كتبهابلال عبد الهادي ، في 20 تشرين الثاني 2010 الساعة: 16:34 م
غلاف كتاب "
فنّ الانتقاء"
عبارة "اغنية الأغاني" قرأتها، اليوم، في كتاب
جميل جدّا، اسمه "فن الانتقاء"، وهو صادر عن "الدار العربية للعلوم ناشرون" الطبعة
الأولى 2010، للكاتبة الهنديّة السيخيّة الأصل "شيينا أينغار" Sheena Iyengar.نقلت
الكتاب الممتع الى العربية السيدة مايا أرسلان. ترجمة الكتاب، بشكل عام، سلسة،
وبسيطة وجميلة، ولكن فيها بعض الاخطاء التي احب من دور النشر الاهتمام بها. اللغة
وحدها لا تكفي للقيام بترجمة تخلو من الشوائب. لا بد من امتلاك خلفية ثقافية عن
اللغتين لعدم الوقوع في اخطاء مثيرة للغرابة. فصل الثقافة عن اللغة أمر،
للأسف، شائع في عالمنا العربي.النقطة التي اريد الحديث عنها تقع في هذا الاطار. عبارة "اغنية الاغاني" (صـ.58 ) عبارة سليمة لغويا لا يمكن لعاقل ان يعترض على تركيبها ولا على معناها. ولكن حين اعرف ما المقصود بها ، اكتشف انها خطأ، ليس خطأ لغويا وانما خطأ ثقافي، وخطأ مستهجن ومضحك؟
العبارة تشير الى أحد أجمل أسفار التوراة. هل في التوراة سفر يحمل هذا الاسم؟ عد الى فهرس التوراة ستصاب بخيبة امل. ستقول ربما قصدت الكاتبة او المترجمة ( والخطأ هنا من المترجمة وليس من الكاتبة) توراة أخرى غير التوراة المعروف. هل هناك توراة آخر؟ بحسب علمي لا يوجد الا توراة واحد بنسختيه اليهودية والمسيحية ( هناك فصول يعترف بها اليهود ولا تعترف بها المسيحية بحسب المقارنة التي أجريتها على النسخة المسيحية والنسخة اليهودية باللغة العبرية، وكان الأمر بمثابة مفاجأة طريفة لي!)
ربما بالمصادفة أعرف ان المقصود بالعبارة هو سفر حقيقي وجميل جدا في التوراة، سفر في الحب والغزل على لسان سليمان الحكيم، وهو( שיר השירים= شير هشيريم ) أي نشيد الإنشاد. لنفترض ان شخصا لم يسمع بالتوراة او لم يسبق له ان تصفح التوراة الجميل والممتع. واراد ان يقرأ "أغنية الأغاني" وراح واقتنى نسخة من التوراة العربيّ؟ لن يصل الى سماع اية اغنية. ليس في التوراة "أغنية الأغاني"ن فمن أين جاءت بها المترجمة؟
حاول ان تبحث عن "اغنية الأغاني" على الأنترنت،( وهو باحثّ ، حياديّ إلى حدّ لا بأس به) سوف يوصلك البحث الى هيفاء وهبة او اليسا او نانسي عجرم أو أي مغنٍّ أو مغنّية، ولكن لن يفضي بك بحثك الى سليمان الحكيم وسفره البديع" نشيد الإنشاد".
الخطأ الثقافي كبير وهو بجهد ضئيل جدا يمكن ان لا يقع. لا يجوز التهور في الترجمة، ولا يجوز الاستغناء عن الخلفية الثقافية في الترجمة، وعلى دور النشر ان تلتفت الى هذا الأمر. إضافة كلفة بسيطة على الكتاب تريح القارىء وتريح المترجم من السنة القرّاء وتريح الناشر من علامات الاستفهام. مراجعة بسيطة للكتاب من طرف يعرف الأمور المسيحية كان كفيلا بنفض شوائب الترجمة.
الترجمة رسالة، وكما تقول السيدة تونغ وي 童伟 :" تاريخ تطور الحضارة البشرية ما هو الا تاريخ الترجمة"(مجلة معهد كونفوشيوس، العدد الأوّل ص.36).وعليه ، اليس من المفروض من دور النشر ان لا تلوّث سمعة الحضارة العربية؟
اعتراضي على بعض هفوات الترجمة لن يمنعني من قراءة الكتاب الجميل الذي يعلّم المرء كيف يختار؟ فالاختيار فنّ ولكنّه على قولة ابن عبد ربّه في "العقد الفريد" :"اختيار المرء قطعة من عقله".
كانت مراجعة بسيطة لفهرست أسفار التوراة كفيلة بإنقاذ السيدة مايا أرسلان من الانتقاد الذي لا أظنّ أنّه في غير محلّه.
وهذا خطأ يتكرر كثيرا في ترجمات "الدار العربية للعلوم ناشرون"، ارجو ان تخصص له بعض الوقت والمال والجهد لتكون كتبها المترجمة كثوب عروس أبيض لا تعلق على بياضه الناصع تلك البقع السود التي تخدش جمال الثوب.
مع تحياتي المخلصة للجهد الذي تقوم به الدار وهو جهد مشكور، وخصوصا ما تقوم به من ترجمات لنصوص صينية تعوز المكتبة العربية.
ومع الاعتذار من المترجمة، فما قصدي من تدوينتي إلا "اتقان العمل" وتجويده.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق