الأحد، 27 أكتوبر 2013

قصيدة للشاعر مظفّر النواب

نعم مولاي تراب

مظفر النواب


عَـسلُ الوردِ يخامـر
ريقـك آنـاءَ الـليـل
وثـوبـك عـن زريـن من الماس
يـشفُّ وصوتـك لِئْلاء
أهتـز كمـا يـهتـزان
أحدُّ مـن الشفـرة طبعـي
ورقـيـق مـاءُ
أوسخُ طينٍ ينبتُ فـُلاً
إن لـقي الحـبَّ
وأطيب طين لا ينبت
حين لهذا الطين يـُساءُ
تـجري الـغربـةُ فيَّ
فـهل تسمحُ سيدتي
أنسابُ إلى جانبـها
لـيس عـلي سوى
حـزن الليـل رداء
الـشارع موبوءٌ بمراقبةِ
المخلوقات المسكونة بالوحشة مِثلي
دورياتُ الإخصاءِ تجوبُ الوطنَ المـمتدَّ
مـنَ الدم إلى الدم
ما يـفتحُ مـخلوقٌ فمـهُ
حتى يـخصى فمُهُ
آخر ما وصل العلم العربي له
وتفننت الصحفُ الرقطاءُ
تـقبضُ من كلِّ جهاتِ النفطِ
وتكتبُ ما برميلُ النفـطِ يشاءُ
ماذا يـنفعُ أيُّ شراعٍ
البحر تـَلَوث والبر
تلوث والميناء
ما زلتُ على طاولةِ الأمس
ولستُ أعي إلا ثـَمَلي بالعالم
فالبعضُ بغير دمِ العالم لا يسكر
منذ سنين هذي طاولتي
يـقـرأني من يرغب
حسب ثقافته في العشق
ومن يخطؤ لا أستـاءُ
وأغادرُ
اسحبُ في وجعٍ قدمي المتعبتين
وأستطلعُ بالسكر الشارع
تعرفني الطرقات
وشارات عبور الطرقات
وأفتحُ أزرارَ قميصي للريح
توجـهني الأنواء
من هذا الغائر في زاوية الشارع؟
عيناه كجرذِ الطاعون
أَأنتَ؟ أما زلتَ تراقبني؟
مسكينٌ تسعلُ من كل مكان
وتراقبني !
راقبُ يا سيدُ راقب
هلْ أنزلُ سحابَ التاريخ
لتـعـرفَ صدقَ مواطنتي
لـكنَّ البرد شنيع وسعالك لا ينفـك
وأطـلقتْ الصفـارات وأطفـأت الأضـواء
العربُ الأعرابُ من البحر
الى البحر بخير
وسجون ممتعة
اسرائيلُ ترشُّ علينا ماءَ
الوردِ وأنت تراقبني
مبسوطٌ لا شك أنا والله كذلك
أكتبْ ما شئتَ بما شئتَ بمن شئتَ
ولكن وجهـكَ للحائط أرجوكَ
ليس لشيء
تشكيـلةُ وجهـك لا تـعـجبني
عـفـوكَ لا أقـصد جـرحكَ في شيء
هـل ظلَّ هنالك ما يـُجرح؟
ولكن خطأٌ في خطأٍ وجهك
يا رب لماذا الأخطاء
أنت مُـصرٌّ يا سيد أن تزعجني
هل آذيتك؟
هل جمعتُ مرتبك الشهري؟
إذا كنـت بـهذا التقـريـرِ
تـوفـر خبزاً لعيـالك
سوف يشبونَ حراماً
أو كنـتَ تريـدُ شـراءَ حذاء
بدلاً ممّا أنت تهرأتَ
فأنت وتـقريركَ والـراتبُ
يا دوب حذاء
رؤساء الحانة ناموا
سامحني أنصرف الآن
فؤادي مملوء بالخمر وبالحزن
وبي شوق أتمرغ كالمُهْـر
البريِّ بـرمل بـلادي
أستنشق رائـحةَ البطيـخِ
سامحني إن كنت أسأتُ
فما قصدي والله
ولكنْ نطفَ القلبُ
وأعشق أن ألقاك غدا
في الحانة إنساناً
تقدر يا سيد إن أنت تشاء
والآن أغادر والحارة
كالعمر ترافقني
أتلذذ بالمطر الفضي
وعُمق فراغ الشارع
أحْتكُّ بأبواب الناس
كـقـط فـقد المأوى
وأصفـُر خـشية أن يستيقـظ
فـيَّ الأمس ويـرتـاب
مولاي لقد نـام مـلوك
الأرض وغلقت الأبواب
وما زالتْ بعض مطاعمُ آخر
ساعاتِ الليل هنا وهناك
وفي حاويةِ الزبلِ وبين
الأوساخِ كتابُ
أحنو وأمدُّ يدي
يـمدُّ يديـهِ إليّ
ونبكي مما أهـملـنا الأحـباب
أسمـعُ طفـلاً يثغـو في
الـمهـد وأسمعـه يـغـفـو
يا ربّ..يـشبُّ له وطن
فأنا عشتُ بلا وطن
في حاويـة الغربةِ
سيدتي نرجع للعشق
جميع الشرفـاء في هـذي الأمة أغراب
شباككِ ما زالَ بزخرفـهِ
الشـامي يـزقـزقُ
إنْ مرَّ حزينٌ آخرَ ساعاتِ الليل
وقالَ مساءَ الخير يقول له
الشباكُ صباح الخير لقد
طلعَ الفجر
وبغداد الآن تقوم من
النوم بلا ثوبٍ تمسحُ
بالطـلع مفـاتـنها
تدخـل عنـد الله وتخرج
بالشمسِ وبالشاي البصْري
الموجعِ بالنعناع
شباكـكِ سيدتي في الشام
وشباكي بغداد
وبين الأثنين من التاريخ
إلى المستقبلِ حبٌّ وعتاب
صادفنـي السيدُ ثانيةً
يا اللهُ أليسَ ينام؟
أمكتوبٌ في الشامِ علي
وفي بغداد
ولا يفـتؤ فـي كل المـدن
العربية يكتب فيَّ
بعـصتُ حكومات الذل ويـغـتاب
وتبسم صبـحُ الله
أسيرُ على غيرِ هدى
أغـمضُ عيـني عليَّ
ولم ألـقَ سوى العودة للحانة
ثانيةً فالوحدةُ قاتلةٌ والقلبُ يبابُ
ووجدت السيد قد نسيَ
التقريرَ على طاولة الخمر
مسحتُ حذائيَ بالتقريـر
البائـسِ فاحتـجَّ حـذائـي
وسّخـهُ التـقريـر
وعاودني
أني أسمع نوم الطفل
دخيلك يا الله يشب له وطن
فأنا عشت بلا وطن
وتقيّءُ لي بين النهرين تـراباً
أرقد فيه قريرَ العينِ
نعم مولاي تراب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق