الأربعاء، 16 أكتوبر 2013

حياة الكتاب

نكتب على " شيء"، هذا الشيء يتغيّر، كان الانسان يكتب على الحجر والقصب والعظم والجلد.
لا نزال الى اليوم نكتب على الحجر أو ننقش في الحجر أو القصب أو العظم أو الجلد ( الكتابة على الجلد مزدهرة عبر تقنية التاتو).
تطوّر الشيء صار ورقا خفيفا سهلا حمله ونشره، ولكنّه ظلّ بطيئا رهين اليد التي تكتب، التطوّر يتطلب التحرر، تحرر المكتوب من الورق الى حد بعيد، وتحرر من النسخ اليدويّ، صار الكتاب الواحد بفضل الطباعة...
مئات النسخ بل الوف النسخ.
كان البطء يلازم كل حاجات الكتاب قبل الطباعة، كانت كتابة الكتاب بطيئة وتوزيعه بطيئا على ظهور الجمال والبغال والأحصنة.
وصول المعلومة كان بطيئا جدا، قد يأخذ انتقال كتاب من مكان الى آخر سنة أو عدّة شهور.
السرعة مطلب لا يزال عصيّا.
الانسان يحلم ان يعيش في الغد قبل وصول الغد، يحلم بوجود مركبة تنقله في الازمان يعيش الماضي والحاضر والمستقبل. هذه الرغبة تحقّقت افتراضيا في الروايات وافلام السينما، وكل ما يتحقق سينمائيا يتحوّل مع الايام الى واقع من لحم ودم.
السينما حقيقة استباقية، معلومة تصلك بسرقة الضوء عن آت لن تسمح لك حياتك القصيرة ان تراه.
أعود الى هاجس السرعة، تجد السرعة في كل شيء، طنجرة الضغط مثلا أين قيمتها؟ أليست قيمتها في سرعتها في انضاج الطعام قبل الوقت المعتاد؟
المعلومة طبخة تحبّ أيضا اختصار الوقت، جاء الكمبيوتر بكل اشكاله حقق للكتابة ربح الوقت، تكتب ما تشاء وبكبسة زر ترسل ما كتبت نسخا بالملايين الى حيث شئت.
الانسان يحلم بالحرية، ولكن ما هي الحرية؟ الانسان رغم كل شيء وكل محاولاته عبد للوقت، أسير للوقت.
الوقت سجن قضبانه لحظان وثوان.
الفارق بين الموت والحياة ثانية أو ثوان.
الخلود حلم بشري من وقت سيدنا آدم.
ان اسم الشجرة في القرآن التي التهم منها آدم ثمرة المعصية:" شجرة الخلد"، أي شجرة الوقت الذي لا ينتهي.
المعصية لا تزال تراود ابناء آدم.
معصية الخلود.
وهي معصية جميلة وحلوة ومباركة.
أحيانا ننسى ان " المعصية" هي سرّ إعمار الأرض.
قد يظنّ البعض انني ابتعدت عن الكتاب والكتابة وانا اتناول الزمان والوقت.
الخلود قطع فسيفساء.
الكتابة قطعة من هذه القطع الكثيرة التي يقضي الانسان عمره في جمعها.
لماذا يكتب الانسان؟
الانسان ينجب الكتابة كما ينجب الأولاد.
كان الجاحظ يعتبر الكتابة من " نسل " الكاتب.
كان الانسان يحكي، يتبخر كلامه، كانت الورقة ذاكرة، يتم نقل المعلومة من ذاكرة الى أخرى.
الذاكرة خؤون، لا يعتمد عليها، من يأمن مكر خائن؟
الذاكرة كائن هشّ عمرها سنوات.
كان الحلّ تحويل الصوت الى حرف.
كانت الكلمة على علاقة مع الاذن صارت على علاقة مع العين.
انتقال من حاسة الى حاسة هو انتقال من عالم الى عالم.
كلّ الناس يحلمون.
الكتابة حلم.
وبما ان الكتابة حلم، فمن الطبيعي ان يكتب كل الناس.
تحرر الانسان من الكتابة في هذا العصر.
عصر الصورة والصوت.
ولكن في اللحظة التي تحرر فيها من الكتابة وجد نفسه اسير الكتابة.
في اللحظة التي كان يمكن للانسان ان يتحرر من الكتابة فيها وجد نفسه انه عاجز عن العيش بلا كتابة وبلا قراءة.
يمكن اخذ الدليل من كلّ الذين يكتبون رسائل قصيرة او يغردون على تويتر او يفسبكون أو...
في زمن الاستغناء عن الكتابة تعزّز حضورها.
لا اتحدث عن قيمة ما يكتب وانما عن فعل الكتابة نفسه.
وهو " فعل" يتحسّر كثيرا من لا يعرفه.
لأن الامية تحرمك حتى من قراءة صورة.
أليس التعليق على الصورة هو معنى الصورة؟
صورة بلا تعليق كتابيّ حمّالة أوجه، تلعب بالظنّ.
الصوت المكتوب يغلّف الصورة.
رغم كل السرعة الحاصلة لا تزال الفكرة تسعى الى السرعة.
قارن بين الفكرة التي في رأسك وطريقها الى الورق او الشاشة.
تجد ان الفكرة العارية جاهزة ولكن الوقت الذي تستغرقه هو الوقت الذي تستغرقه في اللباس لا في الوجود.
الانسان اليوم يسعى الى تحرير الفكرة من لباسها ليربح الوقت.
هذا المسعى هو ما يمكن ان نلاحظه في العمل على اجهزة تقرأ الافكار، والالة التي تقرأ الافكار لن تجد صعوبة في كتابتها بسرعة الضوء.
Afficher la suite

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق