منامك ولكن ان ترى في منامك منام غيرك الذي لم يره بعد، فهذا من أعاجيب المنامات. وسعيد ابن عثمان القادم الى الخليفة، يريد ان يسرد مناماً على مسامع الخليفة يروي تفاصيل المنام الذي سوف يراه الخليفة في ليلته تلك! حين سمع الخليفة كلام الرجل ظنه يخرف او أنه مجنون وأنّب الحاجب الذي سمح له بالدخول الى بلاطه. قال الخليفة: «إني والله أرى الرؤيا لنفسي فلا تصحّ لي فكيف اذا ادّعاها من لعله قد افتعلها؟!». ورود «افتعل» في كلام الخليفة معبّر جداً ويُظهر أنه كان على دراية تامة بألاعيب المنامات وأحابيل من يراها. ولكن يبدو ان سعيد بن عثمان قد احتاط للمسألة ولاسيما أنه كان واثقاً تماماً من نجاعة رؤياه المصطنعة. كان للرائي المزيّف، بحسب وصف ابن الجوزي، «رؤية وجمال ومروءة ظاهرة ولحية عظيمة ولسان». إن الرجل، على مستوى الظاهر، لا يستخف به، ولكن الظاهر خدّاع يلعب حتى بعيني زرقاء اليمامة لعب السراب بعيني الظمآن!.
قال له المهدي: ماذا رأيت؟ قال سعيد بن عثمان: «رأيت آتياً أتاني في منامي وقال لي: أخبرْ أمير المؤمنين أنه يعيش ثلاثين سنة في الخلافة، وآية ذلك أنه يرى في ليلته هذه في منامه كأنه يقلّب يواقيت، ثم يعدّها فيجدها ثلاثين ياقوتة كأنها قد وهبت له». ليس هناك كبير فرق لغوي بين مواقيت ويواقيت، والمنام يدور كما نرى حول الوقت الذي يقضيه المهدي في منصب الخلافة. قال الخليفة: إن صدقت رؤياك كافأناك وإلاّ عاقبناك مرّ العقاب. لم يرض الرائي لأن كلام الخليفة يعني ان المكافأة معلّقة ورهينة منامه القادم. فقال الرجل: ماذا أقول لأهل بيتي وقد عدت من عند أمير المؤمنين صفر اليدين؟ قال الرجل للمهدي: «عجّل لي ما أحببت، وأحلف لك أني صادق الرؤيا. فأمر له الخليفة بعشرة آلاف درهم، وأمر ان يؤخذ منه كفيل، فمدّ الرائي نظره الى خادم هناك وقال: هذا يكفلني. إحمرّ الخادم وخجل وهو بين يدي الخليفة فانزلقت من هول الارتباك كلمة الموافقة من بين شفتيه.
رأى الخليفة في ليلته ما رواه له الرجل «حرفاً بحرف» على ما ورد في رواية ابن الجوزي. وفي الغد ذهب الرجل الى قصر المهدي للاطمئنان على أخبار رؤياه المتخيّلة. فقال الخليفة: والله رأيت ذلك. ثم أمر له بثلاثة آلاف دينار وأشياء أخرى من ثياب ودواب. أخذ الرجل مكافأته على المنام الذي لم يره وانصرف، فلحق به الخادم الذي كفله وقال له: سألتك بالله هل كان لهذه الرؤيا التي ذكرت من أصل؟ قال: لا والله! لم يخرط كلام سعيد في عقل الخادم إذ كيف يكون المنام ملفّقاً وهو يروي بأدق التفاصيل منام الخليفة الذي لم يكن قد رآه بعد؟!.
قال الرجل: هذا مما لا يأبه به أمثالكم، وذلك أني لما ألقيت اليه هذا الكلام خطر بباله، وحدّث به نفسه، وشغل به فكره، فساعة نام خيّل له ما حلّ في قلبه، وما كان شغل به فكره في المنام. (وهذه نقطة، في أي حال، عالجها سيغموند فرويد في كتابه «تفسير الأحلام»).
بهت الخادم وتعجّب من سلطان الرجل وقدرته على اللعب بمصائر منامات غيره، وقال له سعيد في ختام الكلام: قد صدقتك وجعلت صدقي لك مكافأتك على كفالتك، فاستر عليّ. ففعل. ومن طريف ما يُروى أن هذا المنام الملفّق حقق للرائي المزيّف ما قد تعجز تحقيقه رؤيا لا غبار على صدقها، إذ صار ذا حظوة في بلاط المهدي بفضل المنام المختلق الذي لم يحلم به!.
تقول الحكاية ان سعيد بن عثمان تسلل الى الخليفة المهدي من باب المنامات. ولا ريب ان الاحتيال في المنامات لا يحدّه خيال. فليس أسهل من ان تقول رأيت في المنام كذا وكذا، لأنه ليس بمقدور أحد ان يكذّبك ولا أن يصدقك، وعليه أنت بَيْنَ بَيْنَ، فكلّ منام تخترعه او تراه فعلاً، هو، في نظر الناس، منام قابل لأن يكون مناماً حقيقياً، رافقك هنيهات من نومك، وقد يكون حيلة من حيل اليقظة للوصول الى مآرب لا يعلمها إلاّ منتحلها.
سعيد بن عثمان الرائيّ مراء جداً ومغامر، أيضاً، جداً. فليس مستحيلاً ان ترى أي شيء في منامك ولكن ان ترى في منامك منام غيرك الذي لم يره بعد، فهذا من أعاجيب المنامات. وسعيد ابن عثمان القادم الى الخليفة، يريد ان يسرد مناماً على مسامع الخليفة يروي تفاصيل المنام الذي سوف يراه الخليفة في ليلته تلك! حين سمع الخليفة كلام الرجل ظنه يخرف او أنه مجنون وأنّب الحاجب الذي سمح له بالدخول الى بلاطه. قال الخليفة: «إني والله أرى الرؤيا لنفسي فلا تصحّ لي فكيف اذا ادّعاها من لعله قد افتعلها؟!». ورود «افتعل» في كلام الخليفة معبّر جداً ويُظهر أنه كان على دراية تامة بألاعيب المنامات وأحابيل من يراها. ولكن يبدو ان سعيد بن عثمان قد احتاط للمسألة ولاسيما أنه كان واثقاً تماماً من نجاعة رؤياه المصطنعة. كان للرائي المزيّف، بحسب وصف ابن الجوزي، «رؤية وجمال ومروءة ظاهرة ولحية عظيمة ولسان». إن الرجل، على مستوى الظاهر، لا يستخف به، ولكن الظاهر خدّاع يلعب حتى بعيني زرقاء اليمامة لعب السراب بعيني الظمآن!.
قال له المهدي: ماذا رأيت؟ قال سعيد بن عثمان: «رأيت آتياً أتاني في منامي وقال لي: أخبرْ أمير المؤمنين أنه يعيش ثلاثين سنة في الخلافة، وآية ذلك أنه يرى في ليلته هذه في منامه كأنه يقلّب يواقيت، ثم يعدّها فيجدها ثلاثين ياقوتة كأنها قد وهبت له». ليس هناك كبير فرق لغوي بين مواقيت ويواقيت، والمنام يدور كما نرى حول الوقت الذي يقضيه المهدي في منصب الخلافة. قال الخليفة: إن صدقت رؤياك كافأناك وإلاّ عاقبناك مرّ العقاب. لم يرض الرائي لأن كلام الخليفة يعني ان المكافأة معلّقة ورهينة منامه القادم. فقال الرجل: ماذا أقول لأهل بيتي وقد عدت من عند أمير المؤمنين صفر اليدين؟ قال الرجل للمهدي: «عجّل لي ما أحببت، وأحلف لك أني صادق الرؤيا. فأمر له الخليفة بعشرة آلاف درهم، وأمر ان يؤخذ منه كفيل، فمدّ الرائي نظره الى خادم هناك وقال: هذا يكفلني. إحمرّ الخادم وخجل وهو بين يدي الخليفة فانزلقت من هول الارتباك كلمة الموافقة من بين شفتيه.
رأى الخليفة في ليلته ما رواه له الرجل «حرفاً بحرف» على ما ورد في رواية ابن الجوزي. وفي الغد ذهب الرجل الى قصر المهدي للاطمئنان على أخبار رؤياه المتخيّلة. فقال الخليفة: والله رأيت ذلك. ثم أمر له بثلاثة آلاف دينار وأشياء أخرى من ثياب ودواب. أخذ الرجل مكافأته على المنام الذي لم يره وانصرف، فلحق به الخادم الذي كفله وقال له: سألتك بالله هل كان لهذه الرؤيا التي ذكرت من أصل؟ قال: لا والله! لم يخرط كلام سعيد في عقل الخادم إذ كيف يكون المنام ملفّقاً وهو يروي بأدق التفاصيل منام الخليفة الذي لم يكن قد رآه بعد؟!.
قال الرجل: هذا مما لا يأبه به أمثالكم، وذلك أني لما ألقيت اليه هذا الكلام خطر بباله، وحدّث به نفسه، وشغل به فكره، فساعة نام خيّل له ما حلّ في قلبه، وما كان شغل به فكره في المنام. (وهذه نقطة، في أي حال، عالجها سيغموند فرويد في كتابه «تفسير الأحلام»).
بهت الخادم وتعجّب من سلطان الرجل وقدرته على اللعب بمصائر منامات غيره، وقال له سعيد في ختام الكلام: قد صدقتك وجعلت صدقي لك مكافأتك على كفالتك، فاستر عليّ. ففعل. ومن طريف ما يُروى أن هذا المنام الملفّق حقق للرائي المزيّف ما قد تعجز تحقيقه رؤيا لا غبار على صدقها، إذ صار ذا حظوة في بلاط المهدي بفضل المنام المختلق الذي لم يحلم به!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق