الأربعاء، 2 يناير 2013

الرواية الصينية في التسعينيات إلى أين؟ / ترجمة زهرة رميج


الرواية الصينية في التسعينيات إلى أين؟
ترجمة زهرة رميج

ساهم في مناقشة هذا الموضوع خمسة نقاد صينيين مشهورين هم:
- الناقد لي دا: مدير مساعد بمكتب دراسات الإبداع لجمعية الكتاب بالصين.و هو من قام بتنشيط هذا النقاش.
- الناقد باي هوا: يعمل بدار النشر للعلوم الاجتماعية بالصين.
- الناقد وانغ بيشانغ: مدير مساعد بشعبة الفنون و الآداب بيومية " الشعب".
- الناقد يو بيجي: يعمل بمكتب دراسة الإبداع بجمعية كتاب الصين.
- الناقد بان كي كسيونغ: محرر باليومية الاقتصادية.
تناول هذا النقاش المحاور التالية:
1- أدب التسعينيات
2- وضعية الأدب
3- الواقعية الجديدة
4- ظاهرة الرواية التسعينية
تقديم لي دا:
ها نحن على أبواب القرن المقبل، و المجتمع يتقدم بدافع عوامل مختلفة من بينها الأدب الذي عرف خلال التسعينيات تغييرا جذريا - وإن جاء تدريجيا - بالقياس إلى مرحلة الثمانينيات، سواء على المستوى البيئي الأيكولوجي ومفاهيم الأدب و وظائفه وذوق العصر أو على مستوى الوعي الإبداعي و تطور إمكانيات الكتاب و ازدهار أو انحطاط بعض الأجناس الأدبية. إن عالم الأدب الحالي يبدو زاخرا بالعديد من الظواهر الجديدة التي علينا أن نبذل مجهودا كبيرا لفهمها عن طريق تبادل وجهات النظر . و هذا ما يهدف إليه هذا النقاش.
أدب التسعينيات:
* لي دا:
في التسعينيات عرف الأدب ظاهريا، تراجعا فيما يخص "الأدب النقي". ذلك أنه يتجه بطريقته الخاصة نحو التعدد. يظهر هذا جليا بالمقارنة مع أدب الثمانينيات الذي كانت الهيمنة، في أي مرحلة من مراحله، للوعي المركزي أو الفكرة المركزية داخل المدارس الستة الكبرى و هي: مدرسة المرارة، المدرسة الماضوية، المدرسة الإصلاحية، المدرسة الباحثة عن الجذور الثقافية، المدرسة الطلائعية والمدرسة الواقعية الجديدة. لقد ظهرت هذه المدارس - ما عدا المدرسة الطلائعية- في ظروف محددة إذ تمثل كل منها مرحلة من مراحل التطور الإبداعي. ذلك أنها كانت مرتبطة ارتباطا وثيقا بالسياسة و الاقتصاد و تهدف إلى تعليم شيء ما. غير أن هذه الوضعية اختلفت تماما في مطلع التسعينيات حيث أصبحت الرواية جد متعددة منها: الواقعية و الطلائعية و الهادئة و الساخرة و المؤلمة و المتشددة. و لوحظ ازدياد الميل إما إلى التسلية و إعادة الخلق أو إلى تصوير القدرية الوجودية مع اتخاذ مسافة ما تجاه الموضوع المطروح.في الثمانينيات كانت الهيمنة للقصص و المحكيات، التي على ما يبدو، تمثل التيار السائد في أدب هذه المرحلة. أما في التسعينيات، فقد أصبحت الهيمنة للتنوع . وهذا ما استقطب الكثير من القراء. كما عرفت الرواية صعودا مدهشا. خلال الثمانينيات كان "الأدب النقي" يتميز بوضوح عن "الأدب السوقي" مثلما يتميز كتاب هذين النوعين من الأدب.أما اليوم، فإننا نجدهما يتداخلان و يلتحمان ببعضهما البعض لدرجة أنه أصبح من الصعب تصنيف بعض أحسن المبيعات من "الأدب النقي" و كذلك بعض الأعمال التي تعتمدها السينما والتلفزة. ذلك أن الكثير من روايات "الأدب النقي" يستمد طرق الكتابة والمواضيع و تقنيات التشويق من "الأدب السوقي". لكن، ما يثلج الصدر أن الأدب الجاد لا يزال، على العموم، يحتل مكانته المرموقة رغم ازدهار "الأدب السوقي". وعلى أي، فحين يضعف إدراك فكرة التعليم، نجد الكتابات، من المنظور الجمالي، تتجه نحو الأحاسيس. ومن هنا بالضبط، تأتي شهرة النصوص النثرية.
و السؤال المطروح هو: لماذا تخلى العديد من الكتاب المتقدمين في السن عن الأنواع الأدبية الأخرى بينما أصبحوا جد نشيطين في مجال النثر؟ إنهم يمتلكون التجارب الغنية و المعارف الواسعة و العميقة والذوق الأدبي الرفيع و هذا هو ما ننتظره منهم. إن النثر شكل حر للتعبير عن تطلعات الإنسان المعاصر، لكن "النفعية" أضعفت قيمة المعلومة في التحقيقات و عمقت طابعها التسجيلي. ذلك أننا أصبحنا نساير حاجيات السوق، و إن كان الكثير من الكتاب قد توصل بعد تجربة عشر سنوات إلى الوعي والنضج الفكري وتخلوا عن الاستخفاف والاستعجال، وهم اليوم يعيشون حالة انسجام روحي. فالكثير من الكتاب الشباب ومتوسطي العمر يهتمون أكثر فأكثر بعمق الأفكار وجودة التقنيات. ويلعب القراء المتميزون والنقاد المتنورون دورا مهما جدا باعتبارهم وسطاء ضروريين. لذا، فإن مقومات ثقافية جديدة وأدبية متنوعة تتلاءم ومرحلة "اقتصاد السوق" سائرة في طريق التكوين.
بان كيكسيونغ:
هذا صحيح. ففي المنتصف الأول من الثمانينيات، في عهد "الأدب الجديد"، كان بالإمكان عموما،أن نلخص اتجاه الإبداع الروائي في بضع جمل فقط. في حين لم يعد من السهل القيام بذلك في المنتصف الثاني منها. و أصبح الأمر أكثر صعوبة في التسعينيات. لذا، يمكن القول بأن الرواية لم يعد لها اتجاه محدد خلال هذه المرحلة. فلكل كاتب طريقته الخاصة. مما يجعل الكتابات متنوعة جدا. هذا الميل إلى التنويع، في رأيي الشخصي، يعتبر أمرا طبيعيا و مؤشرا على تطور الرواية.
وانغ بيشانغ:
عموما، يتجه الأدب الجاد إلى استعادة تفوقه ومكانته السابقة. ورغم أنه من الصعب على الأدب أن يمارس تأثيره، إلا أن الرواية تبدو حافلة بالوعود في الفترة الأخيرة و هو ما لم يحصل منذ سنوات. فقد رأينا في البداية ظهور روايات للواقعية الجديدة وبعدها الروايات التي تتناول الحياة الطلابية سواء داخل الصين أو خارجها والتي أثارت اهتماما واسعا. و أخيرا " الروايات الأنهار"* التي ظهرت بغزارة سواء أكانت روايات ثقافية تتمحور حول العادات و الأعراف أو روايات اجتماعية حول الوجود الإنساني أو روايات طلائعية أو تاريخية أو تحقيقات. ولا تخلو الساحة الأدبية من الروايات الجديدة.ذلك أن الذوق الجمالي لدى القراء تغير و ازداد جودة على حساب القراء المتهافتين على ثقافة" الإصلاح السريع" و" ثقافة الاستهلاك".كما أن التطور الجيد للرواية يعود الفضل فيه إلى الناشرين الذين يكرسون أنفسهم "للأدب النقي".
باي هوا:
عرف أدب "المرحلة الجديدة" تغيرات غير متوقعة خلال التسعينيات.ما يطبع هذه المرحلة هو أن النزعة الإنسانية و أدب التجريب الذي يهدف إلى البحث، انسحبا من الساحة الأدبية في هدوء.و حل محلهما تصوير الحياة اللإنسانية وتطورها، وأصبح الاهتمام منصبا على الحكايات والشخصيات. وأمام هذه الحقيقة الأدبية الجديدة اقترح بعض النقاد مصطلح "ما بعد المرحلة الجديدة" . وأنا أتفق معهم لأن هذا المصطلح يؤكد العلاقة الوطيدة بين أدب التسعينيات و"أدب المرحلة الجديدة" مع التأكيد على اختلافهما. وبعبارة أخرى، فإن "أدب ما بعد المرحلة الجديدة" نشأ انطلاقا من " أدب المرحلة الجديدة" مع تطوير نقط الاختلاف بينهما .فمن الناحية الجمالية ، يبدو أن قضية الموضوع تتجه نحو الاختفاء. و من ناحية الوظيفة االفنية أصبح الاهتمام منصبا على الحكم الجمالي. و ينعكس هذا الميل الجمالي أيضا على روايات الواقعية الجديدة في التسعينيات و الروايات التاريخية الجديدة وكتابات وانغ سوو التي تصور الحياة اليومية للناس.
يو بينجي:
لا تخلو السنوات الأخيرة من الروايات والقصص والمحكيات الجيدة كما أن الأعمال التي ينطلق بها الكتاب الجدد تتجاوز غالبا من حيث قيمتها الأعمال التي أدت إلى شهرة الكتاب المبتدئين في المرحلة الجديدة.إنها ظاهرة طبيعية و حتمية. و لن يحقق هؤلاء المجد الذي حققه أسلافهم . لقد غير التاريخ مجراه. فنحن نعيش مرحلة براغماتية. لذلك لا يمكن انتقاد الركود الحالي بناء على أمجاد الماضي. و لا انتظار حدوث نفس الازدهار. ما يجب دراسته هو هذه المرحلة التجارية الخاصة. بما أن متطلبات الحكم الجمالي تتلاءم ومتطلبات الحياة اليومية، فكيف يمكن إذن الجمع بين التطلع إلى الكمال والبحث عن هذه القيمة الملموسة في الحياة اليومية المعاشة ؟ من هذا المنظور، نجد الرواية الحالية إما تبحث عن الهدوء في الماضي أو تتلمس الخطى نحو المستقبل. إنها تبحث عن التوازن وسط مجموعة من المتناقضات للوصول إلى مخرج جديد.
2 - وضعية الأدب
* وانغ:
لم يعد الأدب في السنوات الأخيرة قادرا على تحمل صدمة الموجة الاقتصادية الكبرى، إذ اتجه اهتمام القراء نحو "الأدب السوقي". ذلك أنه من الصعب تطور "الأدب النقي" في ظل هيمنة ثقافة الاستهلاك و الميل نحو السوقية.
* لي:
إن تجربتي الطويلة في مجال الأدب تجعلني أواكب، عن قرب، التحولات الأدبية. وهذا ما يجعلني أقول إن الأدب رغم مروره بوضعية صعبة ، إلا أن السوق الأدبي الصيني يبقى الأكبر من نوعه في العالم ، والقراء الصينيين الأكثر عددا أيضا. أشعر أن الأدب ينتظم خلال التسعينيات، باحثا عن صورة جديدة مليئة بالحيوية. وإذا كان الأدب قد حقق إنجازات مهمة في الثمانينيات بتخليه عن ضيق الأفق والمصلحة السياسية والدور التوجيهي ، وبعودته إلى وضعيته الأصلية، فإن أدب التسعينيات رسم لنفسه صورة مستقلة في مواجهة التحولات الكبرى للبيئة الثقافية واقتصاد السوق.
إن الكثيرمن الكتاب يدعون إلى ضرورة تكييف الأدب مع اقتصاد السوق. وهم محقون نوعا ما ، لأن اقتصاد السوق المتطور هو مشتل الحضارة الحديثة، ولكن الأدب الذي تكمن مهمته في ترجمة الوعي الجمالي و التعبير عن التطلعات البشرية ، سيجد نفسه، إذا ما خضع لهذه الحاجة فقط ، يضيع نفسه بنفسه.
*بي:إن الأدب ، و خاصة منه "الأدب النقي"، يمر بوضعية حرجة. وهذا واقع يعرفه الجميع. لذا يجب فحص هذه الوضعية من زاويتين.من جهة،لأن الأدب مارس تأثيره في مناسبات عديدة ، أصبحت الفكرة السائدة هي أن الأدب الجيد يجب أن يترك صداه وأن يكون معروفا من طرف الشعب في كل أنحاء البلاد.وهذا خطأ فادح ، لأن العوامل التي جعلت هذا الأدب مشهورا ليست في واقع الأمر "أدبية محضة".إن وظيفة الأدب الأساسية تتمثل في تمكين القارئ من إرضاء ذوقه الجمالي وتثقيف نفسه. وكل مبالغة في تضخيم دور الأدب تعتبرغير طبيعية.من هذا المنطلق يعتبر الركود الأدبي النتيجة الحتمية لعودة الأدب إلى وضعه الطبيعي. ومن جهة أخرى يتعين على الأدب ، ليس فقط أن يواجه صدمة اقتصاد السوق - التي لم يسبق لها مثيل - و إنما أن يعاني من تأثير بعض الأفكار بحيث لم يعد قادرا على تقييم كل مزاياه. اعتقد أنه يجب العمل على تحسين البيئة الثقافية الداخلية والخارجية وتشجيع ظهور كتاب يحركهم الفكر المستقل لكي يخرج الأدب من مأزقه.
3- حول الواقعية الجديدة
* لي:
أعتقد أن الواقعية الجديدة في طريقها إلى الزوال.لقد وصلت القمة ما بين 1987 و1990 .أما حاليا، فإن الرواية تتجاوزهذا الاتجاه القديم. لقد ظهرت " الواقعية البسيطة" المتميزة بحس جمالي أكبر والتي يتم فيها تصوير الحياة اليومية للناس البسطاء بدل تصوير الوجود الإنساني.فالكثير من القصص يسعى إلى تصوير البوادي و المدن و التاريخ والدول الأجنبية والمناطق الاقتصادية الخاصة.هناك علامتان تميزان" الواقعية البسيطة" عن "الواقعية الجديدة".العلامة الأولى تتمثل في كون الاهتمام الذي كان منصبا من قبل على الوجود الإنساني و مفاهيم الحياة المستقرة نسبيا قد تحول إلى وصف الحياة اليومية ورصد تحولاتها التافهة.والعلامة الثانية هي الأهمية التي أصبحت تعطى للشخصيات الواقعية ولاستقلالية الحياة بدل الشخصيات النمطية، وإن كانت ملامح النمطية لم تلغ تماما كما لم يلغ منطق إصدار الأحكام حول الإنسانية.و بدل البحث عن الجذور الثقافية و عن سر الوجود الإنساني أصبح الاهتمام منصبا أكثر على المشاعر العفوية للشخوص تجاه الأشياء التافهة. هذا هو التطور الحديث للذائقة الجمالية عند القصاصين و الروائيين.
* بان:
فيما يخص ازدهارالواقعية الجديدة في الرواية والقصة والمحكيات الصادرة في السنوات الأخيرة من الثمانينيات و التي تطورت في التسعينيات، يمكنني تلخيص وجهة نظري في ثلاث نقط.
الواقعية الجديدة ليست مصطلحا نظريا محضا، إذ لو اعتبرناه كذلك لوجدنا ثغرات كثيرة على المستوى النظري.إن جوهر هذا المصطلح و انطلاقه يظلان غير محددين. لذلك لا يمكن تحديد هذه الظاهرة الأدبية بكل دقة. و أنا أتقبل هذا المصطلح فقط لكونه مستعملا ويسهل عملية التواصل.
يجب التمييز بين نظرية الواقعية الجديدة والتطبيق الإبداعي.فرغم أن الواقعية الجديدة تحاول أن تشمل العملية الإبداعية إلا أن هذا المجهود لم ينجح إلا نسبيا. إذ نجد الظواهر الإبداعية أكثرغنى وتعقيدا مما تلخصه نظرية "الواقعية الجديدة".
إن الأعمال الروائية المحسوبة على "الواقعية الجديدة" هي في الواقع متنوعة جدا. إذ أن أعمال الكتاب الواقعيين لا تختلف فيما بينها و حسب، بل وتختلف كتابات الكاتب الواحد نفسه .بحيث لا يمكن حصرها كلها في خانة واحدة هي "الواقعية الجديدة".
* وانغ:
" الواقعية الجديدة" مصطلح عائم جدا ، غير أن هناك إجماع في الرأي على الاعتراف به كواقع أدبي نظرا للنتائج المحصل عليها. لكن على المستوى النظري لا تزال النقشات مستمرة. أعتقد أن "الواقعية الجديدة" تتلاءم مع التوجه الثقافي للعصر، وهذا هو السبب في كونها موضوع نقاش. فأمام مرحلة تتحول فيها باستمرار الأفكار والقيم والسلوكات و االبحث عما هو روحي ، هناك المزيد من حرية في اختيار نمط الحياة من جهة ، وعدم قدرة الناس على تحمل المعاناة النفسية كما في الماضي من جهة أخرى . والحياة عندما تكون في قمة التحول تؤدي إلى عدم الاستقرار.إنها ظاهرة تناقضية هامة جدا. لقد أصبحت المنافسة في تزايد مستمر ومستوى الحياة يتنوع وإيقاعها يتسارع أكثر فأكثر. بينما تتجه ذائقة الناس أكثر فأكثر نحو السوقية والبساطة. إن الثقافة الرديئة، كثقافة "الإصلاح السريع" وثقافة "الاستهلاك"، أصبحت هي الموضة السائدة. وأمام هذه الوضعية يجد الكتاب أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما. فإما الانصهار في الرداءة أو التميز عنها. في الحالة الأولى نلاحظ تزايد عدد قراء الكتابة السوقية وعدد الكتاب الملتزمين بهذا النوع من الكتابة. في الحالة الثانية، نجد كتاب الواقعية الجديدة يركزون على الطابع الواقعي للأدب بتجسيدهم لظاهرة التنوع ومقاربتهم للواقع الثقافي للعصر. إن روايات "الواقعية الجديدة" تتكيف، في الواقع، مع ذوق القراء المعاصرين. لقد ورثت روح الأدب الواقعي التقليدي باقترابها من الحياة اليومية على مستوى المضمون وبتوافقها مع الثقافة الشعبية من الناحية الروحية. و لهذا فالواقعية الجديدة التي لا تمتلك أي جديد لا يمكنها أن تصبح نظرية قائمة بذاتها. خاصة وأن رواياتها تفتقر إلى الروح الفلسفية والميتافيزيقية. ومع ذلك، فالكتاب الواقعيون الجدد ينتمون بحكم الواقع إلى الإبداع الأدبي المعاصر. ورغم أن الواقعية الجديدة لم تحصل على نجاح باهر إلا أنها تبقى مقبولة لفترة من الزمن.
من جهة أخرى، أعتقد أن انتشار روايات الواقعية الجديدة يعكس حنين الثقافة المعاصرة إلى الروح الكلاسيكية. ذلك أن العمق الإنساني للروايات الواقعية الجديدة يرتكز على الأخلاق والثقافة التقليدية الموروثة مع الاختلاف عنها من حيث طريقة التفسير التقليدية. فمثلا، حسب النظرة التقليدية، نجد البطل يتعاطف مع الضعفاء. يعاقب الشرير ويدافع عن الخيّر. وينال كل واحد جزاء ما يقوم به من أفعال. بينما نجد الرواية الواقعية الجديدة تلجا إلى وسائل مختلفة تماما. إذ تبدو ملامح الشخوص ومصائرهم غير ثابتة. والحياة غرائبية وبدون منطق. وإن كان التجسيد الثقافي يبقى هو نفسه. حاليا تعرف الرواية الواقعية الجديدة تراجعا ملحوظا. فأمام الإغراء القوي لثقافة السينما والتلفزيون نجد بعض الكتاب الواقعيين الجدد يغازلون من حين لآخر "الكاميرا". يضحون بالتصوري لصالح الواقعي وبالمضمون لصالح الشكل . إذ لم تعد هناك حساسية كبرى تجاه جودة الأعمال الروائية. لقد اتبعت الواقعية الجديدة في تجسيدها للحياة، اتجاهين هما : البحث في الحياة المعاصرة و العودة إلى التاريخ. والملاحظ أن روايات الاتجاه الثاني في تزايد مستمر. فالكتاب، ببحثهم عن العلاقة بين التاريخ والعصر الحاضر، يسعون إلى الكشف عن الضرورة التاريخية للحياة الإنسانية وأن يضعوا شخوصهم في النفق الطويل للتاريخ و الثقافة، خالقين بذلك، عددا كبيرا من الروايات التاريخية الجديدة.
* باي:
من الواضح أن "الواقعية الجديدة" التي ظهرت أواخر الثمانينيات كإجراء واقعي جديد يهتم بتصوير الحياة الإنسانية في أبسط مظاهرها، قد عرفت تطورات جديدة خلال التسعينيات. في البداية كان الكتاب الذين يمثلون هذا الاتجاه أمثال فانغ فانغ و شي لي و ليو زينونغ ، يعبرون بطريقة متميزة عن الأحاسيس المختلفة تجاه الحياة. لكن هؤلاء الكتاب أنفسهم، أصدروا أعمالا جديدة لم تعد تصور حياة الناس البسطاء وإنما تعالج الأجواء الثقافية والبيئية المحيطة بالإنسان؛ مما أضاف إلى " الواقعية الجديدة مميزات أخرى.
إن دلالة ظهور و تطور "الواقعية الجديدة"، في رأيي، لا تكمن فقط في كونها مدرسة جديدة وإنما في كوننا استطعنا التوصل إلى تغيير المفاهيم القديمة للواقعية بفضل ممارسة فنية ناجحة. كما أن "الواقعية الجديدة" لها تأثير قوي على كافة الأوساط الأدبية المعاصرة. وهذا ما يثير الانتباه إلى الإمكانيات العديدة التي تتوفر عليها وإلى كيفية تعامل الفن مع الحياة كما هي.
* يو ":
من جهتي، أعتقد أن بالإمكان رؤية أسباب ظهور "الواقعية الجديدة" من زاوية أخرى . في السنوات الماضية عندما كانت الرواية في أوجها، لم يكن هناك نقاش حول "الأدب السوقي" و"الأدب النقي" في مجال "الأدب الجاد". كل الآداب كانت تعبر آنذاك، بشكل مباشر عن أحاسيس الناس و عن الحياة في عمومياتها . وكانت الإبداعات تجسد نموذجا جماليا مناسبا وثابتا نسبيا. فيما بعد، عندما تطور "الأدب النقي" متميزا عن الأدب الشعبي والسوقي في بحثه عن الجديد والمختلف، ظهر اتجاه غير طبيعي ومبالغ فيه. فظهور الواقعية الجديدة والروايات التاريخية مكنت الرواية من التحاور بشكل أفضل، مع الحياة ومن تصوير أحاسيس عامة الناس. وهذه العودة إلى التقاليد تعتبر في حد ذاتها ضربا من الإبداع. ف"الأدب النقي" وهو يراجع نفسه، انفتح على التقاليد وساهم بذلك في استكمال بناء الأدب عموما.
4 - ظاهرة الرواية في التسعينيات
* لي:
لربما تستحق ظاهرة الرواية، في الظرف الراهن، اهتماما أكبر. إذ خلافا لما يعتقد، فإن التقنيات الروائية تزداد إتقانا و بشكل سريع. لقد باعت إحدى المكتبات في يوم واحد أربعة آلاف نسخة من رواية واحدة. و حسب صاحب هذه المكتبة، فإن أعمال "الأدب النقي" لا تزال تسيطر على السوق ما دامت تعكس الذوق الرفيع و تكتب بطريقة جيدة. وهناك روايات أعيد طبعها مرات عديدة. أي أكثر من مائة ألف أو ثلاثمائة ألف نسخة. والسؤال المطروح هو: لماذا ينصب اهتمام القراء على الروايات، في الوقت الذي نجد فيه وتيرة الحياة متسارعة ووسائل للترفيه منعدمة؟ الأكيد أنه بعد سنوات من التيه والاضطراب، هناك رغبة ملحة في إيجاد سند روحي وقراءة الروايات في جو هادئ. و تتميز الروايات الحالية، على المستوى الإبداعي، بميزتين رئيسيتين: بعضها تاريخي مثل الروايات الملحمية وبعضها الآخر ذاتي يتناول الكثير منها حكايات الحب و الجنس .
* بي:
رغم أن الروايات كلها ليست من نفس النوع، إلا أن القراء يتهافتون عليها. وهذه ظاهرة يجب على الأوساط الأدبية أن تفكر فيها بجدية. وهي في اعتقادي، تبين بأن بعض دارسي الأدب المتشددين لا يزالون متشبثين بمهامهم في مواجهة صدمة اقتصاد السوق . وهو عمل أعطى ثماره. وهذا ما يدفعنا إلى التشبث ببعض الأمل الأدبي في ظل أزمة اقتصاد السوق. ومن جهة أخرى، تبين هذه الظاهرة بأن القراء لم يفقدوا بعد الذوق الأدبي الرفيع، وأنهم لا يزالون يتوقون إلى الأعمال الروائية الجيدة.
* وانغ:
إن الروايات تعرف حاليا انطلاقة كبيرة. فهي ذات جودة عالية بالمقارنة مع القصص والمحكيات. كما أنها سجلت المزيد من التطور مقارنة بما كانت عليه في الماضي. والجديد في الإبداع الروائي يتمثل في كون المستوى العام للروايات، الذي يعد هاجس الكثير من الكتاب، قد أصبح متوازنا، وأن الكثير من الأعمال اقتحمت ميادين جديدة في تعاملها العام مع الحياة والفن وذلك بقيامها بأبحاث جديدة. وبالرغم من كون المستوى الفني للكتاب ليس متوازنا، إلا أنهم بدأوا يعون تدريجيا، أهمية البحث عن البنية الروائية والأسلوب. وأصبح الروائيون، على مستوى الثقافة التاريخية، يولون أهمية خاصة للتجارب والأحاسيس. ويركزون في تجسيدهم للتاريخ - الذي يعشقونه - والحياة الإنسانية على عملية تطور الحياة والبحث عن القيمة التاريخية.
* بان:
أعتقد أن الروايات الصادرة في التسعينيات تستحق تأملا عميقا، إذ لا تخلو هذه الروايات من أعمال واقعية جيدة. غير أن هناك أيضا أعمالا كثيرة لا يمكن تصنيفها ضمن الروايات الواقعية. هذا التنوع لم يكن موجودا بالتأكيد، في الإبداع الروائي للثمانينيات. وبالرغم من عدم وجود روايات ناجحة جدا، إلا أن كل رواية تتوفر على خاصية أو عدة خصائص تميزها عن غيرها. و هذه الخصائص هي التي تكشف أحيانا، عن تغيرات هامة في مسار الكاتب.
أمام هذا التنوع في الإبداع الروائي و تطبيق اقتصاد السوق، بدأت الأوساط الثقافية تعمل أيضا على تحسين المظهر الخارجي للكتاب. ذلك أن العوامل التجارية السائدة لا تزال تشكل عائقا يحول دون معرفة الجمهور للروايات المتنوعة جدا. وهذا يتطلب، أكثر من أي وقت مضى، نقدا أدبيا مستقلا يكشف الحقيقة للقراء.
ترجمة : الزهرة رميج
عن مجلة " الأدب الصيني" العدد الأول لسنة 1998
نشرت بمجلة: "نوافذ" لترجمة الأدب العالمي / النادي الأدبي الثقافي بجدة (31 ) مارس 2005

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق