ظلت الشخصية المصرية عرضة
للأخذ والرد وتضارب الآراء في كتابات الرحالة والمؤرخين ووجدت العديد من التحليلات
لها بدءاً من هيرودوت واسترابون وامتداداً عبر العصور إلي ابن زولاق والكندي
والسيوطي وابن جبير، العبدري، وابن خلدون، والمقريزي وغيرهم العديد من الذين أكدوا
علي أن للمصريين شخصيتهم المتفردة وسماتهم المادية والثقافية المميزة التي تفردهم
عن غيرهم من الشعوب وكانت نظرة التأرجح عند المؤرخين دافعاً لأن جاءت النصوص
التاريخية محملة بسمة (النزوع الأسطوري والخرافي) في سياق حديثهم عن السمات
والخصائص المميزة للمصريين.
وقد نهض (المحتسب التنسيي) على تلك النزعة في سياق وصفه لأخلاق أهل مصر في مدينة تنيس – المندثرة سنة 624هـ- بقوله:" وطالع تأسيس هذه المدينة برج الحوت وصاحبه المشتري، السعد الأعظم، وصاحب الشرق الزهرة؛ لذلك كثر طرب نفوس أهلها، وفرحهم، ورغبتهم في مداومات اللذات واستماع الأغاني ومواصلة المسرات"
وانساق الرحالة والمؤرخون لهذا النزوع الخرافي عندما ربطوا بين طالع السعد وأخلاق أهل القاهرة بقولهم:" ووضع البناءون الأساس في لمح البصر, فبُهِتَ المنجمون وصاحوا قائلين "القاهرة" والقاهرة اصطلاح للمنجمين يطلق على المريخ جلاد الفلك، فلذلك السبب لا تنقطع الدماء والقتال والنزاع والفتن والفساد عن القاهرة المعزية التي سميت بهذا الاسم لوضع أساسها في طالع المريخ"
ولعبت الأساطير والحكايات الشعبية دوراً في وصف علاقة المرأة بالرجل في مصر فيقول المقريزي في سياق وصفه لأسماك النيل أن به سمك يسمي الرعَّاد قيل عنه :" إذا علقت المرأة شيئاً من الرعَّاد عليها لم يطق زوجها البعد عنها" . كما لجأت بعض النساء إلى التحكم فيهم حتى أننا نسمع عن بعض السلاطين والحكام ـ كالسلطان إينال ـ أنهم استسلموا لزوجاتهم حتى أصبحت الواحدة منهن على جانب كبير :"من نفوذ الكلمة ووفور الحرمة في الدولة وطواعية السلطان لأوامرها " وفي هذه الحالة يصبح السلطان أو الأمير :"لا اختيار له معها " .
وعلى الرغم من سمو مكانة المرأة المصرية , ونيّلها من حقوقها في مختلف عصورها ما لم تنله امرأة في مجتمع آخر , وعلى الرغم من نشاط المرأة المصرية في مجال السياسة والآداب فإن أغلب الكتابات الأدبية لم تصور لنا إلا جانباً واحداً هو وصف جمالها وما يرتبط به من زينه وفتنة وبواعث الحب أو الجنس ومظاهر إعجاب الرجال بها والتي لعبت فيها الأسطورة والخرافة دورها الفاعل. حيث كانت زينتها أحياناً وشماً تدقه على خدها . فترسم بالمسك صورة عقرب أو ثعبان إثارة أو إغراء أو معتقد في جذب الرجال إليها, فالمرأة المصرية هنا قد توحي للرجل وتناديه حينما تحذره من الاقتراب أو تخيفه من العقرب أو الثعبان. ومع ذلك فلا بأس بهذا اللدغ, ولا بأس من الاقتراب.فالشاعر ابن عرام يصف حبيبته بالقسوة , ومع ذلك فإنه يقبلها علي الرغم من أن العقرب يلدغه :
مَنْ مُعيني على اقتناصِ غزالٍ ** نافرٍ عن حبائلي روَّاغ
قلبهُ قسوةً كجلمودِ صخرٍ** خدُّه رِقةً كزهرِ الباغِ
كلما رمْتُ أن أُقبَّل فاه ** لَدَغَتْني عقاربُ الأصْدَاغِ
فلقد احتل كل من الثعبان والعقرب ركناً مهماً في قائمة الأشكال الحيوانية والنباتية التي كانت المرأة المصرية تقوم بوشمها على بدنها بما تحمله تلك الأشكال من رموز ودلالات تعكس بالضرورة بعضاً من رواسب أفكار أقدم.
الموروث الشعبي الذي يربط بين المرأة المصرية وكل من العقرب والحيَّة نجد تصويره عند القاضي الفاضل حيث يعترف بفتنة العقرب , ولكنه اكتشف أن لها رقية تعجزها عن اللدغ وتكف أذاها آلا وهى القبلات:
حدِّثْنا يا فتى وأخبرنا ** وأيما شئت منهما فقلْ
عن حيَّةٍ في الخدود ظالمةً** تمنع من شمَّ وردها الخضلْ
إن لها رقيةً مجربةً ** وإن ألفاظها من القبل
ويصور القاضي الفاضل زينة المرأة المصرية وما بها من وشم للحيَّة على الخد فيقول:
من حيَّةٍ في الجمْرِ ما احترقَتْ ** والجمرُ فوق الخدِّ ما اشتعَلا
لو أنها تلك التي انقلبتْ ** يوم العصا لم يعصِ من جهلا
لعل ذلك ما دفع بالعديد من الكتابات التاريخية أن تصف المرأة المصرية بالتسلط والسيطرة، وتصف الرجل المصري بقلة الغيرة على امرأته مستعينة في ذلك كله بشواهد الأساطير والخرافات الممزوجة ببعض القصص الديني، مثال ذلك: ما روَّجه ابن عبد الحكم من أساطير حول غرق (فرعون موسي) وجنوده فيقول: "وكان نساء أهل مصر حين غرق من غرق منهم مع فرعون من أشرافهم، ولم يبق إلا العبيد والأجراء لم يصبرن عن الرجال, فطفقت المرأة تعتق عبدها وتتزوجه وتتزوج الأخرى أجيرها، وشرطن على الرجال ألا يفعلوا شيئا إلا بإذنهن، فأجابوهن إلي ذلك فكان أمر النساء على الرجال، والقبط على ذلك إلي اليوم أتباعا لمن مضى منهم لا يبيع أحدهم ولا يشتري إلا قال: أستأمر امرأتي.." ويضيف المقريزي:" ولهذا أيضاً صارت ألوان أهل مصر سمرا من أجل أنهم أولاد العبيد السود الذين نكحوا نساء القبط بعد الغرق واستولدهن" "فأنسابهم مختلطة لا يكاد يتميز منهم القبطي من الحبشي من النوبي" وذلك بتدبير من الملكة دلوكة التي استطاعت أن تقود مصر في ظل فراغ سياسي وأمني آنذاك بها قامت به من تدريب." فلم تزل مصر ممتنعة بتدبير تلك العجوز نحوا من أربعمائة سنة".
والناظر في الخرافات التي دارت حول قوة وشكيمة المرأة المصرية يدرك أنها تأثرت بالقصص العربية في العصر الجاهلي، فقد أورد لنا ابن فضل الله العمري ما استعاره الوجدان الشعبي من مضمون لقصة (الزباء ملكة الجزيرة) دون التفاصيل في سياق الحديث عن بناء مدينة الإسكندرية حين سَلكَ مسلكاً مغايراً فتقول الرواية: " إن الذي بني الإسكندرية أول أمرها : جبير المؤتفكي ، وإن الذي دعاه إلي بنائها ، إنه غزا بعض النساء اللواتي ملكن مصر، وكان اسمها ( حورية بنت البرت) وأنه لما طال بينهما الحرب أنفذت إليه تقول: إني قد رغبت في أن تتزوجني، فيصير ملكنا واحداً ودارناً واحداً... فأجابها وعقد النكاح علي ما كان يعتقدون، والتمس الدخول بها فقالت: إنه يفتح بي وبك أن نجتمع في غير مدينة تبنيها لهذا الأمر في أحسن موضع وأجل مكان, وحيث لم يكن فيه بناء قط غير ما تبنيه . وإنما كان ذلك منها مكراً به لتنفذ أمواله وتبلغ منه ما تريد في لطف وموادعة، فأجابها وأنفذ مهندسين إليها واختارت موضع الإسكندرية فكان كلما بني بناء خرجت دواب البحر عبثت به وهدمته فأقام زماناً, ونفذت الأموال فوضع طلمسات وجعلها في آنية زجاج كالتوابيت، فكانت في الماء حذاء الأبنية ، فإذا جاءت دواب البحر فرأت الطلمسات والتوابيت نفرت فثبت البناء وبنيت المدينة، وتمت بعد زمان طويل ثم راسلها في المسير, فسارت بجميع قللها وعساكرها حتى نزلت حذاء عسكره وراسلته : " إني قد أحببت أن أحمل عنك مؤونة الأنفاق علي العسكريين في أطعمة تصلح وأشربه، وقد أعددت لوجوه الأمراء والقواد خلعاً وتحفاً عنك لكرمك في بناء المدينة.... فتلقاهم أصحابها بالخلع المسمومة.فلبسها وجوه العسكر،ولبس الملك جبير خلعته، وكانت أقل سماً من غيرها، إبقاء عليه لتبقي فيه بقية لخطأ بها فما أقاموا إلا ساعة بالخلع حتى طفئوا, وماتوا ورأي ذلك بقية العسكر فعلموا موضع الحيلة فبادروا مستأمنين فنودى فيهم بالأمان... ودخلت الملكة المدينة وأقامت بها زمانا وعادت إلي مصر.."
فالقراءة الأولية للحكاية التي نقلها لنا الرحالة ( ابن فضل الله العمري) عن دهاء المرأة المصرية تؤكد أن عناصر حكاية ( مصرع الملكة زباء) سواء عناصرها التحليلية أو الأولية للحكاية لم تغب عن الضمير الشعبي وخياله الخلاَّق، بل استحضرها بشخوصها وأحداثها ووقائعها ورموزها، أو على الأقل فيما يتصل ببعض العناصر التي تقاطعت مع النص المصري للحكاية على نحو ما جاء في الحكاية التي نقلها لنا ( ابن فضل الله العمري) في عنصر السم – على سبيل المثال- وكذلك في مجال اسم الشخوص، وهكذا ينطوي التنَّاصْ هنا – في ضوء مفهومي الاستدعاء والتحويل- على معنى التداخل والتوالد, والتفاعل المضمر, أو غير المباشر بين النص الجاهلي العربي وبين النص الشعبي المصري .فقد قام الخيال الشعبي ببراعة بتحويل هذه الاستدعاءات الشعبية أو هذه المرويات السردية التاريخية وصهرها وأذابها في النص الخاص بالحديث عن المرأة المصرية وعلاقتها ببناء مدينة الإسكندرية وتطورها، وقدم لنا مجموعة من آداب السلوك تتلخص في وجوب أعمال الحيلة للخروج من المأزق إذا لم يستطع المرء مواجهته.
وفي تعميم غير منطقي تصف الروايات الشعبية المرأة المصرية بالتسلط والسيطرة وتصف الرجل المصري بقلة الغيرة على امرأته، فيقال:" ومن أخلاق أهل مصر قلة الغيرة، وكفاك ما قصة الله سبحانه وتعالى من خبر يوسف u، ومراودة امرأة العزيز له عن نفسه, وشهادة شاهد من أهلها عليها, بما بيَّنَ لزوجها منها السوء ،فلم يعاقبها على ذلك بسوي قوله: "استغفري لذنبك أنك كنت من الخاطئين" .
وتعلق الكتابات التاريخية بقولها :" فكما أن عزيز مصر كان مغلوباً لامرأته زليخا، فإن المصريين لا يزالون مغلوبين لنسائهم وخدمهم ميالين للطرب واللذة والصفاء والشقاء رغم أنوفهم" وتذهب الروايات إلي الحد الذي تجعل عنده هذا الأمر سمة من سمات البيئة المصرية فقد أورد ابن عبد الحكم: " وأخبرني الأمير الفاضل الثقة ناصر الدين محمد بن محمد بن الغرابيلي الكركي رحمه الله: أنه منذ سكن مصر يجد في نفسه رياضة في أخلاقه ، وترخصا لأهله، وليناً ورقة طبع مع قلة الغيرة". وهو ما أنكره (ابن الحاج) في قوله:" وهذا فيه من المحرمات وجوه كثيرة، وكل من يعاينهم من الناس سكوت، لا يتكلمون، لا يغيرون، ولا يجدون لذلك غيرة إسلامية". وقد علل ابن ظهيرة هذا السلوك بقوله :" عدم الاعتراض علي الناس، فلا ينكرون عليهم ولا يحسدونهم ولا يدافعونهم بل يسلمون لكل أحد حاله، العالم مشغول بعلمه, العابد بعبادته، والعاصي بمعصيته ,وكل ذي صنعة بصنعته ولا يلتفت أحد إلي أحد, ولا يلومه بسبب وقوعه في معصية أو نقيصة " .
ويتداخل الخيال مع الأسطورة لدي من وصف المصريين سواء كان مؤرخاً أو كاتباً، فيربط البعض منهم بين الأحوال الفلكية, وسمات أهل مصر؛ يقول المقريزي: " إن منطقة الجوزاء تسامت رؤوس أهل مصر فلذلك يتحدثون بالأشياء قبل كونها، ويخبرون بما يكون وينذرونه بالأمور المستقبلة، ولهم في هذا الباب أخبار مشهورة".
يشير المقريزي إلي تلك الحاسة ويرجعها إلي عوامل بيئية جغرافية تتصل بموقع مصر وعلاقته بالنجوم والأفلاك, ويلحظ المرء بروز الاعتقاد في تأثير النجوم في طبائع الناس وأحوالهم ويشير ( أبو الصلت أمية بن عبد العزيز الأندلسي) إلي ذلك فيقول :" المصريون أكثر الناس استعمالاً لأحكام النجوم، وتصديقاً لها وتعويلاً عليها وشغفاً بها، وسكوناً إليها .حتى أنه قد بلغ من زيادة أمرهم في ذلك إلي أن لا يتحرك واحد منهم حركة من الحركات الجزئية التي لا تحصر فنونها ولا تحصل أجزاؤها وأنحاؤها ولا تضبط جهاتها، ولا تقيد غاياتها ولا تعد ضروبها إلا في طوالع يختارونها ونصب يعتدونها".
ويستشهد صاحب الرسالة المصرية علي ما يقول, بحكاية يرويها :" ولقد شهدت يوماً رجلاً من الوقادين في آتون الحمام يسأل رزق الله المذكور- أحد المنجمين- عن ساعة حميدة لقص أظفاره فتعجبت من سمو همته, علي خساسة قدره ووضاعة مهنته ".ويضيف إلي ذلك قوله: " ومن الحكايات العجيبة, في فرط استعمالهم لأحكام النجوم ,وعنايتهم بها؛ ما شهدت بالصعيد الأعلى وذلك أن بعض الولاة حبس رجلاً من بعض أهل تلك الناحية كان ينظر في علم النجوم وشفع إليه فيه من يكرم عليه فشفعه فيه, وأمر بإطلاقه, وكان من الحبس في عذاب واصب, وجهد ناصب, فلما أتوه وقالوا له: انطلق لشأنك. أخرجَ من كمه اصطرلاباً, فنظر فيه فوجده مذموماً، فسألهم أن يتركوه مكانه إلي أن يتفق وقت يصلح للخروج من السجن, فعادوا إلي الوالي, فأخبروه بخبره فضحك منه, وتعجب من جهله وفساد عقله وأجابه إلي سؤاله وتركه علي حاله, وأطال مدة عقابه" .
هكذا بلغ الاعتقاد في النجوم والطوالع وتأثيرها في أحوال الناس الحد الذي جعل وقاداً في أحد الحمامات يستشير النجوم قبل أن يقص أظافره, وجعل ذلك المنجم يرفض الخروج من السجن حين أتيح له ذلك بعد شفاعة أحد المتشفعين، لأن الوقت لم يكن مناسباً حسبما قالت له الأبراج. كانت تلك سمة من سمات ذلك العصر في تلمس كل السبل للتنبؤ بالغيب حتى انتشرت الوسائل المتعلقة بها وتنوعت تلك الأمور ما بين ضرب الرمل واستنطاق الودع، وفتح المندل والاستخارة بالرؤية وبالقرآن الكريم حتى أنكر ابن الحاج ذلك علي المصريين بقوله: " أما الباطل فهو زعمهم في فتح الختمة والنظر في أول سطر يخرج منها أو غيره".
واضطلع العديد من الناس بهذه المهام ليقدموا للإنسان اللاهث وراء المجهول كل ما يرضيه أو يطمئنه علي المستقبل أو ينذره من ويلاته وحسبنا هنا مشاركة المؤرخ العيني (855هـ) حيث أشار في حديثه عن (السلطان الظاهر ططر) بقوله : " وكانت توليته في ساعة أجمع عليها أهل الحساب أنها تدل علي طول أيام مولانا السلطان خلد الله ملكه مع عافية وأمن وسرور . ثبت الله أركان دولته وأيام سطوته وعزته ". بيد أن " ساعة السعد" التي أشار إليها العيني لم تكن كذلك فقد تبوأ السلطان (سيف الدين أبو الفتوح ططر) في يوم ( 29 من شهر شعبان عام 824هـ ) ولم يمهله القدر في حكم مصر أكثر من تسعين يوماً لا غير.
ويُوردُ المقريزي أخبار واقعة تدل علي ما ذهب إليه من أن المصريين يتحدثون بالأشياء قبل كونها ويخبرون بما يكون فيقول" ومن هذا الباب واقعة ألدمر ذلك أنه خرج الأمير ألدمر أمير جندار يريد الحج من القاهرة في سنة ثلاثة وسبعمائة وكانت فتنة بمكة قتل فيها ألدمر يوم الجمعة. فأشيع في هذا اليوم بعينه في القاهرة، ومصر وقلعة الجبل بأن واقعة كانت بمكة قتل فيها ألدمر، فطار هذا الخبر في ريف مصر، واشتهر فلم يكترث الملك محمد بن قلاوون بهذا الخبر فلما قدم المبشرون علي المادة أخبروا بالواقعة وقتل الأمير سيف الدين ألدمر في ذلك اليوم .الذي كانت الإشاعة فيه بالقاهرة". وأورد المقريزي أكثر من واقعة مشابهة ثم ينتهي إلي القول" وفي هذا الباب من هذا كثير"
وهكذا ظهر المصريون وكأنهم اطلعوا علي علم الغيب، ويخبرون بما يكون وينذرون بالأمور المستقبلية, وكأنهم استلقوا السمع, ولم يتبعهم شهاب ثاقب, وكأنها سمة اتسم بها المصريون منذ أقدم العصور , حيث تنبؤا بطوفان نوح بعد أن " نظروا فيما تدل عليه الكواكب مما يحدث في العالم وعلموا أن تلك الآفة تكون ماء يغرق الأرض ومن عليها فأمر الملك ببناء الأهرام". كما تنبؤا بالمجاعات التي سوف تلم بمصر كقول المقريزي :"ثم وقع الغلاء في زمن أتريب بن مصريم, ثالث عشر ملوك مصر بعد الطوفان , وكان سببه أن ماء النيل توقف جريه مدة مائة وأربعين سنة , فأكل الناس البهائم حتى فنيت كلها...فأوحى الله سبحانه وتعالى إلى هود u .أن أبعث إلى أتريب بمصر أن يأتي لحف جبلها , وليحفر بمكان كذا ...فإذا عقود قد عقدت بالرصاص , وتحتها غلال كأنها وضعت حينئذ , وهى باقية في سنبلها لم تدرس , فمكثوا ثمانية شهور في نقلها , وزرعوا منها وتقوتوا نحو خمس سنين , فأخبره أخوه صابر بن مصريم أن أولاد قابيل بن آدم u لما انتشروا فى الأرض وملكوها , علموا أن حادثة ستحدث في الأرض , فبنوا هذا البناء , ووضعوا فيه الغلال . فزرعت مصر وأخصبت ".
ويكشف لنا صاحب الرسالة المصرية عن بعض الجوانب المتعلقة بفكر المصريين وتاريخهم فيقول :" وحكى الوصيفىُّ في كتابه الذي ألفه في أخبار مصر أن أهلها في الزمن السابق كانوا يعتقدون أنَّ هذا العالم ,الذي هو عالمُ الكون والفساد أقام برهةً من الدهر خالياً من نوع الإنسان , وعامراً بأنواع أُخَر غير الإنسان , وأن تلك الأنواعَ مختلفة على خِلق فاذَّة وهيئات شاذَّة ثم حدث نوع الإنسان فنازعَ تلك الأنواع فغلبها واستولى عليها , وأفنى أكثرها قتلاً وشرَّد ما بقى منها إلى القفار , وأن تلك المشَّردة هى الغيلان والسعالي وغير ذلك , مما حكاه من اعتقاداتهم المستحيلة , وتصوراتهم الفاسدة , وتوهماتهم النافرة ."
وعلى الرغم من رأي أبي الصلت الذي حسب فيما أورد من رأي ذاع عن المصريين القدماء أنه يؤكد رأيه في عقلهم واعتقاداتهم , إلا أنه في الحقيقة أورد ـ ربما دون أن يقصد ـ ما يعني أن المصريين القدماء قد اقتربوا من فكرة نظرية النشؤ والارتقاء . فلا شك أن عبارة أبي الصلت هي من المتلقيات العامة والمتيسرة عن معرفة ما تبقى في الأذهان من أفكار كاملة شاعت عند المصريين وذاع أمرها , حتى تناقلها العوام بهذه الصورة المحرفة والمشوشة والمشوهة شأنهم في ذلك شأن العوام في كل مكان وعصر . كما نلمس أن معلومات أبي الصلت عن فكر المصريين وتاريخهم ورجالهم تختلط فيها بقايا معرفة حقيقية لها أصولها الأولى الحقيقية , بحكايات خرافية , في نسيج متنافر من بقايا العلوم والثقافات .
ويبدو أن ظروف العصر قد ساعدت الخرافات والأساطير على التغلغل والتسرب إلى نسيج المجتمع إضافة لما كان يحدث فيه من ضربات موجعة للمسلمين لأول مرة في تاريخهم تحت وطأة الحروب الصليبية واقتطاع أجزاء من المنطقة الأمر الذي كان له انعكاسات واضحة على النظام القيمي والأخلاقي في العالم العربي, فامتلأت النفوس بالغضب ومشاعر الإحباط والمرارة التي زادت من حدتها أعداد اللاجئين الهاربين من وحشية الصليبيين عند كل هجوم جديد فشعر الناس في المنطقة العربية بمدى عجز الحكام , وامتلأت النفوس في كل مكان بروح العجز , وشاعت روح من التقوى السلبية , والتدين العاطفى الهروبي , وقد تجسد هذا كله في التفاف عامة الناس حول نمط المتصوفة /الدراويش والمجاذيب كأحد مظاهر التعبير عن روح اليأس , والهروب إلى المجهول , والتي سيطرت على قطاعات كبيرة من سكان المنطقة العربية , والتي تركت أيضاً العديد من الأفكار المحملة برواسب الرؤى والأحلام التي يرى فيها النائم النبي r أو الاجتماع بسيدنا الخضر u . كتعبير عن الآمال التي تجيش في نفوس الناس حيال الواقع المرير الذي يعيشونه , فأصبح معتاداً أن يتكلم المتعلمون عن القيامة وأحاديث آخر الزمان , وبالخرافات التي شاعت حول عذاب القبر ونعيمه, والاعتقاد والتسليم بالخوارق والمعجزات ,والتي عكست أثر الشخصية المصرية على هذا النوع من الأخبار والقصص في التعبير عن اعتقاد الناس في كرامات الأولياء وشفافية النفس المصرية في تقبلها تلك الأمور الغيبية عن إيمان وصدق. ومن أمثال هذه القصص ما رواه أبو الفتح رضوان ـ فتح الله بن سعد الله التميمي المنفلوطي t ـ يقول :"كنت يوماً مع شيخنا أبي الحسن الصباغ t على ساحل البحر , ومعه إبريق يتوضأ منه , فسمع بالقرب منه صياح الناس , فسأل الشيخ عن ذلك فقيل له قد أخذ التمساح رجلاً من الساحل فترك الشيخ الوضوء وأسرع إلى المكان الذي فيه الناس مجتمعين فرأى التمساح قد قبض على الرجل وقد توسط به لجة البحر , فصاح الشيخ بالتمساح أن يقف فوقف مكانه لا يتحرك يميناً ولا شمالاً, فعبر الشيخ على متن الماء , وهو يقول بسم الله الرحمن الرحيم , وكأنه يمر على وجه الأرض وكان البحر في نهاية زيادته حتى انتهى إلى التمساح, فقال له: ألق الرجل , فألقاه من فيه ..وقد هلك الرجل فخذه من مسكة التمساح , فوضع الشيخ يده على التمساح وقال له : مت فمات موضعه .. وقال الشيخ للرجل قم إلى البر فقال : يا سيدي لا أستطيع من فخذي وأنا لا أحسن العوم , فقال: اذهب فهذه سبيل النجاة , وأشار إلى طريق البر فإذا البحر من الموضع الذي فيه الشيخ والرجل صلب قوي كالحجارة إلى البر فمشى الشيخ والرجل حتى وصلا إلى البر والناس ينظرون , ثم عاد البحر إلى حالته المعتادة , وجر الناس ذلك التمساح ميتاً ."
فالشخصية المصرية بارزة في هذا النوع من الحكايات والكرامات والتي تسربت إلينا عبر الحركة الصوفية التي نشأت بمصر في مرحلة النضج عن ظاهرة جديدة في المجتمع المصري ذات صلة بتكوينه الجغرافي والبشري والنفسي , لاسيما وأن :" الخرافات والأسمار كانت مرغوباً فيها مشتهاة" ولا تزال رواسبها متغلغلة في الموروث الشعبي المتعلق بالحياة اليومية للمصريين والتي حفظها لنا المؤرخون في كتاباتهم في سياق حديثهم عن أعياد أهل مصر والتي كان يحتفي بها كل أهل مصر علي حد سواء مثل عيد الشهيد:" و عيد الشهيد يكون في اليوم الثامن من شهر بشنس واعتاد النصارى أن يحتفلوا بذلك اليوم بإلقاء تابوت في نهر النيل به أحد أصابع أسلافهم من الحواريين ويزعمون أنهم إذا لم يفعلوا ذلك فإن النيل لن يزيد" ,وربما كان ذلك الطقس صدى للأسطورة التي راجت في كتابات المؤرخين حول (صندوق/ تابوت) النبي يوسف u وما دار حوله من روايات مفادها أن يوسف u :"لما حضرته الوفاة قال :إنكم ستخرجون من أرض مصر إلى أرض آبائكم فاحملوا عظامي معكم . فمات فجعلوه في تابوت ,ودفن في أحد جانبي النيل فأخصب الجانب الذي كان فيه وأجدب الآخر . فحوَّلوه إلى الجانب الآخر فأخصب الجانب الذي حولوه إليه وأجدب الآخر . فلما رأوا ذلك جمعوا عظامه فجعلوها في صندوق من حديد . وأقاموا عموداً على شاطئ النيل , وجعلوا في أصله سكَّة من حديد, وجعلوا في الصندوق سلسلة أثبتوها في السكة , وألقوا الصندوق في وسط النيل , فأخصب الجانبان جميعاً ".
وهذا الصندوق وما أحاط به من طقوس تتفق كثيراً مع بعض التفاصيل في ســيرة "سيف بن ذي يزن" والتي تحدث فيها الراوي عن ( كتاب النيل) الموضوع في صندوق من خشب الأبنوس الأسود مصفح عليه بصفائح الذهب الأحمر فعيد الشهيد هنا يحمل ظلالاً وإمدادات كثيرة الماضي في تداخل مع الرواسب الفرعونية والقبطية لتصنع كتاب النيل.
علي أن كلمة ( كتاب) هنا تذكرنا بكتاب (عمر بن الخطاب) الذي أرسله رداً علي كتاب (عمرو بن العاص) إليه بشأن العروس ( أسطورة عروس النيل التي كانت تلقي في النيل سنوياً) . فعمرt لم يكتف بالزجر والمنع بل كتب كتاباً ليلقي به في النيل علي نحو ما هو معروف ونقله إلينا ابن عبد الحكم المسئول الأول عن نص الخرافة التي وصلتنا في قوله :" لما فتح عمرو بن العاص مصر، أتي أهلها إلي عمر حين دخل شهر بؤونة : فقالوا له: أيها الأمير إن لنيلنا هذا سُنْة لا يجري إلا بها فقال لهم: وما ذاك؟ قالوا: إنه كلما جاءت الليلة الثانية عشرة من هذا الشهر , عمدنا إلى جارية بكر من أبويها فأرضينا أبويها، وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون ثم ألقيناها في النيل... فقال لهم عمرو هذا لا يكون في الإسلام. إن الإسلام يهدم ما قبله فأقاموا شهور بؤنة وأبيب ومسري. والنيل لا يجري قليلاً ولا كثيراً حتى هموا بالجلاء.. فلما رأي عمرو ذلك كتب إلي عمر بن الخطاب t بذلك فكتب إليه عمر أن قد أصبت إن الإسلام يهدم ما كان قبله وقد بعثت إليك ببطاقة فألقها في النيل إذ أتاك كتابي. فلما قدم الكتاب علي عمرو فتح البطاقة فإذا بها:
" من عبد الله أمير المؤمنين إلي نيل مصر، أما بعد فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك".
فألقي عمرو البطاقة في النيل، وكان أهل مصر قد تهيأوا للجلاء والخروج منها، لأنه لا يقوم بمصلحتهم فيها إلا النيل وأصبحوا وقد أجراه الله تعالي ستة عشر ذراعاً في ليلة واحدة" ويعلق الإسحاقي قائلاً :"وقطع الله تلك السنة السيئة عن أهل مصر وصار يعمل في ليلة وفاء النيل المبارك في كل سنة إشارة عظيمة كبيرة ينصب بها قناديل تعلق بحبال كثيرة على أخشاب مرتفعة توضع بمركب وتوقد القناديل وتسير في البحر يميناً وشمالاً وتزف بالطبول وتسمى عروسة البحر وذلك مستمر إلى تاريخه".
والراجح فيما يتعلق بتلك الخرافة التي نقلها لنا ابن عبد الحكم قد جانبه التوفيق فنقل تلك الأسطورة علي أنها حقيقة واقعة , كما أن جميع المؤرخين الذين جاءوا بعد ابن عبد الحكم وتناولوا بعض الموضوعات المتعلقة بالواقعة التي حفظها لنا ابن عبد الحكم قبلهم، فقد ذكروا هذه الخرافة وكرروها علي أنها معلومة تاريخية .نقلاً عما كتبه ابن عبد الحكم سواء بإسنادها إليه مباشرة أو بذكرها دون إسناد كما لو كانت حقيقة واقعة حيث كانت تلك الأسطورة هى غاية علمهم آنذاك ولم يعرفوا أنها أساطير, كالمقريزي، والكندي, وابن تغري بردي, وابن دقماق, والسيوطي, وياقوت, وابن إياس وغيرهم .
ولعلنا نتسأل كيف تمر ثلاثة شهور هي بؤنة وأبيب ومسري" والنيل لا يجري قليلاً ولا كثيراً"!. إن ذلك لو كان حدث لكانت هناك كارثة تزول فيها الحياة تماماً ولا يبقي بعدها إنسان أو حيوان أو نبات, وكيف يرتفع النيل 16 ذراعاً ليلة واحدة !!. كما أن الفتح الإسلامي كان سنة 641 ميلادية وكان المصريون آنئذ قد اعتنقوا المسيحية وهي دين سماوي ولا يمكن أن يقبل أو يقر حكاية إلقاء عروسة بكر حية لتموت غريقة في النيل فالأديان السماوية الثلاث لا تقر ولا تعرف تقديم ضحية بشرية كقربان لله.
كما أن الثابت تاريخياَ عن المصريين القدماء؛ أنه لم يعرف عن تاريخهم المعروف والمدون أنهم كانوا يقدمون ضحية بشرية لأي إله أو معبود مهما علا شأنه لأنهم كانوا علي يقين من أن البشر هم الثروة الحقيقية لحضارتهم ووقودها الفاعل والدافع.
فالثقافة المصرية وما أنتجته من العادات والتقاليد، عبرت عن نفسها في عدد من الأعياد والاحتفالات التي اهتم المصريون بإحيائها والاحتفال بها، ومن الطبيعي أن عدداً من هذه الأعياد كان يتمثل بعقائد المصريين ودياناتهم، بل هناك من الأعياد ما كان يأخذ شكل الاحتفال القومي، وذلك لارتباطه بحياة المصريين جميعاً مثل الاحتفال بوفاء النيل الذي ارتبط بالتراث المصري القديم .
ومن الأعياد التي كان المصريون يحتفلون بها قبل الإسلام وبعده عيد " الغطاس" إذ يقول المسعودي عن احتفالات المصريين بذلك العيد: " ولليلة الغطاس بمصر شأن عظيم عند أهلها لا ينام الناس فيها, وهي ليلة إحدى عشرة تمضي من طوبه، وستة من كانون الثاني، ويصف المسعودي ما ارتبط بهذا العيد من اعتقادات خرافية بقوله:" وهي أحسن ليلة تكون بمصر وأشملها سروراً ولا تغلق فيها الدروب ويغطس أكثرهم في النيل، ويزعمون أن ذلك أمان من المرض ومبرئ من الداء".
فقد كان المصريون يحتفلون بـ " ليلة الغطاس" مسيحيون ومسلمون يتجمعون علي شاطئ النيل ويشعلون المشاعل والشموع يأكلون ويشربون ويمرحون ويغطسون في ماء النيل حتى يبرؤا من كل داء- بحسب اعتقادهم - وهو اعتقاد مرتبط بالتراث المصري القديم الأمر الذي يؤكد صدق تواصل أجيال الشعب المصري وامتداد المعتقدات والممارسات الشعبية المصرية التي تبرز القسمات الواضحة للشخصية المصرية.
وربما كانت كثرة الاحتفالات والأعياد المصرية وراء تلك الملاحظة التي سجلها أحد الرحالة بقوله " أصل كثرة السرور والأفراح بمصر ناشئ عن كونها إقليماً أخر لأن طبع مصر" زهري" فلذا يميل أهلها إلي الموسيقي والغناء واللهو واللعب، ثم أن شعبها الكبير العدد كثير المال مما يساعده علي الإنفاق في الطرب والذوق والصفا" ويقال أن بين مباهج الأعياد , ومباهج بعض أعياد الفراعنة قرابة وصلة و ومن تلك الأعياد عيد بوباسطيس(تل بسطة بالزقازيق ) وقد وصف لنا هيرودوت كيف أن الرجال والنساء كانوا يركبون قوارب تسير بهم في النيل , وهم يرقصون ويغنون , ويسرفون في تناول الطعام والشراب .
هذه الاحتفالات التي كانت سمة بارزة من سمات الحياة الاجتماعية المصرية كانت تعبيراً عن ثقافة شعب متجانس تكشف عن أن المجتمع المصري عاش حياته الاجتماعية بالشكل الذي يوافق موروثه الثقافي الموغل في أعماق الزمن , والذي يحمل العديد من الممارسات التي تداخل فيها الموروث الشعبي بكل ما يحمله من أساطير ورموز وحكايات وأشعار وخير مثال لذلك، احتفالهم ( بسبت النور) .
حيث :"أعتاد أهل مصر علي أن يتكحلوا اعتقاداً أن من يتكحل في ذلك اليوم يقوي بصره، وأن من يشرب الدواء في هذا اليوم أيضا يكون ذا فائدة عظيمة في الشفاء، كذلك يخرج إلي شاطئ النيل من يعاني من أمراض جلدية ويدهنون أجسامهم بالكبريت ويستلقون طوال اليوم تحت أشعة الشمس" ويهمنا أن نلاحظ تلك الصلة بين المعتقد الشعبي والعادات الجارية . وإذا كان قد نسى هذا المعتقد إلا أننا نستطيع أن نتعرف عليه من هذه العادات ذاتها, فعادة الاستحمام وتدليك الجسم بالكبريت فتذكرنا بالمعتقدات الخاصة بشفاء أيوب في بلواه.
وأما أيوب نفسه , الذي تحول في القصص الشعري الغنائي الشعبي ؛ إلى إنموذج لصفة الصبر , فنحن نعرف قصته الأصلية الواردة في سفر التكوين (الإصحاح الأول إلى الإصحاح الثاني والأربعين من سفر التكوين) وكيف كان رجلاً على قدر كبير من التقوى ووفرة المال وطيب النفس , ثم امتحنه ربه في ماله فصبر , وامتحنه في جسمه "وضرب أيوب بقرح ردئ في باطن قدمه إلى هامته , فأخذ أيوب لنفسه شقفة ليحتك بها وهو جالس في وسط الرماد فقالت له إمرأته :أنت متمسك بعد بكمالك بارك الله وموت فقال لها أألخير نقبله من عند الله والشر لانقبل" وتنتهي القصة المقدسة بأن "بارك الله آخرة أيوب أكثر من أولاده" وضاعف له الراحة ومد في عمره عشرة سنين ومائة ورأى أربعة أجيال من ذريته , وماله يزيد ويثرو. ويعزو الذهن الشعبي إلى أيوب أنه دهن جسمه بدهان معين فشفى. ,أما عادة الاكتحال , في تلك الفترة التي يقع فيها شم النسيم , فتتصل باتقاء أمراض العين ( الرمد) الذي كان كثيراً ما يصيب الناس عند انقلاب الجو وتكاثر الذباب , وأتربة الخماسين .وهو الأمر الذي لاحظه الرحالة چوزيف بتس بقوله:"الناس هنا ذوو عيون متقرحة وسيقان متورمة".
كما اعتاد المصريون علي شراء السلاحف اعتقاداً منهم أنها تطرد الشياطين من البيت الذي تكون فيه .كما اعتقدوا أن المرء:"إذا علق منقار الغراب على إنسان حفظ من العين وإذا غمس الغراب الأسود جميعه في الخل بريشه وطلى به الشعر سوده.. وإذا صر في خرقة وعلق على الصبي الذي لم يبلغ الحلم نفعه من السعال المزمن وقطعه ".
أضف لتلك الممارسات والعادات حرص الناس علي تخصيص أيام معلومة لزيارة الأولياء والتبرك بهم:"فجعلوا يوم الخميس والجمعة للقرافة ولزيارة الإمام الشافعي " . وأورد المقريزي حكاية عجيبة عن القرافة (أي مدافن القاهرة) نصها : " وفي سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة ظهر شيء يقال له القطرية تنزل من جبل المقطم فاختطفت جماعة من أولاد سكانها ,حتى رحل أكثرهم خوفاً منها، وكان شخص من أهل كبارة مصر يعرف بحميد الفوال، خرج من أطفيح علي حماره, فلما وصل حلوان عشاء رأي امرأة جالسة علي الطريق فشكت إليه ضعفاً وعجزاً, فحملها خلفه, فلم يشعر بالحمار إلا وقد سقط, فنظر إلي المرأة فإذا بها أخرجت جوف الحمار بمخالبها. ففر وهو يعدو إلي والي مصر، وذكر له الخبر فخرج بجماعته إلي الموضع فوجد الدابة قد أكل جوفها ثم صارت تتبع الموتي بالقرافة وتنبش قبورهم وتأكل أجوافهم وتتركهم مطروحين فامتنع الناس من الدفن في القرافة زمناً حتى انقطعت تلك الصورة". أضف لهذه الحكاية العديد من الخرافات والتي شاعت ولا تزال في المجتمع المصري عن عالم القبور والموتى فيذكر الإسحاقي:"أن رجلاً من البهنسا أخبرني شفاهاً أن بها شخصاً مشهوراً بابن الميتة قال وذلك أن أمه ماتت وهي حامل به فلما مضي مدة من دفنها ماتت امرأة من أقاربها ففتحوا قبرها لدفن تلك الميتة فأحس الحفار بشئ يدور حول الميتة. فطلع الحفار وهو مرعوب وأخبر من حضر بما شاهده في القبر فظنوه وحشاً, ثم أوقدوا ناراً وأشرفوا على داخل القبر, فوجدوا ولداً معلقاً بالميتة ملتقماً ثديها, وقد أجرى الله فيه اللبن؛ لرضاعه فأخذ الحفار الولد, وضمه إلى صدره وعصب عينيه؛ خوفاً من مفاجأة النور. وأطلعه من القبر وعاش, وتزوج ورزق الأولاد ". وهذه القصة التي أوردناها عن القرافة مثال جيد علي نوعية قصص الرعب التي كان أهل مصر يتداولونها حول المقابر والرهبة التي أحاطت بالموتى والقبور، وهي تذكرنا بتلك القصص المرعبة التي سمعناها كثيراً في طفولتنا عن النداهة والعفاريت والمارد، بيد أن أهم ما تدل عليه هو مدي سيطرة الخيال والخرافة علي حكي القصص آنذاك.
المجتمع المصري يتصف بلزوجة في عناصره وقضاياه وهمومه وآماله وآلامه لتتشكل كل هذه المقادير في إناء واحد هو "الشخصية المصرية". تلك المعزوفة الإنسانية التي التقت فيها نغمات شتى من مكان , وزمان بين إيجاب وسلب. لتخرج لحناً خاصا هو الإنسان المصري الذي عاش مئات القرون على هذه الأرض, التي تركت سماتها في مكونه الإنساني , وأكسبته مرارة الأيام , والسنين وتواليها سمات وخبرات خاصة ,أضفت على الشخصية المصرية مكوناتها( ) ولزوجتها التي تأتى عفوية في سياق النسيج الاجتماعي المصري اليومي.
لكن لماذا هذه اللزوجة في السوسيولوچيا المصرية؟
إنها تأتى منسجمة مع التركيبة النفسية للشخصية المصرية، فالإنسان المصري يتمتع بين الشخصيات العربية الأخرى بأعلى معدل من الرفاهة والعاطفة التي تجعله سريع التقلب بين الغضب والرضا والمدح والذم والضحك والبكاء والخشوع و الفرفشة.
ولأنه كذلك فإن اللزوجة الوجدانية في مكونات الشخصية المصرية هي أسهل الأساليب لسرعة التحول من الغضب إلى الرضا , حيث ليس ثمة فارق صلب بين هذين الشعورين يستدعى بذل جهد كبير للتحول من أحدهما إلى الآخر كما تفعل الشعوب الأخرى( ).
تلك اللزوجة المصرية التي كانت نتيجة ذاكرة تراكمية, تاريخية, وشعبية. فإذا كان الإنسان في فترة حياته المحدودة يحوى في أعماقه ذاكرة إنسانية لكل تجاربه وخبراته , وينتقل من فترة زمنية إلى أخرى, من طفولة إلى شباب وشيخوخة كل مرحلة تستقر في بؤرة تفكيره قد يتغير منظوره الفكري وأيدلوچيته. فقد ينتقل من اليسار إلى اليمين مع تقدمه في السن. أو يمزج بينهما في تناقص مألوف ولكن تظل تجاربه الفكرية السابقة في بؤرة ذاكرته الحضارية الدافعة والناهضة، والأمر نفسه بالنسبة للمكون الإنساني لشخصية الشعب، فهناك تجارب إنسانية عديدة ومكونات قد تمتزج وتتوارى في الأعماق، ولكنها لا تمحى وتظل في المكون الإنساني, وقد تتوارى خلف المكون اللزج الجديد ويعد ذلك تواصلا وليس انقطاعاً إنسانياً بين الحقب الزمنية التي كانت شاهدة على تغير وامتزاج تاريخي وفكري وديني وأسطوري واضح نلمسه فيما ورثته مصر من العادات والتقاليد والأعراف والأفكار التي تعبر عن وجدانها في شتى عصورها ومعتقداتها في الحياة. مثل بعض العادات التي انطبع وقع حوافرها بقوة في الذاكرة الشعبية للمصريين، كعادة تلقين الميت، وسعف النخيل، وليلة الخامس عشر، والأربعين، كلها عادات مصرية قديمة ظلت متغلغلة في المعتقد المصري إلى الآن( ) شيوعاً ورسوخاً ليكشف عن المدى الواسع الذي تنتشر فيه تلك المعتقدات وعن التأثير العميق الذي تحدثه في حياة الناس( ) ولا غرو في ذلك فالمعتقد هو الفاعل الأصلي في التاريخ( ).
وقد عُرف عن المصريين أصالة الصلة بينهم وبين المعتقدات الشعبية شديدة اللزوجة فى التناقض ولا عجب فعندهم أن "إللى يعتقد فى حجر ينفعو"( ) مما يوحى لدينا أنه يمكن التعايش بين أكثر من نمط فكرى فالشخصية المصرية تتعايش فيها سمات بعضها يرتبط بالماضي وبعضها يرتبط بالحاضر( ) وفقا لمبدأ التعدد في أنماط الأفكار والمعتقدات مما يؤكد على تعايش السمات الثقافية المتناقضة في وجدان الإنسان المصري المتسم باللزوجة الوجدانية وانصهارها وهو سر تميز الشخصية المصرية عن غيرها وهو ما نتلمسه في سياق كتابات الرحالة والمؤرخين الذين زاروا مصر أو كتبوا عنها .
فالمصريان المتخاصمان إنك لن تلبث كثيراً حتى تراهما يرتشفان الشاي معاً بصحبة آخر نكتة!! ومرد ذلك هو الحاجز المصري اللزج بين الصداقة والخصومة وهو ما لم يستطع الرحالة العبدري – في القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي – أن يدرك أبعاده حينما سمع مصرياً فى قافلة الحج : "ينادى رفيقه فى الركب فلما أتاه لعنه ولعن أباه وقابله الآخر بمثل ذلك وتهارشا زمانا ثم قعدا يأكلان!! ..." ( ) لهذا فإن المصري قد يكون صديقا لكي مدى الحياة – رغم بعض الخصومات الطارئة – لكنه لا يمكن أن يكون عدوا لك مدى الحياة وكلمة السر عنده هي "الابتسامة": "فهم يفهمون الإنسان الذي يتصادق بابتسامة لطيفة"( ).
كما أنه يتسم بالتصلب النسبي ولا يقبل التغير السريع ويتمسك بالأرض ويتسم تفكيره بالتدين الشديد بل إن المصري – في رأى هيرودوت – يزيد كثيرا عن سائر الناس في التقوى وأنه أول من أوقف للآلهة الهياكل والتماثيل والمعابد( ) وهو نفسه الإنسان الذي يؤمن بالقدرية ورغم ذلك فهو : "أكثر الناس استعمالا لأحكام النجوم وتصديقا لها وتعويلا عليها وشغفاً بها وسكونا إليها حتى إنه قد بلغ من زيادة أمرهم في ذلك إلى أن لا يتحرك واحد منهم حركة من الحركات الجزئية التي لا تحصر فنونها ولا تحصل أجزاؤها وأنحاؤها ولا تضبط جهاتها ولا تقيد غاياتها ولا تقدر أساليبها ولا تعد ضروبها إلا في طوالع يختارونها ونصب يعتمدونها( ) وطبعا هناك اختلاف بين المتعلم وغير المتعلم على الأقل في مجال تصديق الخرافات وتحميل الجن وعين الحسود وأعمال السحر فوق ما تطيق في امتزاج ولزوجة مع الدين فى تناقض عجيب أدهش أبا الصلت أمية – القرن الخامس الهجري – الذي ذكر أنه شاهد "رجلا من الوقادين فى أتون الحمام يسأل رزق الله المذكور عن ساعة حميدة لقص أظافره فتعجبت من سمو همته على خساسة قدره ووضاعة مهنته ... "( ).
ولقد كان إدوارد لين محقا حينما قال: "هؤلاء المصريون الذين يقحمون الدين في أحاديثهم العادية بإخلاص وحسن نية هم أنفسهم الذين قال الكاتب نفسه عنهم: "وكثيراً ما يسمع فى المجتمع المصري العبارات الدينية تعترض الحديث في الأمور الحقيرة والخليعة أيضا، وقد يكون ذلك أحيانا بطريقة تحمل من يجهل أخلاق هذا الشعب على أنه يظنه هزءا بالدين. ويكرر المصريون اسم الله في كثير من أغانيهم الماجنة من غير قصد للإهانة طبعا وإنما يفعلون ذلك لاعتيادهم إقحام اسم الله فى كل ما يدعو إلى الدهشة أو العجب فيعبر الماجن عن انفعاله بالجمال عند رؤيته فتاة فاتنة بقوله أثناء كلامه الفاحش تبارك الذي خلقك يا بدر".
ولقد ركز هذا التناقض الواضح فى تصرفات الناس المثل الذي يقول: "ساعة لقلبك وساعة لربك" أي إنك عندما تمارس الشعائر الدينية لا تنس أن تمتع نفسك وأيضا عندما تمارس لهوك لا تنس ربك( ) ومرد ذلك هو الفاصل المصري اللزج بين هذه وتلك والذى أثار انتباه (وينفريد بلاكمان) وقد دعاها إلى القول أن: "من الملاحظ أن معظم الصفات المتناقضة يمكن أن تجدها في إنسان واحد وبرغم كثرة الفقر والمرض وقلة وسائل التسلية التي تقضى على رتابة حياة الفلاح المصري نجد أنه إنسان مستبشر وراض بصورة تدعو للدهشة والفلاحون المصريون سريعوا الفهم وحاضرو البديهة ويحبون النكتة حتى وإن كانت تسخر منهم وعادة ما يتمتع الفلاح المصري بذاكرة قوية وقلب طيب وروح مرحة وكرم ضيافة يضاف إلى ذلك حبه للعمل وهو فى الوقت نفسه ذو عاطفة جياشة شديد الحساسية ويتسم بالجهل كما أنه فى أغلب الأحيان يعجز عن السيطرة على نفسه ..." ( ).
والمصري هو الأقدر على الإضحاك وهو أيضا الأقدر على الإبكاء وتقلب المزاج بين الحزن المفرط والفكاهة المفرطة( ) والمصريون يضحكون من كل ما يحسون فيه مخالفة للمألوف ويضحكون من الهجاء والسباب والشتم ويضحكون من النوادر والنكت والمزاح ثم هم يضحكون ضحك ازدراء أو ضحك إعجاب أو ضحك سخرية أو ضحك هزل أو ضحك انتصار أو ضحك عطف أو تشفى. فصور الضحك والإضحاك ومنابعها كثيرة والأمم تختلف في إنتاجها وقدرتها على تذوق ضروبها المختلفة والمصريون من أكثر الأمم ميلا إلى الفكاهة والضحك ومن هنا كان أدبهم غنيا بألوانها وخاصة ما اتصل بالنكت وخفة الدم والروح( ) والكتابات التاريخية كانت شاهدة على أن المصري يضحك حتى لا يموت من الغم.
وعلى الرغم مما شهدته الشخصية المصرية من محن وشدائد عديدة صهرتها محنة الحروب الصليبية فقد خرجت منها ومن المحنة المغولية غير فاقدة لقدرتها على المرح والتفاؤل وعشق الحياة فالمصريون لم ينسوا طبعهم أثناء الحروب الصليبية بل لقد خلف لنا هذا العصر طرفة فكاهية مشهور هى "كتاب الفاشوش فى حكم قراقوش"( ) هذا الكتاب أقدم الكتب الفكهة فى تاريخ مصر فى العصر الإسلامي ألفه الأسعد بن مماتى صاحب ديوان الجيش والمال لعهد صلاح الدين الأيوبي وقد عرف ابن مماتى كيف يحيل قراقوش إلى شخصية هزلية وقد أضافت العصور التالية إلى هذه الشخصية خطوطا وألوانا أخرى إذ نسب المصريون بروح الدعابة التي يمتازون بها إلى تلك الشخصية كثيرا من القصص المضحكة وأصبحت شخصية قراقوش شخصية رمزية لكل حاكم طاغية على مصر فكان المصريون طوال الحكم التركى فى عصر المماليك وبعده يقصون نوادره ويضيفون إليها نوارد جديدة( ) استرسلت فيها قريحتهم التى وصفها ابن بطوطة بقوله : "وأهل مصر ذوو طرب وسرور ولهو .. "( ).
ويشير البعض إلى أن: "أصل كثرة السرور والأفراح بمصر فناشئ عن كونها إقليما آخر.. فأهلها يشرعون في الشجار لأتفه الأسباب وذلك لأن طبع مصر "زهري" فلذا يميل شعبها إلى الموسيقى والغناء واللهو واللعب. ثم إن شعبها الكبير العدد كثير المال الذي يساعده على الإنفاق في الطرب والذوق والصفا ... "( ).
: "وكذلك كثر طرب نفوس أهلها وفرحهم ورغبتهم في مداومة اللذات واستماع الأغاني ومواصلة المسرات والرغبة في الراحة وطرح كل يوجب التعب والمشقة والحب للنقش والصورة والرقم والتلوين بالأصباغ وعلى قلة الضجر فى السفر وترك المخالفة لمن يصاحبون وكثرة المبالغة لمن يألفون وحسن المؤازرة لمن يستخدمهم ..." ( ) فيقبلون عليك بالبشر والترحيب ... وبشاشة المحب عند لقاء الحبيب"( ).
وما يعرفه الناس عن خفة ظل المصري فيه الكثير من الصحة ولكنه في الوقت نفسه ضرورة للتفريج عن نفسه ولذلك فإنها وسيلته للقضاء على الشعور بالقهر والضيق واليأس والمرض وهو ما أشاد به (صاحب الرسالة المصرية) برغم حنقه الشديد من مصر وأهلها إلا أنه لم يستطع أن يخفى قسمات وجه وهو يبتسم من: "ظريف ما سمعه أنه كان بمصر منذ عهد قريب رجل ملازم للمارستان يستدعى الأطباء فيدخل على المريض فيحكى له حكاياته مضحكة وخرافات مسلية ويخرج له وجوها مضحكة وكان مع ذلك لطيفا فى إضحاكه وبه خبيرا وعليه قديرا فإذا انشرح صدر المريض وعادت إليه قوته تركه وانصرف فإن احتاج إلى معاودة المريض عاده إلى أن يبرأ أو يكون منه ما شاء الله ..." وقد دعى أبوالصلت أمية إلى ضرورة العمل بهذا الاختراع المصري خفيف الظل وتعميمه فى كافة أساليب العلاج بقوله: "فليت أطباء عصرنا هذا بأسرهم قدروا على مثل هذا العلاج الذى لا مضرة فيه ولا غائلة له بل أمره على العليل هين ونفعه ظاهر بين كيف لا وهو ينشط النفس ويبسط الحرارة الغريزية ويقوى القوى الطبيعية ويقوى البدن على دفع الأخلاط الردية المؤذية والفضول مع الاستظهار بحفظ الأصول".( ) مما يدفع بالمرء أن: "يتعجب كثيراً من جدهم ومرحهم"( ).
ولكن خفة الظل هذه قد تصبح داء يعجز المصرى معه أن يقول جملة دون تعليق ساخر أو ضاحك بحيث يصاب محدثه إما بنوبة ضحك لا تنقطع وإما بالضيق الشديد إذا لم يكن من المعجبين بهذا النوع من "القافية" كشكل من أشكال الفكاهة يختلف عن النكتة والتي تتطلب قدرة ومران( ) قلما تجدها إلا عند المصريين بما فيهم: "من نزعة إلى السرور واندفاع فطرى إلى المزاح والمطايبة على وجه ينم على الذكاء وحضور الذهن وسرعن الخاطر"( ) والتي أشار إليها الدهلوي وما تعرض له من (قافية) في مصر أغضبته فيروى أنه عندما ذهبت إلى الحمام بالقاهرة و: "خلعت ملابسي ولففت إزاري ونزلت إلى أسفل فوجدت عددا من المصريين العرايا أجسامهم ضخمة وبنيانهم قوى شاهدوا جسدي النحيل فأخذوا يدعون بصوت عال أن ينجيني الله من مرض الهزال الذي أعانى منه فتأذيت كثيرا من كلامهم هذا ..." ( ).
فالقافية التي تأذى منها الرحالة الدهلوي تعد واحدة من الأساليب المختلفة للمصري في التنكيت والسخرية وتعتمد على المبارزة الكلامية باللعب على الكلمات والمعاني وإن كان لا يقصد منها سوى الممازحة وقد شهد الرحالة الأندلسي ابن سعيد (المتوفى 685هـ) على الحاجز المصري اللزج بين الممازحة والمكر بقوله: :" لم أر فى أهل البلاد ألطف من أهل الفسطاط فهم فى نهاية من اللطافة واللين فى الكلام وتحت ذلك من الملق وقلة المبالاة برعاية قدر الصحبة وكثرة الممازحة والألفة ما يطول ذكره"( ).
والمصري هو الأكثر موعظة ودموعا فهو يبكى فى لحظات الحزن وكذلك فى لحظات الفرح الشديد ويهرع لتلبية أية دعوة للمشاركة فى الحزن ويبكى على راحل ليس من الأهل أو الأصدقاء ويعتقد أن الاشتراك فى تشييع راحل لا يعرفه هو عمل من أعمال الخير، له ثواب عظيم، والظهور بمظهر الإنسانية المتعاطفة مع الإنسان لوجه الله وتأكيد الإيمان بقبول الحكمة الإلهية المتمثلة فى الموت والرضوخ الكامل لها. وعبارة "اللهم اجعله خيرا" التي ينهى بها المصريون ضحكاتهم أو أي تعبر آخر عن الفرح، تدل على أنهم يخشون الفرح بأشد مما يخشون الحزن( ).
وتاريخ المصري على مر آلاف السنين هو سجل حافل بجرائم الحكام والساسة ومفهم بالمعاناة الطويلة والحرمان القاسى وتقلب الغزوات والأجانب عليه بعد عزته فى التاريخ المصرى القديم ولذلك أضحى المصري أشبه يشيخ هرم، مكسور الخاطر أو عزيز قوم ذل. والإحساس المستمر العميق بالظلم لابد أن يفتح منابع الحزن والكآبة سواء فى الفرد خاصة أو الشعب بصفة عامة( ).
وبرغم بشاشة المصرى وعشقه لألوان الحياة إلا أن هذا لا ينفى أن مظاهر الحزن غلفت حياته ذلك أن التعبير الحقيقى عن الوجدان هو البكاء وليس الضحك وقد أحس الرحالة ابن جبير – فى القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي – بروح الحزن التي مست شغاف قلبه لما شاهده من تمسح الناس بقبر رأس الحسين: ".... وطوافهم حوله مزدحمين داعين باكين متوسلين إلى الله سبحانه ببركة التربة المقدسة ومتضرعين بما يذيب الأكباد ويصدع الجماد.."( ) ويصف الرحالة السبتي (ت730هـ) احتفاء أهل مصر بالحجيج على طريقتهم الخاصة بقوله : "... واندفع جماعة من القراء بين يديه يتلون قوله تبارك وتعالى : "الحج أشهر معلومات" الآيات وجعلوا يكررونها بأصوات حسنة ويرددونها بالتلاحين العجيبة متراسلين على عادتهم فى هذه البلاد المشرقية ونمقوا أصواتهم بذلك أى تنميق وأجروا الدموع على الخدود وشوقوا إلى الحرم الشريف أى تشويق .." ( ).
المهم أن العنصر المصري الذى مازال كامنا فى قلب من يسكن فى أرض الكنانة هو الذى تدمع عيناه كلما حان وقت الفراق أو الرحيل نجده قد: "فاضت الدموع ولحق الخشوع"( ).
والشخصية المصرية تعانى من اللزوجة فى ازدواجيتها التى تتبدى فى جوانب عديدة كالتناقض بين الإنشاء والأخبار وبين القول والعمل وبين الداخل والخارج( ) وتسترسل الأمثال الشعبية فى ذلك موردة لتلك اللزوجة المتناقضة فى أحوال وسلوك المصرى فتقول: "أقرع ونزهى" أو "غشيم ومتعافى" و "زى الطبل صوت عالى وجوف خالى"( ) وقد أطال الحديث عن مثل هذه النوعية من البشر صاحب (الرسالة المصرية) وأفاض عنهم فى قوله: "وأما الطائفة المقلدة التى حظها من المعارف القشور دون اللبوب والظواهر دون البواطن والأشباح دون الأرواح فأمثل من بها منهم الآن رجل يعرف برزق الله النحاس فإن له فى فروع هذه الصناعة بعض دربه وتجربة وبتجريباتها وبجزيئاتها بعض خبرة وهو أكبر المنجمين بها وكبيرهم الذي علمهم وأميرهم الذى يلوذون به وكبيرهم الذي علمهم السحر فجميعهم إليه منسوب وفى جريدته مكتوب وبفضله معترف ومن بحره مغترق وهو شيخ مطبوع بتطايب وبتخالع .." ( ) وتحدث عن آخر بقوله: "وكان مثله فى عظم دعاويه وقصوره عن أيسر ما هو متعاطيه كقوله الشاعر:
يشمر للج عن ساقه ويغمره الموج فى الساحل( )
وتسترسل الأمثال فى السخرية ممن ينهون ويتكبرون غير مدركين لقيمتهم الحقيقة موردة تلك اللزوجة المتناقضة فى أحوال وسلوك المصري والذي تراه أحيانا (من بره هللا هللا ومن جوه يعلم الله) وهذا يعكس اهتمام المصرى بالقيمة أكثر من اهتمامه بالشكل أو القشور( ) ولا يتوانى المصري فى توجيه أشد أنواع السخرية وأكثرها اقترابا من الفكاهة لمثل تلك النوعيات التى تراها من (بره رخام ومن جوه سخام) أو تلك الفئة التى تعامل معها الرحالة (الدهلوى) فى مصر والتى يقال عنها: "بعد المعركة ينتفخ المفش" أو "طلع طلع ونزل على فاشوش"( ) فيقول عنهم الدهلوى: "... وإذا حدث واضطررت إلى التعامل معهم فلا تخش أجسامهم الضخمة وهيئتهم المخيفة فهم جبناء ضعاف الهمة كما أنهم يتصفون بالدناءة فإذا ما هددتهم مرة واحدة هربوا على الفور من المواجهة... وقمت أنا أيضا بتعنيفه وأمام جمع غفير من الناس وقضنا بأجسامنا الضعيفة وظللنا واقفين وإذا به يمد يديه طالبا العفو قائلا: دعونى أذهب، ثم أخذ يسب ويشتم وهو يغادر .. "( ) "فهم ذوو لسان سليط كالدعرات لكنهم قلما يهتمون بالدخول فى معارك وإن حدث فإنهم يضربون بأكفهم (يصفعون) وليس بقبضاتهم"( ) و (قلما ينقلب الشجار بين المصريين من التنابذ بالقول إلى التضارب بالأيدي بل أنه سرعان ما تهدأ النفوس وتسكن ثورة الغضب فيها بعد تنازل أحد الخصمين عن حقه بقوله للآخر "الحق على")( ).
والمصري الذي يتسم بطيب النفس: "وبالهدوء والرقة والوداعة قد يرتكب جريمة وحشية فى لحظة .. فقد قتل رجل جاره بطريقة فظيعة لأنه سرق بضع بصلات من حقله وبعد لحظه من ارتكابه لجريمته كان يبكى فوق جثة ضحيته"( ).
وهكذا فالمصري تجده غير مدرك للعواقب ولعل أخطر ما يؤخذ عليه وعلى سخريته حيال الأزمات العنيفة وسخريته من ذاته أنه يكتفى بالسخرية من الشئ أو الشخص أو الأزمة ويضحك ملئ شدقيه ولسان حاله يقول: "شر البلية ما يضحك" ويكتفى بذلك وكأن السخرية قد حلت الأزمة أو غيرت الأمور من حال إلى حال غير مدرك أن السخرية ليست وسيلة تغيير ولا طريقا إلى حياة أفضل وذلك يعنى أنه شخصية غير مدركة للعواقب والغريب أن هذا هو دأب الإنسان المصري منذ قرون بعيدة( ) فقد لاحظ الرحالة عبد الرحمن بن خلدون ذلك منذ ارتحاله لمصر وقال: عن أهلها مصر :" كأنما انطلق (فرغ) أهله من الحساب"( ) أى كأنهم تجاوزوا كل ما هو جاد. وعلق المقريزي على ذلك بقوله: "... وقال شيخنا الأستاذ أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون رحمه الله تعالى: "أهل مصر كأنما فرغوا من الحساب"( ) وذهب المقريزي إلى أبعد من هذا بقوله: "ومن أخلاق أهل مصر الأعراض عن النظر في العواقب فلا تجدهم يدخرون عندهم زادا كما هي عادة غيرهم من سكان البلدان .. ومن أخلاقهم الانهماك في الشهوات والإمعان من المملاة وكثرة الاستهتار وعدم المبالاة ..." ( ) فهذا المصري البسيط والماكر فى آن معا تجده أحيانا "يخاف ولا يختشيش" على حد لسان حال الأمير رودلف حين ذكر أنه: "كان عدد كبير من الفلاحين البؤساء يلبسون ألبسه متواضعة – رغم أن لبعضهم منظرا يوحى بالقوة – يعملون تحت إشراف خولي يلبس عباءة طويلة ويحمل فى يده كرباجا من جلد وحيد القرن وقد تقدم منى هذا الخولي بزهو وتحدث طويلا وهو يومئ كثيرا أثناء الكلام وقد فهمت بعد أنه يرغب منا مغادرة الأرض ولما رأيت أنه يرفع صوته أكثر من اللازم ويحرك يده بعنف استدعيت عثمان الخادم الأسود ... ولما رأى هذا الشرقي الفاضل الخولي البزة المميزة لخادم القنصل انخفض صوته وتراجعت نبراته وانسحب سريعا خوفا من خطر يحيق به واختبأ داخل أعواد القصب الكثيفة"( ). وكأن لسان حال الخولي "اللى ما يعرفك يجهلك". ورغم هذا التناقض الظاهر فى الموقفين أي الاعتزاز البالغ بالنفس مقابل الإكبار والتبجيل من قدر الآخر والخوف منه فإن المصري صدره كبير ويتسع لذلك وأكثر وشعوره فى قرارة نفسه بالعلو لا يمنعه من منح الآخر فى الاحترام( ).
والمصري (قلبه أبيض) لا يحمل الضغينة لأحد يغضب ويزيد ويصرخ كما رأينا ثم تقول له (صلى على النبي) فتنزل به الصلاة على النبي من قمة غضبه لتجعله إنسانا متسامحا يغفر لخصمه: "ويتفق أحيانا أن يتداخل بين الخصمين ثالث ويجعل تمهيده للمقابلة قوله: "اللهم صلى على سيدنا محمد" فيكرر الخصمان هذه العبارة بصوت خافت ثم يقرأن فى سرهما ما تيسر من القرآن ويستأنفان روابط الود القديم بعد أن يتعانقا تعانق الوئام والوداد..."( ).
والمصري يحب لهجته. وكثيرا ما لا يكون مستعدا لفهم غيرها وإذا أراد أن يتحدث لهجة عربية أخرى أصبح كوميديا وفى حين لا يتقن المصري اللهجات العربية الأخرى ويصر على نطق حرف الجيم بصورة مختلفة (دون تعطيش الحرف) والقاف (ألفا) وغير ذلك مما هو معروف عن هذه اللهجة فإنه يرى تحدث الآخرين باللهجة المصرية أمرا بديهيا( ) وليس كوميديا يثير الضحك كما فعل الرحالة العبدري – فى القرن السابع الهجري – فى سياق تهكمه على المصريين بقوله: "واللكنة فيهم فاشية وجمهورهم يجعل القاف والكاف همزة وقد سمعت شخصا منهم فى التلبية يقول: "لبيك اللهم لبيك ويجعل كافاتها كلها همزات فلو سمعته سمعت كلاما مضحكا ..." ( ).
وقد تأسف (الرحالة الهندى النعماني) لما وصلت إليه حال اللغة العربية أمام العامية المصرية غير مدرك إلى أنه لم يجد المتكلمون بالعربية مقرا لهم من أن يخلقوا – إلى جانب الفصح – لغات عامية يباشرون بها شئون حياتهم اليومية( ) فيقول: "إن اللغة العربية المعاصرة مختلفة إلى حد ما عن اللغة العربية القديمة لدرجة أن أي عالم كبير من الهند لو سافر إلى مصر والشام فإنه سيستغرق فى فهم اللغة هناك نفس الوقت الذي يستغرقه أحد العوام تقريبا"( ).
ويشير الرحالة إلى أن أهل مصر: "يختصرون كثيرا من الكلمات إلى حد لا يستطيع الذهن أن يتجه ناحية الكلمات الأصلية ما دام لم يذكرها شخص ما ... يزيدون بعض الحروف فى بداية الكلمات أو فى آخرها والتى بها يتغير شكل الكلمة تماما ... وفى مصر يزيدون حرف (ش) فى نهاية الكلمات مثل (ياخدش) بدلا من (يأخذ) هناك فساد كبير فى نطق الحروف بل يجب القول إن جميع خصائص نطق اللغة العربية قد محيت، فهم يتحدثون بالهمزة بدلا من العين والدال بدلا من الذال والكاف الفارسية بدلا من الجيم والهمزة بدلا من القاف ولا ينطق بهذه العوام والجهلاء فقط بل إن العلماء والأشراف أيضا يؤدونها هكذا بهذه الحروف، سألت طالبا فى مصر ذات مرة من أين جئت؟ قال جاى من الجمعة أى جئت من مسجد الجمعة"( ) غير أن أحد المولعين بمصر رأى أن اللهجة المصرية هى أحد مصادر النكتة: "لاسيما وأن اللهجة التى بها يتفاهمون تساعد على التورية والجناس والتحريف والتصحيف والكتابة إلى غير ذلك مما ينمقون به الحديث ويكسبونه من الطلاوة ما يرتفع له حجاب السمع وتشتاق له النفس..."( ).
وهذا مؤرخ مصرى هو الأدفوى يدرك الناظر إلى كتابه فى التراجم الموسوم "بالطالع السعيد" الطابع المصري الأصيل فهو يحكى القصص ويسوق الأقوال بأسلوب لهجته المصرية أكثر من عربيته( ) فيقول فى ترجمة على بن عبدالرحيم بن الأثير: "ثم بلغه ما اقتضى عزله من تلك الجهة فتوجه إلى الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير فتكلم شيخنا قاضى القضاه فى المجلس بكلام فشق عليه [وعيط ]عليه ..." ( ).
أما المصنف الموسوم بـ "الإعلام والتبيين فى خروج الفرنج الملاعين على ديار المسلمين" فقد كان على العموم ابن عصره تشيع فى كتابته الأخطاء النحوية ويكتب باللهجة العامية بحيث يقول مثلا: "وفى هذه السنة هجمت (هجم) الفرنج على دمياط وأخذوها بلا طعنة ولا ضربة .. فعضب وشنق من أعيانا ستين نفسا فقالوا: إيه ذنبنا إذا كان عسكرنا هربوا (هرب) فما نصنع نحن ففزع العسكر من السلطان وصطوته (وسطوته) وكان السلطان مريضا فأرادوا (فأراد) مماليكه قتله"( ).
وقد تذمر ابن الحاج فى "المدخل" من تلك اللهجة العامية بقوله: "فالذاكر منهم فى الغالب لا يقول (لا إله إلا الله) بل يقول (لا يلاه يلله) فيجعلون عوض الهمزة ياء وهى ألف قطع حتى جعلوها وصلا وإذا قالوا (سبحان الله) يمطونها ويرجعونها حتى لا تكاد تفهم والقارئ يقرأ القرآن فيزيد فيه ما ليس منه وينقص منه ما هو فيه بحسب تلك النغمات والتوجيهات التى تشبه الغناء والهنوك التى اصطلحوا عليها) ( ).
ويقف المقريزي (القرن التاسع الهجري) شاهد عيان على تمسك المصري بلهجته. فيذكر: "أعلم أن ناحية أدرنكة هى من قرى النصارى الصعايدة ونصاراها أهل علم فى دينهم وتفاسيرهم فى اللسان القبطى ... والأغلب على نصارى هذه الأدبرى معرفة القبطى الصعيدى وهو أصل اللغة القبطية وبعدها اللغة القبطية البحرية ونساء نصارى الصعيد وأولادهم لا يكادون يتكلمون إلا بالقبطية الصعيدية"( ) ويشير (صفى الدين الحلى) (المتوفى 750هـ) إلى ما للهجة أهل مصر من مذاق وحلاوة ورقة فيقول: "ولسان المصريين يبدلون الضاد دالا"( ) إلا أن: "لعوامهم لغة لطيفة رقيقة مختصة بهم وظرافات رشيقة هى أحلى موقعا من اللفظ العربي والمغربي ... كحلاوة ألفاظ المغاربة والمصريين"( ).
والمصري يكره النقد لأي شئ يصنعه أو اعتاده. يمكن أن تقول له ما تشاء ولكن بدون توجيه نصح بصورة مباشرة ولا تفكر فى تعريفه بخطئه على الإطلاق بل يكون ذلك بتوضيح وجود إمكانات أخرى للوصول إلى حل للمعضلة وعندها يمكن أن تقول عكس ما يقول باعتباره بديلا لكلامه فيتقبله دون تردد( ) وهذا بعينه الخطأ الذي وقع فيه صاحب (الرسالة المصرية) – فى القرن الخامس الهجري – عندما دخل في مناظرات علمية وكلامية مع أهل مصر ولم يكن واقفا على طبيعة من تحدث معهم فى أمور العلم فيقول: "وجهدت كل الجهد على أن أجد من أهل هذه الصناعة من أستفيد منه وأستزيد بمذاكرته وأقدح خاطري بمفاوضته. فلم أجد غير قوم طبع الله على قلوبهم وأعمى أبصارهم وطمس إفهامهم وحال بين الحكمة وبينهم.... وقد تخلقوا بكثرة الخلاف وقلة الإنصاف ولزموا البهت والمعاندة والشغب والمكابرة ..." ( ).
ولعل الصفة الأخيرة من أهم صفات المصري وهو الاعتقاد الخاطئ بأنه وحده الموجود على خريطة العالم وأن الدينا حوله لا تساوى شيئا وأن مصر وحدها تعدل نصف العرب وعند هذا المصري شعور بأن حضارة القدماء المصريين تعطيه الحق لينظر للعالم من فوق هرم خوفو. شعور بأنه يستغنى عن العالم كله فعنده – حسب ظنه – الريادة فى كل مجال( ) وقد أنكر عليه الكثير من الرحالة كقول العبدرى – فى القرن السابع الهجرى – : "ومن الأمر المنكر عليهم والنكر المألوف لديهم تدارسهم لعلم الفضول وتشاغلهم بالمعقول عن المنقول فى إكبابهم على علم المنطق واعتقادهم أن من لا يحسنه لا يحسن أن ينطق .. "( ) وقول صاحب (الرسالة المصرية): "ورأوا أن غرضهم من صناعة الطب الذى هو عندهم وحسب ..." ( ) وفى الوقت نفسه نجد المصرى يحب جدا النقاش بل والجدال إلى درجة الشجار: "فيرى الشيوخ منهم يتهارشون فى الطرقات ويقطعون بلعنة أسلافهم فسيح الأوقات"( ) وقد عانى ابن خلدون من الإرهاق بمناقشات وحجج وحجج مضادة مع المصريين بقوله: "فتتعارض الفتاوى وتتناقض ويعظم الشغب إن وقعت بعد نفوذ الحكم والخلاف فى المذاهب كثير والإنصاف متعذر ... فلا يكاد هذا المدد ينحسر ولا الشغب ينقطع"( ) وعند ذلك يصبح المصري محترف مكر ووشاية ويكره الوقوف فى آخر الصف بل لابد أن يجد وسيلة ليصبح فى المقدمة ومن هذه السمة عانى ابن خلدون بقوله: "وانطلقوا يراطنون (يكلمون) السفهاء فى النيل من عرض وسوء الأحدوثة عنى بمختلف الإفك وقول الزور يبثونه فى الناس ويدسون إلى السلطات التظلم منى..."( ) ويبدو أن المقريزي قد نال نصيبه من المكر والمراوغة فنجده فى تحليله للشخصية المصرية يشير إلى جغرافية المكان وتأثيرها على طباع وأزمة الناس فى مصر بقوله: "وأن هؤلاء وماءها رديئان" ويرى أن قوى النفس تابعة لمزاج البدن: "وأبدانهم سخيفة سريعة التغير قليلة الصبر والجلد وكذلك أخلاقهم يغلب عليها الاستمال والتنقل بين شئ إلى شئ والدعة والجبن والقنوط والشح وقلة الصبر والرغبة فى العلم وسرعة الخوف والحسد والنميمة والكبد والسعى على السلطان وذم الناس"( ).
وما ذكره المقريزي عن ممالأة الحاكم فهو نتيجة لضغط وقهر إنساني من العديد من الدول التي تداولت الحكم وليس طبيعة مصرية خالصة فما دخل علينا من الخضوع أو ممالأة الحاكم السلبية ليست نتاجا لطبيعة أرض، بقدر ما هي تراكمات تاريخية من قهر لدول حاكمة تملك قوة السلام أمام شعب مسالم يؤثر السلامة ويكره لون الدم ولا يملك أمام السيف إلا الدعاء والشكوى أو الانفجار المفاجئ إذا وصل الأمر إلى مرحلة الموت قبل الموت( ).
والمصري (فهلوى) أى لا يعرف خطوطاً مستقيمة و تقف الحواجز أمامه عقبة كئود بل لابد من البحث عن ثغرة أو مخرج حتى ولو كلفته عناء أكبر من الانصياع لإرادة الآخرين وقلما نجد مصريا يقول (لا أعرف) فهو يجرب ويحاول ولا يفقد الأمل بسرعة ولكن إذا وصل إلى نقطة اليأس فإنه لا يعترف بعدم القدرة بل هناك ألف مبرر بشرط ألا يكون أحدها عدم المعرفة أو أنه خاض فى حقل لا يفهمهم فيه شيئا ودليل ذلك ما أورده أبوالصلت أمية بن عبد العزيز (المتوفى سنة 528هـ) عن رجل مصري يسمى رزق الله النخاس الذي قال عن نفسه: "سألتني امرأة مصرية أن أنظر لها فى مسألة جملية تخصها فأخذت ارتفاع الشمس للوقت وحققت درجة الطالع والبيوت الأثنى عشر ومركز الكواكب ورسمت ذلك كله بين يدى فى تخت الحساب وجعلت أتكلم عن بيت بيت منها على العادة وأنا فى خلال ذلك أتحسس أمرها وهى ساكتة لا تنبس فوجمت لذلك وأدركتنى فترة عظيمة وألقت إلى درهما قال: فعاودت الكلام وقلت: أرى عليك قطعا فى بيت مالك وضياع فاحتفظى واحترزى! فقالت: الآن أصبت وصدقت قد كان والله ما ذكرت قلت: وهل ضاع لك شئ؟ قالت: نعم، الدرهم الذى ألقيته إليك! وتركتنى وانصرفت ..." ( ).
ويتمتع المصرى بقيم دينية داخلية لم تتغير تبعا لروح العصر بما فيها من أنانية وتجاهل لألم الآخرين وأوضح دليل على ذلك ما يراه الناس من خير وفير فى أيام وليالي رمضان. كما يذكر الكمدى عن عبد العزيز بن مروان أنه كان له ألف جفنة كل يوم تنصب حول داره كما كانت له مائة جفنة يطاف بها على القبائل وهى مملؤة بالطعام تفرق على الفقراء والمساكين ومعها الخبز( ) فالمصريون ميالون بوجه عام إلى البر بالفقراء والإحسان عليهم لأن فى دينهم من التعاليم والمبادئ ما يجعل هذه الفضيلة فرضا واجب الاتباع( ).
فمازال فى قلب المصري شفقة بالفقير وحسن الظن بالناس يصدق سريعا كل ما يسمع ويحرص على صلة الرحم والبر بالوالدين والحنو على الأبناء لدرجة أنه: "قد حرص كل من الأب والأم على تجميل أطفالهم بالحلى والملابس الجميلة إذا كانا فى سعة من العيش"( ) وكان مشهدا معتادا أن يدخل المصري على أطفاله حاملا لهم "العلاليق" الحلوى التى على هيئة الخيول والسباع والقطط بحيث لا يبقى جليل ولا حقير حتى يبتاع منها لأهله وأولاده( ).
ونفس هذا المصري مستعد لأن يكون رمزاً للجحود والعقوق لا يبالى بأي شئ ولسان حاله يقول: " اللي يعرف أبويا يروح يقوله" ليضرب المثل السيئ فى العقوق حتى تظن للوهلة الأولى أن: "العقوق بينهم متعارف فكان معنا فى طريق الحجاز شخص منهم حج بأمه فكان إذا اغتاظ عليها يقول لها يعنك الله ولعن الذي آواك – يعنى أباه – وذلك بعدما حج بها!! ( ) على حد قول العبدري فى القرن السابع الهجري.
والمصرى البسيط الطيب لا يختلف كثيرا عن باقى الشعوب حين تجوع فلا تجد ما تقتات به سوى شرفها. فى ظل انحصار للأخلاق وتخلخل لمنظومة القيم الاجتماعية للمصري وتحت وطأة البؤس والجوع وحالة الموت ما قبل الموت فيكون موقف المصري إما أن يعمل فى : "نبش القبور وأكل الموتى وبيع لحمهم وهذه البلية ... وجدت فى جميع بلاد مصر ... من أسوان وقوص والفيوم والمحلة والإسكندرية ودمياط وسائر النواحى...." ( ) أو أن هذا المصري الأب المكافح والبطل المستعد أن يضحى بكل شئ من أجل أبنائه وفى سبيل توفير قوت يومهم والتي وقد تصل التضحية بالمصري لقبول عمل دون مؤهلاته بكثير ولو فى آخر بقاع الدنيا وفى ظل ظروف عمل قاسية. نفس هذا الإنسان تجسده حين تزيد وطأة الجوع والفقر عليه يترك أبناءه المفلسين فى أمان الله إذا ما وصل أمر العجز عن الوفاء إلى حد الاستحالة لدرجة أن تكون "العين بصيرة والإيد قصيرة"( ) وتكون "حيلة العاجز دموعه" فنجد "كثيرا ما كانت المرأة تملص من أبنائها فى الزحام فيتضورون حتى يموتوا ..." ( ) أو أن يشاع: "بيع الأحرار ... عند من لا يراقب الله حتى تباع الجارية الحسناء بدراهم معدودة"( ) وتجد من يزعم: "أنه افتض خمسين بكرا ومنهم من يقول سبعين كل ذلك بالكسر .." أى بمبلغ يسير( ).
إن مثل هذه الأحوال كانت تترك صوراً سيئة لنفسيات الناس في مصر فقد كانت كالمعاول التي تهدم قيم ومشاعر الناس يغذى ذلك مجموعة كبيرة من الأمثال التي صورت المصرى فى أسوأ الأحوال وتسخر من وضعه الاجتماعي منها: "إذا لقيت عريان ما تسألوش على هدومه .. " فالمصري فى فقره لا يستطيع أن يفعل شيئا لأن: "فقر المرء فى وطنه غربة"( ) ولكن الفقر المصرى له مذاقه اللزج والخاص الذى شعر به الرحالة التركى (جناب شهاب الدين) فيقول: "منظر الفقر والعوز يمزق القلوب كثيرا ها أنتم تشاهدون الآن متسولا عاريا فتطلبون الشفقة له وهو يظهر لكم وقارا هكذا فى أوضاعه وحركاته!!" ( ) ليعبر (جناب شهاب الدين) عن الحاجز المصرى اللزج بين الفقر وعزة النفس أو كما يقال: "فقرا ويتمشوا مشى الأمرا"( ) وقد يعكس اهتمام المصري بالقيمة أكثر من اهتمامه بالشكل أو القشور ويرى أنه ليس من العار ما يعيشه المصرى الآن ولكن عدم إدراكه لسوء ما يعيش وقد نوه الرحالة التركى (جناب شهاب الدين) إلى شعور المصرى بمدى الفقر المدقع الذى وصل إليه فقال: "والواقع أن الوظائف الدوائية الخسيسة ظلت مقصورة على السواد الأعظم من شعب مصر أمثال العربجية والعتالة وقد قال مصرى ملمحا لهذا الوضع بلاشك: "كلما تضارب مدينتنا بالثراء نفتقر نحن فمدينتنا تخدعنا غالبا ..." ( ).
وألمح لهذا المعنى القاضى الفاضل بقوله: "أهل مصر على كثرة عددهم وما ينسب من موفور المال إلى بلدهم وما ينسب من موفور المال إلى بلدهم مساكين يعملون فى البحر ومجاهيد يدأبون فى البر ..." ( ) حتى استحالت مصر إلى جنة للمعذبين فى الأرض. ولاشك أن شعوب العالم أجمع قد عانت عبر العصور من ويلات العبودية بمختلف أشكالها وألوانها ومن بينها تلك المأساة المصرية التي عبر عنها القاضى الفاضل فالمأساة الإنسانية هى الصراع غير المتكافئ بين الإنسان والطبيعة وبين الإنسان والمجتمع وبين الإنسان والسلطة أو الحاكم بمعنى أن أحد الطرفين يحمل فكرة قمع الآخر أو قهره أو إذلاله ثم الانتصار عليه ولما كان هذا الصراع هو السمة الأساسية لتاريخ البشر فإن الحس المأساوي والقمعي هو الغالب على بقية أحاسيسهم وقد ظل التاريخ الشعبي منذ العصور الأول للإنسان يعبر عن مقاومته الدائبة لهذه المأساة تعبيرا ملحميا أو ذاتيا يحيط بجملة من الطقوس الاجتماعية والظروف التاريخية الصانعة له( ).
والمصري مستعد للتنازل عن قوت يومه وملابسه بل والطعام لكى يوفر المال للأبناء ليعيشوا حياة لا يعرفها هو أبدا لأنه يعلم أن فى ظل الجوع يصبح المال هو "عصا سليمان" يستطيع أن يذلل كل الصعوبات التى تعترض الإنسان كما أنه – أى المال – يبعث على الثقة "إدى مالك للى عنده مال وادى ولدك للى عنده ولاد"( ) مثلما حدث مع الرحالة البغدادى – فى القرن السابع الهجرى – عندما سألته امرأة تحت ذل السؤال أن: "يشترى ابنتها وكانت جميلة دون البلوغ بخمسة دراهم فعرفتها أن ذلك حرام، فقالت خذها هدية!!" ( ) ولا عجب فى ذلك "فالفقير لا يتهادى ولا يتدادى ولا تقوم له فى الشرع شهادة"( ) بحسب منطق الطغاة والبغاة وشريعة الغاب حتى وإن: "مات جماعة منهم من شدة الحر؛ حر النار مع حر الزمن"( ).
"وفى الوقت نفسه يدفعهم حب المال لأن يتسموا بالشراهة والجشع وهو سبب المشاكل الخطيرة التى تنشأ فيما بينهم"( ) وهو ما سجله لنا (الرحالة النعمانى) عند وصوله إلى مصر حيث وصل: "بمشقة بالغة وهناك هجم الحمالون فكان كل أربعة منهم يتعاركون حول راكب" ولم ينس النعمانى أن يلمح إلى (خفة الظل المصرية) بقوله: "وحمل أحمد الحمالين الأقوياء حقائبي فاضطررت أن أصحبه ... ومن الطريف أن حضرة الحمال جلس بجواري فأي قدرة لى حتى أعترض على جرأته ..." ( ) "وهذا الجشع الغريزي فى المصريين جعلهم لا يستحيون من الالتجاء إلى الغش والتدليس فى معاملتهم التجارية وبث فيهم الميل إلى الاحتيال والسرقة ..." ( ) وأوجد "غرائب لا نهاية لها فى البيع والشراء"( ) كما أنهم: "لا يعرفون على الإطلاق أسلوب الكسب ويريدون أن يغمضوا أعينهم وينهبوا الناس"( ) وفئة منهم إذا: "عاملهم غريب لم يلق منهم إلا ما يريب يتخذونه هدفا ولكل منهم فيه سهم مصيب حتى يخرج من ماله بغير نصيب"( ).
"فهم بارعون فى الاحتيال والغش خاصة مع الغرباء الذين لا يعرفون عملتهم ولا يعرفون أساليبهم فى البيع والشراء فعندما يضع المشترى بارا فى يد البائع فإن البائع يضعها (أى البارا)- أن أمكنه فى فمه ثم يتناول بمكر بارا أخرى (غير جيدة) كان قد وضعها فى فمه أيضا لتحقيق هدفه ثم يقدم هذه البارا الأخرى (غير الجيدة) للمشترى قائلا أن بارته مغشوشة"( ) فمثل تلك الحيل والملاعيب المصرية لها قواعد وأصول تظهر سريعا مع الأجانب والغرباء على حد قول الدهلوى: "لكن العامل المصري فهم أننى أجنبي وطبقا لقاعدة الخداع المصرية أخذ منى عشرة قروش ..." ( ) كما أن تلك القاعدة لها أدائها الخاص الممتزج بالنصيحة وسرعة البديهة وكثيرا ما تجد: سم الغش ممزوج فى عسل النصائح"( ) التي تصل إلى حد الفكاهة فمثلا: "السهام الانفعالية التى يقذفها كل من البائعين بنظرة جانبية لهم ثم فكاهة مضحكة جميلة فى مشاهدة أنهم يعبرون إلى المنضدة الأخرى صامتين ونادمين ييأس عميق ولاشك مطلقا بأن التاجر فى تلك اللحظة يقول وهو ملئ بالفتور داخليا: حقا إنني ساحر وشيئا ما سيعجبك أنت أيضا ..."( ).
ولسوف تكتشف فى العبارات السابقة إلى أي مدى بلغ دهاء المصريين وحسن حيلهم وفهلوة بعض شرائح منهم استطاعت أن تجعل الرحالة أولياچلبى يصفهم بقوله: "أنهم مهرة قد حذقوا فمنهم إلى حد أن الواحد منهم يسرق العين من الكحل ويبقى الكحل مكانه ..." ( ) كما استطاعت أن "تسرق النوم من العين" نتيجة كثرة التجارب( ) وما تميزوا به من لزوجة بين ما عندهم من: "بشاشة وملق وعندهم مكر وخداع"( ).
ولكن الغريب أن هذه الشخصية اللزجة الوجدان والسلوك سرعان ما تحولك من الغضب إلى الرضا أو الدهشة فمع: "أن أهل القاهرة – مثلا- مولعون بغش الغرباء وخداعهم فإنهم يعاقبون بصرامة من يطفف الكيل والميزان فالخبز يتم فحصه فإذا ما ثبت أن وزنه أقل من الوزن القانوني تم سحبه – أى الخبز – وتوزيعه على الفقراء ومعاقبة الخباز بضربه بالفلكه (القلقة) على قدميه العرا يتين بشدة"( ) وقد شهد بذلك الرحالة جوزيف بتس بقوله: "وقد رأيت ذلك مرات عديدة لذا فإن بعض الخبازين يتركون خبزهم إن كانوا يعلمون أن وزنه أقل من الوزن القانونى ويجرون هاربين لتجنب العقاب البدنى .." ( ).
كما أشار التاريخ إلى ما يلحق (بالزغلية) – أي المزيفون للنقود – من عقاب صارم فيذكر ابن إياس فى أحداث شوال 928هـ أن: "والى القاهرة شنق فى يوم واحد أربعة وعشرين إنسانا وخوزق منهم جماعة وعلقهم فى أماكن متفرقة وكان أكثرهم حرامية وزغلية ومن عليه دم .." ( ) ويذكر التاريخ أن إحدى النساء قد شنقت على باب زويلة لأنها سرقت بعض الملابس والأمتعة من أحد الحمامات( ).ويذهب البعض فى تفسير أسباب ما يلجأ إليه المصرى من حيل وألاعيب تصب فى خانة الخصم من رصيده الحضاري إلى أن : "تعليل هذه النزعة الدنيئة بأن المصريين رئموا للمذلة وصنوف الاضطهاد عشرة قرون كان الحكام فى خلالها يعاملونهم بالشدة والصرامة ويسومونهم خطة خسف ولما كان من المتعذر عليهم مع هذه المعاملة الجائزة أن يدرأوا مطامع أولئك الحكام عن أموالهم وأن يكفوا عنها أيديهم وهى عندهم أعز عليهم وأكرم من نفوسهم فقد تعمدوا الظهور فى سربال الفقر والعوز دفعا لما عساه أن يحيق بأموالهم من خطر السلب"( ) فتأصلت فى: "أخلاقهم من الملق والسياسة التي أربوا فيها على كل من تقدم وتأخر وخصوا بالإفراط فيها دون جميع الأمم حتى صار أمرهم في ذلك مشهورا"( ).
وبرغم ذلك فقد أضحى : "الفلاح وزوجته يعيشان في عذاب متصل : فليس من حد يقف ادعاء الحياة ولا جشع رجال الإدارة واختلاسهم مال الأهالي أنهم قد ينتزعون من أسرة الفلاح غدا ما تركوا لها اليوم ومهما حسب الفلاح من حساب فلن يستطيع تدربي ما يضمن له المستقبل .." ( ) فعندهم: "سرعة الخوف من السلطان"( ) والتي تولدت نتيجة الثقة المعدومة بين الحاكم والشعب وأدت بالمصري إلى حيل المكر والخداع والنفاق مرغما متخليا عن كلمته – إلى حين – حتى لا يموت بالسيف لأنه يعلم أنه إذا عاش بالسيف مات بحذاء الحاكم ورموزه فكان لسان حاله : "نحن قوم لا نمل من النفاق إذا لم ننافق متنا".
وقد غذى الوجدان الشعبي تلك العلاقة بمجموعة كبيرة من الأمثال الشعبية التى تولدت نتيجة الغيط والنفور كان أبرزها: "افرحوا واتهنوا بقدومه جاكم بشومه"، "سيف السلطة طويل"( ) ، "السلطة غول وقميصها كل حبتنا" " السلطة غول كلتنا لحم طب وإحنا عضم رمتنا"( ).
وقولهم "حاميها حراميها" كدليل على أن الحاكم لص كبير يتضح ذلك عند الجبرتي في سياق أحداث سنة مائتين وألف : "أن الأمير حسن بك : "ركب بجنوده وذهب إلى الحسينية وهجم على دار .. متولى رياسة دراويش الشيخ البيومى ونهبه حتى مصاغ النساء والفراش ورجع والناس تنظر إليه .. وفى صبحها يوم الجمعة ثارت جماعة من أهل الحسينية بسبب ما حصل فى أمسه من حسين بك وحضروا إلى الجامع الأزهر ومعهم طبول والتف عليهم جماعة كثيرة من أوباش العامة والجعيدية وبأيديهم نبابيت ومساوق وذهبوا إلى الشيخ الدردير .. وقال لهم : أنا معكم .. وتنهب بيوتهم كما ينهبون بيوتنها ونموت شهداء أو ينصرنا الله عليهم .. وركب الشيخ فى صبحها إلى إبراهيم بيك وأرسل إلى حسين بيك فأحضره بالمجلس وكلمه فى ذلك فقال فى الجواب: "كلنا نهابون أنت تنهب ومراد بيك ينهب وأنا أنهب كذلك" وانفض المجلس وبردت القضية"( ).
مما يعكس لنا ضعف فاعلية السلطة وتراخيها في التصدي لمظاهر العنف والظلم الواقع على كاهل الناس والذي يهدد أمنهم وحياتهم فى المجتمع ويساعد على اهتزاز ثقة الناس فى رموز الحكم وخلق حالة من الخوف عان منه الناس وعبر عنها الرحالة البغدادي بقوله: "ورأيت مع امرأة فطيماً لحيماً فاستحسنته وأوصيتها بحفظه فحكت لى أنها بينما تمشى على الخليج انقض عليها رجل جاف ينازعها ولدها فترامت على الولد نحو الأرض حتى أدركها فارس وطرده عنها ... وبقى الولد مدة مريضا لشدة تجاذبه"( ).
فالمؤكد أن هناك شرخاً فى هذه العلاقة من الخوف والانعزالية وهو ليس وليد وقائع محددة أو فترة محددة ولكنه نتاج لتراكمات حدثت عبر فترة ممتدة من الزمن. وقد أخذت هذه التراكمات أشكالا مختلفة تبلورت فى معظمها حول قضية إهدار كرامة المصري على يد الحاكم ورموزه من العسكر( ) وتفريغ مبدأ (إقامة الدين وسياسة الدنيا بالدين) ( ) وإخلال الحاكم بمبدأ الإمامة القائم على خلافة شخص من الأشخاص للرسول r فى إقامة القوانين الشرعية وحفظ حوزة الملة على وجه يجب إتباعه على كافة الأمة( ) وتفريغ ذلك كله من مضمونه الحقيقي فارتبط ذلك بعملية فساد وإفساد واسعة داخل حوزة الحاكم بكل قطاعاته وطوائفه تعددت معه وتكاثرت أشكال العنف وقسوة الحاكم ورموزه بل وارتبطت بها. فالإسحاقى المنوفي ينقل ما معناه: " ويقال أن ... القسوة عشرة أجزاء تسعة فى الترك وواحد فى سائر الناس ..." ( ) خاصة وأن الترك باختلاف مشاربهم استخدموا الكثير من أنواع التعذيب فى مصر – والتي كانت سائدة آنذاك فى أماكن أخرى – مثل الخازوق والترسيم والشنق والصلب والخنق والضرب بالكرباج والسلخ ولجأوا إلى التشهير والتجريس وغيرها ... ( ).
فمن لم يؤد ما عليه من ضرائب : "فيحبس فى الـ "أرقحانة" ويعذب بأنواع العذاب ويربط بالبكرة فى ديوان الغوري ويعلق من يديه ويجرد من ثوبه ثم يجلده الجلادون بسياط من جلد الفيل جلدا "اللهم عافنا" يعلمه من قاساه ..." ( ) أو أن يدخل ما يقرب من : "مائة رجل ومعهم مسلم طرحوه أرضا وأخذوا فى جلده وضربوه بالعصى مائتى ضربة على بطنه وكتفيه .." ( ).
ومن المشاهد الباكية الضاحكة التى نقلها لنا ابن إياس وتكشف عن بعض ملامح العنف وقسوة الحاكم ورموزه ما كتبه عن "خاير بك" حيث: كان جبارا عنيدا عسوفاً سفاكاً للدماء شنق ووسط وخوزق من الناس جماعة كثيرة واقترح لهم أشياء فى عذابهم فكان يخوزقهم من أضلاعهم ويسميه شك الباذنجان ..." ( ) ويقول الجبرتى عن الأمير سليمان بك المرادى: "كان ظالما غشوما، ويعرف "بريَّحه" بتشديد الياء وسبب تسميته بذلك أنه كان إذا أراد قتل إنسان ظالم يقول لأحد أعوانه: (خذه وريَّحه) فيأخذه ويقتله"( ) وأضحى المصري كليمونه جافة امتصها بشر شرهون وأيام أكثر شراهة.
إن عنف وقسوة الحاكم ورموزه جعلت في أجساد بعض المصريين لها مناعة ضد أعمال الخوزقة والضرب بالكرباج والسلخ وكأنهم يستعذبون الألم أو يسخرون منه يأسا أو تفكها مريرا من صيرورة أحوالهم بحيث يستطيع الباحث أن يرى صورة حقيقية لمدى ما يتركه رموز الحكم من آثار على حياته فالمصري يكره الحاكم فى كل صورة حتى أدناها ويكره الإدارة والقوة التى تسلبه حريته وقوته وكرامته وحياته( ) ولكن لم تسلبه تلك اللزوجة ما بيت التبكيت والتنكيت ولقد أعطى الرحالة أولياچلبى صورة لاستهتار المصري بالحاكم وسيفه الظالم ويكملها بالاستهانة بالعذاب الواقع على كاهله لدرجة لا تملك معها سوى أن تقول: "شر البلية ما يضحك!!" فيذكر (أولياچلبى) فى سياق وصفه لـ (جرأة جبابرة مصر) على حد قوله: "من الغريب أن لصا من فلاحى مصر أخطأه الحظ ... واستيقن من قتله فأعطى الكاشف كيسين أو ثلاثة أكياس نقدا طالبا إليه إيصاله إلى مكان القتل بالقاهرة بموكب كموكب قائد فلا يكاد هذا الرجاء يصدر منه حتى يقبله الكاشف فيتسلم منه الأكياس ويسلمه للجلادين الذين يذهبون به إلى ميدان "السياسة" – الإعدام – ويصلبونه ثم يسلخون جلد ظهره إلى صدره وجلد صدره إلى ظهره وهو حى يدخن التبغ ويتغنى بالموال والرباعيات متفاخرا بمن قتلهم وصلبهم ويتحمل كسر الجلادين ليديه ورجليه دون أن تصدر منه آهة. هكذا يسلخون جلده كله من جسمه ويحشونه بالتبن ثم يلبسونه جيفته الدنسة ويركبونها حصانا ويذهبون بها إلى ديوان مصر منادين صائحين مهللين بأن الحرامى الفلاني!!! أنه لمنظر غريب وبتلك الطريقة تحصل الأموال السلطانية"( ).
وصورة أخرى نابضة بالظلم ينقلها لنا الجبرتى بقوله: فى حوادث سنة تسع وتسعين ومائة وألف: "وقعت فتنة بين عربان البحيرة وحضر منهم جماعة إلى إبراهيم بيك وطلبوا منه الإعانة على أخصامهم فكلم مراد بيك فى ذلك فركب مراد بيك وأخذهم صحبته ونزل إلى البحيرة فتواطأ معه الأخصام وأرشوه سرا فركب ليلا وهجم على المستعينين به وهم فى غفلة مطمئنين فقتل منهم جماعة كثيرة ونهب مواشيهم وإبلهم وأغنامهم ثم رجع إلى مصر بالغنائم ..." ( ).
فلقد كان اتجاه بعض أصحاب الملل إلى اختراق رموز الحكم بالرشوة والبرطلة واستغلال ذلك لتحقيق مصالح خاصة بهم غالبا ما تكون على حساب إهدار حقوق آخرين هى ظاهرة شبه عامة ترتب عليها اهتزاز ثقة الناس فى رموز الحكم وخلق حالة من الخوف لدى الناس من التعامل معهم ولا تتوانى قريحتهم فى تغذية هذا الشعور بمجموعة من الأمثال مثل : "فر من السلطان فرارك من الأجرب" ، "جبناك يا سلطة تحمينا حميَّتى النار وكوتينا"( ) ويدل كل ذلك على وجود شحنات مكتومة من الغضب لدى الناس ضد رموز الحكم. كما أثبتت التجارب التاريخية أن المصري البرئ الذي يتم معاقبته جزافا غالبا ما يتحول إلى ناقم على السلطة برمتها فساهم ذلك فى تعميق الروح الثأرية بين الناس والحاكم ورموزه ويتجلى ذلك عند الجبرتى بقوله: "وقع قبل ورودهما بأيام فتنة بالإسكندرية بين أهل البلد وأغات القلعة والسردار بسبب قتيل من أهل البلد قتله بعض أتباع السردار فثار العامة وقبضوا على السردار وأهانوه وجرسوه على حمار وحلقوا نصف لحيته وطافوا به البلد وهو مكشوف الرأس وهم يضربونه بالنعالات ..." ( ).
ويقدم لنا صاحب (بدائع الزهور) صورا حية من إصدار الأحكام التعسفية وإلزام الشعب بتنفيذها الأمر الذي كان يدعو المصري إلى السخرية من تلك الأحكام التى ظلت مثار فكاهات وسخريات شعبية( ) ففى سنة 911هـ كثر الحريق بالقاهرة بسبب الدريس الذى يكون فى بيوت الأتراك وكانت المماليك قد أكثرت من خزن الدريس فى هذه السنة وصارت المماليك يمسكون الناس فى الطرقات غصبا ويحبسونهم عندهم أياما بسبب نقل التدريس وتعطلت أحوال الناس بسبب ذلك حتى صنف العوام رقصة تصحبها منظومة شعبية ساخرة مطلعها: "اهرب يا تعيس :. وإلا يحملوك الدريس"( ) كنمط من أنماط العنف الاحتجاجي السلبي.
ومعه تواتر هروب المصريين من قراهم ومدنهم ففى أحداث سنة 927هـ/1520م يقول ابن إياس : "وأشيع أن الديوان مشحون غاية الانشحات وأن ملك الأمراء عليه نحو ستين ألف دينار دينا والمباشرون استخرجوا من البلاد القسط الأول أربعة أشهر معجلا من مغل سنة سبع وعشرين وتسعمائة القبطية قبل أن يفى النيل ويزرع الفلاحون وتروى الأرض. فحصل للفلاحين غاية الضرر من ذلك ورحل بعض الفلاحين من البلاد السلطانية من الظلم والجور ... "( ).
ويبدو أن عنف المطاردات بين المصريين الهاربين عن عبء السلطة والضرائب وقسوة انتقام الملتزمين منهم قد دفعت الفلاحين المصريين إلى خارج مصر كلها ويذكر الرحالة فولنى الفرنسى أنه شاهد المصريين فى سوريا سنة 1785م أفواجا وجماعات وقال إن أزقة صيدا وحيفا وسائر مجن وقرى فلسطين كانت تعج بالمصريين وقد توغل فريق منهم فى اتجاه الشمال حتى حلب وديار بكر ..." ( )
ولم تتوقف المظالم التي يتعرض لها المصريون عند حدود الضرائب الباهظة والعمل القسرى أو العمل سخرة وبلا مقابل والتي كانت: "داهية كبرى على الفلاحين ومصيبة عظمى على البطالين فهم دائما فى تعب وكدر وغرامة وسخروهم زائد"( ) بل كانت تتعرض بيوتهم وقراهم للنهب الدائم والمستمر من جحافل المماليك المتقهقرة( ) ولقد ترتب على هذا النهب المصاحب بالقسوة والعنف المبالغ من المماليك أو الكشاف والملتزمين أو العربان أن أصبح المصري يتوجس ويرتاب من كل الغرباء( ).
وقد لاحظ الرحالة الفرنسى سونينى تلك الظاهرة فيذكر: "عند اقترابنا من احدى القرى المصرية تعرف أهل البلدة أشتاتا وأختبأوا وأغلقوا الأبواب من دونه ظانين أننا إما من رجال الكاشف أو من البدو وأننا نحمل عليهم بغرض نهبهم وصادفنا صعوبة بالغة فى إقناعهم بضيافتنا وحين لبوا الدعوة وفتحوا أبواب ديارهم لم أعقل لماذا لمن هم فى مثل حالتهم الرثة أن يخاف على نفسه من السرقة أو السلب فلقد ظهروا أمامي وكل ما فى معيشتهم فى حالة فقر مدقع وبائسة"( ) وهكذا أصبح المصري "زي قواديس الساقية مشنوق من رقبته ورجليه" وأصبح الشعب المصري يسير فوق ساقين كسيحتين حتى أضحى تحت وطأة التعسف والفقر والجهل يزحف على بطنه. وعند ذلك : "ينقلب الفلاح تنينا ذا سبعة رؤوس ليس له عمل ولا أرض مزروعة يرتبط بها ويزيد لذلك عدد الأشقياء المسلحين بالنبابيت"( ).
كان الفساد والقهر – المنتشر أفقيا في النسيج الاجتماعي ورأسيا من قمة السلطة لأدناها – فيه مقتل للشخصية المصرية حيث يتمثل دعوة مبكرة للتخلي عن كل القيم والمثل والتحول للنفعية( ) الفردية بالطرق غير الشرعية إلى حدة سيادة السخرية من قيم المروؤة والشهامة والكرم والنيل والإيثار ورد الجميل التى أنتجتها ثقافتنا الإسلامية العربية وظلت لصيقة بمجتمعنا بدرجة أو أخرى إلى أن لاحقها التفسخ والتشويه تحت وطأة الظلم والقهر والفقر والإحساس الحاد بهم وعجز المصري عن التوصل إلى نصيب عادل من وسائل العيش فلجأ بعض أهل مصر إلى العنف والتمر والغش الذي انعكس ذلك كله في وصف الكثير من المؤرخين لأحوال أهل مصر وظهر لديهم التلوث العاطفي بشكل واضح في سياق حديثهم عن أخلاق المصريين.
فنجد الرحالة العبدري – في القرن السابع الهجري – ينعتهم بقوله أنهم: "أهل الشقاق والنفاق والعناد والإلحاد استولى الحسد على قلوبهم واستوى الغش فى جيوبهم .. تراضعوا لبان اللؤم وتحالفوا لا وجد منا افتراق فجوادهم "أبخل من الحباحب وشجاعهم أجبن من صافر الجنادب وعالمهم أجهل من فراش ... من أظهر منهم نسكا فأحبولة نصبها للصيد"( ).
وكأن تلك الصفات من المكر والخديعة لدى بعض الناس هي فى الحقيقة نتيجة ظروف تاريخية ووسيلة حماية مقصودة فهى إذن تتصل بالتطور التاريخي للبلاد وهذا يزيد في أهميتها بوصفها جزءا من تطور الظروف السياسية والاجتماعية لمصر( ) يعود فى أحد أسبابه إلى عوامل القهر والإذلال التي أدت إلى بؤس أحوال المصريين وتراجع القيم الأصيلة وتآكلها ومن أسف أن ذلك تم لحساب قائمة أخرى من القيم المادية التي تحولت بمضي الوقت إلى قيم مركزية فى مجتمعنا كما أن الفساد وما يتبعه من تفسخ وتشويه لميزان القيم عدو للمصريين حتى وإن استفاد منه بعضهم وهو ما أعطى المؤرخين الحق فى القول: " ومقابل ذلك فهم قادرون على القيام بأفعال تتسم بالكرم سواء كان ذلك فى صورة تقديم المال أم العفو مما يلحق بهم من أضرار"( ) "أما الضيافة فمن أكثر فضائلهم شيوعا وهى حرية بالذكر والإطراء الآن فالمسافرون وعابروا السبيل على اختلاف عقائدهم وتباين أجناسهم يلقون من المصريين فى كل زمان ومكان صدرا رحيبا ومثوى كريما"( ).
وقد أشار البعض من المؤرخين والرحالة إلى تلك اللزوجة فى أهل مصر بقولهم: "تحت تأثير الضغط والعسف تراهم فى الأحوال المعتادة يظهرون الخجل ويتحامون التعرض للأخطار أو اقتحام غمارها ولكنهم إذا نزل بهم نازل أو تهددهم خطر لا تلبث الشهامة الكامنة فى نفوسهم أن تهب من سباتها"( ).
وتشير المصادر التاريخية إلى ما طبع عليه أهل مصر من قيم وأخلاق سامية تدعو إلى الدهشة وهى قيم ارتبطت بجذورها العربية والوطنية فى آن واحد لتنسج وشائج تعكس درجات عالية من السمو الإنساني الذي يتجه إلى الآخر إما فداء له أو وصلا ومحبة وحنوا عليه وكلها وشائج ترتفع بالسلوك الإنساني وتجعل لوجوده وحياته معنى وقيمة مضافة إلى مجتمعه ناهيك عن أنها تخرجه من منظومة الأنانية والبخل والجشع والتي تطرد تلقائيا كل معاني القناعة التي جبل عليها المصري منذ نعومة أظافره ولا تدع مجالا لمفهوم الكرم والإيثار الذي سيبدو بالنسبة لكثيرين أمرا غير قابل للتصديق.
ومن كان يصدق أن مارية القبطية صاحبة قرية (طاء النمل) أنها عندما دعت الخليفة المأمون إلى قريتها "جاء ولدها إلى صاحب المطبخ وسأله: كم تحتاج من الغنم والدجاج والفراخ والسمك والتوابل والسكر والعسل والطيب والشمع والفاكهة والعلوفة وغير ذلك مما جرت به عادته. فاحضر جميع ذلك إليه بزيادة وكان مع المأمون أخوة المعتصم وابنه العباس وأولاد أخيه الواثق والمتوكل ويحيى بن أكثم والقاضى أحمد بن أبى داود فأحضرت لكل منهم ما يخصه على انفراده ولم تكل أحد منهم ولا من القواد إلى غيره ثم أحضرت للمأمون من فاخر الطعام ولذيذه شيئا كثيرا حتى إنه استعظم ذلك"( )
وهكذا كانت صفة الكرم والإيثار لصيقة بالمجتمع المصري بدرجة أو أخرى حتى اشتهر البعض منهم أنهم ليفون للناس بواجب الولاء ويقومون بضمانهم ولو أدى ذلك إلى انتزاع أموالهم وفقد ضياعهم وأملاكهم ولدينا أسر كثيرة هوت إلى هوة الفقر من جراء ذلك ولكن بيوتها لا تزال تنطق بالفخار لهذه الأسر العريقة فى الكرم والوفاء حيث آثروا غيرهم بالثراء الذى حققوه حين نشب الغلاء وحدث الجدب والقحط فى مصر ذات مرة فهب (طريف بن مكنون) يمد الموائد فى مضيفته لتتسع لأثنى عشر ألفا يأكلون عنده كل يوم حتى اضطر إلى أن يهشم الثريد فى المراكب ويا لعمرى لهذا الكرم البالغ الذي عرف وقت الشدة والضيق حتى ليخال لنا أن تلك المراكب كانت تنتقل بثريدها ولحومها عبر الخلجان والترع لتمير البطون الخاوية( ).
وقد أشاد الرحالة النعمانى بأخلاق وعادات أهل مصر وكرمهم معه وأضاف: " أن هذا كان يحدث بلا غرض وبدون مقابل فقط من أجل الضيافة وإكرام الفقراء ومن المستحيل ذكر جميع تلك الأحداث الجزئية التى تدل على كرم أخلاق هؤلاء الناس معى"( ) ولما لا: "فأهل مصر أكرم الأعاجم كلها وأسمحهم يدا"( ) على حد قول شهاب الدين النويرى. والحقيقة أن لكل بلد محاسن ومعائب وفضائل ورذائل وكمالا ونقصا وإنما تخفى مكارم الآخرين علينا لعد البحث والتنقيب والإمعان والتدقيق( ) ولعل نماذج صاحبة (طاء النمل) وطريف ابن مكنون تشى لنا أنه لا يزال فى مصر صفوفا خلفية وحلقات وإن صغرت لا تزال تحتفظ بعذريتها الحضارية إذا جاز التعبير وأننا لم نصل إلى درجة العقم الحضاري بما ألفه الناس من أهل مصر "فإنهم يصدقون ويرعون الصحبة ويوفون بالعهد ويؤدون الأمانة لا تبرح الأضياف تغشى منازلهم على ما تيسر من مكارمهم فى حال اليسر والعسر وهم فى ذلك على طول الأيام لازمين طريقة واحدة فى الكرم والصبر!!" ( ) كما أنك ترى: "الفقير المجرد فيها مستريح من جهة رخص الخبز وكثرته ووجود السماعات والفرج فى ظواهرها ودواخلها"( ) وحسبنا ما كتبه (ابن خلدون) عن عطف أهل مصر على الفقراء والغرباء لدرجة تدفع بفقراء العالم للنزوح إليها بقوله :" ويبلغنا لهذا العهد عن أحوال القاهرة ومصر من الترف والغنى فى عوائدهم ما يقضى منه العجب منى إن كثيرا من الفقراء بالمغرب ينزعون إلى النقلة إلى مصر لذلك لما يبلغهم من أن شأن الرفه بمصر أعظم من غيرها ويعتقد العامة من الناس أن ذلك لزيادة إيثار فى أهل تلك الآفاق على غيرهم أو أموال مختزنة لديهم وأنهم أكثر صدقة وإيثارا من جميع أهل الأمصار"( ) وقد وصف ابن جبير ذلك (فى القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي) بقوله: "ومن مناقب هذا البلد .. المدارس والمحارس الموضوعة فيه لأهل الطلب والتعبد يفدون من الأقطار النائية فيلقى كل واحد منهم مسكنا يأوى إليه ومدرسا يعلمه .. ومن أشرف هذه المقاصد أيضا أن السلطان عين لأبناء السبيل من هؤلاء المغاربة خبزتين لكل واحد فى كل يوم بالغا ما بلغوا ... فقد ينتهى فى اليوم إلى تفريق ألفى خبزة وأزيد "( ).
فمنح الصداقات لم يتوقف أبدا عن كونه عملا من أعمال التقوى فى القاهرة زمن المماليك – على سبيل المثال – ومن سوء الحظ أن ما نعرفه قليل عن أعمال الخير التى كان عامة الناس يقومون بها وكما هو الحال فى دفع الزكاة كانت أعمال الخير الصغيرة هذه تتم دونما ضجة ولم تخلف أية سجلات مكتوبة يستخدمها المؤرخون مادة وثائقية إلا فى حالات الأشخاص الذين اشتهروا بتقواهم الفائقة وكانت أعمالهم الخيرية تسجل أحيانا لكى يوضح بها المؤرخون طيب خلقهم( ) وثمة شخص من أصحاب الإسهامات الأسطورية هو الحاج على بن محمد النوسانى (ت 799هـ/1396هـ) الذى كان مدرسا فى بلدة سندفا بالغربية وقد كان رجلا ثريا بالمقاييس الريفية ترك ألف جاموسة لورثته وكان مشهورا بأنه يتصدق بألف درهم يوميا كما نجد أحد الأتقياء وهو الصوفي الشيخ مسلم بن عنتر البدوي (ت 673هـ/ 1274م) والذي كان لصا تائبا إلا أنه صار من مريدى شيخ الطريقة الرفاعية وتسبب فى توبة ستمائة لص وسكن القرافة حيث أقام سماطا كان يحضره الفقراء( ).
فالمصريون هم الأكثر وطنية: " فلا يوجد بين مخلوقات الله من يذهب المذهب البعيد فى حب مسقط رأسه كالمصريين فإن المصريين لا يجدون معنى ولا لذة إذا ابتعدوا عن الفيل الذي يطفئ ماؤه أوار عطشهم ويرون أرضهم أو حرموا النحيل التي يكفى أن يهزوا اليهم بجذعها ليساقط عليهم ثمرها فلا يتكبدون فى أكله أقل كلفة"( ) ولذا فإن: "أهل مستغنون عن كل بلد حتى لو ضرب بينها وبين بلاد الدنيا بسور، استغنى أهلها بما فيه عن سائر بلاد الدنيا .." ( ) لما فيها من بركة: "فالبركة عشر بركات: ففى مصر تسع وفى الأمصار بركة واحدة ولا تزال بمصر بركة ما دام فى شئ من الأرضين بركة"( ).
وربما من أجل هذا كله يرى المصرى أن الأرض التى خرج منها ورأى الحياة عليها ينبغى عليه أن يعيش فيها ويموت عليها( ) ويقول لين: "ويعتبر حب المصريين لوطنهم وعلى الأخص مسكنهم صفة بارزة فى طباعهم ويخشى المصريون على العموم هجر مسقط رأسهم..." ( ) ويتذرعون فى ذلك بما قيل من أنه: "من أقام بمصر سنة وجد فى أخلاقه دقة وحسنا ..." ( ) فهى : "بقعة من عند الله مباركة طيبة لا شرقية ولا غربية"( ).
واستشعر المصريون شخصية بلدهم المتفردة فساعد ذلك على تقوية ارتباط المصريين بأرضهم ووجودها ونبهوا إلى بعض سماتها المميزة كابن رضوان المصري الذي يدرس بيئته فيكتب (مقالة فى هواء مصر) ( ) وثان هو ابن جميح الذى خدم الملك الناصر صلاح الدين والذي كان له نظر فى العربية وتحقيق للألفاظ اللغوية يدرس حيزا من بيئته فيكتب (رسالة فى طبع الإسكندرية وحال هوائها ومياهها ونحو ذلك من أحوالها وأحوال أهلها) ( ) وثالث يصف مدينته ويشيد ويفاخر بموقعها البحري والحربي وبمكانتها الصناعية الاقتصادية وهو (ابن بسام المحتسب التنيسى) فى كتابه: "أنيس الجليس فى أخبار تنيس" يصف فيها أرباضها وخططها ومساجدها وفنادقها ومصانعها وأهليها وصنعا تفصيليا دقيقا يعطى صورة حية واضحة لحبه لمدينته فى أحسن حال من حالات عمرانها( ).
أما المقريزي فمن حسن القدر أنه عاش حتى بلغ الثمانين من العمر عكف فيهم على حب مصر ومدافعا لها وراميا عنها بأقوى الحجج وأبرع الأدلة فى فضلها وحفاوة تاريخها وأعلن عن دوافعه من وراء ذلك كله فى مقدمة خططها بقوله: "وكانت مصر هى مسقط رأسي وملعب أترابي ومجمع ناسي ومغنى عشيرتي وحامتى وموطن خاصتي وعامتي وجؤجؤى الذى ربى جناحى فى وكره وعشر مأربى فلا تهوى الأنفس غير ذكره لازلت مذ شذوت العلم وآتانى ربى الفطانة والفهم أرغب فى معرفة أخبارها وأحب الأشراف على الاغتراف من آبارها وأهوى مسائلة الركبان عن سكان ديارها فقيدت بخطى فى الأعوام الكثيرة وجمعت من ذلك فوائد ما يجمعها كتاب أو يحويها لعزتها وغرباتها أهاب .... فأردت أن ألخص منها أبناء ما بديار مصر من الآثار الباقية عن الأمم الماضية والقرون الخالية..."( ).
وبرغم ذلك الحب فإن المصريين هم الأكثر هجرة وتغرباً تحت وطأة اضطراب الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهم وقد: "ظل ذلك الأمر حتى دهى أهل الريف بكثرة المغارم وتنوع المظالم أختلت أحوالهم وتمزقوا كل ممزق وحلوا عن أوطانهم فقلت مجابى البلاد ومتحصلها لقلة ما يزرع بها ولخلو أهلها ورحيلهم عنها لشدة الوطأة عليم وعلى من بقى منهم"( ) "لأن العدوان على الناس فى أموالهم ذاهب بآمالهم فى تحصيلها واكتسابها لما يرونه من أن غايتها ومصيرها انتهابها من أيديهم ... فإذا قعد الناس عن المعاش وانقبضت أيديهم عن المكاسب كسدت أسواق العمران وخف سكان القطر وخلت دياره وخربت أمصاره واختل باختلاله حال الدولة والسلطان"( ).
وأنت فى مصر ستكشف أن اللزوجة هى مناط الشخصية المصرية ولما لا فهى: "مجمع الوارد والصادر ومحط رحل الضعيف والقادر ووضيع ونبيه وشريف ومشروف ومنكر ومعروف تموج موج البحر بسكانها وتكاد تضيق بهم على سعة مكانها وإمكانها"( ).
وأنت فيها تستطيع أن ترى: "ملل وأجناس مشهورة حيث يمكن أن يشكل ذلك مسرحا لاستقصاء دقيق مساعد جدا لدراسة عالم علم الإنسان ..." ( ) ففيها: "أسواق لجميع الأمم يؤمها التجار من المماليك النصرانية كافية ..." ( ) ناهيك عن أن سكان مصر: "أخلاط من الناس مختلفة الأصناف: من قبط وروم وعرب وبربر وأكراد وديلم وحبشان وأرمن وغير ذلك من الأصناف والأجناس على حسب اختلافهم"( ).
وقد أرجع الرحالة الأندلسي – المتوفى سنة 528هـ - هذا الاختلاف واللزوجة فى المصريين بقوله: "إن السبب فى اختلافهم والموجب لاختلاطهم، اختلاط المالكين لها والمتغلبين عليها ..." ( ) فمصر على حد قول الإدريسي : "عامرة بالناس نافقة بضروب المطاعم والمشارب وحسن الملابس وفى أهلها رفاهة وظرف شامل وحلاوة .." ( ) "وأهل مصر وذواتها أرق نفوسا وأشح الناس على أموالهم وأكثرهم خيرات ..." ( ) " ولا يقل عن ذلك روعة ما تلاحظ من تباين بين الأجناس التى تضطرب فى تلك الشوارع المزدحمة فهناك يرى المرء جميع أركان الأرض ممثلة"( ) "وفيها من الأمور والأحوال ما لا يعده الحصر والقياس من كثرة الخلق وازدحام الناس"( ) واسم: "مصر فى الكتب السالفة "أم البلاد"( ).
لأن في "مصر من العلوم التي عمرت الدنيا ... فهؤلاء حكماء الأرض وعلماؤها الذين ورثوا الحكمة من مصر خرجوا و بها ولدوا ومنها انتشرت علومهم فى الأرض .. وكانت مصر يسير إليها فى الزمن الأول طلبة العلم وأصحاب العلم الدقيق لتكون أذهانهم على الزيادة وقوة الذكاء ودقة الفطنة"( ) وربما لهذا يسمون مصر "أم الدنيا" ولا يسمونها "أبو الدنيا". هى أم الدنيا لأنها الرحم الذي لا ينضب بل يصدر أولاده إلى البلاد العقيمة دون وصاية من أب !! ولما لا "فمسكن النقباء الغرب ومسكن النجباء مصر"( ).
بيد أن الرحالة (أولياچلبى) أرجع: "السبب فى تسمية مصر بأم الدنيا أنها تحتوى على جميع أجناس الخلق وأنواع الأمم التى يبلغ عددها اثنين وسبعين أمة تتكلم بمائة وأربعين لغة كما تشتمل على أقوام من التابعين للمذاهب الأربعة فبفضل مصر هذه يعيش كل هؤلاء الخلائق فضلا من الله ومنه .. وما ذلك إلا أن كثرة أهالي مصر وسكانها من الفلاحين أعنى أنهم من أهل الكد والعمل الشاق ومعاناة الأهوال فى سبيل إسعاد الغير إذ أن هؤلاء المساكين بعملهم الدائب هذا يجعلون مصر فى بحبوحة من الخيرات والخصب وعلى جانب عظيم من النعم ورغد العيش الذي يتمتع به الناس والحيوان فلأجل هذا سميت مصر بحق (أم الدنيا) كالأم الرءوم تعنى بجميع أركان الدنيا وتحدب عليها وتبذل لها من متاعها وسلعها وهكذا تكون الأقاليم السبعة من الدنيا عالة عليها..." ( ) فهي: "تمير الحرمين الشريفين ولولا مصر لما أمكن أهل الحرمين وأعمالهما المقام بهما ولما توصل اليها من يرد من أقطار الأرض"( ) كما: "أن القحط والغلاء إذا عما الدنيا كلها وسادا فيها فإن مصر هذه تمون الدنيا حسبما خلقها الله لهذا الغرض وبالعكس إذا أصاحب القحط والغلاء مصر فإن محصول ألف مدينة لا يكفيها حاصلات الدنيا كلها"( ).
وهكذا كانت عناصر الموروث الشعبي التي تتناول شخصية المصري وحياته مرآه تضئ الخبر التاريخي عن جوانب الحياة في مصر اقتصاديا وسياسياً واجتماعيا وفكريا .
.....
- ابن بسام( محمد بن أحمد التنيسي): أنيس الجليس في أخبار تنيس ( تحقيق: جمال الدين الشيال، الطبعة الأولي، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة 2000م)، ص40.
- أولياچلبي: سياحتنا مه مصر، ص393.
-* لعب سحر الخرافة عند المصريين القدماء دوراً كبيراً في الحب , فإذا أراد الرجل أن يستميل قلب امرأة كان عليه أن يستعمل تماثيل مصنوعة من شمع العسل صورت في هيئة المنافس ويجري عليها أعمالاً سحرية فإذا حدث من مفعولها الأمل المنشود كتبت بعض صيغ سحرية تحدث عند المرأة أحلاماً يظهر فيها العاشق فتخضع لسلطانه وتهيم به (وليم نظير : العادات المصرية بين الأمس واليوم , القاهرة 1967م),ص27.
- المقريزي: الخطط، جـ1، ص66، القزويني: عجائب المخلوقات، ص134؛ المسعودي:مروج الذهب ,ج1,ص123.
-أبو المحاسن (جمال الدين يوسف بن تغري بردي )(ت874هـ):منتخبات من حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور (ج2,نشر وليم بير ’كاليفورنيا1931م),ص54,55؛سعيد عبد الفتاح عاشور :المجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك(دار النهضة العربية ، القاهرة 1992م),ص141-155.
- سعيد عبد الفتاح عاشور :المجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك,ص150.
- من سيدات مصر اللاتي لعبْن دوراً في حياة مصر السياسية ؛ سيدات القصر الفاطمي كتدبيرهن مقتل الصالح طلائع بن رزيك . والاستغاثة بجيش نور الدين , ومن ذلك ما قامت به شجر الدر التي حكمت مصر ثلاثة شهور . وترجم العماد الأصفهاني في خريدة القصر وجريدة العصر لأديبات مصريات , وذكر نماذج من أشعارهن . وذكر الأدفوي تراجم لأربع نساء هن : تاج النساء ابنة عيسى بن علي بن وهب , وخديجة بنت علي بن وهب , رقية بنت محمد علي بن وهب ,مظفرية بنت عيسى بن علي بن وهب في مقدمة الطالع السعيد للأدفوي ,نقلاً عن أحمد سيد : الشخصية المصرية,ص197.
- الوشم الذي يزين به بعض العامة أيديهم وصدروهم وشفاههم ووجوههم لم يكن في يوم من الأيام ضرباً من العبث , وإنما يعود إلى التاريخ القديم عندما كان الناس يعيشون في حياة بدائية يقدسون فيها بعض الحيوانات ويخشون فيها من بعض مظاهر الطبيعة كالموج والرياح والمطر والرعد , ويدخل الوشم في إطار عقيدة الطوطم Totemأو النظام التوتمي Totemisme وكلمة طوطم تطلق على كل أصل حيواني أو نباتي تتخذه عشيرة ما رمزاً لها ولجميع أفرادها , ولقد مارس المصريون القدماء الوشم في ظل دياناتهم القديمة وربطوه بها ربطاً كبيراً كما أنهم فوق ذلك اتخذوا من رسومه وسائل للزخرفة والتجميل , ولم يقتصر أمر الوشم لدي المصريين على التجميل فحسب إلا أنه كان أيضاً وسيلة علاجية لبعض الأمراض , كما ظن أنه يمنع الحسد . فللوشم دلائل كثيرة تختلف باختلاف الشعوب والحضارات والثقافات المختلفة . وقد يحمل الوشم أحياناً معنى دينياً , فنقش الصليب على معصم اليد اليمنى عند الأقباط المصريين يسمح لهم بالتعارف فيما بينهم داخل الجماعات المسلمة , وظل بشكل عام سمة للتعارف عند أقليات الشرق الأوسط كما يوجد الوشم العاطفي أو الجنسي الذي يستعمل رقية ضد أعمال السحر , أو تعويذة تقي من الحسد , ,اشهر الأمثلة على ذلك الوحدة المثلثة الشكل التي لا تزال تستعمل في أيامنا هذه في شكل حجاب وكذلك ما يسمى الآن خمسة وخميسة ما هي إلا بقية من معتقدات شعبنا في الماضي البعيد , كما أن العدد خمسة وخميسة هذا له دلالة سحرية اتخذه العامة وسيلة وقائية في قولهم " خمسة وخميسة في عين الحسود" وهى تعني اليد والأصابع الخمسة حيث يرفعها المرء في وجه العدو أو الشخص الذي يخشاه كأنه يقول :"حوش يا حواش ". تلك هى بعض الرموز المصطلح عليها كما أن هناك وحدات تستعمل إلى الآن في الوشم ويرجع تاريخها إلى المصري القديم ؛ كالنخلة والسمكتين , والأفعى , والعقرب , والعصفور الأخضر .انظر/سوسن عامر :الرسوم التعبيرية في الفن الشعبي (الهيئة المصرية العامة للكتاب , القاهرة 1981م),ص19؛ عبد الله نور الدين وهبة :الوشم فن وسحر وجمال , مجلة الفنون الشعبية العدد68/69¸القاهرة 2006م) , ص189.
- أحمد سيد محمد : الشخصية المصرية , ص200.
- لم تقتصر عادة الوشم على النساء فقط بل قام بعض الشباب والغلمان بدق الوشم علي الأصداغ فيذكر الإسحاقي المنوفي عن حادثة تعرض أحد الغلمان للتحرش:"إذا كنت للتعنيق والبوس كارهاً , فلا تمش في الأسواق إلا منقباً , ولا تخرج الأصداغ من من تحت طرة, وتظهر منها فوق خديك عقرباً,فتهتك مستوراً وتتلف عاشقاً".انظر :الإسحاقي المنوفي : أخبار الأول,ص28.
-* العقرب :الصورة النموذجية لهذا الكائن العنكبوتي الخطر من أقدم النقوش الهيروغليفية المعروفة . وقد استعمل لكتابة اسم حاكم من عصر ما قبل الأسرات ,وهو الملك العقرب وكان العقرب إلهاً عبد بأسماء مختلفة كما كانت تعاويذ يستخدمها الناس ضد لدغة أي نوع من الزواحف , ووردت في أساطير مصر القديمة حيث تجرأت العقارب التي هي أعداء البشر وخصوم الآلهة ذات مرة , على أن تلدغ الألهة ولكن الآلهة كانوا أقوي من السم واستطاع البشر بواسطة السحر أن يجعلوا لحمهم كلحم الآلهة .چورچ بوزنر وآخرون :معجم الحضارة المصرية القديمة ,ص234.
-* للثعبان أو الحيَّة دون سائر الحيوانات الأخرى تاريخ طويل تحفه الأساطير من جوانبه كافة. وتكاد لا تخلوا أمة من أساطير دارت حولها وخلاصة ما قيل عنها ؛ أنها تمتلك العشْب ذا القوة السحرية , كما نظر إليها كجن أو شيطان له قوة خارقة تلحق الأذى أو الجنون في كل من يحاول إيذائها , وارتبطت حياة الناس بالحية ارتباطاً وثيقاً لانتمائها إلى عالم آخر , ويفوق طاقة الإنسان . أحمد النعيمي :الأسطورة في الشعر العربي قبل الإسلام ,ص180؛كما أن الأفعى أو الحيَّة لعبت دوراً هاماً في الموروث الشعبي حيث قامت بدور الحارسة أو الحامية للإنسان كما تقوم بمطاردة من يمثلون الدنس في الجماعة , وتروي الحكايات الشعبية الحكايات عن الحية التي تحرس مسجد البيومي بالحسينية وأفعى الشيخ هريدي في صعيد مصر , وهو أحد الأولياء في أقاصي الصعيد ويستمد هذا الولي شهرته من امتلاكه أفعى عظيمة تقيم خلف مسجده, شاع عنه أنه يستطيع شفاء الناس من الأمراض والعلل عن طريق تسليط الأفعى على الجزء المريض في جسد الشخص , فتمتص الأفعى ذلك المرض ويبرأ المريض, ولعل أشهر الأولياء الذين ارتبط اسمهم بالحيات هو الشيخ أحمد الرفاعي الذي يقوم مسجده الكبير بمنطقة القلعة في القاهرة . ثناء أنس الوجود : رمز الأفعى في التراث العربي (سلسلة ذاكرة الكتابة ,القاهرة 1999م), ص77- 78.
- القاضي الفاضل: الديوان (الجزء الأول, تحقيق أحمد أحمد بدوي , القاهرة 1961م),ص78؛ نقلاً عن أحمد سيد: الشخصية المصرية ,ص201 .
- ابن الحكم : فتوح مصر ، ص48، ص49، المقريزي: الخطط، ج1، ص79.
- المقريزي: الخطط،ج1 ، ص79.
- المقريزي: الخطط،ج4 ، ص492.
-الدمشقي : نخبة الدهر في عجائب البر والبحر، ص34 ، ابن إياس : بدائع الزهور ،ج1، ص18.
- تعد قصة (مصرع الزباء) واحدة من نماذج أساطير العرب التي تواتر ذكرها بين الناس, والتي اعتمدت دون ريب علي جزء من التاريخ ثم مزجت هذا التاريخ بالخيال ، وملخصها.إنه كان جذيمة قد ملك ما علي شاطئ الفرات، وكانت الزباء ملكة الجزيرة. وكان جذيمة قد وترها بقتل أبيها فكتبت إليه : إنها لم تجد مُلكُ النساءِ إلا قبحاً في السماع وضعفاً في السلطان، وإنها لم تجد لملكها موضعاً ولا لنفسها كفئاً غيرك، فأقبل إليِّ لأجمع ملكي إلي ملكك وأصل بلادي ببلادك ، وتتوالي الأحداث وتقتل الزباء جذيمة بطريق الحيلة, وتثأر لمقتل أبيها وقام (عمرو بن عدي) ابن أخت جذيمة يثأر لمقتل خاله، وحاولت الزباء أن تهرب فأبصرت عمراً فعرفته فمصت خاتمها وكان فيه سم وقالت ( بيدي لا بيد عمرو). انظر إلي عبد الحليم محمود : القصة العربية في العصر الجاهلي , ص149- 152.
- ابن فضل الله العمري: مسالك الأبصار، السفر الثالث، ص491- 492.
- المقريزي: الخطط، جـ1، ص79.
- المقريزي : الخطط , ج1 , ص80 ؛أوليا چلبي:سياحتنا مه مصر،ص566.
- ابن عبد الحكم: فتوح مصر ص42.
- ابن الحاج ( أبو عبد الله محمد العبدري) (ت 737هـ) :المدخل إلي الشرع الشريف ( الجزء الأول، الطبعة الأولي، دار التراث، القاهرة، د.ت) ص267.
- ابن ظهيرة: الفضائل الباهرة، ص204.
- المقريزي: الخطط، ج1، ص 49.
- أبو الصلت : الرسالة المصرية ,ص 39.
- المصدر نفسه، ص 39.
- أبو الصلت : الرسالة المصرية , ص40.
- ابن الحاج: المدخل، ج1، ص 278.
- العيني ( محمد بن أحمد) (ت 855هـ): الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر ططر ( تحقيق هانس أرنست، الطبعة الأولي دار إحياء الكتب، القاهرة، 1962م)، ص40.
ـ يعلق اليعقوبي على مهارة أهل مصر في التنبؤ بالمستقبل فيقول :"يقولون أن أنبيائهم كانت تكلمهم الكواكب , وتعلمهم أن الأرواح تنزل إلى الأصنام , فتسكن فيها , وتخبر بالحادث قبل أن يحدث .. وكانت لهم فطنة عجيبة ودقيقة يوهمون بها العوام أنهم يكلمون الكواكب , وأنها تنبئهم بما يحدث , ولم يكن ذلك إلا لجودة علمهم بالأسرار التي للطوالع , وصحة الفراسة , فلم يكونوا يخطئون إلا القليل ؛ وادَّعوا علم ذلك عن الكواكب , وأنها تنبئهم بما يحدث , وهذا باطل وغير معقول ". اليعقوبي : تاريخ اليعقوبي , المجلد الأول , ص188.
- المقريزي: الخطط، ج1، ص49.
- ابن محشرة: الاستبصار في عجائب الأمصار، ص53.
- المقريزي : إغاثة الأمة بكشف الغمة (سلسلة مكتبة الأسرة , القاهرة 1999م) ,ص39.
- أبو الصلت : الرسالة المصرية , ص24.
- فاروق خورشيد : معادن الجوهر , ص 118.
- قاسم عبده قاسم : ماهية الحروب الصليبية (دار عين للدراسات والبحوث , القاهرة 1993م) ,ص202,203.
- يذكر ابن إياس في (حوادث سنة 758هـ) :"في شهر رجب هبت رياح عاصفة من جهة الغرب حتى أظلم الجو ظلمة شديدة ... حتى ظن الناس أن القيامة قد قامت , وصار يودع بعضهم بعضاً " ؛ وفي (حوادث سنة 928هـ) يشير ابن إياس :"أن شخصاً ادعى أن في يوم الجمعة من شهر ربيع الآخر عام 928هـ يثور علي الناس رياح عاصفة وتقع زلزلة عظيمة حتى تسقط منها الدور وتقبض الناس وهم في صلاة الجمعة , فانتشرت هذه الشائعة في القاهرة وانطلقت ألسن الناس بذلك قاطبة , فاضطربت القاهرة لهذه الشائعة وصار الناس يودع بعضهم بعضاً ".انظر ابن إياس :بدائع الزهور ,ج5 ,ص440. ويعلق (ستانلي لينبول) بقوله :" أنه من الواضح أن أهل القاهرة كانوا يؤمنون بالخرافات ؛فقد حدث في عام1735م أن انتشرت إشاعة فحواها أن يوم البعث سوف يكون يوم الجمعة التالي ومن ثم وجدنا الناس يودعون بعضهم .. وأخذ أهل الجيزة بعد أن حركتهم خرافة قديمة يستحمون في النيل بعصبية ظاهرة الرجال والنساء على حد سواء ".ستانلي لينبول :سيرة القاهرة (ترجمة حسن إبراهيم وآخرون , مكتبة الأسرة , القاهرة 1997م) ,ص242.
- علي صافي حسين : الأدب الصوفي في مصر - ابن الصباغ القوصي ,شيخ التصوف الإسلامي في القرن السابع الهجري ( مكتبة المتنبي ,القاهرة 1971م) ، ص121,172نقلاًعن أحمد سيد محمّد : الشخصية المصرية في الأدبين الفاطمي والأيوبي ,ص314.
- ابن النديم: الفهرست ( تحقيق : محمد عوني بالاشتراك، سلسلة الذخائر، العدد 149، القاهرة 2006م)، ص308.
- التلمساني: سكردان السلطان، ص 364، المقريزي: الخطط، ج1، ص110.
- ابن سعيد الأندلسي : النجوم الزاهرة في حُلى حضرة القاهرة , ص384.
- ابن عبد الحكم: فتوح مصر والمغرب، ص 176- 177 ، المقريزي: الخطط، ج1، ص 58؛ القلقشندى : صبح الأعشى , ج3,ص291؛القزويني : عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات , ص168-169؛ الإسحاقي المنوفي : أخبار الأول,ص30.
- الإسحاقي المنوفي : أخبار الأول فيمن تصرف في مصر من أرباب الدول ,ص31.
- ظلت هذه الخرافة تروي علي مدي أكثر من ألف سنة والعديد من الشواهد حالياً تؤكد أن هذه الرواية لا تستند علي أي أساس وأنها مجرد أسطورة من الأساطير التي أطلقها بعض المؤرخين عن الحضارة المصرية القديمة، فقبل أن يدون ابن عبد الحكم هذه الحكاية قام العديد من المؤرخين اليونانيين والرومان بزيارة مصر وكتبوا عن كل ما شاهدوه بأنفسهم وكل ما حكي لهم عن تاريخ مصر والمصريين وكان أشهر هؤلاء المؤرخين القدامى: هيرودوت واسترابون وديودور الصقلي وغيرهم.وقد سجل هؤلاء المؤرخون القدامى التاريخ المصري وذكروا قصصاً كثيرة عن المصريين القدماء وعن حياة وعادات وتقاليد أهل مصر كما ذكروا الكثير من الخرافات والأساطير التي لا تصدق عن مصر والمصريين. ومع ذلك لم يذكر أحد من هؤلاء المؤرخين أن المصريين كانوا يزفون للنيل في كل عام عروسة حية, ولو أن ذلك قد حدث ولو مرة واحدة عبر آلاف السنين لكانت فرصة أمام هؤلاء المؤرخين ليكتبوا لقرائهم المزيد من عجائب وغرائب المصريين. أضف لذلك أن المؤرخ ابن عبد الحكم قد كتب هذه الحكاية بعد فتح مصر علي يد عمرو بن العاص بأكثر من قرنين من الزمان، أي أنه كان غير معاصر للحكاية علي فرض حدوثها- إن كانت قد حدثت فعلاً وعلي هذا فإما أن تكون هذه الحكاية قد رويت له بمعرفة أحد رواة التاريخ الشعبي فغلفتها الخرافة وساقها لنا الخيال .
ــ تضاربت الآراء في أصل فكرة "عروس النيل " فزعم بعض المؤرخين العرب كان المصريون يقدمون في كل عام عروساً من أجمل النساء إلى النيل في يوم وفائه "فيضانه" ويزفونها في مهرجان شعبي وتركب العروس سفينة مزينة بالزهور والأعلام , وتسير على صفحة النهر ويدفعون لأهلها تعويضاً اعتقاداً منهم أن هذا القربان يرضي النيل فلا يحرمهم = من خيره وبركاته ,ولم يقلعوا عن هذه العادة ـ في زعم هؤلاء المؤرخين ـ إلا في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطابt بحسب ما نقله لنا المؤرخ العربي ابن عبد الحكم , ويقول فريق آخر : إن الأصل في فكرة عروس النيل هو أن المصريين القدماء كانوا يقدسون النيل ويقيمون له تماثيل مختلفة , وكان يوجد في جزيرة فيلة بأسوان هيكل لا تزال آثاره باقية يحتفل القوم فيه كل عام بهذا العيد , وذلك بإلقاء الحلى والقطع الذهبية تكريماً لهذا النهر , بينما يقول البعض الآخر :كان المصريون يلقون في كل عام عروساً من الذهب أو البرونز أو الفخار وقت الفيضان حتى تكثر خيراته , والواقع أن تلك الأسطورة ليس لها نصيب من الصحة , وذلك أن المصريين القدماء كانوا يقصدون بهذه العروس "أرض مصر " أي أن النيل متى فاض دخل على أرض مصر تشبهاً بالرجل عندما يلتقي بعروسه يوم الزفاف يؤكد ذلك أنهم لم يشيروا فيما تركوه لنا من آثار ونقوش وبرديات إلى عروس النيل هذه . انظر . وليم نظير : العادات المصرية بين الأمس واليوم (القاهرة 1967م),ص49- 51؛ محمد لطفي جمعة:مباحث في الفولكلور(سلسلة الدراسات الشعبية , العدد34, القاهرة1999م),ص70.
- قاسم عبده قاسم: التكوين الحضاري للمصريين من الفتح الإسلامي حتى الغزو العثماني ( الطبعة الأولي، سلسلة مطبوعات الهيئة العامة لقصور الثقافة, العدد 36، القاهرة 1999م)، ص210.
- المسعودي: مروج الذهب، ج1، ص344.
- أولياچلبي : سياحتنامه مصر، ص 566.
- الزقازيق: من المدن الكبيرة فى مصر الواقعة على (ترعة) مويس بمحافظة الشرقية والتى يسميها الناس بـ (بحر مويس).وقد شهد الوالى محمد على بكرم أهل الزقازيق وأعجب به حين زار المدينة فى أعقاب بناء قناطر الزقازيق (سنة 1248هـ/ 1832م) و التى أصبح من الضرورى تسمية هذه القناطر باسم معين تعرف به بين رجال الرى وتذكر به فى مكاتباتهم فاختاروا لها اسم قناطر الزقازيق نسبة على نزلة الزقازيق المنسوبة إلى أفراد عائلة زقزوق وعلى كفر الزقازيق موطنهم الأصلى الواقع فى شمال مكان القناطر على بعد 400 متر وقد أقام أفراد عائلة زقزوق مساكن لهم وللباعة بجوار مكان القناطر لإقامتهم عرفت بين العمال وغيرهم باسم نزلة الزقازيق ، ولما تم بناء القناطر (1827م – 1832م) زارها محمد على وأعدت له وليمة فاخرة وقدموا له الشيخ (إبراهيم زقزوق) كبير العمال فشكره على المجهود الذى بذله هو ورجاله وأفراد عائلته فى بناء القناطر ، ولما علم الوالى أنها سميت قناطر الزقازيق نسبة إلى أسرة الشيخ (إبراهيم زقزوق) قال محمد على :( فلتكن الزقازيق على بركة الله).انظر:عمرو عبد العزيز منير : الشرقية بين التاريخ والفولكلور(دار الإسلام , القاهرة 2004م), ص107.
- هيرودوت يتحدث عن مصر , فقرة 60 , ص160.
- ابن الحاج: المدخل، ج2، ص 57.
- أحمد رشدي صالح :الأدب الشعبي (سلسلة مكتبة الأسرة , القاهرة 2002م),ص137-138.
-چوزيف بتس : رحلة الحاج يوسف إلى مصر ومكة والمدينة , ص39.
- ابن الحاج: المدخل، ج2، ص55.
- الإسحاقي المنوفي : أخبار الأول فيمن تصرف في مصر من أرباب الدول ,ص32.
- نفسه، ج1، ص 269.
- المقريزي : الخطط ،ج1 ، ص 445.
- الإسحاقي المنوفي : أخبار الأول فيمن تصرف في مصر من أرباب الدول , ص32.
1) زبيدة محمد عطا: قبطى في عصر مسيحي، الطبعة الأولى، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2003، ص12.
) زياد الدريس: المدرسة الاجتماعية المصرية، مجلة المعرفة، العدد 96، السعودية 2003، ص101.
) أحمد سيد محمد: الشخصية المصرية في الأدبين الفاطمي والأيوبي، الطبعة الثانية، دار المعارف، القاهرة، 1992، ص44.
) زكى نجيب محمود: قصة عقل، الطبعة الأولى، دار الشروق، القاهرة 1983، ص228.
) جوستاف لوبون: الآراء والمعتقدات، ترجمة محمد عادل، المطبعة العصرية، القاهرة، د.ت.، ص6.
) محمد عبد السلام إبراهيم: السيد أحمد البدوي في المأثورات الشعبية، الجزء الأول، الطبعة الأولى، الزقازيق، 1998، ص1.
) أحمد زايد: المصري المعاصر مقاربة نظرية وإمبريقية لبعض أبعاد الشخصية القومية المصرية، سلسلة مكتبة الأسرة، 2005، ص30، ص31 بتصرف.
) العبدري: رحلة العبدري،ص 279.
) جناب شهاب: (جناب شهاب الدين بن عثمان شهاب الدين): على طريق الحج،(ترجمة: سامية محمد جلال، سلسلة المشروع القومي للترجمة، العدد 636، القاهرة 2003م)،ص188.
) هيرودوت: هرودوت يتحدث عن مصر، ص82.، ص124.
وانظر: زبيدة عطا: قبطى في عصر مسيحى ، ص22.
) أبى الصلت أمية بن عبدالعزيز: الرسالة المصرية ، ص39.
) نفسه, ص39.
) إبراهيم شعلان، الشعب المصري، ص206، 207. وانظر: أدور لين: المصريون المحدثون عاداتهم وشمائلهم ، صـ203-204.
) وينفريد بلاكمان: الناس في صعيد مصر العادات والتقاليد، ترجمة: أحمد محمود، الطبعة الأولى، دار عين للدراسات، القاهرة 1995، ص10.
) عزت حجازى: الشخصية بين السلبية والإيجابية، مجلة الفكر المعاصر، العدد 50، القاهرة 1969، ص77.
) شوقى ضيف: الفكاهة في مصر، سلسلة اقرأ، العدد 511، الطبعة الثالثة، دار المعارف، القاهرة 2004، صـ40.
) المرجع السابق,ص48.
) نفسه، ص49.
) ابن بطوطة: الرحلة، ص33.
) أوليا چلبى: سياحتنا مه مصر, ص566.
) التنيسى (محمد بن أحمد بن بسام المحتسب): أنيس الجليس في أخبار تنيس، تحقيق جمال الدين الشيال، الطبعة الأولى، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 2000، ص41.
) البلوى: تاج المفرق ، ص228.
) أبوا لصلت أمية: الرسالة المصرية ، ص34.
) الناس في صعيد مصر: مصدر سابق، ص27.
) أحمد زايد: المصري المعاصر، ص129.
) كلوت بك: لمحة عامة ، ص546.
) الدهلوي :(حسن نظامي): رحلة حسن نظامي في مصر وفلسطين والشام والحجاز، ترجمة : سمير عبدالحميد ، سلسلة المشروع القومي للترجمة، العدد 285، القاهرة 2002م، ص68.
) ابن سعيد الأندلسي (على بن موسى) (ت685هـ): الاغتباط في حلى مدينة الفسطاط من كتاب المغرب في حلى المغرب، تحقيق: زكى محمد حسن وآخرون، الجزء الأول من القسم الخاص بمصر، سلسلة الذخائر، العدد 89، القاهرة، 2003، ص9.
) نبيل راغب: الشخصية المصرية بين الحزن والمرح، الطبعة الأولى، دار الثقافة، القاهرة، 1992، ص7.
) المرجع السابق، ص8.
) ابن جبير: الرحلة، ص 38، 39.
) السبتى: مستفاد الرحلة والاغتراب ، ص174، 175.
) البلوى: تاج المفرق ، ص236.
) أحمد زايد: المصري المعاصر، ص26.
) عزة عزت: المصري ساخرا، الشخصية المصرية والأمثال الشعبية، مجلة الهلال، عدد أغسطس، القاهرة، 1997، ص172.
) أبى الصلت: الرسالة المصرية ، ص38.
) المصدر السابق، ص36.
) عزة عزت: لغة الشارع ، ص79، ص81.
) نفسه، ص86، ص87.
) الدهلوى (حسن نظامى): رحلة خواجة نظامى في مصر وفلسطين والشام والحجاز، ص62، ص63.
) جوزيف بتس: رحلة الحاج يوسف ، ص38.
) كلوت بك: لمحة عامة ، ص556.
) وينفريد بلاكمان: الناس في صعيد مصر ، ص11.
) عزة عزت: مرجع سابق، ص70.
) ابن خلدون (أبوزيد عبدالرحمن بن خلدون) (732 – 808هـ): التعريف بابن خلدون رحلته غربا وشرقا، تحقيق محمد بن تاويت الطنجى، تقديم عبادة كحيلة، سلسلة الذخائر، العدد 100، القاهرة 2003، ص247. وانظر: مقدمة ابن خلدون ، سلسلة مكتبة الأسرة2007م، ج1، ص398.
) المقريزى: الخطط المقريزية، الجزء الأول، مطبعة النيل بمصر، القاهرة 1325هـ، ص79. وانظر: ابن إياس: بدائع الزهور، ج1,ص7.
) المصدر السابق، ص79، وانظر: ابن إياس, بدائع الزهور، ص7.
) ردولف: رحلة الأمير ردولف إلى الشرق مصر والقدس، الجزء الأول، ترجمة عبد الرحمن الشيخ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1995، ص72.
) أندريا نيتر شايدت: الشخصية المصرية، مجلة المعرفة، العدد 96، السعودية 1424هـ، ص84.
) كلوت بك: لمحة عامة، ص556، ص557.
) أندريا نيتر شايدت: الشخصية المصرية ، ص82.
) العبدرى: الرحلة، ص279.
) زكى نجيب محمود: تجديد الفكر العربى، سلسلة مكتبة الأسرة، القاهرة 2004، ص217.
) شلبى النعمانى: رحالة هندي في بلاد الشرق العربي، ترجمة جلال السعيد الحفناوى، تقديم: سمير إبراهيم، سلسلة المشروع القومي للترجمة، العدد 347، القاهرة 2003، ص223.
) النعمانى: رحالة هندى في بلاد الشرق ، ص224.
) كلوت بك: مصدر سابق، ص557.
( ) مصطفى الصاوى الجوينى: ملامح الشخصية المصرية ، ص 142.
( ) الأدفوى (كمال الدين أبوالفضل الأدفوى) (ت 748هـ): الطالع السعيد الجامع أسماء الفضلاء والرواة بأعلى الصعيد، نشر عبد الرحمن على قريط، طبع المطبعة الجمالية بمصر، القاهرة 1914م، ص209.
( ) الحريري (أحمد بن على) (ت في القرن العاشر الهجري): الإعلام والتبيين في خروج الفرنج الملاعين على ديار المسلمين، تحقيق سهيل زكار، مكتبة دار الملاح، دمشق، 1981، ص96.
( ) ابن الحاج: المدخل، ج1، ص297.
( ) المقريزي: الخطط، ج4، طبعة سلسلة الذخائر العدد 54، القاهرة 1999، ص506، ص507
( ) الحلى (صفى الدين أبو الفضل عبد العزيز الطائى) (ت 750هـ): العاطل الحالى والمرخص الغالى، تحقيق: حسين نصار، الطبعة الأولى، مركز تحقيق التراث، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1981، ص13.
( ) نفسه ,ص18.
( ) أندريا نيترشايدت: مرجع سابق، ص84.
( ) الرسالة المصرية ، ص32.
( ) جمال حمدان: شخصية مصر، سلسلة مكتبة الأسرة، القاهرة، 2000، ص134، ص137.
( ) العبدرى: الرحلة ، ص284.
( ) الرسالة المصرية ، ص33.
( ) العبدرى: مصدر سابق، ص279.
( ) ابن خلدون: الرحلة ، ص257.
( )المصدر السابق، ص258.
( ) المقريزى: الخطط، ج1، ص48، ص49.
( ) زبيدة عطا: مرجع سابق، ص23.
( ) أبى الصلت: مصدر سابق، ص38، 39.
( ) هويدا عبدالعظيم رمضان: المجتمع في مصر الإسلامية من الفتح العربي إلى العصر الفاطمي، الجزء الثاني، سلسلة مكتبة الأسرة، القاهرة، 2006، ص77.
( ) كلوت بك: لمحة عامة إلى مصر ، ص547.
( ) المقريزي: السلوك، ج1، ص222، ابن إياس: بدائع الزهور، ج1، ص128.
( ) المقريزي: الخطط، ج2، ص100، وانظر: محمد حسن: الأسرة المصرية في عصر سلاطين المماليك،ص20.
( ) العبدري: الرحلة، ص279.
( ) عبد اللطيف البغدادي: الإفادة والاعتبار، ص137.
( ) عزة عزت: لغة الشارع ، ص168.
( ) البغدادى: الرحلة، ص140.
( ) نقسه، ص139.
( ) نفسه، ص140.
( ) إبراهيم أحمد شعلان: الشعب المصرى في أمثاله العامية ، ص99 ،ص 100.
( ) جناب شهاب الدين: على طريق الحج ,ص95.
( ) عزة عزت: مرجع سابق، ص79.
( ) على طريق الحج: المصدر السابق، ص106.
( ) السيوطي: حسن المحاضرة، ج2 ، ص 337. وانظر: العمري (شهاب الدين أحمد بن فضل الله) (ت 749هـ): مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، السفر الثالث، تحقيق: أحمد الشاذلي، المجمع الثقافى، أبوظبى، 2003، ص436.
( ) محمد رضوان: محنة الذات بين السلطة والقبيلة دراسة لأشكال القمع وتجلياته في الرواة العربية، الطبعة الأولى، منشورات اتحاد الكتاب العربى، دمشق، 2002، ص15.
( ) الشعب المصري في أمثاله العامية: مرجع سابق، ص101.
( ) عبداللطيف البغدادى: الرحلة، ص140.
( ) ابراهيم شعلان:مرجع السابق، ص100.
( ) البكرى: الروضة المأنوسة ، ص145.
( ) وينفريد بلاكمان: مصدر سابق، ص11.
( ) شلبى النعمانى: رحالة هندى في بلاد الشرق العربى، ص 172.
( ) كلوت بك: لمحة عامة ، ص550.
( ) جناب شهاب الدين: على طريق الحج ، ص191.
( ) الدهلوى: الرحلة ، ص66.
( ) العبدري: الرحلة ، ص215.
( ) جوزيف بتس: مصدر سابق، ص38.
( ) الدهلوى: مصدر سابق، ص69.
( ) العبدري: الرحلة,ص276.
( ) جناب شهاب الدين: مصدر سابق، ص191.
( ) أولياچلبى: سياحتنا مه مصر، ص485.
( ) انظر: سيد عشماوى: الجماعات الهامشية المنحرفة في تاريخ مصر الاجتماعي الحديث، سلسلة مكتبة الأسرة، القاهرة، 2005، ص23، ص24.
( ) ابن إياس: مصدر سابق، ص7.
( ) جوزيف بتس: رحلة الحاج يوسف، ص39.
( ) المصدر السابق: ذات الصفحة.
( ) ابن إياس: بدائع الزهور في وقائع الدهور، الجزء الخامس، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1985، ص476.
( ) عصمت محمد حسن: جوانب من الحياة الاجتماعية لمصر من خلال كتابات الجبرتي، سلسلة مكتبة الأسرة، القاهرة 2002، ص128.
( ) كلوت بك: لمحة عامة، ص550، ص551.
( ) أبوالصلت: الرسالة المصرية، ص31.
( ) بريس دافين: رحلة إدريس أفندي ، ص72.
( ) ابن إياس: بدائع الزهور ، ص7.
( ) إبراهيم شعلان: الشعب المصري، ص81.
( ) فريد طه: اقتلوني واقفا، مطبوعات قصر ثقافة الشرقية، الزقازيق، 1999، ص42.
( ) الجبرتي (عبد الرحمن بن حسان): عجائب الآثار في التراجم والأخبار، الجزء الثالث، تحقيق عبد الرحيم عبد الرحمن، سلسلة مكتبة الأسرة، القاهرة 2003، ص149، ص150.
( ) البغدادى: الإفادة والاعتبار ، ص133.
( ) حسنين توفيق ابراهيم: العنف السياسى في مصر (دراسة ضمن كتاب ظاهرة العنف السياسي من منظور مقارن)، تحرير نيفين عبدالمنعم، الطبعة الأولى، مركز البحوث والدراسات السياسية، بجامعة القاهرة، القاهرة، 1995، ص414.
( ) أبوعبدالفتاح على بن حاج: فصل الكلام في مواجهة ظلم الحكام، الطبعة الأولى، دار العقاب، بيروت، 1994، ص127.
( ) على عبد الرازق: الإسلام وأصول الحكم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1993، ص2. وانظر: عبدالرازق أحمد السنهورى: أصول الحكم في الإسلام، سلسلة مكتبة الأسرة، القاهرة، 1998، ص41.
( ) أخبار الأول فيمن تصرف في مصر: مصدر سابق، ص7.
( ) سيد عشماوى: الجماعات الهامشية ، ص67.
( ) أوليا چلبى: مصدر سابق، ص432.
( ) بيرو طافور: رحلة طافور في عالم القرن الخامس عشر الميلادي، ترجمة حسن حبشى، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 2002، ص69.
( ) ابن إياس: بدائع الزهور، ج5، ص484.
( ) الجبرتي: المصدر سابق، ج4، ص128- 129.
( ) إبراهيم شعلان: الشعب المصري,ص75.
( ) أوليا چلبى: مصدر سابق، ص435.
( ) الجبرتى: عجائب الآثار، ج3، ص134.
( ) عزة عزت: لغة الشارع، ص159.
( ) الجبرتى: المصدر سابق، ج3، ص134.
( ) محمد رجب النجار: الشعر الشعبى الساخر في عصور المماليك، عالم الفكر، المجلد الثالث عشر، العدد الثالث، الكويت، 1982، ص892.
( ) المرجع السابق، ص831.
( ) ابن إياس: بدائع الزهور، ج5، مصدر سابق، ص127.
( ) عبدالعزيز محمد الشناوى: الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها، الجزء الأول، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1980، ص129، وانظر: كمال حامد مغيث: مصر في العصر العثمانى 1517- 1798م، الطبعة الأولى، مركز الدراسات والمعلومات القانونية، القاهرة، 1997، ص71.
( ) الشيخ يوسف الشربينى: هز القحوف في شرح قصيدة أبى شادوف، دار النهضة العربية، القاهرة، 1963،ص145.
( ) كمال حامد: مصر في العصر العثمانى ، ص72.
( ) المرجع السابق، ص73.
( ( Sonnini, C.S.: Travels in upper and lower Egypt Tr. Hunter, London, John Stockdale, 1919, P. 204.
( ) أوليا چلبى: سياحتنامه، مصدر سابق، ص433.
( ) أحمد عبد الله رزة: قضية الأجيال، سلسلة مكتبة الأسرة، القاهرة، 2005، ص136 بتصرف.
( ) العبدرى: مصدر سابق، ص276، 277.
( ) حسين مؤنس: الحضارة، مرجع سابق، ص374.
( ) وينفريد بلاكمان: الناس، مصدر سابق، ص11.
( ) كلوت بك: مصدر سابق، ص548.
( ) المصدر السابق، ص549.
( ) المقريزى: الخطط، ج1، ص81. وانظر: هويدا عبدالعظيم: المجتمع في مصر، ج2ص80، 81. وانظر: أحمد السيد سرحان: الحوف الشرقى (إقليم الشرقية) من الفتح العربى حتى نهاية الدولة الفاطمية، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، جامعة الزقازيق، 1995، ص156، ص424.
( ) أحمد سرحان: الحوف الشرقى، ص424.
( ) النعمانى: رحالة هندى في بلاد الشرق، ص220.
( ) النويرى (شهاب الدين أحمد بن عبدالوهاب) (ت 733هـ): نهاية الأرب في فنون الأدب، السفر الأول، سلسلة تراثنا ، وزارة الثقافة، مصر، 1979، ص347، ابن عبدالحكم: فتوح مصر وأخبارها، ص6.
( ) محمد المويلحى: الشرق والغرب، (مقال) جريدة مصباح الشرق، العدد 23 يونيو 1898م، نقلا عن أحمد الهوارى: نقد المجتمع في حديث عيسى بن هشام، دار عين للدراسات، القاهرة، 1993، ص19.
( ) ابن سعيد الأندلسى: الاغتباط في حلى مدينة الفسطاط، ص9.
( ) ابن سعيد الأندلسي: النجوم الزاهرة في حلى حضرة القاهرة، القسم الخاص بالقاهرة، تحقيق حسين نصار، مطبعة دار الكتب، القاهرة، 1970، ص29.
( ) ابن خلدون: المقدمة، الجزء الثانى، طبعة مكتبة الأسرة، ص805.
( ) ابن جبير: الرحلة، طبعة مكتبة مصر، ص32، 33.
( ) آدم صبرة: الفقر والإحسان في مصر عصر سلاطين المماليك، ترجمة قاسم عبده قاسم، سلسلة المشروع القومى للترجمة، العدد 509، القاهرة، 2003، ص87.
( ) المرجع السابق: ص88.
( ) كلوت بك: مصدر سابق، ص549.
( ) النويرى: نهاية الأرب في فنون الأدب، ص355.
( ) ابن زولاق: فضائل مصر، ص12، ابن ظهيرة: محاسن مصر والقاهرة، ص76.
( ) ابراهيم أحمد شعلان: الشعب المصرى، ص117.
( ) المصريون المحدثون: مرجع سابق، ص216.
( ) السيوطى: حسن المحاضرة، ج2، ص199.
( ) بهاء الدين السبكى: عروس الأفراح ، ص8.
( ) ابن أبى أصبية (موفق الدين أبى العباس أحمد بن القاسم ابن خليفة بن يونس السعد الخزرجى): عيون الأنباء في طبقات الأطباء، ج2، الطبعة الأولى، المطبعة الوهابية، القاهرة، 1299هـ، ص105.
( ) المصدر السابق، ج2، ص113، ص115، انظر: مصطفى الصاوى: ملامح الشخصية المصرية، ص103،ص104.
( ) جمال الدين الشيال: مقدمة تحقيق كتاب (أنيس الجليس)، ص24.
( ) المقريزى: الخطط، ج1، ص2، 3.
( ) المقريزى: إغاثة الأمة بكشف الغمة، طبعة مكتبة الآداب، ص39. وانظر: سحر السيد إبراهيم: الهجرات وتطور مدينة القاهرة في عصر سلاطين المماليك، رسالة ماجستير، غير منشورة، آداب الزقازيق، 2001، ص200: ص224.
( ) ابن خلدون: المقدمة، الجزء الثانى، طبعة مكتبة الأسرة، ص698.
( ) ابن بطوطة: الرحلة، ص32.
( ) جناب شهاب الدين: على طريق الحج ، ص 188.
( ) بنيامين التطيلى (561 – 569هـ): رحلة بنيامين التطيلى، ترجمة عزرا حداد، دراسة عبد الرحمن الشيخ، طبعة المجمع الثقافي، الإمارات 2002، ص358.
( ) الرسالة المصرية: مصدر سابق، ص23.
( ) المصدر السابق، ص24.
( ) الإدريسي (أبى عبدالله محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس الحمودى): نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، المجلد الأول، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 1994، ص324.
( ) الزهري (أبى عبد الله محمد بن أبى بكر) (ت أواسط القرن السادس الهجرى): كتاب الجعرافية، تحقيق محمد حاج صادق، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 2000، ص50.
( ) بريس دافين: إدريس أفندى في مصر، ترجمة: أنور لوقا، سلسلة كتاب اليوم، العدد 323، القاهرة، 1991، ص28.
( ) القلصادي (أبو الحسن على القلصادى الأندلسى)(ت891هـ): رحلة القلصادى، تحقيق محمد أبو الأجفان، الشركة التونسية للتوزيع، تونس، 1978، ص126.
( ) ابن ظهيرة: الفصائل، مصدر سابق، ص80.
( ) النويرى: نهارية الأرب، مصدر سابق، ص353.
( ) الإسحاقي المنوفي: أخبار الأول ، ص4.
( ) أوليا چلبى: سياحتنامه مصر، مصدر سابق، ص607.
( )النويرى: نهاية الأرب، مصدر سابق، ص354.
( ) سياحتنامه مصر، ص207.
وقد نهض (المحتسب التنسيي) على تلك النزعة في سياق وصفه لأخلاق أهل مصر في مدينة تنيس – المندثرة سنة 624هـ- بقوله:" وطالع تأسيس هذه المدينة برج الحوت وصاحبه المشتري، السعد الأعظم، وصاحب الشرق الزهرة؛ لذلك كثر طرب نفوس أهلها، وفرحهم، ورغبتهم في مداومات اللذات واستماع الأغاني ومواصلة المسرات"
وانساق الرحالة والمؤرخون لهذا النزوع الخرافي عندما ربطوا بين طالع السعد وأخلاق أهل القاهرة بقولهم:" ووضع البناءون الأساس في لمح البصر, فبُهِتَ المنجمون وصاحوا قائلين "القاهرة" والقاهرة اصطلاح للمنجمين يطلق على المريخ جلاد الفلك، فلذلك السبب لا تنقطع الدماء والقتال والنزاع والفتن والفساد عن القاهرة المعزية التي سميت بهذا الاسم لوضع أساسها في طالع المريخ"
ولعبت الأساطير والحكايات الشعبية دوراً في وصف علاقة المرأة بالرجل في مصر فيقول المقريزي في سياق وصفه لأسماك النيل أن به سمك يسمي الرعَّاد قيل عنه :" إذا علقت المرأة شيئاً من الرعَّاد عليها لم يطق زوجها البعد عنها" . كما لجأت بعض النساء إلى التحكم فيهم حتى أننا نسمع عن بعض السلاطين والحكام ـ كالسلطان إينال ـ أنهم استسلموا لزوجاتهم حتى أصبحت الواحدة منهن على جانب كبير :"من نفوذ الكلمة ووفور الحرمة في الدولة وطواعية السلطان لأوامرها " وفي هذه الحالة يصبح السلطان أو الأمير :"لا اختيار له معها " .
وعلى الرغم من سمو مكانة المرأة المصرية , ونيّلها من حقوقها في مختلف عصورها ما لم تنله امرأة في مجتمع آخر , وعلى الرغم من نشاط المرأة المصرية في مجال السياسة والآداب فإن أغلب الكتابات الأدبية لم تصور لنا إلا جانباً واحداً هو وصف جمالها وما يرتبط به من زينه وفتنة وبواعث الحب أو الجنس ومظاهر إعجاب الرجال بها والتي لعبت فيها الأسطورة والخرافة دورها الفاعل. حيث كانت زينتها أحياناً وشماً تدقه على خدها . فترسم بالمسك صورة عقرب أو ثعبان إثارة أو إغراء أو معتقد في جذب الرجال إليها, فالمرأة المصرية هنا قد توحي للرجل وتناديه حينما تحذره من الاقتراب أو تخيفه من العقرب أو الثعبان. ومع ذلك فلا بأس بهذا اللدغ, ولا بأس من الاقتراب.فالشاعر ابن عرام يصف حبيبته بالقسوة , ومع ذلك فإنه يقبلها علي الرغم من أن العقرب يلدغه :
مَنْ مُعيني على اقتناصِ غزالٍ ** نافرٍ عن حبائلي روَّاغ
قلبهُ قسوةً كجلمودِ صخرٍ** خدُّه رِقةً كزهرِ الباغِ
كلما رمْتُ أن أُقبَّل فاه ** لَدَغَتْني عقاربُ الأصْدَاغِ
فلقد احتل كل من الثعبان والعقرب ركناً مهماً في قائمة الأشكال الحيوانية والنباتية التي كانت المرأة المصرية تقوم بوشمها على بدنها بما تحمله تلك الأشكال من رموز ودلالات تعكس بالضرورة بعضاً من رواسب أفكار أقدم.
الموروث الشعبي الذي يربط بين المرأة المصرية وكل من العقرب والحيَّة نجد تصويره عند القاضي الفاضل حيث يعترف بفتنة العقرب , ولكنه اكتشف أن لها رقية تعجزها عن اللدغ وتكف أذاها آلا وهى القبلات:
حدِّثْنا يا فتى وأخبرنا ** وأيما شئت منهما فقلْ
عن حيَّةٍ في الخدود ظالمةً** تمنع من شمَّ وردها الخضلْ
إن لها رقيةً مجربةً ** وإن ألفاظها من القبل
ويصور القاضي الفاضل زينة المرأة المصرية وما بها من وشم للحيَّة على الخد فيقول:
من حيَّةٍ في الجمْرِ ما احترقَتْ ** والجمرُ فوق الخدِّ ما اشتعَلا
لو أنها تلك التي انقلبتْ ** يوم العصا لم يعصِ من جهلا
لعل ذلك ما دفع بالعديد من الكتابات التاريخية أن تصف المرأة المصرية بالتسلط والسيطرة، وتصف الرجل المصري بقلة الغيرة على امرأته مستعينة في ذلك كله بشواهد الأساطير والخرافات الممزوجة ببعض القصص الديني، مثال ذلك: ما روَّجه ابن عبد الحكم من أساطير حول غرق (فرعون موسي) وجنوده فيقول: "وكان نساء أهل مصر حين غرق من غرق منهم مع فرعون من أشرافهم، ولم يبق إلا العبيد والأجراء لم يصبرن عن الرجال, فطفقت المرأة تعتق عبدها وتتزوجه وتتزوج الأخرى أجيرها، وشرطن على الرجال ألا يفعلوا شيئا إلا بإذنهن، فأجابوهن إلي ذلك فكان أمر النساء على الرجال، والقبط على ذلك إلي اليوم أتباعا لمن مضى منهم لا يبيع أحدهم ولا يشتري إلا قال: أستأمر امرأتي.." ويضيف المقريزي:" ولهذا أيضاً صارت ألوان أهل مصر سمرا من أجل أنهم أولاد العبيد السود الذين نكحوا نساء القبط بعد الغرق واستولدهن" "فأنسابهم مختلطة لا يكاد يتميز منهم القبطي من الحبشي من النوبي" وذلك بتدبير من الملكة دلوكة التي استطاعت أن تقود مصر في ظل فراغ سياسي وأمني آنذاك بها قامت به من تدريب." فلم تزل مصر ممتنعة بتدبير تلك العجوز نحوا من أربعمائة سنة".
والناظر في الخرافات التي دارت حول قوة وشكيمة المرأة المصرية يدرك أنها تأثرت بالقصص العربية في العصر الجاهلي، فقد أورد لنا ابن فضل الله العمري ما استعاره الوجدان الشعبي من مضمون لقصة (الزباء ملكة الجزيرة) دون التفاصيل في سياق الحديث عن بناء مدينة الإسكندرية حين سَلكَ مسلكاً مغايراً فتقول الرواية: " إن الذي بني الإسكندرية أول أمرها : جبير المؤتفكي ، وإن الذي دعاه إلي بنائها ، إنه غزا بعض النساء اللواتي ملكن مصر، وكان اسمها ( حورية بنت البرت) وأنه لما طال بينهما الحرب أنفذت إليه تقول: إني قد رغبت في أن تتزوجني، فيصير ملكنا واحداً ودارناً واحداً... فأجابها وعقد النكاح علي ما كان يعتقدون، والتمس الدخول بها فقالت: إنه يفتح بي وبك أن نجتمع في غير مدينة تبنيها لهذا الأمر في أحسن موضع وأجل مكان, وحيث لم يكن فيه بناء قط غير ما تبنيه . وإنما كان ذلك منها مكراً به لتنفذ أمواله وتبلغ منه ما تريد في لطف وموادعة، فأجابها وأنفذ مهندسين إليها واختارت موضع الإسكندرية فكان كلما بني بناء خرجت دواب البحر عبثت به وهدمته فأقام زماناً, ونفذت الأموال فوضع طلمسات وجعلها في آنية زجاج كالتوابيت، فكانت في الماء حذاء الأبنية ، فإذا جاءت دواب البحر فرأت الطلمسات والتوابيت نفرت فثبت البناء وبنيت المدينة، وتمت بعد زمان طويل ثم راسلها في المسير, فسارت بجميع قللها وعساكرها حتى نزلت حذاء عسكره وراسلته : " إني قد أحببت أن أحمل عنك مؤونة الأنفاق علي العسكريين في أطعمة تصلح وأشربه، وقد أعددت لوجوه الأمراء والقواد خلعاً وتحفاً عنك لكرمك في بناء المدينة.... فتلقاهم أصحابها بالخلع المسمومة.فلبسها وجوه العسكر،ولبس الملك جبير خلعته، وكانت أقل سماً من غيرها، إبقاء عليه لتبقي فيه بقية لخطأ بها فما أقاموا إلا ساعة بالخلع حتى طفئوا, وماتوا ورأي ذلك بقية العسكر فعلموا موضع الحيلة فبادروا مستأمنين فنودى فيهم بالأمان... ودخلت الملكة المدينة وأقامت بها زمانا وعادت إلي مصر.."
فالقراءة الأولية للحكاية التي نقلها لنا الرحالة ( ابن فضل الله العمري) عن دهاء المرأة المصرية تؤكد أن عناصر حكاية ( مصرع الملكة زباء) سواء عناصرها التحليلية أو الأولية للحكاية لم تغب عن الضمير الشعبي وخياله الخلاَّق، بل استحضرها بشخوصها وأحداثها ووقائعها ورموزها، أو على الأقل فيما يتصل ببعض العناصر التي تقاطعت مع النص المصري للحكاية على نحو ما جاء في الحكاية التي نقلها لنا ( ابن فضل الله العمري) في عنصر السم – على سبيل المثال- وكذلك في مجال اسم الشخوص، وهكذا ينطوي التنَّاصْ هنا – في ضوء مفهومي الاستدعاء والتحويل- على معنى التداخل والتوالد, والتفاعل المضمر, أو غير المباشر بين النص الجاهلي العربي وبين النص الشعبي المصري .فقد قام الخيال الشعبي ببراعة بتحويل هذه الاستدعاءات الشعبية أو هذه المرويات السردية التاريخية وصهرها وأذابها في النص الخاص بالحديث عن المرأة المصرية وعلاقتها ببناء مدينة الإسكندرية وتطورها، وقدم لنا مجموعة من آداب السلوك تتلخص في وجوب أعمال الحيلة للخروج من المأزق إذا لم يستطع المرء مواجهته.
وفي تعميم غير منطقي تصف الروايات الشعبية المرأة المصرية بالتسلط والسيطرة وتصف الرجل المصري بقلة الغيرة على امرأته، فيقال:" ومن أخلاق أهل مصر قلة الغيرة، وكفاك ما قصة الله سبحانه وتعالى من خبر يوسف u، ومراودة امرأة العزيز له عن نفسه, وشهادة شاهد من أهلها عليها, بما بيَّنَ لزوجها منها السوء ،فلم يعاقبها على ذلك بسوي قوله: "استغفري لذنبك أنك كنت من الخاطئين" .
وتعلق الكتابات التاريخية بقولها :" فكما أن عزيز مصر كان مغلوباً لامرأته زليخا، فإن المصريين لا يزالون مغلوبين لنسائهم وخدمهم ميالين للطرب واللذة والصفاء والشقاء رغم أنوفهم" وتذهب الروايات إلي الحد الذي تجعل عنده هذا الأمر سمة من سمات البيئة المصرية فقد أورد ابن عبد الحكم: " وأخبرني الأمير الفاضل الثقة ناصر الدين محمد بن محمد بن الغرابيلي الكركي رحمه الله: أنه منذ سكن مصر يجد في نفسه رياضة في أخلاقه ، وترخصا لأهله، وليناً ورقة طبع مع قلة الغيرة". وهو ما أنكره (ابن الحاج) في قوله:" وهذا فيه من المحرمات وجوه كثيرة، وكل من يعاينهم من الناس سكوت، لا يتكلمون، لا يغيرون، ولا يجدون لذلك غيرة إسلامية". وقد علل ابن ظهيرة هذا السلوك بقوله :" عدم الاعتراض علي الناس، فلا ينكرون عليهم ولا يحسدونهم ولا يدافعونهم بل يسلمون لكل أحد حاله، العالم مشغول بعلمه, العابد بعبادته، والعاصي بمعصيته ,وكل ذي صنعة بصنعته ولا يلتفت أحد إلي أحد, ولا يلومه بسبب وقوعه في معصية أو نقيصة " .
ويتداخل الخيال مع الأسطورة لدي من وصف المصريين سواء كان مؤرخاً أو كاتباً، فيربط البعض منهم بين الأحوال الفلكية, وسمات أهل مصر؛ يقول المقريزي: " إن منطقة الجوزاء تسامت رؤوس أهل مصر فلذلك يتحدثون بالأشياء قبل كونها، ويخبرون بما يكون وينذرونه بالأمور المستقبلة، ولهم في هذا الباب أخبار مشهورة".
يشير المقريزي إلي تلك الحاسة ويرجعها إلي عوامل بيئية جغرافية تتصل بموقع مصر وعلاقته بالنجوم والأفلاك, ويلحظ المرء بروز الاعتقاد في تأثير النجوم في طبائع الناس وأحوالهم ويشير ( أبو الصلت أمية بن عبد العزيز الأندلسي) إلي ذلك فيقول :" المصريون أكثر الناس استعمالاً لأحكام النجوم، وتصديقاً لها وتعويلاً عليها وشغفاً بها، وسكوناً إليها .حتى أنه قد بلغ من زيادة أمرهم في ذلك إلي أن لا يتحرك واحد منهم حركة من الحركات الجزئية التي لا تحصر فنونها ولا تحصل أجزاؤها وأنحاؤها ولا تضبط جهاتها، ولا تقيد غاياتها ولا تعد ضروبها إلا في طوالع يختارونها ونصب يعتدونها".
ويستشهد صاحب الرسالة المصرية علي ما يقول, بحكاية يرويها :" ولقد شهدت يوماً رجلاً من الوقادين في آتون الحمام يسأل رزق الله المذكور- أحد المنجمين- عن ساعة حميدة لقص أظفاره فتعجبت من سمو همته, علي خساسة قدره ووضاعة مهنته ".ويضيف إلي ذلك قوله: " ومن الحكايات العجيبة, في فرط استعمالهم لأحكام النجوم ,وعنايتهم بها؛ ما شهدت بالصعيد الأعلى وذلك أن بعض الولاة حبس رجلاً من بعض أهل تلك الناحية كان ينظر في علم النجوم وشفع إليه فيه من يكرم عليه فشفعه فيه, وأمر بإطلاقه, وكان من الحبس في عذاب واصب, وجهد ناصب, فلما أتوه وقالوا له: انطلق لشأنك. أخرجَ من كمه اصطرلاباً, فنظر فيه فوجده مذموماً، فسألهم أن يتركوه مكانه إلي أن يتفق وقت يصلح للخروج من السجن, فعادوا إلي الوالي, فأخبروه بخبره فضحك منه, وتعجب من جهله وفساد عقله وأجابه إلي سؤاله وتركه علي حاله, وأطال مدة عقابه" .
هكذا بلغ الاعتقاد في النجوم والطوالع وتأثيرها في أحوال الناس الحد الذي جعل وقاداً في أحد الحمامات يستشير النجوم قبل أن يقص أظافره, وجعل ذلك المنجم يرفض الخروج من السجن حين أتيح له ذلك بعد شفاعة أحد المتشفعين، لأن الوقت لم يكن مناسباً حسبما قالت له الأبراج. كانت تلك سمة من سمات ذلك العصر في تلمس كل السبل للتنبؤ بالغيب حتى انتشرت الوسائل المتعلقة بها وتنوعت تلك الأمور ما بين ضرب الرمل واستنطاق الودع، وفتح المندل والاستخارة بالرؤية وبالقرآن الكريم حتى أنكر ابن الحاج ذلك علي المصريين بقوله: " أما الباطل فهو زعمهم في فتح الختمة والنظر في أول سطر يخرج منها أو غيره".
واضطلع العديد من الناس بهذه المهام ليقدموا للإنسان اللاهث وراء المجهول كل ما يرضيه أو يطمئنه علي المستقبل أو ينذره من ويلاته وحسبنا هنا مشاركة المؤرخ العيني (855هـ) حيث أشار في حديثه عن (السلطان الظاهر ططر) بقوله : " وكانت توليته في ساعة أجمع عليها أهل الحساب أنها تدل علي طول أيام مولانا السلطان خلد الله ملكه مع عافية وأمن وسرور . ثبت الله أركان دولته وأيام سطوته وعزته ". بيد أن " ساعة السعد" التي أشار إليها العيني لم تكن كذلك فقد تبوأ السلطان (سيف الدين أبو الفتوح ططر) في يوم ( 29 من شهر شعبان عام 824هـ ) ولم يمهله القدر في حكم مصر أكثر من تسعين يوماً لا غير.
ويُوردُ المقريزي أخبار واقعة تدل علي ما ذهب إليه من أن المصريين يتحدثون بالأشياء قبل كونها ويخبرون بما يكون فيقول" ومن هذا الباب واقعة ألدمر ذلك أنه خرج الأمير ألدمر أمير جندار يريد الحج من القاهرة في سنة ثلاثة وسبعمائة وكانت فتنة بمكة قتل فيها ألدمر يوم الجمعة. فأشيع في هذا اليوم بعينه في القاهرة، ومصر وقلعة الجبل بأن واقعة كانت بمكة قتل فيها ألدمر، فطار هذا الخبر في ريف مصر، واشتهر فلم يكترث الملك محمد بن قلاوون بهذا الخبر فلما قدم المبشرون علي المادة أخبروا بالواقعة وقتل الأمير سيف الدين ألدمر في ذلك اليوم .الذي كانت الإشاعة فيه بالقاهرة". وأورد المقريزي أكثر من واقعة مشابهة ثم ينتهي إلي القول" وفي هذا الباب من هذا كثير"
وهكذا ظهر المصريون وكأنهم اطلعوا علي علم الغيب، ويخبرون بما يكون وينذرون بالأمور المستقبلية, وكأنهم استلقوا السمع, ولم يتبعهم شهاب ثاقب, وكأنها سمة اتسم بها المصريون منذ أقدم العصور , حيث تنبؤا بطوفان نوح بعد أن " نظروا فيما تدل عليه الكواكب مما يحدث في العالم وعلموا أن تلك الآفة تكون ماء يغرق الأرض ومن عليها فأمر الملك ببناء الأهرام". كما تنبؤا بالمجاعات التي سوف تلم بمصر كقول المقريزي :"ثم وقع الغلاء في زمن أتريب بن مصريم, ثالث عشر ملوك مصر بعد الطوفان , وكان سببه أن ماء النيل توقف جريه مدة مائة وأربعين سنة , فأكل الناس البهائم حتى فنيت كلها...فأوحى الله سبحانه وتعالى إلى هود u .أن أبعث إلى أتريب بمصر أن يأتي لحف جبلها , وليحفر بمكان كذا ...فإذا عقود قد عقدت بالرصاص , وتحتها غلال كأنها وضعت حينئذ , وهى باقية في سنبلها لم تدرس , فمكثوا ثمانية شهور في نقلها , وزرعوا منها وتقوتوا نحو خمس سنين , فأخبره أخوه صابر بن مصريم أن أولاد قابيل بن آدم u لما انتشروا فى الأرض وملكوها , علموا أن حادثة ستحدث في الأرض , فبنوا هذا البناء , ووضعوا فيه الغلال . فزرعت مصر وأخصبت ".
ويكشف لنا صاحب الرسالة المصرية عن بعض الجوانب المتعلقة بفكر المصريين وتاريخهم فيقول :" وحكى الوصيفىُّ في كتابه الذي ألفه في أخبار مصر أن أهلها في الزمن السابق كانوا يعتقدون أنَّ هذا العالم ,الذي هو عالمُ الكون والفساد أقام برهةً من الدهر خالياً من نوع الإنسان , وعامراً بأنواع أُخَر غير الإنسان , وأن تلك الأنواعَ مختلفة على خِلق فاذَّة وهيئات شاذَّة ثم حدث نوع الإنسان فنازعَ تلك الأنواع فغلبها واستولى عليها , وأفنى أكثرها قتلاً وشرَّد ما بقى منها إلى القفار , وأن تلك المشَّردة هى الغيلان والسعالي وغير ذلك , مما حكاه من اعتقاداتهم المستحيلة , وتصوراتهم الفاسدة , وتوهماتهم النافرة ."
وعلى الرغم من رأي أبي الصلت الذي حسب فيما أورد من رأي ذاع عن المصريين القدماء أنه يؤكد رأيه في عقلهم واعتقاداتهم , إلا أنه في الحقيقة أورد ـ ربما دون أن يقصد ـ ما يعني أن المصريين القدماء قد اقتربوا من فكرة نظرية النشؤ والارتقاء . فلا شك أن عبارة أبي الصلت هي من المتلقيات العامة والمتيسرة عن معرفة ما تبقى في الأذهان من أفكار كاملة شاعت عند المصريين وذاع أمرها , حتى تناقلها العوام بهذه الصورة المحرفة والمشوشة والمشوهة شأنهم في ذلك شأن العوام في كل مكان وعصر . كما نلمس أن معلومات أبي الصلت عن فكر المصريين وتاريخهم ورجالهم تختلط فيها بقايا معرفة حقيقية لها أصولها الأولى الحقيقية , بحكايات خرافية , في نسيج متنافر من بقايا العلوم والثقافات .
ويبدو أن ظروف العصر قد ساعدت الخرافات والأساطير على التغلغل والتسرب إلى نسيج المجتمع إضافة لما كان يحدث فيه من ضربات موجعة للمسلمين لأول مرة في تاريخهم تحت وطأة الحروب الصليبية واقتطاع أجزاء من المنطقة الأمر الذي كان له انعكاسات واضحة على النظام القيمي والأخلاقي في العالم العربي, فامتلأت النفوس بالغضب ومشاعر الإحباط والمرارة التي زادت من حدتها أعداد اللاجئين الهاربين من وحشية الصليبيين عند كل هجوم جديد فشعر الناس في المنطقة العربية بمدى عجز الحكام , وامتلأت النفوس في كل مكان بروح العجز , وشاعت روح من التقوى السلبية , والتدين العاطفى الهروبي , وقد تجسد هذا كله في التفاف عامة الناس حول نمط المتصوفة /الدراويش والمجاذيب كأحد مظاهر التعبير عن روح اليأس , والهروب إلى المجهول , والتي سيطرت على قطاعات كبيرة من سكان المنطقة العربية , والتي تركت أيضاً العديد من الأفكار المحملة برواسب الرؤى والأحلام التي يرى فيها النائم النبي r أو الاجتماع بسيدنا الخضر u . كتعبير عن الآمال التي تجيش في نفوس الناس حيال الواقع المرير الذي يعيشونه , فأصبح معتاداً أن يتكلم المتعلمون عن القيامة وأحاديث آخر الزمان , وبالخرافات التي شاعت حول عذاب القبر ونعيمه, والاعتقاد والتسليم بالخوارق والمعجزات ,والتي عكست أثر الشخصية المصرية على هذا النوع من الأخبار والقصص في التعبير عن اعتقاد الناس في كرامات الأولياء وشفافية النفس المصرية في تقبلها تلك الأمور الغيبية عن إيمان وصدق. ومن أمثال هذه القصص ما رواه أبو الفتح رضوان ـ فتح الله بن سعد الله التميمي المنفلوطي t ـ يقول :"كنت يوماً مع شيخنا أبي الحسن الصباغ t على ساحل البحر , ومعه إبريق يتوضأ منه , فسمع بالقرب منه صياح الناس , فسأل الشيخ عن ذلك فقيل له قد أخذ التمساح رجلاً من الساحل فترك الشيخ الوضوء وأسرع إلى المكان الذي فيه الناس مجتمعين فرأى التمساح قد قبض على الرجل وقد توسط به لجة البحر , فصاح الشيخ بالتمساح أن يقف فوقف مكانه لا يتحرك يميناً ولا شمالاً, فعبر الشيخ على متن الماء , وهو يقول بسم الله الرحمن الرحيم , وكأنه يمر على وجه الأرض وكان البحر في نهاية زيادته حتى انتهى إلى التمساح, فقال له: ألق الرجل , فألقاه من فيه ..وقد هلك الرجل فخذه من مسكة التمساح , فوضع الشيخ يده على التمساح وقال له : مت فمات موضعه .. وقال الشيخ للرجل قم إلى البر فقال : يا سيدي لا أستطيع من فخذي وأنا لا أحسن العوم , فقال: اذهب فهذه سبيل النجاة , وأشار إلى طريق البر فإذا البحر من الموضع الذي فيه الشيخ والرجل صلب قوي كالحجارة إلى البر فمشى الشيخ والرجل حتى وصلا إلى البر والناس ينظرون , ثم عاد البحر إلى حالته المعتادة , وجر الناس ذلك التمساح ميتاً ."
فالشخصية المصرية بارزة في هذا النوع من الحكايات والكرامات والتي تسربت إلينا عبر الحركة الصوفية التي نشأت بمصر في مرحلة النضج عن ظاهرة جديدة في المجتمع المصري ذات صلة بتكوينه الجغرافي والبشري والنفسي , لاسيما وأن :" الخرافات والأسمار كانت مرغوباً فيها مشتهاة" ولا تزال رواسبها متغلغلة في الموروث الشعبي المتعلق بالحياة اليومية للمصريين والتي حفظها لنا المؤرخون في كتاباتهم في سياق حديثهم عن أعياد أهل مصر والتي كان يحتفي بها كل أهل مصر علي حد سواء مثل عيد الشهيد:" و عيد الشهيد يكون في اليوم الثامن من شهر بشنس واعتاد النصارى أن يحتفلوا بذلك اليوم بإلقاء تابوت في نهر النيل به أحد أصابع أسلافهم من الحواريين ويزعمون أنهم إذا لم يفعلوا ذلك فإن النيل لن يزيد" ,وربما كان ذلك الطقس صدى للأسطورة التي راجت في كتابات المؤرخين حول (صندوق/ تابوت) النبي يوسف u وما دار حوله من روايات مفادها أن يوسف u :"لما حضرته الوفاة قال :إنكم ستخرجون من أرض مصر إلى أرض آبائكم فاحملوا عظامي معكم . فمات فجعلوه في تابوت ,ودفن في أحد جانبي النيل فأخصب الجانب الذي كان فيه وأجدب الآخر . فحوَّلوه إلى الجانب الآخر فأخصب الجانب الذي حولوه إليه وأجدب الآخر . فلما رأوا ذلك جمعوا عظامه فجعلوها في صندوق من حديد . وأقاموا عموداً على شاطئ النيل , وجعلوا في أصله سكَّة من حديد, وجعلوا في الصندوق سلسلة أثبتوها في السكة , وألقوا الصندوق في وسط النيل , فأخصب الجانبان جميعاً ".
وهذا الصندوق وما أحاط به من طقوس تتفق كثيراً مع بعض التفاصيل في ســيرة "سيف بن ذي يزن" والتي تحدث فيها الراوي عن ( كتاب النيل) الموضوع في صندوق من خشب الأبنوس الأسود مصفح عليه بصفائح الذهب الأحمر فعيد الشهيد هنا يحمل ظلالاً وإمدادات كثيرة الماضي في تداخل مع الرواسب الفرعونية والقبطية لتصنع كتاب النيل.
علي أن كلمة ( كتاب) هنا تذكرنا بكتاب (عمر بن الخطاب) الذي أرسله رداً علي كتاب (عمرو بن العاص) إليه بشأن العروس ( أسطورة عروس النيل التي كانت تلقي في النيل سنوياً) . فعمرt لم يكتف بالزجر والمنع بل كتب كتاباً ليلقي به في النيل علي نحو ما هو معروف ونقله إلينا ابن عبد الحكم المسئول الأول عن نص الخرافة التي وصلتنا في قوله :" لما فتح عمرو بن العاص مصر، أتي أهلها إلي عمر حين دخل شهر بؤونة : فقالوا له: أيها الأمير إن لنيلنا هذا سُنْة لا يجري إلا بها فقال لهم: وما ذاك؟ قالوا: إنه كلما جاءت الليلة الثانية عشرة من هذا الشهر , عمدنا إلى جارية بكر من أبويها فأرضينا أبويها، وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون ثم ألقيناها في النيل... فقال لهم عمرو هذا لا يكون في الإسلام. إن الإسلام يهدم ما قبله فأقاموا شهور بؤنة وأبيب ومسري. والنيل لا يجري قليلاً ولا كثيراً حتى هموا بالجلاء.. فلما رأي عمرو ذلك كتب إلي عمر بن الخطاب t بذلك فكتب إليه عمر أن قد أصبت إن الإسلام يهدم ما كان قبله وقد بعثت إليك ببطاقة فألقها في النيل إذ أتاك كتابي. فلما قدم الكتاب علي عمرو فتح البطاقة فإذا بها:
" من عبد الله أمير المؤمنين إلي نيل مصر، أما بعد فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك".
فألقي عمرو البطاقة في النيل، وكان أهل مصر قد تهيأوا للجلاء والخروج منها، لأنه لا يقوم بمصلحتهم فيها إلا النيل وأصبحوا وقد أجراه الله تعالي ستة عشر ذراعاً في ليلة واحدة" ويعلق الإسحاقي قائلاً :"وقطع الله تلك السنة السيئة عن أهل مصر وصار يعمل في ليلة وفاء النيل المبارك في كل سنة إشارة عظيمة كبيرة ينصب بها قناديل تعلق بحبال كثيرة على أخشاب مرتفعة توضع بمركب وتوقد القناديل وتسير في البحر يميناً وشمالاً وتزف بالطبول وتسمى عروسة البحر وذلك مستمر إلى تاريخه".
والراجح فيما يتعلق بتلك الخرافة التي نقلها لنا ابن عبد الحكم قد جانبه التوفيق فنقل تلك الأسطورة علي أنها حقيقة واقعة , كما أن جميع المؤرخين الذين جاءوا بعد ابن عبد الحكم وتناولوا بعض الموضوعات المتعلقة بالواقعة التي حفظها لنا ابن عبد الحكم قبلهم، فقد ذكروا هذه الخرافة وكرروها علي أنها معلومة تاريخية .نقلاً عما كتبه ابن عبد الحكم سواء بإسنادها إليه مباشرة أو بذكرها دون إسناد كما لو كانت حقيقة واقعة حيث كانت تلك الأسطورة هى غاية علمهم آنذاك ولم يعرفوا أنها أساطير, كالمقريزي، والكندي, وابن تغري بردي, وابن دقماق, والسيوطي, وياقوت, وابن إياس وغيرهم .
ولعلنا نتسأل كيف تمر ثلاثة شهور هي بؤنة وأبيب ومسري" والنيل لا يجري قليلاً ولا كثيراً"!. إن ذلك لو كان حدث لكانت هناك كارثة تزول فيها الحياة تماماً ولا يبقي بعدها إنسان أو حيوان أو نبات, وكيف يرتفع النيل 16 ذراعاً ليلة واحدة !!. كما أن الفتح الإسلامي كان سنة 641 ميلادية وكان المصريون آنئذ قد اعتنقوا المسيحية وهي دين سماوي ولا يمكن أن يقبل أو يقر حكاية إلقاء عروسة بكر حية لتموت غريقة في النيل فالأديان السماوية الثلاث لا تقر ولا تعرف تقديم ضحية بشرية كقربان لله.
كما أن الثابت تاريخياَ عن المصريين القدماء؛ أنه لم يعرف عن تاريخهم المعروف والمدون أنهم كانوا يقدمون ضحية بشرية لأي إله أو معبود مهما علا شأنه لأنهم كانوا علي يقين من أن البشر هم الثروة الحقيقية لحضارتهم ووقودها الفاعل والدافع.
فالثقافة المصرية وما أنتجته من العادات والتقاليد، عبرت عن نفسها في عدد من الأعياد والاحتفالات التي اهتم المصريون بإحيائها والاحتفال بها، ومن الطبيعي أن عدداً من هذه الأعياد كان يتمثل بعقائد المصريين ودياناتهم، بل هناك من الأعياد ما كان يأخذ شكل الاحتفال القومي، وذلك لارتباطه بحياة المصريين جميعاً مثل الاحتفال بوفاء النيل الذي ارتبط بالتراث المصري القديم .
ومن الأعياد التي كان المصريون يحتفلون بها قبل الإسلام وبعده عيد " الغطاس" إذ يقول المسعودي عن احتفالات المصريين بذلك العيد: " ولليلة الغطاس بمصر شأن عظيم عند أهلها لا ينام الناس فيها, وهي ليلة إحدى عشرة تمضي من طوبه، وستة من كانون الثاني، ويصف المسعودي ما ارتبط بهذا العيد من اعتقادات خرافية بقوله:" وهي أحسن ليلة تكون بمصر وأشملها سروراً ولا تغلق فيها الدروب ويغطس أكثرهم في النيل، ويزعمون أن ذلك أمان من المرض ومبرئ من الداء".
فقد كان المصريون يحتفلون بـ " ليلة الغطاس" مسيحيون ومسلمون يتجمعون علي شاطئ النيل ويشعلون المشاعل والشموع يأكلون ويشربون ويمرحون ويغطسون في ماء النيل حتى يبرؤا من كل داء- بحسب اعتقادهم - وهو اعتقاد مرتبط بالتراث المصري القديم الأمر الذي يؤكد صدق تواصل أجيال الشعب المصري وامتداد المعتقدات والممارسات الشعبية المصرية التي تبرز القسمات الواضحة للشخصية المصرية.
وربما كانت كثرة الاحتفالات والأعياد المصرية وراء تلك الملاحظة التي سجلها أحد الرحالة بقوله " أصل كثرة السرور والأفراح بمصر ناشئ عن كونها إقليماً أخر لأن طبع مصر" زهري" فلذا يميل أهلها إلي الموسيقي والغناء واللهو واللعب، ثم أن شعبها الكبير العدد كثير المال مما يساعده علي الإنفاق في الطرب والذوق والصفا" ويقال أن بين مباهج الأعياد , ومباهج بعض أعياد الفراعنة قرابة وصلة و ومن تلك الأعياد عيد بوباسطيس(تل بسطة بالزقازيق ) وقد وصف لنا هيرودوت كيف أن الرجال والنساء كانوا يركبون قوارب تسير بهم في النيل , وهم يرقصون ويغنون , ويسرفون في تناول الطعام والشراب .
هذه الاحتفالات التي كانت سمة بارزة من سمات الحياة الاجتماعية المصرية كانت تعبيراً عن ثقافة شعب متجانس تكشف عن أن المجتمع المصري عاش حياته الاجتماعية بالشكل الذي يوافق موروثه الثقافي الموغل في أعماق الزمن , والذي يحمل العديد من الممارسات التي تداخل فيها الموروث الشعبي بكل ما يحمله من أساطير ورموز وحكايات وأشعار وخير مثال لذلك، احتفالهم ( بسبت النور) .
حيث :"أعتاد أهل مصر علي أن يتكحلوا اعتقاداً أن من يتكحل في ذلك اليوم يقوي بصره، وأن من يشرب الدواء في هذا اليوم أيضا يكون ذا فائدة عظيمة في الشفاء، كذلك يخرج إلي شاطئ النيل من يعاني من أمراض جلدية ويدهنون أجسامهم بالكبريت ويستلقون طوال اليوم تحت أشعة الشمس" ويهمنا أن نلاحظ تلك الصلة بين المعتقد الشعبي والعادات الجارية . وإذا كان قد نسى هذا المعتقد إلا أننا نستطيع أن نتعرف عليه من هذه العادات ذاتها, فعادة الاستحمام وتدليك الجسم بالكبريت فتذكرنا بالمعتقدات الخاصة بشفاء أيوب في بلواه.
وأما أيوب نفسه , الذي تحول في القصص الشعري الغنائي الشعبي ؛ إلى إنموذج لصفة الصبر , فنحن نعرف قصته الأصلية الواردة في سفر التكوين (الإصحاح الأول إلى الإصحاح الثاني والأربعين من سفر التكوين) وكيف كان رجلاً على قدر كبير من التقوى ووفرة المال وطيب النفس , ثم امتحنه ربه في ماله فصبر , وامتحنه في جسمه "وضرب أيوب بقرح ردئ في باطن قدمه إلى هامته , فأخذ أيوب لنفسه شقفة ليحتك بها وهو جالس في وسط الرماد فقالت له إمرأته :أنت متمسك بعد بكمالك بارك الله وموت فقال لها أألخير نقبله من عند الله والشر لانقبل" وتنتهي القصة المقدسة بأن "بارك الله آخرة أيوب أكثر من أولاده" وضاعف له الراحة ومد في عمره عشرة سنين ومائة ورأى أربعة أجيال من ذريته , وماله يزيد ويثرو. ويعزو الذهن الشعبي إلى أيوب أنه دهن جسمه بدهان معين فشفى. ,أما عادة الاكتحال , في تلك الفترة التي يقع فيها شم النسيم , فتتصل باتقاء أمراض العين ( الرمد) الذي كان كثيراً ما يصيب الناس عند انقلاب الجو وتكاثر الذباب , وأتربة الخماسين .وهو الأمر الذي لاحظه الرحالة چوزيف بتس بقوله:"الناس هنا ذوو عيون متقرحة وسيقان متورمة".
كما اعتاد المصريون علي شراء السلاحف اعتقاداً منهم أنها تطرد الشياطين من البيت الذي تكون فيه .كما اعتقدوا أن المرء:"إذا علق منقار الغراب على إنسان حفظ من العين وإذا غمس الغراب الأسود جميعه في الخل بريشه وطلى به الشعر سوده.. وإذا صر في خرقة وعلق على الصبي الذي لم يبلغ الحلم نفعه من السعال المزمن وقطعه ".
أضف لتلك الممارسات والعادات حرص الناس علي تخصيص أيام معلومة لزيارة الأولياء والتبرك بهم:"فجعلوا يوم الخميس والجمعة للقرافة ولزيارة الإمام الشافعي " . وأورد المقريزي حكاية عجيبة عن القرافة (أي مدافن القاهرة) نصها : " وفي سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة ظهر شيء يقال له القطرية تنزل من جبل المقطم فاختطفت جماعة من أولاد سكانها ,حتى رحل أكثرهم خوفاً منها، وكان شخص من أهل كبارة مصر يعرف بحميد الفوال، خرج من أطفيح علي حماره, فلما وصل حلوان عشاء رأي امرأة جالسة علي الطريق فشكت إليه ضعفاً وعجزاً, فحملها خلفه, فلم يشعر بالحمار إلا وقد سقط, فنظر إلي المرأة فإذا بها أخرجت جوف الحمار بمخالبها. ففر وهو يعدو إلي والي مصر، وذكر له الخبر فخرج بجماعته إلي الموضع فوجد الدابة قد أكل جوفها ثم صارت تتبع الموتي بالقرافة وتنبش قبورهم وتأكل أجوافهم وتتركهم مطروحين فامتنع الناس من الدفن في القرافة زمناً حتى انقطعت تلك الصورة". أضف لهذه الحكاية العديد من الخرافات والتي شاعت ولا تزال في المجتمع المصري عن عالم القبور والموتى فيذكر الإسحاقي:"أن رجلاً من البهنسا أخبرني شفاهاً أن بها شخصاً مشهوراً بابن الميتة قال وذلك أن أمه ماتت وهي حامل به فلما مضي مدة من دفنها ماتت امرأة من أقاربها ففتحوا قبرها لدفن تلك الميتة فأحس الحفار بشئ يدور حول الميتة. فطلع الحفار وهو مرعوب وأخبر من حضر بما شاهده في القبر فظنوه وحشاً, ثم أوقدوا ناراً وأشرفوا على داخل القبر, فوجدوا ولداً معلقاً بالميتة ملتقماً ثديها, وقد أجرى الله فيه اللبن؛ لرضاعه فأخذ الحفار الولد, وضمه إلى صدره وعصب عينيه؛ خوفاً من مفاجأة النور. وأطلعه من القبر وعاش, وتزوج ورزق الأولاد ". وهذه القصة التي أوردناها عن القرافة مثال جيد علي نوعية قصص الرعب التي كان أهل مصر يتداولونها حول المقابر والرهبة التي أحاطت بالموتى والقبور، وهي تذكرنا بتلك القصص المرعبة التي سمعناها كثيراً في طفولتنا عن النداهة والعفاريت والمارد، بيد أن أهم ما تدل عليه هو مدي سيطرة الخيال والخرافة علي حكي القصص آنذاك.
المجتمع المصري يتصف بلزوجة في عناصره وقضاياه وهمومه وآماله وآلامه لتتشكل كل هذه المقادير في إناء واحد هو "الشخصية المصرية". تلك المعزوفة الإنسانية التي التقت فيها نغمات شتى من مكان , وزمان بين إيجاب وسلب. لتخرج لحناً خاصا هو الإنسان المصري الذي عاش مئات القرون على هذه الأرض, التي تركت سماتها في مكونه الإنساني , وأكسبته مرارة الأيام , والسنين وتواليها سمات وخبرات خاصة ,أضفت على الشخصية المصرية مكوناتها( ) ولزوجتها التي تأتى عفوية في سياق النسيج الاجتماعي المصري اليومي.
لكن لماذا هذه اللزوجة في السوسيولوچيا المصرية؟
إنها تأتى منسجمة مع التركيبة النفسية للشخصية المصرية، فالإنسان المصري يتمتع بين الشخصيات العربية الأخرى بأعلى معدل من الرفاهة والعاطفة التي تجعله سريع التقلب بين الغضب والرضا والمدح والذم والضحك والبكاء والخشوع و الفرفشة.
ولأنه كذلك فإن اللزوجة الوجدانية في مكونات الشخصية المصرية هي أسهل الأساليب لسرعة التحول من الغضب إلى الرضا , حيث ليس ثمة فارق صلب بين هذين الشعورين يستدعى بذل جهد كبير للتحول من أحدهما إلى الآخر كما تفعل الشعوب الأخرى( ).
تلك اللزوجة المصرية التي كانت نتيجة ذاكرة تراكمية, تاريخية, وشعبية. فإذا كان الإنسان في فترة حياته المحدودة يحوى في أعماقه ذاكرة إنسانية لكل تجاربه وخبراته , وينتقل من فترة زمنية إلى أخرى, من طفولة إلى شباب وشيخوخة كل مرحلة تستقر في بؤرة تفكيره قد يتغير منظوره الفكري وأيدلوچيته. فقد ينتقل من اليسار إلى اليمين مع تقدمه في السن. أو يمزج بينهما في تناقص مألوف ولكن تظل تجاربه الفكرية السابقة في بؤرة ذاكرته الحضارية الدافعة والناهضة، والأمر نفسه بالنسبة للمكون الإنساني لشخصية الشعب، فهناك تجارب إنسانية عديدة ومكونات قد تمتزج وتتوارى في الأعماق، ولكنها لا تمحى وتظل في المكون الإنساني, وقد تتوارى خلف المكون اللزج الجديد ويعد ذلك تواصلا وليس انقطاعاً إنسانياً بين الحقب الزمنية التي كانت شاهدة على تغير وامتزاج تاريخي وفكري وديني وأسطوري واضح نلمسه فيما ورثته مصر من العادات والتقاليد والأعراف والأفكار التي تعبر عن وجدانها في شتى عصورها ومعتقداتها في الحياة. مثل بعض العادات التي انطبع وقع حوافرها بقوة في الذاكرة الشعبية للمصريين، كعادة تلقين الميت، وسعف النخيل، وليلة الخامس عشر، والأربعين، كلها عادات مصرية قديمة ظلت متغلغلة في المعتقد المصري إلى الآن( ) شيوعاً ورسوخاً ليكشف عن المدى الواسع الذي تنتشر فيه تلك المعتقدات وعن التأثير العميق الذي تحدثه في حياة الناس( ) ولا غرو في ذلك فالمعتقد هو الفاعل الأصلي في التاريخ( ).
وقد عُرف عن المصريين أصالة الصلة بينهم وبين المعتقدات الشعبية شديدة اللزوجة فى التناقض ولا عجب فعندهم أن "إللى يعتقد فى حجر ينفعو"( ) مما يوحى لدينا أنه يمكن التعايش بين أكثر من نمط فكرى فالشخصية المصرية تتعايش فيها سمات بعضها يرتبط بالماضي وبعضها يرتبط بالحاضر( ) وفقا لمبدأ التعدد في أنماط الأفكار والمعتقدات مما يؤكد على تعايش السمات الثقافية المتناقضة في وجدان الإنسان المصري المتسم باللزوجة الوجدانية وانصهارها وهو سر تميز الشخصية المصرية عن غيرها وهو ما نتلمسه في سياق كتابات الرحالة والمؤرخين الذين زاروا مصر أو كتبوا عنها .
فالمصريان المتخاصمان إنك لن تلبث كثيراً حتى تراهما يرتشفان الشاي معاً بصحبة آخر نكتة!! ومرد ذلك هو الحاجز المصري اللزج بين الصداقة والخصومة وهو ما لم يستطع الرحالة العبدري – في القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي – أن يدرك أبعاده حينما سمع مصرياً فى قافلة الحج : "ينادى رفيقه فى الركب فلما أتاه لعنه ولعن أباه وقابله الآخر بمثل ذلك وتهارشا زمانا ثم قعدا يأكلان!! ..." ( ) لهذا فإن المصري قد يكون صديقا لكي مدى الحياة – رغم بعض الخصومات الطارئة – لكنه لا يمكن أن يكون عدوا لك مدى الحياة وكلمة السر عنده هي "الابتسامة": "فهم يفهمون الإنسان الذي يتصادق بابتسامة لطيفة"( ).
كما أنه يتسم بالتصلب النسبي ولا يقبل التغير السريع ويتمسك بالأرض ويتسم تفكيره بالتدين الشديد بل إن المصري – في رأى هيرودوت – يزيد كثيرا عن سائر الناس في التقوى وأنه أول من أوقف للآلهة الهياكل والتماثيل والمعابد( ) وهو نفسه الإنسان الذي يؤمن بالقدرية ورغم ذلك فهو : "أكثر الناس استعمالا لأحكام النجوم وتصديقا لها وتعويلا عليها وشغفاً بها وسكونا إليها حتى إنه قد بلغ من زيادة أمرهم في ذلك إلى أن لا يتحرك واحد منهم حركة من الحركات الجزئية التي لا تحصر فنونها ولا تحصل أجزاؤها وأنحاؤها ولا تضبط جهاتها ولا تقيد غاياتها ولا تقدر أساليبها ولا تعد ضروبها إلا في طوالع يختارونها ونصب يعتمدونها( ) وطبعا هناك اختلاف بين المتعلم وغير المتعلم على الأقل في مجال تصديق الخرافات وتحميل الجن وعين الحسود وأعمال السحر فوق ما تطيق في امتزاج ولزوجة مع الدين فى تناقض عجيب أدهش أبا الصلت أمية – القرن الخامس الهجري – الذي ذكر أنه شاهد "رجلا من الوقادين فى أتون الحمام يسأل رزق الله المذكور عن ساعة حميدة لقص أظافره فتعجبت من سمو همته على خساسة قدره ووضاعة مهنته ... "( ).
ولقد كان إدوارد لين محقا حينما قال: "هؤلاء المصريون الذين يقحمون الدين في أحاديثهم العادية بإخلاص وحسن نية هم أنفسهم الذين قال الكاتب نفسه عنهم: "وكثيراً ما يسمع فى المجتمع المصري العبارات الدينية تعترض الحديث في الأمور الحقيرة والخليعة أيضا، وقد يكون ذلك أحيانا بطريقة تحمل من يجهل أخلاق هذا الشعب على أنه يظنه هزءا بالدين. ويكرر المصريون اسم الله في كثير من أغانيهم الماجنة من غير قصد للإهانة طبعا وإنما يفعلون ذلك لاعتيادهم إقحام اسم الله فى كل ما يدعو إلى الدهشة أو العجب فيعبر الماجن عن انفعاله بالجمال عند رؤيته فتاة فاتنة بقوله أثناء كلامه الفاحش تبارك الذي خلقك يا بدر".
ولقد ركز هذا التناقض الواضح فى تصرفات الناس المثل الذي يقول: "ساعة لقلبك وساعة لربك" أي إنك عندما تمارس الشعائر الدينية لا تنس أن تمتع نفسك وأيضا عندما تمارس لهوك لا تنس ربك( ) ومرد ذلك هو الفاصل المصري اللزج بين هذه وتلك والذى أثار انتباه (وينفريد بلاكمان) وقد دعاها إلى القول أن: "من الملاحظ أن معظم الصفات المتناقضة يمكن أن تجدها في إنسان واحد وبرغم كثرة الفقر والمرض وقلة وسائل التسلية التي تقضى على رتابة حياة الفلاح المصري نجد أنه إنسان مستبشر وراض بصورة تدعو للدهشة والفلاحون المصريون سريعوا الفهم وحاضرو البديهة ويحبون النكتة حتى وإن كانت تسخر منهم وعادة ما يتمتع الفلاح المصري بذاكرة قوية وقلب طيب وروح مرحة وكرم ضيافة يضاف إلى ذلك حبه للعمل وهو فى الوقت نفسه ذو عاطفة جياشة شديد الحساسية ويتسم بالجهل كما أنه فى أغلب الأحيان يعجز عن السيطرة على نفسه ..." ( ).
والمصري هو الأقدر على الإضحاك وهو أيضا الأقدر على الإبكاء وتقلب المزاج بين الحزن المفرط والفكاهة المفرطة( ) والمصريون يضحكون من كل ما يحسون فيه مخالفة للمألوف ويضحكون من الهجاء والسباب والشتم ويضحكون من النوادر والنكت والمزاح ثم هم يضحكون ضحك ازدراء أو ضحك إعجاب أو ضحك سخرية أو ضحك هزل أو ضحك انتصار أو ضحك عطف أو تشفى. فصور الضحك والإضحاك ومنابعها كثيرة والأمم تختلف في إنتاجها وقدرتها على تذوق ضروبها المختلفة والمصريون من أكثر الأمم ميلا إلى الفكاهة والضحك ومن هنا كان أدبهم غنيا بألوانها وخاصة ما اتصل بالنكت وخفة الدم والروح( ) والكتابات التاريخية كانت شاهدة على أن المصري يضحك حتى لا يموت من الغم.
وعلى الرغم مما شهدته الشخصية المصرية من محن وشدائد عديدة صهرتها محنة الحروب الصليبية فقد خرجت منها ومن المحنة المغولية غير فاقدة لقدرتها على المرح والتفاؤل وعشق الحياة فالمصريون لم ينسوا طبعهم أثناء الحروب الصليبية بل لقد خلف لنا هذا العصر طرفة فكاهية مشهور هى "كتاب الفاشوش فى حكم قراقوش"( ) هذا الكتاب أقدم الكتب الفكهة فى تاريخ مصر فى العصر الإسلامي ألفه الأسعد بن مماتى صاحب ديوان الجيش والمال لعهد صلاح الدين الأيوبي وقد عرف ابن مماتى كيف يحيل قراقوش إلى شخصية هزلية وقد أضافت العصور التالية إلى هذه الشخصية خطوطا وألوانا أخرى إذ نسب المصريون بروح الدعابة التي يمتازون بها إلى تلك الشخصية كثيرا من القصص المضحكة وأصبحت شخصية قراقوش شخصية رمزية لكل حاكم طاغية على مصر فكان المصريون طوال الحكم التركى فى عصر المماليك وبعده يقصون نوادره ويضيفون إليها نوارد جديدة( ) استرسلت فيها قريحتهم التى وصفها ابن بطوطة بقوله : "وأهل مصر ذوو طرب وسرور ولهو .. "( ).
ويشير البعض إلى أن: "أصل كثرة السرور والأفراح بمصر فناشئ عن كونها إقليما آخر.. فأهلها يشرعون في الشجار لأتفه الأسباب وذلك لأن طبع مصر "زهري" فلذا يميل شعبها إلى الموسيقى والغناء واللهو واللعب. ثم إن شعبها الكبير العدد كثير المال الذي يساعده على الإنفاق في الطرب والذوق والصفا ... "( ).
: "وكذلك كثر طرب نفوس أهلها وفرحهم ورغبتهم في مداومة اللذات واستماع الأغاني ومواصلة المسرات والرغبة في الراحة وطرح كل يوجب التعب والمشقة والحب للنقش والصورة والرقم والتلوين بالأصباغ وعلى قلة الضجر فى السفر وترك المخالفة لمن يصاحبون وكثرة المبالغة لمن يألفون وحسن المؤازرة لمن يستخدمهم ..." ( ) فيقبلون عليك بالبشر والترحيب ... وبشاشة المحب عند لقاء الحبيب"( ).
وما يعرفه الناس عن خفة ظل المصري فيه الكثير من الصحة ولكنه في الوقت نفسه ضرورة للتفريج عن نفسه ولذلك فإنها وسيلته للقضاء على الشعور بالقهر والضيق واليأس والمرض وهو ما أشاد به (صاحب الرسالة المصرية) برغم حنقه الشديد من مصر وأهلها إلا أنه لم يستطع أن يخفى قسمات وجه وهو يبتسم من: "ظريف ما سمعه أنه كان بمصر منذ عهد قريب رجل ملازم للمارستان يستدعى الأطباء فيدخل على المريض فيحكى له حكاياته مضحكة وخرافات مسلية ويخرج له وجوها مضحكة وكان مع ذلك لطيفا فى إضحاكه وبه خبيرا وعليه قديرا فإذا انشرح صدر المريض وعادت إليه قوته تركه وانصرف فإن احتاج إلى معاودة المريض عاده إلى أن يبرأ أو يكون منه ما شاء الله ..." وقد دعى أبوالصلت أمية إلى ضرورة العمل بهذا الاختراع المصري خفيف الظل وتعميمه فى كافة أساليب العلاج بقوله: "فليت أطباء عصرنا هذا بأسرهم قدروا على مثل هذا العلاج الذى لا مضرة فيه ولا غائلة له بل أمره على العليل هين ونفعه ظاهر بين كيف لا وهو ينشط النفس ويبسط الحرارة الغريزية ويقوى القوى الطبيعية ويقوى البدن على دفع الأخلاط الردية المؤذية والفضول مع الاستظهار بحفظ الأصول".( ) مما يدفع بالمرء أن: "يتعجب كثيراً من جدهم ومرحهم"( ).
ولكن خفة الظل هذه قد تصبح داء يعجز المصرى معه أن يقول جملة دون تعليق ساخر أو ضاحك بحيث يصاب محدثه إما بنوبة ضحك لا تنقطع وإما بالضيق الشديد إذا لم يكن من المعجبين بهذا النوع من "القافية" كشكل من أشكال الفكاهة يختلف عن النكتة والتي تتطلب قدرة ومران( ) قلما تجدها إلا عند المصريين بما فيهم: "من نزعة إلى السرور واندفاع فطرى إلى المزاح والمطايبة على وجه ينم على الذكاء وحضور الذهن وسرعن الخاطر"( ) والتي أشار إليها الدهلوي وما تعرض له من (قافية) في مصر أغضبته فيروى أنه عندما ذهبت إلى الحمام بالقاهرة و: "خلعت ملابسي ولففت إزاري ونزلت إلى أسفل فوجدت عددا من المصريين العرايا أجسامهم ضخمة وبنيانهم قوى شاهدوا جسدي النحيل فأخذوا يدعون بصوت عال أن ينجيني الله من مرض الهزال الذي أعانى منه فتأذيت كثيرا من كلامهم هذا ..." ( ).
فالقافية التي تأذى منها الرحالة الدهلوي تعد واحدة من الأساليب المختلفة للمصري في التنكيت والسخرية وتعتمد على المبارزة الكلامية باللعب على الكلمات والمعاني وإن كان لا يقصد منها سوى الممازحة وقد شهد الرحالة الأندلسي ابن سعيد (المتوفى 685هـ) على الحاجز المصري اللزج بين الممازحة والمكر بقوله: :" لم أر فى أهل البلاد ألطف من أهل الفسطاط فهم فى نهاية من اللطافة واللين فى الكلام وتحت ذلك من الملق وقلة المبالاة برعاية قدر الصحبة وكثرة الممازحة والألفة ما يطول ذكره"( ).
والمصري هو الأكثر موعظة ودموعا فهو يبكى فى لحظات الحزن وكذلك فى لحظات الفرح الشديد ويهرع لتلبية أية دعوة للمشاركة فى الحزن ويبكى على راحل ليس من الأهل أو الأصدقاء ويعتقد أن الاشتراك فى تشييع راحل لا يعرفه هو عمل من أعمال الخير، له ثواب عظيم، والظهور بمظهر الإنسانية المتعاطفة مع الإنسان لوجه الله وتأكيد الإيمان بقبول الحكمة الإلهية المتمثلة فى الموت والرضوخ الكامل لها. وعبارة "اللهم اجعله خيرا" التي ينهى بها المصريون ضحكاتهم أو أي تعبر آخر عن الفرح، تدل على أنهم يخشون الفرح بأشد مما يخشون الحزن( ).
وتاريخ المصري على مر آلاف السنين هو سجل حافل بجرائم الحكام والساسة ومفهم بالمعاناة الطويلة والحرمان القاسى وتقلب الغزوات والأجانب عليه بعد عزته فى التاريخ المصرى القديم ولذلك أضحى المصري أشبه يشيخ هرم، مكسور الخاطر أو عزيز قوم ذل. والإحساس المستمر العميق بالظلم لابد أن يفتح منابع الحزن والكآبة سواء فى الفرد خاصة أو الشعب بصفة عامة( ).
وبرغم بشاشة المصرى وعشقه لألوان الحياة إلا أن هذا لا ينفى أن مظاهر الحزن غلفت حياته ذلك أن التعبير الحقيقى عن الوجدان هو البكاء وليس الضحك وقد أحس الرحالة ابن جبير – فى القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي – بروح الحزن التي مست شغاف قلبه لما شاهده من تمسح الناس بقبر رأس الحسين: ".... وطوافهم حوله مزدحمين داعين باكين متوسلين إلى الله سبحانه ببركة التربة المقدسة ومتضرعين بما يذيب الأكباد ويصدع الجماد.."( ) ويصف الرحالة السبتي (ت730هـ) احتفاء أهل مصر بالحجيج على طريقتهم الخاصة بقوله : "... واندفع جماعة من القراء بين يديه يتلون قوله تبارك وتعالى : "الحج أشهر معلومات" الآيات وجعلوا يكررونها بأصوات حسنة ويرددونها بالتلاحين العجيبة متراسلين على عادتهم فى هذه البلاد المشرقية ونمقوا أصواتهم بذلك أى تنميق وأجروا الدموع على الخدود وشوقوا إلى الحرم الشريف أى تشويق .." ( ).
المهم أن العنصر المصري الذى مازال كامنا فى قلب من يسكن فى أرض الكنانة هو الذى تدمع عيناه كلما حان وقت الفراق أو الرحيل نجده قد: "فاضت الدموع ولحق الخشوع"( ).
والشخصية المصرية تعانى من اللزوجة فى ازدواجيتها التى تتبدى فى جوانب عديدة كالتناقض بين الإنشاء والأخبار وبين القول والعمل وبين الداخل والخارج( ) وتسترسل الأمثال الشعبية فى ذلك موردة لتلك اللزوجة المتناقضة فى أحوال وسلوك المصرى فتقول: "أقرع ونزهى" أو "غشيم ومتعافى" و "زى الطبل صوت عالى وجوف خالى"( ) وقد أطال الحديث عن مثل هذه النوعية من البشر صاحب (الرسالة المصرية) وأفاض عنهم فى قوله: "وأما الطائفة المقلدة التى حظها من المعارف القشور دون اللبوب والظواهر دون البواطن والأشباح دون الأرواح فأمثل من بها منهم الآن رجل يعرف برزق الله النحاس فإن له فى فروع هذه الصناعة بعض دربه وتجربة وبتجريباتها وبجزيئاتها بعض خبرة وهو أكبر المنجمين بها وكبيرهم الذي علمهم وأميرهم الذى يلوذون به وكبيرهم الذي علمهم السحر فجميعهم إليه منسوب وفى جريدته مكتوب وبفضله معترف ومن بحره مغترق وهو شيخ مطبوع بتطايب وبتخالع .." ( ) وتحدث عن آخر بقوله: "وكان مثله فى عظم دعاويه وقصوره عن أيسر ما هو متعاطيه كقوله الشاعر:
يشمر للج عن ساقه ويغمره الموج فى الساحل( )
وتسترسل الأمثال فى السخرية ممن ينهون ويتكبرون غير مدركين لقيمتهم الحقيقة موردة تلك اللزوجة المتناقضة فى أحوال وسلوك المصري والذي تراه أحيانا (من بره هللا هللا ومن جوه يعلم الله) وهذا يعكس اهتمام المصرى بالقيمة أكثر من اهتمامه بالشكل أو القشور( ) ولا يتوانى المصري فى توجيه أشد أنواع السخرية وأكثرها اقترابا من الفكاهة لمثل تلك النوعيات التى تراها من (بره رخام ومن جوه سخام) أو تلك الفئة التى تعامل معها الرحالة (الدهلوى) فى مصر والتى يقال عنها: "بعد المعركة ينتفخ المفش" أو "طلع طلع ونزل على فاشوش"( ) فيقول عنهم الدهلوى: "... وإذا حدث واضطررت إلى التعامل معهم فلا تخش أجسامهم الضخمة وهيئتهم المخيفة فهم جبناء ضعاف الهمة كما أنهم يتصفون بالدناءة فإذا ما هددتهم مرة واحدة هربوا على الفور من المواجهة... وقمت أنا أيضا بتعنيفه وأمام جمع غفير من الناس وقضنا بأجسامنا الضعيفة وظللنا واقفين وإذا به يمد يديه طالبا العفو قائلا: دعونى أذهب، ثم أخذ يسب ويشتم وهو يغادر .. "( ) "فهم ذوو لسان سليط كالدعرات لكنهم قلما يهتمون بالدخول فى معارك وإن حدث فإنهم يضربون بأكفهم (يصفعون) وليس بقبضاتهم"( ) و (قلما ينقلب الشجار بين المصريين من التنابذ بالقول إلى التضارب بالأيدي بل أنه سرعان ما تهدأ النفوس وتسكن ثورة الغضب فيها بعد تنازل أحد الخصمين عن حقه بقوله للآخر "الحق على")( ).
والمصري الذي يتسم بطيب النفس: "وبالهدوء والرقة والوداعة قد يرتكب جريمة وحشية فى لحظة .. فقد قتل رجل جاره بطريقة فظيعة لأنه سرق بضع بصلات من حقله وبعد لحظه من ارتكابه لجريمته كان يبكى فوق جثة ضحيته"( ).
وهكذا فالمصري تجده غير مدرك للعواقب ولعل أخطر ما يؤخذ عليه وعلى سخريته حيال الأزمات العنيفة وسخريته من ذاته أنه يكتفى بالسخرية من الشئ أو الشخص أو الأزمة ويضحك ملئ شدقيه ولسان حاله يقول: "شر البلية ما يضحك" ويكتفى بذلك وكأن السخرية قد حلت الأزمة أو غيرت الأمور من حال إلى حال غير مدرك أن السخرية ليست وسيلة تغيير ولا طريقا إلى حياة أفضل وذلك يعنى أنه شخصية غير مدركة للعواقب والغريب أن هذا هو دأب الإنسان المصري منذ قرون بعيدة( ) فقد لاحظ الرحالة عبد الرحمن بن خلدون ذلك منذ ارتحاله لمصر وقال: عن أهلها مصر :" كأنما انطلق (فرغ) أهله من الحساب"( ) أى كأنهم تجاوزوا كل ما هو جاد. وعلق المقريزي على ذلك بقوله: "... وقال شيخنا الأستاذ أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون رحمه الله تعالى: "أهل مصر كأنما فرغوا من الحساب"( ) وذهب المقريزي إلى أبعد من هذا بقوله: "ومن أخلاق أهل مصر الأعراض عن النظر في العواقب فلا تجدهم يدخرون عندهم زادا كما هي عادة غيرهم من سكان البلدان .. ومن أخلاقهم الانهماك في الشهوات والإمعان من المملاة وكثرة الاستهتار وعدم المبالاة ..." ( ) فهذا المصري البسيط والماكر فى آن معا تجده أحيانا "يخاف ولا يختشيش" على حد لسان حال الأمير رودلف حين ذكر أنه: "كان عدد كبير من الفلاحين البؤساء يلبسون ألبسه متواضعة – رغم أن لبعضهم منظرا يوحى بالقوة – يعملون تحت إشراف خولي يلبس عباءة طويلة ويحمل فى يده كرباجا من جلد وحيد القرن وقد تقدم منى هذا الخولي بزهو وتحدث طويلا وهو يومئ كثيرا أثناء الكلام وقد فهمت بعد أنه يرغب منا مغادرة الأرض ولما رأيت أنه يرفع صوته أكثر من اللازم ويحرك يده بعنف استدعيت عثمان الخادم الأسود ... ولما رأى هذا الشرقي الفاضل الخولي البزة المميزة لخادم القنصل انخفض صوته وتراجعت نبراته وانسحب سريعا خوفا من خطر يحيق به واختبأ داخل أعواد القصب الكثيفة"( ). وكأن لسان حال الخولي "اللى ما يعرفك يجهلك". ورغم هذا التناقض الظاهر فى الموقفين أي الاعتزاز البالغ بالنفس مقابل الإكبار والتبجيل من قدر الآخر والخوف منه فإن المصري صدره كبير ويتسع لذلك وأكثر وشعوره فى قرارة نفسه بالعلو لا يمنعه من منح الآخر فى الاحترام( ).
والمصري (قلبه أبيض) لا يحمل الضغينة لأحد يغضب ويزيد ويصرخ كما رأينا ثم تقول له (صلى على النبي) فتنزل به الصلاة على النبي من قمة غضبه لتجعله إنسانا متسامحا يغفر لخصمه: "ويتفق أحيانا أن يتداخل بين الخصمين ثالث ويجعل تمهيده للمقابلة قوله: "اللهم صلى على سيدنا محمد" فيكرر الخصمان هذه العبارة بصوت خافت ثم يقرأن فى سرهما ما تيسر من القرآن ويستأنفان روابط الود القديم بعد أن يتعانقا تعانق الوئام والوداد..."( ).
والمصري يحب لهجته. وكثيرا ما لا يكون مستعدا لفهم غيرها وإذا أراد أن يتحدث لهجة عربية أخرى أصبح كوميديا وفى حين لا يتقن المصري اللهجات العربية الأخرى ويصر على نطق حرف الجيم بصورة مختلفة (دون تعطيش الحرف) والقاف (ألفا) وغير ذلك مما هو معروف عن هذه اللهجة فإنه يرى تحدث الآخرين باللهجة المصرية أمرا بديهيا( ) وليس كوميديا يثير الضحك كما فعل الرحالة العبدري – فى القرن السابع الهجري – فى سياق تهكمه على المصريين بقوله: "واللكنة فيهم فاشية وجمهورهم يجعل القاف والكاف همزة وقد سمعت شخصا منهم فى التلبية يقول: "لبيك اللهم لبيك ويجعل كافاتها كلها همزات فلو سمعته سمعت كلاما مضحكا ..." ( ).
وقد تأسف (الرحالة الهندى النعماني) لما وصلت إليه حال اللغة العربية أمام العامية المصرية غير مدرك إلى أنه لم يجد المتكلمون بالعربية مقرا لهم من أن يخلقوا – إلى جانب الفصح – لغات عامية يباشرون بها شئون حياتهم اليومية( ) فيقول: "إن اللغة العربية المعاصرة مختلفة إلى حد ما عن اللغة العربية القديمة لدرجة أن أي عالم كبير من الهند لو سافر إلى مصر والشام فإنه سيستغرق فى فهم اللغة هناك نفس الوقت الذي يستغرقه أحد العوام تقريبا"( ).
ويشير الرحالة إلى أن أهل مصر: "يختصرون كثيرا من الكلمات إلى حد لا يستطيع الذهن أن يتجه ناحية الكلمات الأصلية ما دام لم يذكرها شخص ما ... يزيدون بعض الحروف فى بداية الكلمات أو فى آخرها والتى بها يتغير شكل الكلمة تماما ... وفى مصر يزيدون حرف (ش) فى نهاية الكلمات مثل (ياخدش) بدلا من (يأخذ) هناك فساد كبير فى نطق الحروف بل يجب القول إن جميع خصائص نطق اللغة العربية قد محيت، فهم يتحدثون بالهمزة بدلا من العين والدال بدلا من الذال والكاف الفارسية بدلا من الجيم والهمزة بدلا من القاف ولا ينطق بهذه العوام والجهلاء فقط بل إن العلماء والأشراف أيضا يؤدونها هكذا بهذه الحروف، سألت طالبا فى مصر ذات مرة من أين جئت؟ قال جاى من الجمعة أى جئت من مسجد الجمعة"( ) غير أن أحد المولعين بمصر رأى أن اللهجة المصرية هى أحد مصادر النكتة: "لاسيما وأن اللهجة التى بها يتفاهمون تساعد على التورية والجناس والتحريف والتصحيف والكتابة إلى غير ذلك مما ينمقون به الحديث ويكسبونه من الطلاوة ما يرتفع له حجاب السمع وتشتاق له النفس..."( ).
وهذا مؤرخ مصرى هو الأدفوى يدرك الناظر إلى كتابه فى التراجم الموسوم "بالطالع السعيد" الطابع المصري الأصيل فهو يحكى القصص ويسوق الأقوال بأسلوب لهجته المصرية أكثر من عربيته( ) فيقول فى ترجمة على بن عبدالرحيم بن الأثير: "ثم بلغه ما اقتضى عزله من تلك الجهة فتوجه إلى الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير فتكلم شيخنا قاضى القضاه فى المجلس بكلام فشق عليه [وعيط ]عليه ..." ( ).
أما المصنف الموسوم بـ "الإعلام والتبيين فى خروج الفرنج الملاعين على ديار المسلمين" فقد كان على العموم ابن عصره تشيع فى كتابته الأخطاء النحوية ويكتب باللهجة العامية بحيث يقول مثلا: "وفى هذه السنة هجمت (هجم) الفرنج على دمياط وأخذوها بلا طعنة ولا ضربة .. فعضب وشنق من أعيانا ستين نفسا فقالوا: إيه ذنبنا إذا كان عسكرنا هربوا (هرب) فما نصنع نحن ففزع العسكر من السلطان وصطوته (وسطوته) وكان السلطان مريضا فأرادوا (فأراد) مماليكه قتله"( ).
وقد تذمر ابن الحاج فى "المدخل" من تلك اللهجة العامية بقوله: "فالذاكر منهم فى الغالب لا يقول (لا إله إلا الله) بل يقول (لا يلاه يلله) فيجعلون عوض الهمزة ياء وهى ألف قطع حتى جعلوها وصلا وإذا قالوا (سبحان الله) يمطونها ويرجعونها حتى لا تكاد تفهم والقارئ يقرأ القرآن فيزيد فيه ما ليس منه وينقص منه ما هو فيه بحسب تلك النغمات والتوجيهات التى تشبه الغناء والهنوك التى اصطلحوا عليها) ( ).
ويقف المقريزي (القرن التاسع الهجري) شاهد عيان على تمسك المصري بلهجته. فيذكر: "أعلم أن ناحية أدرنكة هى من قرى النصارى الصعايدة ونصاراها أهل علم فى دينهم وتفاسيرهم فى اللسان القبطى ... والأغلب على نصارى هذه الأدبرى معرفة القبطى الصعيدى وهو أصل اللغة القبطية وبعدها اللغة القبطية البحرية ونساء نصارى الصعيد وأولادهم لا يكادون يتكلمون إلا بالقبطية الصعيدية"( ) ويشير (صفى الدين الحلى) (المتوفى 750هـ) إلى ما للهجة أهل مصر من مذاق وحلاوة ورقة فيقول: "ولسان المصريين يبدلون الضاد دالا"( ) إلا أن: "لعوامهم لغة لطيفة رقيقة مختصة بهم وظرافات رشيقة هى أحلى موقعا من اللفظ العربي والمغربي ... كحلاوة ألفاظ المغاربة والمصريين"( ).
والمصري يكره النقد لأي شئ يصنعه أو اعتاده. يمكن أن تقول له ما تشاء ولكن بدون توجيه نصح بصورة مباشرة ولا تفكر فى تعريفه بخطئه على الإطلاق بل يكون ذلك بتوضيح وجود إمكانات أخرى للوصول إلى حل للمعضلة وعندها يمكن أن تقول عكس ما يقول باعتباره بديلا لكلامه فيتقبله دون تردد( ) وهذا بعينه الخطأ الذي وقع فيه صاحب (الرسالة المصرية) – فى القرن الخامس الهجري – عندما دخل في مناظرات علمية وكلامية مع أهل مصر ولم يكن واقفا على طبيعة من تحدث معهم فى أمور العلم فيقول: "وجهدت كل الجهد على أن أجد من أهل هذه الصناعة من أستفيد منه وأستزيد بمذاكرته وأقدح خاطري بمفاوضته. فلم أجد غير قوم طبع الله على قلوبهم وأعمى أبصارهم وطمس إفهامهم وحال بين الحكمة وبينهم.... وقد تخلقوا بكثرة الخلاف وقلة الإنصاف ولزموا البهت والمعاندة والشغب والمكابرة ..." ( ).
ولعل الصفة الأخيرة من أهم صفات المصري وهو الاعتقاد الخاطئ بأنه وحده الموجود على خريطة العالم وأن الدينا حوله لا تساوى شيئا وأن مصر وحدها تعدل نصف العرب وعند هذا المصري شعور بأن حضارة القدماء المصريين تعطيه الحق لينظر للعالم من فوق هرم خوفو. شعور بأنه يستغنى عن العالم كله فعنده – حسب ظنه – الريادة فى كل مجال( ) وقد أنكر عليه الكثير من الرحالة كقول العبدرى – فى القرن السابع الهجرى – : "ومن الأمر المنكر عليهم والنكر المألوف لديهم تدارسهم لعلم الفضول وتشاغلهم بالمعقول عن المنقول فى إكبابهم على علم المنطق واعتقادهم أن من لا يحسنه لا يحسن أن ينطق .. "( ) وقول صاحب (الرسالة المصرية): "ورأوا أن غرضهم من صناعة الطب الذى هو عندهم وحسب ..." ( ) وفى الوقت نفسه نجد المصرى يحب جدا النقاش بل والجدال إلى درجة الشجار: "فيرى الشيوخ منهم يتهارشون فى الطرقات ويقطعون بلعنة أسلافهم فسيح الأوقات"( ) وقد عانى ابن خلدون من الإرهاق بمناقشات وحجج وحجج مضادة مع المصريين بقوله: "فتتعارض الفتاوى وتتناقض ويعظم الشغب إن وقعت بعد نفوذ الحكم والخلاف فى المذاهب كثير والإنصاف متعذر ... فلا يكاد هذا المدد ينحسر ولا الشغب ينقطع"( ) وعند ذلك يصبح المصري محترف مكر ووشاية ويكره الوقوف فى آخر الصف بل لابد أن يجد وسيلة ليصبح فى المقدمة ومن هذه السمة عانى ابن خلدون بقوله: "وانطلقوا يراطنون (يكلمون) السفهاء فى النيل من عرض وسوء الأحدوثة عنى بمختلف الإفك وقول الزور يبثونه فى الناس ويدسون إلى السلطات التظلم منى..."( ) ويبدو أن المقريزي قد نال نصيبه من المكر والمراوغة فنجده فى تحليله للشخصية المصرية يشير إلى جغرافية المكان وتأثيرها على طباع وأزمة الناس فى مصر بقوله: "وأن هؤلاء وماءها رديئان" ويرى أن قوى النفس تابعة لمزاج البدن: "وأبدانهم سخيفة سريعة التغير قليلة الصبر والجلد وكذلك أخلاقهم يغلب عليها الاستمال والتنقل بين شئ إلى شئ والدعة والجبن والقنوط والشح وقلة الصبر والرغبة فى العلم وسرعة الخوف والحسد والنميمة والكبد والسعى على السلطان وذم الناس"( ).
وما ذكره المقريزي عن ممالأة الحاكم فهو نتيجة لضغط وقهر إنساني من العديد من الدول التي تداولت الحكم وليس طبيعة مصرية خالصة فما دخل علينا من الخضوع أو ممالأة الحاكم السلبية ليست نتاجا لطبيعة أرض، بقدر ما هي تراكمات تاريخية من قهر لدول حاكمة تملك قوة السلام أمام شعب مسالم يؤثر السلامة ويكره لون الدم ولا يملك أمام السيف إلا الدعاء والشكوى أو الانفجار المفاجئ إذا وصل الأمر إلى مرحلة الموت قبل الموت( ).
والمصري (فهلوى) أى لا يعرف خطوطاً مستقيمة و تقف الحواجز أمامه عقبة كئود بل لابد من البحث عن ثغرة أو مخرج حتى ولو كلفته عناء أكبر من الانصياع لإرادة الآخرين وقلما نجد مصريا يقول (لا أعرف) فهو يجرب ويحاول ولا يفقد الأمل بسرعة ولكن إذا وصل إلى نقطة اليأس فإنه لا يعترف بعدم القدرة بل هناك ألف مبرر بشرط ألا يكون أحدها عدم المعرفة أو أنه خاض فى حقل لا يفهمهم فيه شيئا ودليل ذلك ما أورده أبوالصلت أمية بن عبد العزيز (المتوفى سنة 528هـ) عن رجل مصري يسمى رزق الله النخاس الذي قال عن نفسه: "سألتني امرأة مصرية أن أنظر لها فى مسألة جملية تخصها فأخذت ارتفاع الشمس للوقت وحققت درجة الطالع والبيوت الأثنى عشر ومركز الكواكب ورسمت ذلك كله بين يدى فى تخت الحساب وجعلت أتكلم عن بيت بيت منها على العادة وأنا فى خلال ذلك أتحسس أمرها وهى ساكتة لا تنبس فوجمت لذلك وأدركتنى فترة عظيمة وألقت إلى درهما قال: فعاودت الكلام وقلت: أرى عليك قطعا فى بيت مالك وضياع فاحتفظى واحترزى! فقالت: الآن أصبت وصدقت قد كان والله ما ذكرت قلت: وهل ضاع لك شئ؟ قالت: نعم، الدرهم الذى ألقيته إليك! وتركتنى وانصرفت ..." ( ).
ويتمتع المصرى بقيم دينية داخلية لم تتغير تبعا لروح العصر بما فيها من أنانية وتجاهل لألم الآخرين وأوضح دليل على ذلك ما يراه الناس من خير وفير فى أيام وليالي رمضان. كما يذكر الكمدى عن عبد العزيز بن مروان أنه كان له ألف جفنة كل يوم تنصب حول داره كما كانت له مائة جفنة يطاف بها على القبائل وهى مملؤة بالطعام تفرق على الفقراء والمساكين ومعها الخبز( ) فالمصريون ميالون بوجه عام إلى البر بالفقراء والإحسان عليهم لأن فى دينهم من التعاليم والمبادئ ما يجعل هذه الفضيلة فرضا واجب الاتباع( ).
فمازال فى قلب المصري شفقة بالفقير وحسن الظن بالناس يصدق سريعا كل ما يسمع ويحرص على صلة الرحم والبر بالوالدين والحنو على الأبناء لدرجة أنه: "قد حرص كل من الأب والأم على تجميل أطفالهم بالحلى والملابس الجميلة إذا كانا فى سعة من العيش"( ) وكان مشهدا معتادا أن يدخل المصري على أطفاله حاملا لهم "العلاليق" الحلوى التى على هيئة الخيول والسباع والقطط بحيث لا يبقى جليل ولا حقير حتى يبتاع منها لأهله وأولاده( ).
ونفس هذا المصري مستعد لأن يكون رمزاً للجحود والعقوق لا يبالى بأي شئ ولسان حاله يقول: " اللي يعرف أبويا يروح يقوله" ليضرب المثل السيئ فى العقوق حتى تظن للوهلة الأولى أن: "العقوق بينهم متعارف فكان معنا فى طريق الحجاز شخص منهم حج بأمه فكان إذا اغتاظ عليها يقول لها يعنك الله ولعن الذي آواك – يعنى أباه – وذلك بعدما حج بها!! ( ) على حد قول العبدري فى القرن السابع الهجري.
والمصرى البسيط الطيب لا يختلف كثيرا عن باقى الشعوب حين تجوع فلا تجد ما تقتات به سوى شرفها. فى ظل انحصار للأخلاق وتخلخل لمنظومة القيم الاجتماعية للمصري وتحت وطأة البؤس والجوع وحالة الموت ما قبل الموت فيكون موقف المصري إما أن يعمل فى : "نبش القبور وأكل الموتى وبيع لحمهم وهذه البلية ... وجدت فى جميع بلاد مصر ... من أسوان وقوص والفيوم والمحلة والإسكندرية ودمياط وسائر النواحى...." ( ) أو أن هذا المصري الأب المكافح والبطل المستعد أن يضحى بكل شئ من أجل أبنائه وفى سبيل توفير قوت يومهم والتي وقد تصل التضحية بالمصري لقبول عمل دون مؤهلاته بكثير ولو فى آخر بقاع الدنيا وفى ظل ظروف عمل قاسية. نفس هذا الإنسان تجسده حين تزيد وطأة الجوع والفقر عليه يترك أبناءه المفلسين فى أمان الله إذا ما وصل أمر العجز عن الوفاء إلى حد الاستحالة لدرجة أن تكون "العين بصيرة والإيد قصيرة"( ) وتكون "حيلة العاجز دموعه" فنجد "كثيرا ما كانت المرأة تملص من أبنائها فى الزحام فيتضورون حتى يموتوا ..." ( ) أو أن يشاع: "بيع الأحرار ... عند من لا يراقب الله حتى تباع الجارية الحسناء بدراهم معدودة"( ) وتجد من يزعم: "أنه افتض خمسين بكرا ومنهم من يقول سبعين كل ذلك بالكسر .." أى بمبلغ يسير( ).
إن مثل هذه الأحوال كانت تترك صوراً سيئة لنفسيات الناس في مصر فقد كانت كالمعاول التي تهدم قيم ومشاعر الناس يغذى ذلك مجموعة كبيرة من الأمثال التي صورت المصرى فى أسوأ الأحوال وتسخر من وضعه الاجتماعي منها: "إذا لقيت عريان ما تسألوش على هدومه .. " فالمصري فى فقره لا يستطيع أن يفعل شيئا لأن: "فقر المرء فى وطنه غربة"( ) ولكن الفقر المصرى له مذاقه اللزج والخاص الذى شعر به الرحالة التركى (جناب شهاب الدين) فيقول: "منظر الفقر والعوز يمزق القلوب كثيرا ها أنتم تشاهدون الآن متسولا عاريا فتطلبون الشفقة له وهو يظهر لكم وقارا هكذا فى أوضاعه وحركاته!!" ( ) ليعبر (جناب شهاب الدين) عن الحاجز المصرى اللزج بين الفقر وعزة النفس أو كما يقال: "فقرا ويتمشوا مشى الأمرا"( ) وقد يعكس اهتمام المصري بالقيمة أكثر من اهتمامه بالشكل أو القشور ويرى أنه ليس من العار ما يعيشه المصرى الآن ولكن عدم إدراكه لسوء ما يعيش وقد نوه الرحالة التركى (جناب شهاب الدين) إلى شعور المصرى بمدى الفقر المدقع الذى وصل إليه فقال: "والواقع أن الوظائف الدوائية الخسيسة ظلت مقصورة على السواد الأعظم من شعب مصر أمثال العربجية والعتالة وقد قال مصرى ملمحا لهذا الوضع بلاشك: "كلما تضارب مدينتنا بالثراء نفتقر نحن فمدينتنا تخدعنا غالبا ..." ( ).
وألمح لهذا المعنى القاضى الفاضل بقوله: "أهل مصر على كثرة عددهم وما ينسب من موفور المال إلى بلدهم وما ينسب من موفور المال إلى بلدهم مساكين يعملون فى البحر ومجاهيد يدأبون فى البر ..." ( ) حتى استحالت مصر إلى جنة للمعذبين فى الأرض. ولاشك أن شعوب العالم أجمع قد عانت عبر العصور من ويلات العبودية بمختلف أشكالها وألوانها ومن بينها تلك المأساة المصرية التي عبر عنها القاضى الفاضل فالمأساة الإنسانية هى الصراع غير المتكافئ بين الإنسان والطبيعة وبين الإنسان والمجتمع وبين الإنسان والسلطة أو الحاكم بمعنى أن أحد الطرفين يحمل فكرة قمع الآخر أو قهره أو إذلاله ثم الانتصار عليه ولما كان هذا الصراع هو السمة الأساسية لتاريخ البشر فإن الحس المأساوي والقمعي هو الغالب على بقية أحاسيسهم وقد ظل التاريخ الشعبي منذ العصور الأول للإنسان يعبر عن مقاومته الدائبة لهذه المأساة تعبيرا ملحميا أو ذاتيا يحيط بجملة من الطقوس الاجتماعية والظروف التاريخية الصانعة له( ).
والمصري مستعد للتنازل عن قوت يومه وملابسه بل والطعام لكى يوفر المال للأبناء ليعيشوا حياة لا يعرفها هو أبدا لأنه يعلم أن فى ظل الجوع يصبح المال هو "عصا سليمان" يستطيع أن يذلل كل الصعوبات التى تعترض الإنسان كما أنه – أى المال – يبعث على الثقة "إدى مالك للى عنده مال وادى ولدك للى عنده ولاد"( ) مثلما حدث مع الرحالة البغدادى – فى القرن السابع الهجرى – عندما سألته امرأة تحت ذل السؤال أن: "يشترى ابنتها وكانت جميلة دون البلوغ بخمسة دراهم فعرفتها أن ذلك حرام، فقالت خذها هدية!!" ( ) ولا عجب فى ذلك "فالفقير لا يتهادى ولا يتدادى ولا تقوم له فى الشرع شهادة"( ) بحسب منطق الطغاة والبغاة وشريعة الغاب حتى وإن: "مات جماعة منهم من شدة الحر؛ حر النار مع حر الزمن"( ).
"وفى الوقت نفسه يدفعهم حب المال لأن يتسموا بالشراهة والجشع وهو سبب المشاكل الخطيرة التى تنشأ فيما بينهم"( ) وهو ما سجله لنا (الرحالة النعمانى) عند وصوله إلى مصر حيث وصل: "بمشقة بالغة وهناك هجم الحمالون فكان كل أربعة منهم يتعاركون حول راكب" ولم ينس النعمانى أن يلمح إلى (خفة الظل المصرية) بقوله: "وحمل أحمد الحمالين الأقوياء حقائبي فاضطررت أن أصحبه ... ومن الطريف أن حضرة الحمال جلس بجواري فأي قدرة لى حتى أعترض على جرأته ..." ( ) "وهذا الجشع الغريزي فى المصريين جعلهم لا يستحيون من الالتجاء إلى الغش والتدليس فى معاملتهم التجارية وبث فيهم الميل إلى الاحتيال والسرقة ..." ( ) وأوجد "غرائب لا نهاية لها فى البيع والشراء"( ) كما أنهم: "لا يعرفون على الإطلاق أسلوب الكسب ويريدون أن يغمضوا أعينهم وينهبوا الناس"( ) وفئة منهم إذا: "عاملهم غريب لم يلق منهم إلا ما يريب يتخذونه هدفا ولكل منهم فيه سهم مصيب حتى يخرج من ماله بغير نصيب"( ).
"فهم بارعون فى الاحتيال والغش خاصة مع الغرباء الذين لا يعرفون عملتهم ولا يعرفون أساليبهم فى البيع والشراء فعندما يضع المشترى بارا فى يد البائع فإن البائع يضعها (أى البارا)- أن أمكنه فى فمه ثم يتناول بمكر بارا أخرى (غير جيدة) كان قد وضعها فى فمه أيضا لتحقيق هدفه ثم يقدم هذه البارا الأخرى (غير الجيدة) للمشترى قائلا أن بارته مغشوشة"( ) فمثل تلك الحيل والملاعيب المصرية لها قواعد وأصول تظهر سريعا مع الأجانب والغرباء على حد قول الدهلوى: "لكن العامل المصري فهم أننى أجنبي وطبقا لقاعدة الخداع المصرية أخذ منى عشرة قروش ..." ( ) كما أن تلك القاعدة لها أدائها الخاص الممتزج بالنصيحة وسرعة البديهة وكثيرا ما تجد: سم الغش ممزوج فى عسل النصائح"( ) التي تصل إلى حد الفكاهة فمثلا: "السهام الانفعالية التى يقذفها كل من البائعين بنظرة جانبية لهم ثم فكاهة مضحكة جميلة فى مشاهدة أنهم يعبرون إلى المنضدة الأخرى صامتين ونادمين ييأس عميق ولاشك مطلقا بأن التاجر فى تلك اللحظة يقول وهو ملئ بالفتور داخليا: حقا إنني ساحر وشيئا ما سيعجبك أنت أيضا ..."( ).
ولسوف تكتشف فى العبارات السابقة إلى أي مدى بلغ دهاء المصريين وحسن حيلهم وفهلوة بعض شرائح منهم استطاعت أن تجعل الرحالة أولياچلبى يصفهم بقوله: "أنهم مهرة قد حذقوا فمنهم إلى حد أن الواحد منهم يسرق العين من الكحل ويبقى الكحل مكانه ..." ( ) كما استطاعت أن "تسرق النوم من العين" نتيجة كثرة التجارب( ) وما تميزوا به من لزوجة بين ما عندهم من: "بشاشة وملق وعندهم مكر وخداع"( ).
ولكن الغريب أن هذه الشخصية اللزجة الوجدان والسلوك سرعان ما تحولك من الغضب إلى الرضا أو الدهشة فمع: "أن أهل القاهرة – مثلا- مولعون بغش الغرباء وخداعهم فإنهم يعاقبون بصرامة من يطفف الكيل والميزان فالخبز يتم فحصه فإذا ما ثبت أن وزنه أقل من الوزن القانوني تم سحبه – أى الخبز – وتوزيعه على الفقراء ومعاقبة الخباز بضربه بالفلكه (القلقة) على قدميه العرا يتين بشدة"( ) وقد شهد بذلك الرحالة جوزيف بتس بقوله: "وقد رأيت ذلك مرات عديدة لذا فإن بعض الخبازين يتركون خبزهم إن كانوا يعلمون أن وزنه أقل من الوزن القانونى ويجرون هاربين لتجنب العقاب البدنى .." ( ).
كما أشار التاريخ إلى ما يلحق (بالزغلية) – أي المزيفون للنقود – من عقاب صارم فيذكر ابن إياس فى أحداث شوال 928هـ أن: "والى القاهرة شنق فى يوم واحد أربعة وعشرين إنسانا وخوزق منهم جماعة وعلقهم فى أماكن متفرقة وكان أكثرهم حرامية وزغلية ومن عليه دم .." ( ) ويذكر التاريخ أن إحدى النساء قد شنقت على باب زويلة لأنها سرقت بعض الملابس والأمتعة من أحد الحمامات( ).ويذهب البعض فى تفسير أسباب ما يلجأ إليه المصرى من حيل وألاعيب تصب فى خانة الخصم من رصيده الحضاري إلى أن : "تعليل هذه النزعة الدنيئة بأن المصريين رئموا للمذلة وصنوف الاضطهاد عشرة قرون كان الحكام فى خلالها يعاملونهم بالشدة والصرامة ويسومونهم خطة خسف ولما كان من المتعذر عليهم مع هذه المعاملة الجائزة أن يدرأوا مطامع أولئك الحكام عن أموالهم وأن يكفوا عنها أيديهم وهى عندهم أعز عليهم وأكرم من نفوسهم فقد تعمدوا الظهور فى سربال الفقر والعوز دفعا لما عساه أن يحيق بأموالهم من خطر السلب"( ) فتأصلت فى: "أخلاقهم من الملق والسياسة التي أربوا فيها على كل من تقدم وتأخر وخصوا بالإفراط فيها دون جميع الأمم حتى صار أمرهم في ذلك مشهورا"( ).
وبرغم ذلك فقد أضحى : "الفلاح وزوجته يعيشان في عذاب متصل : فليس من حد يقف ادعاء الحياة ولا جشع رجال الإدارة واختلاسهم مال الأهالي أنهم قد ينتزعون من أسرة الفلاح غدا ما تركوا لها اليوم ومهما حسب الفلاح من حساب فلن يستطيع تدربي ما يضمن له المستقبل .." ( ) فعندهم: "سرعة الخوف من السلطان"( ) والتي تولدت نتيجة الثقة المعدومة بين الحاكم والشعب وأدت بالمصري إلى حيل المكر والخداع والنفاق مرغما متخليا عن كلمته – إلى حين – حتى لا يموت بالسيف لأنه يعلم أنه إذا عاش بالسيف مات بحذاء الحاكم ورموزه فكان لسان حاله : "نحن قوم لا نمل من النفاق إذا لم ننافق متنا".
وقد غذى الوجدان الشعبي تلك العلاقة بمجموعة كبيرة من الأمثال الشعبية التى تولدت نتيجة الغيط والنفور كان أبرزها: "افرحوا واتهنوا بقدومه جاكم بشومه"، "سيف السلطة طويل"( ) ، "السلطة غول وقميصها كل حبتنا" " السلطة غول كلتنا لحم طب وإحنا عضم رمتنا"( ).
وقولهم "حاميها حراميها" كدليل على أن الحاكم لص كبير يتضح ذلك عند الجبرتي في سياق أحداث سنة مائتين وألف : "أن الأمير حسن بك : "ركب بجنوده وذهب إلى الحسينية وهجم على دار .. متولى رياسة دراويش الشيخ البيومى ونهبه حتى مصاغ النساء والفراش ورجع والناس تنظر إليه .. وفى صبحها يوم الجمعة ثارت جماعة من أهل الحسينية بسبب ما حصل فى أمسه من حسين بك وحضروا إلى الجامع الأزهر ومعهم طبول والتف عليهم جماعة كثيرة من أوباش العامة والجعيدية وبأيديهم نبابيت ومساوق وذهبوا إلى الشيخ الدردير .. وقال لهم : أنا معكم .. وتنهب بيوتهم كما ينهبون بيوتنها ونموت شهداء أو ينصرنا الله عليهم .. وركب الشيخ فى صبحها إلى إبراهيم بيك وأرسل إلى حسين بيك فأحضره بالمجلس وكلمه فى ذلك فقال فى الجواب: "كلنا نهابون أنت تنهب ومراد بيك ينهب وأنا أنهب كذلك" وانفض المجلس وبردت القضية"( ).
مما يعكس لنا ضعف فاعلية السلطة وتراخيها في التصدي لمظاهر العنف والظلم الواقع على كاهل الناس والذي يهدد أمنهم وحياتهم فى المجتمع ويساعد على اهتزاز ثقة الناس فى رموز الحكم وخلق حالة من الخوف عان منه الناس وعبر عنها الرحالة البغدادي بقوله: "ورأيت مع امرأة فطيماً لحيماً فاستحسنته وأوصيتها بحفظه فحكت لى أنها بينما تمشى على الخليج انقض عليها رجل جاف ينازعها ولدها فترامت على الولد نحو الأرض حتى أدركها فارس وطرده عنها ... وبقى الولد مدة مريضا لشدة تجاذبه"( ).
فالمؤكد أن هناك شرخاً فى هذه العلاقة من الخوف والانعزالية وهو ليس وليد وقائع محددة أو فترة محددة ولكنه نتاج لتراكمات حدثت عبر فترة ممتدة من الزمن. وقد أخذت هذه التراكمات أشكالا مختلفة تبلورت فى معظمها حول قضية إهدار كرامة المصري على يد الحاكم ورموزه من العسكر( ) وتفريغ مبدأ (إقامة الدين وسياسة الدنيا بالدين) ( ) وإخلال الحاكم بمبدأ الإمامة القائم على خلافة شخص من الأشخاص للرسول r فى إقامة القوانين الشرعية وحفظ حوزة الملة على وجه يجب إتباعه على كافة الأمة( ) وتفريغ ذلك كله من مضمونه الحقيقي فارتبط ذلك بعملية فساد وإفساد واسعة داخل حوزة الحاكم بكل قطاعاته وطوائفه تعددت معه وتكاثرت أشكال العنف وقسوة الحاكم ورموزه بل وارتبطت بها. فالإسحاقى المنوفي ينقل ما معناه: " ويقال أن ... القسوة عشرة أجزاء تسعة فى الترك وواحد فى سائر الناس ..." ( ) خاصة وأن الترك باختلاف مشاربهم استخدموا الكثير من أنواع التعذيب فى مصر – والتي كانت سائدة آنذاك فى أماكن أخرى – مثل الخازوق والترسيم والشنق والصلب والخنق والضرب بالكرباج والسلخ ولجأوا إلى التشهير والتجريس وغيرها ... ( ).
فمن لم يؤد ما عليه من ضرائب : "فيحبس فى الـ "أرقحانة" ويعذب بأنواع العذاب ويربط بالبكرة فى ديوان الغوري ويعلق من يديه ويجرد من ثوبه ثم يجلده الجلادون بسياط من جلد الفيل جلدا "اللهم عافنا" يعلمه من قاساه ..." ( ) أو أن يدخل ما يقرب من : "مائة رجل ومعهم مسلم طرحوه أرضا وأخذوا فى جلده وضربوه بالعصى مائتى ضربة على بطنه وكتفيه .." ( ).
ومن المشاهد الباكية الضاحكة التى نقلها لنا ابن إياس وتكشف عن بعض ملامح العنف وقسوة الحاكم ورموزه ما كتبه عن "خاير بك" حيث: كان جبارا عنيدا عسوفاً سفاكاً للدماء شنق ووسط وخوزق من الناس جماعة كثيرة واقترح لهم أشياء فى عذابهم فكان يخوزقهم من أضلاعهم ويسميه شك الباذنجان ..." ( ) ويقول الجبرتى عن الأمير سليمان بك المرادى: "كان ظالما غشوما، ويعرف "بريَّحه" بتشديد الياء وسبب تسميته بذلك أنه كان إذا أراد قتل إنسان ظالم يقول لأحد أعوانه: (خذه وريَّحه) فيأخذه ويقتله"( ) وأضحى المصري كليمونه جافة امتصها بشر شرهون وأيام أكثر شراهة.
إن عنف وقسوة الحاكم ورموزه جعلت في أجساد بعض المصريين لها مناعة ضد أعمال الخوزقة والضرب بالكرباج والسلخ وكأنهم يستعذبون الألم أو يسخرون منه يأسا أو تفكها مريرا من صيرورة أحوالهم بحيث يستطيع الباحث أن يرى صورة حقيقية لمدى ما يتركه رموز الحكم من آثار على حياته فالمصري يكره الحاكم فى كل صورة حتى أدناها ويكره الإدارة والقوة التى تسلبه حريته وقوته وكرامته وحياته( ) ولكن لم تسلبه تلك اللزوجة ما بيت التبكيت والتنكيت ولقد أعطى الرحالة أولياچلبى صورة لاستهتار المصري بالحاكم وسيفه الظالم ويكملها بالاستهانة بالعذاب الواقع على كاهله لدرجة لا تملك معها سوى أن تقول: "شر البلية ما يضحك!!" فيذكر (أولياچلبى) فى سياق وصفه لـ (جرأة جبابرة مصر) على حد قوله: "من الغريب أن لصا من فلاحى مصر أخطأه الحظ ... واستيقن من قتله فأعطى الكاشف كيسين أو ثلاثة أكياس نقدا طالبا إليه إيصاله إلى مكان القتل بالقاهرة بموكب كموكب قائد فلا يكاد هذا الرجاء يصدر منه حتى يقبله الكاشف فيتسلم منه الأكياس ويسلمه للجلادين الذين يذهبون به إلى ميدان "السياسة" – الإعدام – ويصلبونه ثم يسلخون جلد ظهره إلى صدره وجلد صدره إلى ظهره وهو حى يدخن التبغ ويتغنى بالموال والرباعيات متفاخرا بمن قتلهم وصلبهم ويتحمل كسر الجلادين ليديه ورجليه دون أن تصدر منه آهة. هكذا يسلخون جلده كله من جسمه ويحشونه بالتبن ثم يلبسونه جيفته الدنسة ويركبونها حصانا ويذهبون بها إلى ديوان مصر منادين صائحين مهللين بأن الحرامى الفلاني!!! أنه لمنظر غريب وبتلك الطريقة تحصل الأموال السلطانية"( ).
وصورة أخرى نابضة بالظلم ينقلها لنا الجبرتى بقوله: فى حوادث سنة تسع وتسعين ومائة وألف: "وقعت فتنة بين عربان البحيرة وحضر منهم جماعة إلى إبراهيم بيك وطلبوا منه الإعانة على أخصامهم فكلم مراد بيك فى ذلك فركب مراد بيك وأخذهم صحبته ونزل إلى البحيرة فتواطأ معه الأخصام وأرشوه سرا فركب ليلا وهجم على المستعينين به وهم فى غفلة مطمئنين فقتل منهم جماعة كثيرة ونهب مواشيهم وإبلهم وأغنامهم ثم رجع إلى مصر بالغنائم ..." ( ).
فلقد كان اتجاه بعض أصحاب الملل إلى اختراق رموز الحكم بالرشوة والبرطلة واستغلال ذلك لتحقيق مصالح خاصة بهم غالبا ما تكون على حساب إهدار حقوق آخرين هى ظاهرة شبه عامة ترتب عليها اهتزاز ثقة الناس فى رموز الحكم وخلق حالة من الخوف لدى الناس من التعامل معهم ولا تتوانى قريحتهم فى تغذية هذا الشعور بمجموعة من الأمثال مثل : "فر من السلطان فرارك من الأجرب" ، "جبناك يا سلطة تحمينا حميَّتى النار وكوتينا"( ) ويدل كل ذلك على وجود شحنات مكتومة من الغضب لدى الناس ضد رموز الحكم. كما أثبتت التجارب التاريخية أن المصري البرئ الذي يتم معاقبته جزافا غالبا ما يتحول إلى ناقم على السلطة برمتها فساهم ذلك فى تعميق الروح الثأرية بين الناس والحاكم ورموزه ويتجلى ذلك عند الجبرتى بقوله: "وقع قبل ورودهما بأيام فتنة بالإسكندرية بين أهل البلد وأغات القلعة والسردار بسبب قتيل من أهل البلد قتله بعض أتباع السردار فثار العامة وقبضوا على السردار وأهانوه وجرسوه على حمار وحلقوا نصف لحيته وطافوا به البلد وهو مكشوف الرأس وهم يضربونه بالنعالات ..." ( ).
ويقدم لنا صاحب (بدائع الزهور) صورا حية من إصدار الأحكام التعسفية وإلزام الشعب بتنفيذها الأمر الذي كان يدعو المصري إلى السخرية من تلك الأحكام التى ظلت مثار فكاهات وسخريات شعبية( ) ففى سنة 911هـ كثر الحريق بالقاهرة بسبب الدريس الذى يكون فى بيوت الأتراك وكانت المماليك قد أكثرت من خزن الدريس فى هذه السنة وصارت المماليك يمسكون الناس فى الطرقات غصبا ويحبسونهم عندهم أياما بسبب نقل التدريس وتعطلت أحوال الناس بسبب ذلك حتى صنف العوام رقصة تصحبها منظومة شعبية ساخرة مطلعها: "اهرب يا تعيس :. وإلا يحملوك الدريس"( ) كنمط من أنماط العنف الاحتجاجي السلبي.
ومعه تواتر هروب المصريين من قراهم ومدنهم ففى أحداث سنة 927هـ/1520م يقول ابن إياس : "وأشيع أن الديوان مشحون غاية الانشحات وأن ملك الأمراء عليه نحو ستين ألف دينار دينا والمباشرون استخرجوا من البلاد القسط الأول أربعة أشهر معجلا من مغل سنة سبع وعشرين وتسعمائة القبطية قبل أن يفى النيل ويزرع الفلاحون وتروى الأرض. فحصل للفلاحين غاية الضرر من ذلك ورحل بعض الفلاحين من البلاد السلطانية من الظلم والجور ... "( ).
ويبدو أن عنف المطاردات بين المصريين الهاربين عن عبء السلطة والضرائب وقسوة انتقام الملتزمين منهم قد دفعت الفلاحين المصريين إلى خارج مصر كلها ويذكر الرحالة فولنى الفرنسى أنه شاهد المصريين فى سوريا سنة 1785م أفواجا وجماعات وقال إن أزقة صيدا وحيفا وسائر مجن وقرى فلسطين كانت تعج بالمصريين وقد توغل فريق منهم فى اتجاه الشمال حتى حلب وديار بكر ..." ( )
ولم تتوقف المظالم التي يتعرض لها المصريون عند حدود الضرائب الباهظة والعمل القسرى أو العمل سخرة وبلا مقابل والتي كانت: "داهية كبرى على الفلاحين ومصيبة عظمى على البطالين فهم دائما فى تعب وكدر وغرامة وسخروهم زائد"( ) بل كانت تتعرض بيوتهم وقراهم للنهب الدائم والمستمر من جحافل المماليك المتقهقرة( ) ولقد ترتب على هذا النهب المصاحب بالقسوة والعنف المبالغ من المماليك أو الكشاف والملتزمين أو العربان أن أصبح المصري يتوجس ويرتاب من كل الغرباء( ).
وقد لاحظ الرحالة الفرنسى سونينى تلك الظاهرة فيذكر: "عند اقترابنا من احدى القرى المصرية تعرف أهل البلدة أشتاتا وأختبأوا وأغلقوا الأبواب من دونه ظانين أننا إما من رجال الكاشف أو من البدو وأننا نحمل عليهم بغرض نهبهم وصادفنا صعوبة بالغة فى إقناعهم بضيافتنا وحين لبوا الدعوة وفتحوا أبواب ديارهم لم أعقل لماذا لمن هم فى مثل حالتهم الرثة أن يخاف على نفسه من السرقة أو السلب فلقد ظهروا أمامي وكل ما فى معيشتهم فى حالة فقر مدقع وبائسة"( ) وهكذا أصبح المصري "زي قواديس الساقية مشنوق من رقبته ورجليه" وأصبح الشعب المصري يسير فوق ساقين كسيحتين حتى أضحى تحت وطأة التعسف والفقر والجهل يزحف على بطنه. وعند ذلك : "ينقلب الفلاح تنينا ذا سبعة رؤوس ليس له عمل ولا أرض مزروعة يرتبط بها ويزيد لذلك عدد الأشقياء المسلحين بالنبابيت"( ).
كان الفساد والقهر – المنتشر أفقيا في النسيج الاجتماعي ورأسيا من قمة السلطة لأدناها – فيه مقتل للشخصية المصرية حيث يتمثل دعوة مبكرة للتخلي عن كل القيم والمثل والتحول للنفعية( ) الفردية بالطرق غير الشرعية إلى حدة سيادة السخرية من قيم المروؤة والشهامة والكرم والنيل والإيثار ورد الجميل التى أنتجتها ثقافتنا الإسلامية العربية وظلت لصيقة بمجتمعنا بدرجة أو أخرى إلى أن لاحقها التفسخ والتشويه تحت وطأة الظلم والقهر والفقر والإحساس الحاد بهم وعجز المصري عن التوصل إلى نصيب عادل من وسائل العيش فلجأ بعض أهل مصر إلى العنف والتمر والغش الذي انعكس ذلك كله في وصف الكثير من المؤرخين لأحوال أهل مصر وظهر لديهم التلوث العاطفي بشكل واضح في سياق حديثهم عن أخلاق المصريين.
فنجد الرحالة العبدري – في القرن السابع الهجري – ينعتهم بقوله أنهم: "أهل الشقاق والنفاق والعناد والإلحاد استولى الحسد على قلوبهم واستوى الغش فى جيوبهم .. تراضعوا لبان اللؤم وتحالفوا لا وجد منا افتراق فجوادهم "أبخل من الحباحب وشجاعهم أجبن من صافر الجنادب وعالمهم أجهل من فراش ... من أظهر منهم نسكا فأحبولة نصبها للصيد"( ).
وكأن تلك الصفات من المكر والخديعة لدى بعض الناس هي فى الحقيقة نتيجة ظروف تاريخية ووسيلة حماية مقصودة فهى إذن تتصل بالتطور التاريخي للبلاد وهذا يزيد في أهميتها بوصفها جزءا من تطور الظروف السياسية والاجتماعية لمصر( ) يعود فى أحد أسبابه إلى عوامل القهر والإذلال التي أدت إلى بؤس أحوال المصريين وتراجع القيم الأصيلة وتآكلها ومن أسف أن ذلك تم لحساب قائمة أخرى من القيم المادية التي تحولت بمضي الوقت إلى قيم مركزية فى مجتمعنا كما أن الفساد وما يتبعه من تفسخ وتشويه لميزان القيم عدو للمصريين حتى وإن استفاد منه بعضهم وهو ما أعطى المؤرخين الحق فى القول: " ومقابل ذلك فهم قادرون على القيام بأفعال تتسم بالكرم سواء كان ذلك فى صورة تقديم المال أم العفو مما يلحق بهم من أضرار"( ) "أما الضيافة فمن أكثر فضائلهم شيوعا وهى حرية بالذكر والإطراء الآن فالمسافرون وعابروا السبيل على اختلاف عقائدهم وتباين أجناسهم يلقون من المصريين فى كل زمان ومكان صدرا رحيبا ومثوى كريما"( ).
وقد أشار البعض من المؤرخين والرحالة إلى تلك اللزوجة فى أهل مصر بقولهم: "تحت تأثير الضغط والعسف تراهم فى الأحوال المعتادة يظهرون الخجل ويتحامون التعرض للأخطار أو اقتحام غمارها ولكنهم إذا نزل بهم نازل أو تهددهم خطر لا تلبث الشهامة الكامنة فى نفوسهم أن تهب من سباتها"( ).
وتشير المصادر التاريخية إلى ما طبع عليه أهل مصر من قيم وأخلاق سامية تدعو إلى الدهشة وهى قيم ارتبطت بجذورها العربية والوطنية فى آن واحد لتنسج وشائج تعكس درجات عالية من السمو الإنساني الذي يتجه إلى الآخر إما فداء له أو وصلا ومحبة وحنوا عليه وكلها وشائج ترتفع بالسلوك الإنساني وتجعل لوجوده وحياته معنى وقيمة مضافة إلى مجتمعه ناهيك عن أنها تخرجه من منظومة الأنانية والبخل والجشع والتي تطرد تلقائيا كل معاني القناعة التي جبل عليها المصري منذ نعومة أظافره ولا تدع مجالا لمفهوم الكرم والإيثار الذي سيبدو بالنسبة لكثيرين أمرا غير قابل للتصديق.
ومن كان يصدق أن مارية القبطية صاحبة قرية (طاء النمل) أنها عندما دعت الخليفة المأمون إلى قريتها "جاء ولدها إلى صاحب المطبخ وسأله: كم تحتاج من الغنم والدجاج والفراخ والسمك والتوابل والسكر والعسل والطيب والشمع والفاكهة والعلوفة وغير ذلك مما جرت به عادته. فاحضر جميع ذلك إليه بزيادة وكان مع المأمون أخوة المعتصم وابنه العباس وأولاد أخيه الواثق والمتوكل ويحيى بن أكثم والقاضى أحمد بن أبى داود فأحضرت لكل منهم ما يخصه على انفراده ولم تكل أحد منهم ولا من القواد إلى غيره ثم أحضرت للمأمون من فاخر الطعام ولذيذه شيئا كثيرا حتى إنه استعظم ذلك"( )
وهكذا كانت صفة الكرم والإيثار لصيقة بالمجتمع المصري بدرجة أو أخرى حتى اشتهر البعض منهم أنهم ليفون للناس بواجب الولاء ويقومون بضمانهم ولو أدى ذلك إلى انتزاع أموالهم وفقد ضياعهم وأملاكهم ولدينا أسر كثيرة هوت إلى هوة الفقر من جراء ذلك ولكن بيوتها لا تزال تنطق بالفخار لهذه الأسر العريقة فى الكرم والوفاء حيث آثروا غيرهم بالثراء الذى حققوه حين نشب الغلاء وحدث الجدب والقحط فى مصر ذات مرة فهب (طريف بن مكنون) يمد الموائد فى مضيفته لتتسع لأثنى عشر ألفا يأكلون عنده كل يوم حتى اضطر إلى أن يهشم الثريد فى المراكب ويا لعمرى لهذا الكرم البالغ الذي عرف وقت الشدة والضيق حتى ليخال لنا أن تلك المراكب كانت تنتقل بثريدها ولحومها عبر الخلجان والترع لتمير البطون الخاوية( ).
وقد أشاد الرحالة النعمانى بأخلاق وعادات أهل مصر وكرمهم معه وأضاف: " أن هذا كان يحدث بلا غرض وبدون مقابل فقط من أجل الضيافة وإكرام الفقراء ومن المستحيل ذكر جميع تلك الأحداث الجزئية التى تدل على كرم أخلاق هؤلاء الناس معى"( ) ولما لا: "فأهل مصر أكرم الأعاجم كلها وأسمحهم يدا"( ) على حد قول شهاب الدين النويرى. والحقيقة أن لكل بلد محاسن ومعائب وفضائل ورذائل وكمالا ونقصا وإنما تخفى مكارم الآخرين علينا لعد البحث والتنقيب والإمعان والتدقيق( ) ولعل نماذج صاحبة (طاء النمل) وطريف ابن مكنون تشى لنا أنه لا يزال فى مصر صفوفا خلفية وحلقات وإن صغرت لا تزال تحتفظ بعذريتها الحضارية إذا جاز التعبير وأننا لم نصل إلى درجة العقم الحضاري بما ألفه الناس من أهل مصر "فإنهم يصدقون ويرعون الصحبة ويوفون بالعهد ويؤدون الأمانة لا تبرح الأضياف تغشى منازلهم على ما تيسر من مكارمهم فى حال اليسر والعسر وهم فى ذلك على طول الأيام لازمين طريقة واحدة فى الكرم والصبر!!" ( ) كما أنك ترى: "الفقير المجرد فيها مستريح من جهة رخص الخبز وكثرته ووجود السماعات والفرج فى ظواهرها ودواخلها"( ) وحسبنا ما كتبه (ابن خلدون) عن عطف أهل مصر على الفقراء والغرباء لدرجة تدفع بفقراء العالم للنزوح إليها بقوله :" ويبلغنا لهذا العهد عن أحوال القاهرة ومصر من الترف والغنى فى عوائدهم ما يقضى منه العجب منى إن كثيرا من الفقراء بالمغرب ينزعون إلى النقلة إلى مصر لذلك لما يبلغهم من أن شأن الرفه بمصر أعظم من غيرها ويعتقد العامة من الناس أن ذلك لزيادة إيثار فى أهل تلك الآفاق على غيرهم أو أموال مختزنة لديهم وأنهم أكثر صدقة وإيثارا من جميع أهل الأمصار"( ) وقد وصف ابن جبير ذلك (فى القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي) بقوله: "ومن مناقب هذا البلد .. المدارس والمحارس الموضوعة فيه لأهل الطلب والتعبد يفدون من الأقطار النائية فيلقى كل واحد منهم مسكنا يأوى إليه ومدرسا يعلمه .. ومن أشرف هذه المقاصد أيضا أن السلطان عين لأبناء السبيل من هؤلاء المغاربة خبزتين لكل واحد فى كل يوم بالغا ما بلغوا ... فقد ينتهى فى اليوم إلى تفريق ألفى خبزة وأزيد "( ).
فمنح الصداقات لم يتوقف أبدا عن كونه عملا من أعمال التقوى فى القاهرة زمن المماليك – على سبيل المثال – ومن سوء الحظ أن ما نعرفه قليل عن أعمال الخير التى كان عامة الناس يقومون بها وكما هو الحال فى دفع الزكاة كانت أعمال الخير الصغيرة هذه تتم دونما ضجة ولم تخلف أية سجلات مكتوبة يستخدمها المؤرخون مادة وثائقية إلا فى حالات الأشخاص الذين اشتهروا بتقواهم الفائقة وكانت أعمالهم الخيرية تسجل أحيانا لكى يوضح بها المؤرخون طيب خلقهم( ) وثمة شخص من أصحاب الإسهامات الأسطورية هو الحاج على بن محمد النوسانى (ت 799هـ/1396هـ) الذى كان مدرسا فى بلدة سندفا بالغربية وقد كان رجلا ثريا بالمقاييس الريفية ترك ألف جاموسة لورثته وكان مشهورا بأنه يتصدق بألف درهم يوميا كما نجد أحد الأتقياء وهو الصوفي الشيخ مسلم بن عنتر البدوي (ت 673هـ/ 1274م) والذي كان لصا تائبا إلا أنه صار من مريدى شيخ الطريقة الرفاعية وتسبب فى توبة ستمائة لص وسكن القرافة حيث أقام سماطا كان يحضره الفقراء( ).
فالمصريون هم الأكثر وطنية: " فلا يوجد بين مخلوقات الله من يذهب المذهب البعيد فى حب مسقط رأسه كالمصريين فإن المصريين لا يجدون معنى ولا لذة إذا ابتعدوا عن الفيل الذي يطفئ ماؤه أوار عطشهم ويرون أرضهم أو حرموا النحيل التي يكفى أن يهزوا اليهم بجذعها ليساقط عليهم ثمرها فلا يتكبدون فى أكله أقل كلفة"( ) ولذا فإن: "أهل مستغنون عن كل بلد حتى لو ضرب بينها وبين بلاد الدنيا بسور، استغنى أهلها بما فيه عن سائر بلاد الدنيا .." ( ) لما فيها من بركة: "فالبركة عشر بركات: ففى مصر تسع وفى الأمصار بركة واحدة ولا تزال بمصر بركة ما دام فى شئ من الأرضين بركة"( ).
وربما من أجل هذا كله يرى المصرى أن الأرض التى خرج منها ورأى الحياة عليها ينبغى عليه أن يعيش فيها ويموت عليها( ) ويقول لين: "ويعتبر حب المصريين لوطنهم وعلى الأخص مسكنهم صفة بارزة فى طباعهم ويخشى المصريون على العموم هجر مسقط رأسهم..." ( ) ويتذرعون فى ذلك بما قيل من أنه: "من أقام بمصر سنة وجد فى أخلاقه دقة وحسنا ..." ( ) فهى : "بقعة من عند الله مباركة طيبة لا شرقية ولا غربية"( ).
واستشعر المصريون شخصية بلدهم المتفردة فساعد ذلك على تقوية ارتباط المصريين بأرضهم ووجودها ونبهوا إلى بعض سماتها المميزة كابن رضوان المصري الذي يدرس بيئته فيكتب (مقالة فى هواء مصر) ( ) وثان هو ابن جميح الذى خدم الملك الناصر صلاح الدين والذي كان له نظر فى العربية وتحقيق للألفاظ اللغوية يدرس حيزا من بيئته فيكتب (رسالة فى طبع الإسكندرية وحال هوائها ومياهها ونحو ذلك من أحوالها وأحوال أهلها) ( ) وثالث يصف مدينته ويشيد ويفاخر بموقعها البحري والحربي وبمكانتها الصناعية الاقتصادية وهو (ابن بسام المحتسب التنيسى) فى كتابه: "أنيس الجليس فى أخبار تنيس" يصف فيها أرباضها وخططها ومساجدها وفنادقها ومصانعها وأهليها وصنعا تفصيليا دقيقا يعطى صورة حية واضحة لحبه لمدينته فى أحسن حال من حالات عمرانها( ).
أما المقريزي فمن حسن القدر أنه عاش حتى بلغ الثمانين من العمر عكف فيهم على حب مصر ومدافعا لها وراميا عنها بأقوى الحجج وأبرع الأدلة فى فضلها وحفاوة تاريخها وأعلن عن دوافعه من وراء ذلك كله فى مقدمة خططها بقوله: "وكانت مصر هى مسقط رأسي وملعب أترابي ومجمع ناسي ومغنى عشيرتي وحامتى وموطن خاصتي وعامتي وجؤجؤى الذى ربى جناحى فى وكره وعشر مأربى فلا تهوى الأنفس غير ذكره لازلت مذ شذوت العلم وآتانى ربى الفطانة والفهم أرغب فى معرفة أخبارها وأحب الأشراف على الاغتراف من آبارها وأهوى مسائلة الركبان عن سكان ديارها فقيدت بخطى فى الأعوام الكثيرة وجمعت من ذلك فوائد ما يجمعها كتاب أو يحويها لعزتها وغرباتها أهاب .... فأردت أن ألخص منها أبناء ما بديار مصر من الآثار الباقية عن الأمم الماضية والقرون الخالية..."( ).
وبرغم ذلك الحب فإن المصريين هم الأكثر هجرة وتغرباً تحت وطأة اضطراب الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهم وقد: "ظل ذلك الأمر حتى دهى أهل الريف بكثرة المغارم وتنوع المظالم أختلت أحوالهم وتمزقوا كل ممزق وحلوا عن أوطانهم فقلت مجابى البلاد ومتحصلها لقلة ما يزرع بها ولخلو أهلها ورحيلهم عنها لشدة الوطأة عليم وعلى من بقى منهم"( ) "لأن العدوان على الناس فى أموالهم ذاهب بآمالهم فى تحصيلها واكتسابها لما يرونه من أن غايتها ومصيرها انتهابها من أيديهم ... فإذا قعد الناس عن المعاش وانقبضت أيديهم عن المكاسب كسدت أسواق العمران وخف سكان القطر وخلت دياره وخربت أمصاره واختل باختلاله حال الدولة والسلطان"( ).
وأنت فى مصر ستكشف أن اللزوجة هى مناط الشخصية المصرية ولما لا فهى: "مجمع الوارد والصادر ومحط رحل الضعيف والقادر ووضيع ونبيه وشريف ومشروف ومنكر ومعروف تموج موج البحر بسكانها وتكاد تضيق بهم على سعة مكانها وإمكانها"( ).
وأنت فيها تستطيع أن ترى: "ملل وأجناس مشهورة حيث يمكن أن يشكل ذلك مسرحا لاستقصاء دقيق مساعد جدا لدراسة عالم علم الإنسان ..." ( ) ففيها: "أسواق لجميع الأمم يؤمها التجار من المماليك النصرانية كافية ..." ( ) ناهيك عن أن سكان مصر: "أخلاط من الناس مختلفة الأصناف: من قبط وروم وعرب وبربر وأكراد وديلم وحبشان وأرمن وغير ذلك من الأصناف والأجناس على حسب اختلافهم"( ).
وقد أرجع الرحالة الأندلسي – المتوفى سنة 528هـ - هذا الاختلاف واللزوجة فى المصريين بقوله: "إن السبب فى اختلافهم والموجب لاختلاطهم، اختلاط المالكين لها والمتغلبين عليها ..." ( ) فمصر على حد قول الإدريسي : "عامرة بالناس نافقة بضروب المطاعم والمشارب وحسن الملابس وفى أهلها رفاهة وظرف شامل وحلاوة .." ( ) "وأهل مصر وذواتها أرق نفوسا وأشح الناس على أموالهم وأكثرهم خيرات ..." ( ) " ولا يقل عن ذلك روعة ما تلاحظ من تباين بين الأجناس التى تضطرب فى تلك الشوارع المزدحمة فهناك يرى المرء جميع أركان الأرض ممثلة"( ) "وفيها من الأمور والأحوال ما لا يعده الحصر والقياس من كثرة الخلق وازدحام الناس"( ) واسم: "مصر فى الكتب السالفة "أم البلاد"( ).
لأن في "مصر من العلوم التي عمرت الدنيا ... فهؤلاء حكماء الأرض وعلماؤها الذين ورثوا الحكمة من مصر خرجوا و بها ولدوا ومنها انتشرت علومهم فى الأرض .. وكانت مصر يسير إليها فى الزمن الأول طلبة العلم وأصحاب العلم الدقيق لتكون أذهانهم على الزيادة وقوة الذكاء ودقة الفطنة"( ) وربما لهذا يسمون مصر "أم الدنيا" ولا يسمونها "أبو الدنيا". هى أم الدنيا لأنها الرحم الذي لا ينضب بل يصدر أولاده إلى البلاد العقيمة دون وصاية من أب !! ولما لا "فمسكن النقباء الغرب ومسكن النجباء مصر"( ).
بيد أن الرحالة (أولياچلبى) أرجع: "السبب فى تسمية مصر بأم الدنيا أنها تحتوى على جميع أجناس الخلق وأنواع الأمم التى يبلغ عددها اثنين وسبعين أمة تتكلم بمائة وأربعين لغة كما تشتمل على أقوام من التابعين للمذاهب الأربعة فبفضل مصر هذه يعيش كل هؤلاء الخلائق فضلا من الله ومنه .. وما ذلك إلا أن كثرة أهالي مصر وسكانها من الفلاحين أعنى أنهم من أهل الكد والعمل الشاق ومعاناة الأهوال فى سبيل إسعاد الغير إذ أن هؤلاء المساكين بعملهم الدائب هذا يجعلون مصر فى بحبوحة من الخيرات والخصب وعلى جانب عظيم من النعم ورغد العيش الذي يتمتع به الناس والحيوان فلأجل هذا سميت مصر بحق (أم الدنيا) كالأم الرءوم تعنى بجميع أركان الدنيا وتحدب عليها وتبذل لها من متاعها وسلعها وهكذا تكون الأقاليم السبعة من الدنيا عالة عليها..." ( ) فهي: "تمير الحرمين الشريفين ولولا مصر لما أمكن أهل الحرمين وأعمالهما المقام بهما ولما توصل اليها من يرد من أقطار الأرض"( ) كما: "أن القحط والغلاء إذا عما الدنيا كلها وسادا فيها فإن مصر هذه تمون الدنيا حسبما خلقها الله لهذا الغرض وبالعكس إذا أصاحب القحط والغلاء مصر فإن محصول ألف مدينة لا يكفيها حاصلات الدنيا كلها"( ).
وهكذا كانت عناصر الموروث الشعبي التي تتناول شخصية المصري وحياته مرآه تضئ الخبر التاريخي عن جوانب الحياة في مصر اقتصاديا وسياسياً واجتماعيا وفكريا .
.....
- ابن بسام( محمد بن أحمد التنيسي): أنيس الجليس في أخبار تنيس ( تحقيق: جمال الدين الشيال، الطبعة الأولي، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة 2000م)، ص40.
- أولياچلبي: سياحتنا مه مصر، ص393.
-* لعب سحر الخرافة عند المصريين القدماء دوراً كبيراً في الحب , فإذا أراد الرجل أن يستميل قلب امرأة كان عليه أن يستعمل تماثيل مصنوعة من شمع العسل صورت في هيئة المنافس ويجري عليها أعمالاً سحرية فإذا حدث من مفعولها الأمل المنشود كتبت بعض صيغ سحرية تحدث عند المرأة أحلاماً يظهر فيها العاشق فتخضع لسلطانه وتهيم به (وليم نظير : العادات المصرية بين الأمس واليوم , القاهرة 1967م),ص27.
- المقريزي: الخطط، جـ1، ص66، القزويني: عجائب المخلوقات، ص134؛ المسعودي:مروج الذهب ,ج1,ص123.
-أبو المحاسن (جمال الدين يوسف بن تغري بردي )(ت874هـ):منتخبات من حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور (ج2,نشر وليم بير ’كاليفورنيا1931م),ص54,55؛سعيد عبد الفتاح عاشور :المجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك(دار النهضة العربية ، القاهرة 1992م),ص141-155.
- سعيد عبد الفتاح عاشور :المجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك,ص150.
- من سيدات مصر اللاتي لعبْن دوراً في حياة مصر السياسية ؛ سيدات القصر الفاطمي كتدبيرهن مقتل الصالح طلائع بن رزيك . والاستغاثة بجيش نور الدين , ومن ذلك ما قامت به شجر الدر التي حكمت مصر ثلاثة شهور . وترجم العماد الأصفهاني في خريدة القصر وجريدة العصر لأديبات مصريات , وذكر نماذج من أشعارهن . وذكر الأدفوي تراجم لأربع نساء هن : تاج النساء ابنة عيسى بن علي بن وهب , وخديجة بنت علي بن وهب , رقية بنت محمد علي بن وهب ,مظفرية بنت عيسى بن علي بن وهب في مقدمة الطالع السعيد للأدفوي ,نقلاً عن أحمد سيد : الشخصية المصرية,ص197.
- الوشم الذي يزين به بعض العامة أيديهم وصدروهم وشفاههم ووجوههم لم يكن في يوم من الأيام ضرباً من العبث , وإنما يعود إلى التاريخ القديم عندما كان الناس يعيشون في حياة بدائية يقدسون فيها بعض الحيوانات ويخشون فيها من بعض مظاهر الطبيعة كالموج والرياح والمطر والرعد , ويدخل الوشم في إطار عقيدة الطوطم Totemأو النظام التوتمي Totemisme وكلمة طوطم تطلق على كل أصل حيواني أو نباتي تتخذه عشيرة ما رمزاً لها ولجميع أفرادها , ولقد مارس المصريون القدماء الوشم في ظل دياناتهم القديمة وربطوه بها ربطاً كبيراً كما أنهم فوق ذلك اتخذوا من رسومه وسائل للزخرفة والتجميل , ولم يقتصر أمر الوشم لدي المصريين على التجميل فحسب إلا أنه كان أيضاً وسيلة علاجية لبعض الأمراض , كما ظن أنه يمنع الحسد . فللوشم دلائل كثيرة تختلف باختلاف الشعوب والحضارات والثقافات المختلفة . وقد يحمل الوشم أحياناً معنى دينياً , فنقش الصليب على معصم اليد اليمنى عند الأقباط المصريين يسمح لهم بالتعارف فيما بينهم داخل الجماعات المسلمة , وظل بشكل عام سمة للتعارف عند أقليات الشرق الأوسط كما يوجد الوشم العاطفي أو الجنسي الذي يستعمل رقية ضد أعمال السحر , أو تعويذة تقي من الحسد , ,اشهر الأمثلة على ذلك الوحدة المثلثة الشكل التي لا تزال تستعمل في أيامنا هذه في شكل حجاب وكذلك ما يسمى الآن خمسة وخميسة ما هي إلا بقية من معتقدات شعبنا في الماضي البعيد , كما أن العدد خمسة وخميسة هذا له دلالة سحرية اتخذه العامة وسيلة وقائية في قولهم " خمسة وخميسة في عين الحسود" وهى تعني اليد والأصابع الخمسة حيث يرفعها المرء في وجه العدو أو الشخص الذي يخشاه كأنه يقول :"حوش يا حواش ". تلك هى بعض الرموز المصطلح عليها كما أن هناك وحدات تستعمل إلى الآن في الوشم ويرجع تاريخها إلى المصري القديم ؛ كالنخلة والسمكتين , والأفعى , والعقرب , والعصفور الأخضر .انظر/سوسن عامر :الرسوم التعبيرية في الفن الشعبي (الهيئة المصرية العامة للكتاب , القاهرة 1981م),ص19؛ عبد الله نور الدين وهبة :الوشم فن وسحر وجمال , مجلة الفنون الشعبية العدد68/69¸القاهرة 2006م) , ص189.
- أحمد سيد محمد : الشخصية المصرية , ص200.
- لم تقتصر عادة الوشم على النساء فقط بل قام بعض الشباب والغلمان بدق الوشم علي الأصداغ فيذكر الإسحاقي المنوفي عن حادثة تعرض أحد الغلمان للتحرش:"إذا كنت للتعنيق والبوس كارهاً , فلا تمش في الأسواق إلا منقباً , ولا تخرج الأصداغ من من تحت طرة, وتظهر منها فوق خديك عقرباً,فتهتك مستوراً وتتلف عاشقاً".انظر :الإسحاقي المنوفي : أخبار الأول,ص28.
-* العقرب :الصورة النموذجية لهذا الكائن العنكبوتي الخطر من أقدم النقوش الهيروغليفية المعروفة . وقد استعمل لكتابة اسم حاكم من عصر ما قبل الأسرات ,وهو الملك العقرب وكان العقرب إلهاً عبد بأسماء مختلفة كما كانت تعاويذ يستخدمها الناس ضد لدغة أي نوع من الزواحف , ووردت في أساطير مصر القديمة حيث تجرأت العقارب التي هي أعداء البشر وخصوم الآلهة ذات مرة , على أن تلدغ الألهة ولكن الآلهة كانوا أقوي من السم واستطاع البشر بواسطة السحر أن يجعلوا لحمهم كلحم الآلهة .چورچ بوزنر وآخرون :معجم الحضارة المصرية القديمة ,ص234.
-* للثعبان أو الحيَّة دون سائر الحيوانات الأخرى تاريخ طويل تحفه الأساطير من جوانبه كافة. وتكاد لا تخلوا أمة من أساطير دارت حولها وخلاصة ما قيل عنها ؛ أنها تمتلك العشْب ذا القوة السحرية , كما نظر إليها كجن أو شيطان له قوة خارقة تلحق الأذى أو الجنون في كل من يحاول إيذائها , وارتبطت حياة الناس بالحية ارتباطاً وثيقاً لانتمائها إلى عالم آخر , ويفوق طاقة الإنسان . أحمد النعيمي :الأسطورة في الشعر العربي قبل الإسلام ,ص180؛كما أن الأفعى أو الحيَّة لعبت دوراً هاماً في الموروث الشعبي حيث قامت بدور الحارسة أو الحامية للإنسان كما تقوم بمطاردة من يمثلون الدنس في الجماعة , وتروي الحكايات الشعبية الحكايات عن الحية التي تحرس مسجد البيومي بالحسينية وأفعى الشيخ هريدي في صعيد مصر , وهو أحد الأولياء في أقاصي الصعيد ويستمد هذا الولي شهرته من امتلاكه أفعى عظيمة تقيم خلف مسجده, شاع عنه أنه يستطيع شفاء الناس من الأمراض والعلل عن طريق تسليط الأفعى على الجزء المريض في جسد الشخص , فتمتص الأفعى ذلك المرض ويبرأ المريض, ولعل أشهر الأولياء الذين ارتبط اسمهم بالحيات هو الشيخ أحمد الرفاعي الذي يقوم مسجده الكبير بمنطقة القلعة في القاهرة . ثناء أنس الوجود : رمز الأفعى في التراث العربي (سلسلة ذاكرة الكتابة ,القاهرة 1999م), ص77- 78.
- القاضي الفاضل: الديوان (الجزء الأول, تحقيق أحمد أحمد بدوي , القاهرة 1961م),ص78؛ نقلاً عن أحمد سيد: الشخصية المصرية ,ص201 .
- ابن الحكم : فتوح مصر ، ص48، ص49، المقريزي: الخطط، ج1، ص79.
- المقريزي: الخطط،ج1 ، ص79.
- المقريزي: الخطط،ج4 ، ص492.
-الدمشقي : نخبة الدهر في عجائب البر والبحر، ص34 ، ابن إياس : بدائع الزهور ،ج1، ص18.
- تعد قصة (مصرع الزباء) واحدة من نماذج أساطير العرب التي تواتر ذكرها بين الناس, والتي اعتمدت دون ريب علي جزء من التاريخ ثم مزجت هذا التاريخ بالخيال ، وملخصها.إنه كان جذيمة قد ملك ما علي شاطئ الفرات، وكانت الزباء ملكة الجزيرة. وكان جذيمة قد وترها بقتل أبيها فكتبت إليه : إنها لم تجد مُلكُ النساءِ إلا قبحاً في السماع وضعفاً في السلطان، وإنها لم تجد لملكها موضعاً ولا لنفسها كفئاً غيرك، فأقبل إليِّ لأجمع ملكي إلي ملكك وأصل بلادي ببلادك ، وتتوالي الأحداث وتقتل الزباء جذيمة بطريق الحيلة, وتثأر لمقتل أبيها وقام (عمرو بن عدي) ابن أخت جذيمة يثأر لمقتل خاله، وحاولت الزباء أن تهرب فأبصرت عمراً فعرفته فمصت خاتمها وكان فيه سم وقالت ( بيدي لا بيد عمرو). انظر إلي عبد الحليم محمود : القصة العربية في العصر الجاهلي , ص149- 152.
- ابن فضل الله العمري: مسالك الأبصار، السفر الثالث، ص491- 492.
- المقريزي: الخطط، جـ1، ص79.
- المقريزي : الخطط , ج1 , ص80 ؛أوليا چلبي:سياحتنا مه مصر،ص566.
- ابن عبد الحكم: فتوح مصر ص42.
- ابن الحاج ( أبو عبد الله محمد العبدري) (ت 737هـ) :المدخل إلي الشرع الشريف ( الجزء الأول، الطبعة الأولي، دار التراث، القاهرة، د.ت) ص267.
- ابن ظهيرة: الفضائل الباهرة، ص204.
- المقريزي: الخطط، ج1، ص 49.
- أبو الصلت : الرسالة المصرية ,ص 39.
- المصدر نفسه، ص 39.
- أبو الصلت : الرسالة المصرية , ص40.
- ابن الحاج: المدخل، ج1، ص 278.
- العيني ( محمد بن أحمد) (ت 855هـ): الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر ططر ( تحقيق هانس أرنست، الطبعة الأولي دار إحياء الكتب، القاهرة، 1962م)، ص40.
ـ يعلق اليعقوبي على مهارة أهل مصر في التنبؤ بالمستقبل فيقول :"يقولون أن أنبيائهم كانت تكلمهم الكواكب , وتعلمهم أن الأرواح تنزل إلى الأصنام , فتسكن فيها , وتخبر بالحادث قبل أن يحدث .. وكانت لهم فطنة عجيبة ودقيقة يوهمون بها العوام أنهم يكلمون الكواكب , وأنها تنبئهم بما يحدث , ولم يكن ذلك إلا لجودة علمهم بالأسرار التي للطوالع , وصحة الفراسة , فلم يكونوا يخطئون إلا القليل ؛ وادَّعوا علم ذلك عن الكواكب , وأنها تنبئهم بما يحدث , وهذا باطل وغير معقول ". اليعقوبي : تاريخ اليعقوبي , المجلد الأول , ص188.
- المقريزي: الخطط، ج1، ص49.
- ابن محشرة: الاستبصار في عجائب الأمصار، ص53.
- المقريزي : إغاثة الأمة بكشف الغمة (سلسلة مكتبة الأسرة , القاهرة 1999م) ,ص39.
- أبو الصلت : الرسالة المصرية , ص24.
- فاروق خورشيد : معادن الجوهر , ص 118.
- قاسم عبده قاسم : ماهية الحروب الصليبية (دار عين للدراسات والبحوث , القاهرة 1993م) ,ص202,203.
- يذكر ابن إياس في (حوادث سنة 758هـ) :"في شهر رجب هبت رياح عاصفة من جهة الغرب حتى أظلم الجو ظلمة شديدة ... حتى ظن الناس أن القيامة قد قامت , وصار يودع بعضهم بعضاً " ؛ وفي (حوادث سنة 928هـ) يشير ابن إياس :"أن شخصاً ادعى أن في يوم الجمعة من شهر ربيع الآخر عام 928هـ يثور علي الناس رياح عاصفة وتقع زلزلة عظيمة حتى تسقط منها الدور وتقبض الناس وهم في صلاة الجمعة , فانتشرت هذه الشائعة في القاهرة وانطلقت ألسن الناس بذلك قاطبة , فاضطربت القاهرة لهذه الشائعة وصار الناس يودع بعضهم بعضاً ".انظر ابن إياس :بدائع الزهور ,ج5 ,ص440. ويعلق (ستانلي لينبول) بقوله :" أنه من الواضح أن أهل القاهرة كانوا يؤمنون بالخرافات ؛فقد حدث في عام1735م أن انتشرت إشاعة فحواها أن يوم البعث سوف يكون يوم الجمعة التالي ومن ثم وجدنا الناس يودعون بعضهم .. وأخذ أهل الجيزة بعد أن حركتهم خرافة قديمة يستحمون في النيل بعصبية ظاهرة الرجال والنساء على حد سواء ".ستانلي لينبول :سيرة القاهرة (ترجمة حسن إبراهيم وآخرون , مكتبة الأسرة , القاهرة 1997م) ,ص242.
- علي صافي حسين : الأدب الصوفي في مصر - ابن الصباغ القوصي ,شيخ التصوف الإسلامي في القرن السابع الهجري ( مكتبة المتنبي ,القاهرة 1971م) ، ص121,172نقلاًعن أحمد سيد محمّد : الشخصية المصرية في الأدبين الفاطمي والأيوبي ,ص314.
- ابن النديم: الفهرست ( تحقيق : محمد عوني بالاشتراك، سلسلة الذخائر، العدد 149، القاهرة 2006م)، ص308.
- التلمساني: سكردان السلطان، ص 364، المقريزي: الخطط، ج1، ص110.
- ابن سعيد الأندلسي : النجوم الزاهرة في حُلى حضرة القاهرة , ص384.
- ابن عبد الحكم: فتوح مصر والمغرب، ص 176- 177 ، المقريزي: الخطط، ج1، ص 58؛ القلقشندى : صبح الأعشى , ج3,ص291؛القزويني : عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات , ص168-169؛ الإسحاقي المنوفي : أخبار الأول,ص30.
- الإسحاقي المنوفي : أخبار الأول فيمن تصرف في مصر من أرباب الدول ,ص31.
- ظلت هذه الخرافة تروي علي مدي أكثر من ألف سنة والعديد من الشواهد حالياً تؤكد أن هذه الرواية لا تستند علي أي أساس وأنها مجرد أسطورة من الأساطير التي أطلقها بعض المؤرخين عن الحضارة المصرية القديمة، فقبل أن يدون ابن عبد الحكم هذه الحكاية قام العديد من المؤرخين اليونانيين والرومان بزيارة مصر وكتبوا عن كل ما شاهدوه بأنفسهم وكل ما حكي لهم عن تاريخ مصر والمصريين وكان أشهر هؤلاء المؤرخين القدامى: هيرودوت واسترابون وديودور الصقلي وغيرهم.وقد سجل هؤلاء المؤرخون القدامى التاريخ المصري وذكروا قصصاً كثيرة عن المصريين القدماء وعن حياة وعادات وتقاليد أهل مصر كما ذكروا الكثير من الخرافات والأساطير التي لا تصدق عن مصر والمصريين. ومع ذلك لم يذكر أحد من هؤلاء المؤرخين أن المصريين كانوا يزفون للنيل في كل عام عروسة حية, ولو أن ذلك قد حدث ولو مرة واحدة عبر آلاف السنين لكانت فرصة أمام هؤلاء المؤرخين ليكتبوا لقرائهم المزيد من عجائب وغرائب المصريين. أضف لذلك أن المؤرخ ابن عبد الحكم قد كتب هذه الحكاية بعد فتح مصر علي يد عمرو بن العاص بأكثر من قرنين من الزمان، أي أنه كان غير معاصر للحكاية علي فرض حدوثها- إن كانت قد حدثت فعلاً وعلي هذا فإما أن تكون هذه الحكاية قد رويت له بمعرفة أحد رواة التاريخ الشعبي فغلفتها الخرافة وساقها لنا الخيال .
ــ تضاربت الآراء في أصل فكرة "عروس النيل " فزعم بعض المؤرخين العرب كان المصريون يقدمون في كل عام عروساً من أجمل النساء إلى النيل في يوم وفائه "فيضانه" ويزفونها في مهرجان شعبي وتركب العروس سفينة مزينة بالزهور والأعلام , وتسير على صفحة النهر ويدفعون لأهلها تعويضاً اعتقاداً منهم أن هذا القربان يرضي النيل فلا يحرمهم = من خيره وبركاته ,ولم يقلعوا عن هذه العادة ـ في زعم هؤلاء المؤرخين ـ إلا في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطابt بحسب ما نقله لنا المؤرخ العربي ابن عبد الحكم , ويقول فريق آخر : إن الأصل في فكرة عروس النيل هو أن المصريين القدماء كانوا يقدسون النيل ويقيمون له تماثيل مختلفة , وكان يوجد في جزيرة فيلة بأسوان هيكل لا تزال آثاره باقية يحتفل القوم فيه كل عام بهذا العيد , وذلك بإلقاء الحلى والقطع الذهبية تكريماً لهذا النهر , بينما يقول البعض الآخر :كان المصريون يلقون في كل عام عروساً من الذهب أو البرونز أو الفخار وقت الفيضان حتى تكثر خيراته , والواقع أن تلك الأسطورة ليس لها نصيب من الصحة , وذلك أن المصريين القدماء كانوا يقصدون بهذه العروس "أرض مصر " أي أن النيل متى فاض دخل على أرض مصر تشبهاً بالرجل عندما يلتقي بعروسه يوم الزفاف يؤكد ذلك أنهم لم يشيروا فيما تركوه لنا من آثار ونقوش وبرديات إلى عروس النيل هذه . انظر . وليم نظير : العادات المصرية بين الأمس واليوم (القاهرة 1967م),ص49- 51؛ محمد لطفي جمعة:مباحث في الفولكلور(سلسلة الدراسات الشعبية , العدد34, القاهرة1999م),ص70.
- قاسم عبده قاسم: التكوين الحضاري للمصريين من الفتح الإسلامي حتى الغزو العثماني ( الطبعة الأولي، سلسلة مطبوعات الهيئة العامة لقصور الثقافة, العدد 36، القاهرة 1999م)، ص210.
- المسعودي: مروج الذهب، ج1، ص344.
- أولياچلبي : سياحتنامه مصر، ص 566.
- الزقازيق: من المدن الكبيرة فى مصر الواقعة على (ترعة) مويس بمحافظة الشرقية والتى يسميها الناس بـ (بحر مويس).وقد شهد الوالى محمد على بكرم أهل الزقازيق وأعجب به حين زار المدينة فى أعقاب بناء قناطر الزقازيق (سنة 1248هـ/ 1832م) و التى أصبح من الضرورى تسمية هذه القناطر باسم معين تعرف به بين رجال الرى وتذكر به فى مكاتباتهم فاختاروا لها اسم قناطر الزقازيق نسبة على نزلة الزقازيق المنسوبة إلى أفراد عائلة زقزوق وعلى كفر الزقازيق موطنهم الأصلى الواقع فى شمال مكان القناطر على بعد 400 متر وقد أقام أفراد عائلة زقزوق مساكن لهم وللباعة بجوار مكان القناطر لإقامتهم عرفت بين العمال وغيرهم باسم نزلة الزقازيق ، ولما تم بناء القناطر (1827م – 1832م) زارها محمد على وأعدت له وليمة فاخرة وقدموا له الشيخ (إبراهيم زقزوق) كبير العمال فشكره على المجهود الذى بذله هو ورجاله وأفراد عائلته فى بناء القناطر ، ولما علم الوالى أنها سميت قناطر الزقازيق نسبة إلى أسرة الشيخ (إبراهيم زقزوق) قال محمد على :( فلتكن الزقازيق على بركة الله).انظر:عمرو عبد العزيز منير : الشرقية بين التاريخ والفولكلور(دار الإسلام , القاهرة 2004م), ص107.
- هيرودوت يتحدث عن مصر , فقرة 60 , ص160.
- ابن الحاج: المدخل، ج2، ص 57.
- أحمد رشدي صالح :الأدب الشعبي (سلسلة مكتبة الأسرة , القاهرة 2002م),ص137-138.
-چوزيف بتس : رحلة الحاج يوسف إلى مصر ومكة والمدينة , ص39.
- ابن الحاج: المدخل، ج2، ص55.
- الإسحاقي المنوفي : أخبار الأول فيمن تصرف في مصر من أرباب الدول ,ص32.
- نفسه، ج1، ص 269.
- المقريزي : الخطط ،ج1 ، ص 445.
- الإسحاقي المنوفي : أخبار الأول فيمن تصرف في مصر من أرباب الدول , ص32.
1) زبيدة محمد عطا: قبطى في عصر مسيحي، الطبعة الأولى، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2003، ص12.
) زياد الدريس: المدرسة الاجتماعية المصرية، مجلة المعرفة، العدد 96، السعودية 2003، ص101.
) أحمد سيد محمد: الشخصية المصرية في الأدبين الفاطمي والأيوبي، الطبعة الثانية، دار المعارف، القاهرة، 1992، ص44.
) زكى نجيب محمود: قصة عقل، الطبعة الأولى، دار الشروق، القاهرة 1983، ص228.
) جوستاف لوبون: الآراء والمعتقدات، ترجمة محمد عادل، المطبعة العصرية، القاهرة، د.ت.، ص6.
) محمد عبد السلام إبراهيم: السيد أحمد البدوي في المأثورات الشعبية، الجزء الأول، الطبعة الأولى، الزقازيق، 1998، ص1.
) أحمد زايد: المصري المعاصر مقاربة نظرية وإمبريقية لبعض أبعاد الشخصية القومية المصرية، سلسلة مكتبة الأسرة، 2005، ص30، ص31 بتصرف.
) العبدري: رحلة العبدري،ص 279.
) جناب شهاب: (جناب شهاب الدين بن عثمان شهاب الدين): على طريق الحج،(ترجمة: سامية محمد جلال، سلسلة المشروع القومي للترجمة، العدد 636، القاهرة 2003م)،ص188.
) هيرودوت: هرودوت يتحدث عن مصر، ص82.، ص124.
وانظر: زبيدة عطا: قبطى في عصر مسيحى ، ص22.
) أبى الصلت أمية بن عبدالعزيز: الرسالة المصرية ، ص39.
) نفسه, ص39.
) إبراهيم شعلان، الشعب المصري، ص206، 207. وانظر: أدور لين: المصريون المحدثون عاداتهم وشمائلهم ، صـ203-204.
) وينفريد بلاكمان: الناس في صعيد مصر العادات والتقاليد، ترجمة: أحمد محمود، الطبعة الأولى، دار عين للدراسات، القاهرة 1995، ص10.
) عزت حجازى: الشخصية بين السلبية والإيجابية، مجلة الفكر المعاصر، العدد 50، القاهرة 1969، ص77.
) شوقى ضيف: الفكاهة في مصر، سلسلة اقرأ، العدد 511، الطبعة الثالثة، دار المعارف، القاهرة 2004، صـ40.
) المرجع السابق,ص48.
) نفسه، ص49.
) ابن بطوطة: الرحلة، ص33.
) أوليا چلبى: سياحتنا مه مصر, ص566.
) التنيسى (محمد بن أحمد بن بسام المحتسب): أنيس الجليس في أخبار تنيس، تحقيق جمال الدين الشيال، الطبعة الأولى، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 2000، ص41.
) البلوى: تاج المفرق ، ص228.
) أبوا لصلت أمية: الرسالة المصرية ، ص34.
) الناس في صعيد مصر: مصدر سابق، ص27.
) أحمد زايد: المصري المعاصر، ص129.
) كلوت بك: لمحة عامة ، ص546.
) الدهلوي :(حسن نظامي): رحلة حسن نظامي في مصر وفلسطين والشام والحجاز، ترجمة : سمير عبدالحميد ، سلسلة المشروع القومي للترجمة، العدد 285، القاهرة 2002م، ص68.
) ابن سعيد الأندلسي (على بن موسى) (ت685هـ): الاغتباط في حلى مدينة الفسطاط من كتاب المغرب في حلى المغرب، تحقيق: زكى محمد حسن وآخرون، الجزء الأول من القسم الخاص بمصر، سلسلة الذخائر، العدد 89، القاهرة، 2003، ص9.
) نبيل راغب: الشخصية المصرية بين الحزن والمرح، الطبعة الأولى، دار الثقافة، القاهرة، 1992، ص7.
) المرجع السابق، ص8.
) ابن جبير: الرحلة، ص 38، 39.
) السبتى: مستفاد الرحلة والاغتراب ، ص174، 175.
) البلوى: تاج المفرق ، ص236.
) أحمد زايد: المصري المعاصر، ص26.
) عزة عزت: المصري ساخرا، الشخصية المصرية والأمثال الشعبية، مجلة الهلال، عدد أغسطس، القاهرة، 1997، ص172.
) أبى الصلت: الرسالة المصرية ، ص38.
) المصدر السابق، ص36.
) عزة عزت: لغة الشارع ، ص79، ص81.
) نفسه، ص86، ص87.
) الدهلوى (حسن نظامى): رحلة خواجة نظامى في مصر وفلسطين والشام والحجاز، ص62، ص63.
) جوزيف بتس: رحلة الحاج يوسف ، ص38.
) كلوت بك: لمحة عامة ، ص556.
) وينفريد بلاكمان: الناس في صعيد مصر ، ص11.
) عزة عزت: مرجع سابق، ص70.
) ابن خلدون (أبوزيد عبدالرحمن بن خلدون) (732 – 808هـ): التعريف بابن خلدون رحلته غربا وشرقا، تحقيق محمد بن تاويت الطنجى، تقديم عبادة كحيلة، سلسلة الذخائر، العدد 100، القاهرة 2003، ص247. وانظر: مقدمة ابن خلدون ، سلسلة مكتبة الأسرة2007م، ج1، ص398.
) المقريزى: الخطط المقريزية، الجزء الأول، مطبعة النيل بمصر، القاهرة 1325هـ، ص79. وانظر: ابن إياس: بدائع الزهور، ج1,ص7.
) المصدر السابق، ص79، وانظر: ابن إياس, بدائع الزهور، ص7.
) ردولف: رحلة الأمير ردولف إلى الشرق مصر والقدس، الجزء الأول، ترجمة عبد الرحمن الشيخ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1995، ص72.
) أندريا نيتر شايدت: الشخصية المصرية، مجلة المعرفة، العدد 96، السعودية 1424هـ، ص84.
) كلوت بك: لمحة عامة، ص556، ص557.
) أندريا نيتر شايدت: الشخصية المصرية ، ص82.
) العبدرى: الرحلة، ص279.
) زكى نجيب محمود: تجديد الفكر العربى، سلسلة مكتبة الأسرة، القاهرة 2004، ص217.
) شلبى النعمانى: رحالة هندي في بلاد الشرق العربي، ترجمة جلال السعيد الحفناوى، تقديم: سمير إبراهيم، سلسلة المشروع القومي للترجمة، العدد 347، القاهرة 2003، ص223.
) النعمانى: رحالة هندى في بلاد الشرق ، ص224.
) كلوت بك: مصدر سابق، ص557.
( ) مصطفى الصاوى الجوينى: ملامح الشخصية المصرية ، ص 142.
( ) الأدفوى (كمال الدين أبوالفضل الأدفوى) (ت 748هـ): الطالع السعيد الجامع أسماء الفضلاء والرواة بأعلى الصعيد، نشر عبد الرحمن على قريط، طبع المطبعة الجمالية بمصر، القاهرة 1914م، ص209.
( ) الحريري (أحمد بن على) (ت في القرن العاشر الهجري): الإعلام والتبيين في خروج الفرنج الملاعين على ديار المسلمين، تحقيق سهيل زكار، مكتبة دار الملاح، دمشق، 1981، ص96.
( ) ابن الحاج: المدخل، ج1، ص297.
( ) المقريزي: الخطط، ج4، طبعة سلسلة الذخائر العدد 54، القاهرة 1999، ص506، ص507
( ) الحلى (صفى الدين أبو الفضل عبد العزيز الطائى) (ت 750هـ): العاطل الحالى والمرخص الغالى، تحقيق: حسين نصار، الطبعة الأولى، مركز تحقيق التراث، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1981، ص13.
( ) نفسه ,ص18.
( ) أندريا نيترشايدت: مرجع سابق، ص84.
( ) الرسالة المصرية ، ص32.
( ) جمال حمدان: شخصية مصر، سلسلة مكتبة الأسرة، القاهرة، 2000، ص134، ص137.
( ) العبدرى: الرحلة ، ص284.
( ) الرسالة المصرية ، ص33.
( ) العبدرى: مصدر سابق، ص279.
( ) ابن خلدون: الرحلة ، ص257.
( )المصدر السابق، ص258.
( ) المقريزى: الخطط، ج1، ص48، ص49.
( ) زبيدة عطا: مرجع سابق، ص23.
( ) أبى الصلت: مصدر سابق، ص38، 39.
( ) هويدا عبدالعظيم رمضان: المجتمع في مصر الإسلامية من الفتح العربي إلى العصر الفاطمي، الجزء الثاني، سلسلة مكتبة الأسرة، القاهرة، 2006، ص77.
( ) كلوت بك: لمحة عامة إلى مصر ، ص547.
( ) المقريزي: السلوك، ج1، ص222، ابن إياس: بدائع الزهور، ج1، ص128.
( ) المقريزي: الخطط، ج2، ص100، وانظر: محمد حسن: الأسرة المصرية في عصر سلاطين المماليك،ص20.
( ) العبدري: الرحلة، ص279.
( ) عبد اللطيف البغدادي: الإفادة والاعتبار، ص137.
( ) عزة عزت: لغة الشارع ، ص168.
( ) البغدادى: الرحلة، ص140.
( ) نقسه، ص139.
( ) نفسه، ص140.
( ) إبراهيم أحمد شعلان: الشعب المصرى في أمثاله العامية ، ص99 ،ص 100.
( ) جناب شهاب الدين: على طريق الحج ,ص95.
( ) عزة عزت: مرجع سابق، ص79.
( ) على طريق الحج: المصدر السابق، ص106.
( ) السيوطي: حسن المحاضرة، ج2 ، ص 337. وانظر: العمري (شهاب الدين أحمد بن فضل الله) (ت 749هـ): مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، السفر الثالث، تحقيق: أحمد الشاذلي، المجمع الثقافى، أبوظبى، 2003، ص436.
( ) محمد رضوان: محنة الذات بين السلطة والقبيلة دراسة لأشكال القمع وتجلياته في الرواة العربية، الطبعة الأولى، منشورات اتحاد الكتاب العربى، دمشق، 2002، ص15.
( ) الشعب المصري في أمثاله العامية: مرجع سابق، ص101.
( ) عبداللطيف البغدادى: الرحلة، ص140.
( ) ابراهيم شعلان:مرجع السابق، ص100.
( ) البكرى: الروضة المأنوسة ، ص145.
( ) وينفريد بلاكمان: مصدر سابق، ص11.
( ) شلبى النعمانى: رحالة هندى في بلاد الشرق العربى، ص 172.
( ) كلوت بك: لمحة عامة ، ص550.
( ) جناب شهاب الدين: على طريق الحج ، ص191.
( ) الدهلوى: الرحلة ، ص66.
( ) العبدري: الرحلة ، ص215.
( ) جوزيف بتس: مصدر سابق، ص38.
( ) الدهلوى: مصدر سابق، ص69.
( ) العبدري: الرحلة,ص276.
( ) جناب شهاب الدين: مصدر سابق، ص191.
( ) أولياچلبى: سياحتنا مه مصر، ص485.
( ) انظر: سيد عشماوى: الجماعات الهامشية المنحرفة في تاريخ مصر الاجتماعي الحديث، سلسلة مكتبة الأسرة، القاهرة، 2005، ص23، ص24.
( ) ابن إياس: مصدر سابق، ص7.
( ) جوزيف بتس: رحلة الحاج يوسف، ص39.
( ) المصدر السابق: ذات الصفحة.
( ) ابن إياس: بدائع الزهور في وقائع الدهور، الجزء الخامس، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1985، ص476.
( ) عصمت محمد حسن: جوانب من الحياة الاجتماعية لمصر من خلال كتابات الجبرتي، سلسلة مكتبة الأسرة، القاهرة 2002، ص128.
( ) كلوت بك: لمحة عامة، ص550، ص551.
( ) أبوالصلت: الرسالة المصرية، ص31.
( ) بريس دافين: رحلة إدريس أفندي ، ص72.
( ) ابن إياس: بدائع الزهور ، ص7.
( ) إبراهيم شعلان: الشعب المصري، ص81.
( ) فريد طه: اقتلوني واقفا، مطبوعات قصر ثقافة الشرقية، الزقازيق، 1999، ص42.
( ) الجبرتي (عبد الرحمن بن حسان): عجائب الآثار في التراجم والأخبار، الجزء الثالث، تحقيق عبد الرحيم عبد الرحمن، سلسلة مكتبة الأسرة، القاهرة 2003، ص149، ص150.
( ) البغدادى: الإفادة والاعتبار ، ص133.
( ) حسنين توفيق ابراهيم: العنف السياسى في مصر (دراسة ضمن كتاب ظاهرة العنف السياسي من منظور مقارن)، تحرير نيفين عبدالمنعم، الطبعة الأولى، مركز البحوث والدراسات السياسية، بجامعة القاهرة، القاهرة، 1995، ص414.
( ) أبوعبدالفتاح على بن حاج: فصل الكلام في مواجهة ظلم الحكام، الطبعة الأولى، دار العقاب، بيروت، 1994، ص127.
( ) على عبد الرازق: الإسلام وأصول الحكم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1993، ص2. وانظر: عبدالرازق أحمد السنهورى: أصول الحكم في الإسلام، سلسلة مكتبة الأسرة، القاهرة، 1998، ص41.
( ) أخبار الأول فيمن تصرف في مصر: مصدر سابق، ص7.
( ) سيد عشماوى: الجماعات الهامشية ، ص67.
( ) أوليا چلبى: مصدر سابق، ص432.
( ) بيرو طافور: رحلة طافور في عالم القرن الخامس عشر الميلادي، ترجمة حسن حبشى، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 2002، ص69.
( ) ابن إياس: بدائع الزهور، ج5، ص484.
( ) الجبرتي: المصدر سابق، ج4، ص128- 129.
( ) إبراهيم شعلان: الشعب المصري,ص75.
( ) أوليا چلبى: مصدر سابق، ص435.
( ) الجبرتى: عجائب الآثار، ج3، ص134.
( ) عزة عزت: لغة الشارع، ص159.
( ) الجبرتى: المصدر سابق، ج3، ص134.
( ) محمد رجب النجار: الشعر الشعبى الساخر في عصور المماليك، عالم الفكر، المجلد الثالث عشر، العدد الثالث، الكويت، 1982، ص892.
( ) المرجع السابق، ص831.
( ) ابن إياس: بدائع الزهور، ج5، مصدر سابق، ص127.
( ) عبدالعزيز محمد الشناوى: الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها، الجزء الأول، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1980، ص129، وانظر: كمال حامد مغيث: مصر في العصر العثمانى 1517- 1798م، الطبعة الأولى، مركز الدراسات والمعلومات القانونية، القاهرة، 1997، ص71.
( ) الشيخ يوسف الشربينى: هز القحوف في شرح قصيدة أبى شادوف، دار النهضة العربية، القاهرة، 1963،ص145.
( ) كمال حامد: مصر في العصر العثمانى ، ص72.
( ) المرجع السابق، ص73.
( ( Sonnini, C.S.: Travels in upper and lower Egypt Tr. Hunter, London, John Stockdale, 1919, P. 204.
( ) أوليا چلبى: سياحتنامه، مصدر سابق، ص433.
( ) أحمد عبد الله رزة: قضية الأجيال، سلسلة مكتبة الأسرة، القاهرة، 2005، ص136 بتصرف.
( ) العبدرى: مصدر سابق، ص276، 277.
( ) حسين مؤنس: الحضارة، مرجع سابق، ص374.
( ) وينفريد بلاكمان: الناس، مصدر سابق، ص11.
( ) كلوت بك: مصدر سابق، ص548.
( ) المصدر السابق، ص549.
( ) المقريزى: الخطط، ج1، ص81. وانظر: هويدا عبدالعظيم: المجتمع في مصر، ج2ص80، 81. وانظر: أحمد السيد سرحان: الحوف الشرقى (إقليم الشرقية) من الفتح العربى حتى نهاية الدولة الفاطمية، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، جامعة الزقازيق، 1995، ص156، ص424.
( ) أحمد سرحان: الحوف الشرقى، ص424.
( ) النعمانى: رحالة هندى في بلاد الشرق، ص220.
( ) النويرى (شهاب الدين أحمد بن عبدالوهاب) (ت 733هـ): نهاية الأرب في فنون الأدب، السفر الأول، سلسلة تراثنا ، وزارة الثقافة، مصر، 1979، ص347، ابن عبدالحكم: فتوح مصر وأخبارها، ص6.
( ) محمد المويلحى: الشرق والغرب، (مقال) جريدة مصباح الشرق، العدد 23 يونيو 1898م، نقلا عن أحمد الهوارى: نقد المجتمع في حديث عيسى بن هشام، دار عين للدراسات، القاهرة، 1993، ص19.
( ) ابن سعيد الأندلسى: الاغتباط في حلى مدينة الفسطاط، ص9.
( ) ابن سعيد الأندلسي: النجوم الزاهرة في حلى حضرة القاهرة، القسم الخاص بالقاهرة، تحقيق حسين نصار، مطبعة دار الكتب، القاهرة، 1970، ص29.
( ) ابن خلدون: المقدمة، الجزء الثانى، طبعة مكتبة الأسرة، ص805.
( ) ابن جبير: الرحلة، طبعة مكتبة مصر، ص32، 33.
( ) آدم صبرة: الفقر والإحسان في مصر عصر سلاطين المماليك، ترجمة قاسم عبده قاسم، سلسلة المشروع القومى للترجمة، العدد 509، القاهرة، 2003، ص87.
( ) المرجع السابق: ص88.
( ) كلوت بك: مصدر سابق، ص549.
( ) النويرى: نهاية الأرب في فنون الأدب، ص355.
( ) ابن زولاق: فضائل مصر، ص12، ابن ظهيرة: محاسن مصر والقاهرة، ص76.
( ) ابراهيم أحمد شعلان: الشعب المصرى، ص117.
( ) المصريون المحدثون: مرجع سابق، ص216.
( ) السيوطى: حسن المحاضرة، ج2، ص199.
( ) بهاء الدين السبكى: عروس الأفراح ، ص8.
( ) ابن أبى أصبية (موفق الدين أبى العباس أحمد بن القاسم ابن خليفة بن يونس السعد الخزرجى): عيون الأنباء في طبقات الأطباء، ج2، الطبعة الأولى، المطبعة الوهابية، القاهرة، 1299هـ، ص105.
( ) المصدر السابق، ج2، ص113، ص115، انظر: مصطفى الصاوى: ملامح الشخصية المصرية، ص103،ص104.
( ) جمال الدين الشيال: مقدمة تحقيق كتاب (أنيس الجليس)، ص24.
( ) المقريزى: الخطط، ج1، ص2، 3.
( ) المقريزى: إغاثة الأمة بكشف الغمة، طبعة مكتبة الآداب، ص39. وانظر: سحر السيد إبراهيم: الهجرات وتطور مدينة القاهرة في عصر سلاطين المماليك، رسالة ماجستير، غير منشورة، آداب الزقازيق، 2001، ص200: ص224.
( ) ابن خلدون: المقدمة، الجزء الثانى، طبعة مكتبة الأسرة، ص698.
( ) ابن بطوطة: الرحلة، ص32.
( ) جناب شهاب الدين: على طريق الحج ، ص 188.
( ) بنيامين التطيلى (561 – 569هـ): رحلة بنيامين التطيلى، ترجمة عزرا حداد، دراسة عبد الرحمن الشيخ، طبعة المجمع الثقافي، الإمارات 2002، ص358.
( ) الرسالة المصرية: مصدر سابق، ص23.
( ) المصدر السابق، ص24.
( ) الإدريسي (أبى عبدالله محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس الحمودى): نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، المجلد الأول، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 1994، ص324.
( ) الزهري (أبى عبد الله محمد بن أبى بكر) (ت أواسط القرن السادس الهجرى): كتاب الجعرافية، تحقيق محمد حاج صادق، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 2000، ص50.
( ) بريس دافين: إدريس أفندى في مصر، ترجمة: أنور لوقا، سلسلة كتاب اليوم، العدد 323، القاهرة، 1991، ص28.
( ) القلصادي (أبو الحسن على القلصادى الأندلسى)(ت891هـ): رحلة القلصادى، تحقيق محمد أبو الأجفان، الشركة التونسية للتوزيع، تونس، 1978، ص126.
( ) ابن ظهيرة: الفصائل، مصدر سابق، ص80.
( ) النويرى: نهارية الأرب، مصدر سابق، ص353.
( ) الإسحاقي المنوفي: أخبار الأول ، ص4.
( ) أوليا چلبى: سياحتنامه مصر، مصدر سابق، ص607.
( )النويرى: نهاية الأرب، مصدر سابق، ص354.
( ) سياحتنامه مصر، ص207.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق