الأربعاء، 27 فبراير 2013

خصوصية الأسماء العربية ودلالاتها ـــ محمد قرانيا(*)


تعامل العرب القدامى مع الأسماء بوعيٍ قريبٍ من تعامل المحدثين معها في الشرق والغرب، من حيث الدلالة والإيحاء، فقد راعوا عند تسمية المولود ملاءمة الاسم لمجموعة من المعايير اللغوية والفنية والقبلية، بحيث ينسجم الاسم مع الواقع العربي، كما هو الحال في الدراسات النقدية المعاصرة التي ترى أنْ ينسجم الاسم، ويتناسب مع دور الشخصية في العمل الأدبي، بحيث يحقّق للنص مقروئيته، وللشخصية صفاتها المميزة. وكما تعامل النقد المعاصر مع الأسماء بوصفها علامات لغوية مدروسة، كذلك تعامل معها العربي منذ القدم، بوصفها رموزاً شخصية، فلم تكن الأسماء لديه اعتباطية، مع أن الاسم هو تحديدٌ للكينونة، ووصفٌ يأخذ لدى العامة طابع التخيّر العفوي، لأنَّه "يسمّي الأشياء، أو يجترح لها دلالة محدّدة، هي نضحُ تعالقات الرؤية لما في النفس وما حولها" ـ حسب السكاكي ـ ويأخذ الاسم في الكتابات المعاصر ـ غالباً ـ طابع الاختيار المدروس، الذي تتطلّبه الشخصية لأنَّه "تمثّل لقيمةٍ محدّدةٍ تشير إلى مسمّاها من دون مطالبة مسبقة لها، بأن تدلّ عليه بقوة وجودها.. لذا كان توكيداً لخصوصيةٍ ذات طابع مترسّخ من الدلالة المتواترة، لما اختير له... (دالاً) ينطق بـ (مدلول). "ورأى" الجاحظ" في كتاب "الرسائل" ص 312 أن "الأسماء التي تدور بين الناس إنَّما وضعت علامات لخصائص الحالات لا لنتائج التركيبات".
ولعل "نجيب محفوظ" من أبرع الكتّاب المعاصرين في اختيار أسماء شخصيات الرواية، سواء تلك التي تمثّل العزّ والرفعة، أم تلك التي تمثّل الخسّة والدناءة، أم تلك التي تحمل معاني النبل والسخرية معاً.
يؤكد "ابن الأنباري" في كتاب "الأضداد في اللغة" أن أسماء الشخصيات العربية وأسماء الحيوان والنبات والأماكن ارتبطت بمعانيها، ناقلاً عن "ابن الأعرابي" أن الأسماء كلها، لعلّةٍ خصت العرب ما خصت منها، من العلل ما نعلمه منها وما نجهله، ويسند الكلام إلى أبي بكر الصديق، أن مكة سميت مكة لجذب الناس إليها. والبصرة سميت البصرة للحجارة البيض الرخوة بها، والكوفة سميت الكوفة لازدحام الناس بها من قولهم: قد تكوَّف الرمل تكوّفاً إذا ركب بعضه بعضاً.
والإنسان سُمّي إنساناً لنسيانه، والبهيمة سميت بهيمة لأنها أُبهمت عن العقل والتمييز، من قولهم: أمر مبهم، إذا كان لا يعرف بابه، ويقال للشجاع: بُهْمَة لأنَّ مُقاتله لا يدري من أيّ وجه يوقع الحيلة عليه، فإن قال لنا قائل: لأيّ علة سمي الرجل رجلاً، والمرأة امرأة، والموصلُ الموصلَ، ودعدٌ دعداً، قلنا لعلل علمتها العرب وجهلناها أو بعضها." ([2])
في اللغة والصرف:
الاِسم والاُسم والـ "سم" ما دّل على معنى في نفسه غير مقترنٍ بزمن، والجمعُ أسماءٌ، وجمع الجمع أساميُّ، وأسامٍ.. ويروي "الصولي" في "أماليه" أن "أبا زيد حكى أن العرب تقول: هذا اسم وهذا سِم وسُم وأنشد:
بسم الذي في كل سورة سمه
ويروى سُِمه، وإنما ضموا السين وكسروها، لأنَّه سموت وسميت بمعنى ارتفعت وعلوت، فمن قال: سِم فكسر، فمن سميت، ومن قال سُم فهو من سموت. ومعنى قولك: أسميت لفلان فلاناً، إنَّما هو رفعت له صفته وما يعرف به حتّى عرفه. والاسم مأخوذ من السمو وهو الارتفاع، وأصله سِمْو، والجمع أسماء مثل حِنْو وأحناء وقِنْو وأقناء. ومن قال الاسم مأخوذ من السمة، كأنك إذا قلت: أسميته لفلان، كان المعنى وسمته له بشيء عرفه به، حُذفت منه فاء الفعل ودخلته ألف الوصل؛ ألا ترى أن عِدَة وزِنة أصلها وَعْدة ووزَنْة، فإذا صغرتهما رجعت الواو، فقلت: وُعيدة ووُزينة. وكذلك تصغير صلة وُصَيلة، فلو كان اسم من سِمة لكان تصغيره وُسَيمة، ولكن تصغيره سُمَيّ، فبطل أن يكون من السمة، فكان يجب أن يكون وَسم وسِمة، ووَزن وزِنة، كما قالوا صل صلةً، ولكن وقعت الواو، ولذلك كان يجب أن يقال وَزَنَ يوزن، مثل عدل يعدل، فوقعت الواو بين ياء وكسرة، فحذفت فقيل وزَنَ يزن، وإنما كرهت العرب أن تتكلم بضمة بعد كسرة، وكسرة بعد ضمة في الواو والياء، لأنَّه يصعب في اللفظ قليلاً. وإنما يتكلمون بما خف على ألسنتهم، ولذلك صحت لهم الأسماء في الثلاثي كله، إلاّ في صنفين."([3])
تعليق نحوي:
كان "الزجّاج" لا يجيز صرف شيء من الأسماء المؤنثة إلاّ في ضرورة الشعر، وكان جميع من تقدم من النحاة يجيز في مثل هند ودعد، وما كان وسطه من أسماء المؤنث ساكناً، ويختارون ترك الصرف في غير الشعر. والّذين أبوا ترك صرف مالا ينصرف في الشعر، يعتلّون بأنَّ الشاعر إذا اضطر إلى ما يتنكّب في منثور الكلام رجع إلى أصله، وليس له مفارقة الأصل وهدمه؛ والأصل في الأسماء الصّرف، فإذا عرض في شيءٍ منها ما يمنع منه استجيز في الشعر ركوب الصرف حملاً على الأصل.
فأما ترك صرف المصروف فنقض ما بُني الكلام عليه في أصله. والذي أجازوا هذا تعلقوا بأبيات أنشدوها على هذا الوجه الذي عابهم عليه به مخالفوهم. وقد دفع الأولون ما رووه عنهم، وأنشدوا كثيراً منه على خلاف إنشادهم. وتركوا صرف (هاشم) في البيت:

إن الثياب بآل هاشمَ زينة



تزهو ويضعف حسنها في المشهد


فهل تصرف: هاشم، قريش، وباهلة؟..
قال القاضي: لم يصرف هذا الشاعر "هاشماً" في شعره، لأنَّه أراد القبيلة، ولو أراد الحيّ أو اسم الأب لصرفه، وإن لم يصرف مع هذه النيّة لم يصب ـ في قول الخليل وسيبويه وجمهور البصريين ـ لأنَّ الشاعر له أن يصرف في الشعر ما لا ينصرف في الكلام، وليس له ترك صرف المنصرف. وكان الأخفش يجيز ذلك وهو مذهب الكوفيين، وقد استشهدوا مذهب القبيلة دون اسم الرجل، ودون حمله على أنه اسم الحي. وإن مثل هذا في الشعر كثير. وهذا كقولهم حضرت قريش ومعدُّ وثقيف وما لا يقال فيه بنو فلان، ألا ترى أنه لا يقال بنو قريش ولا بنو ثقيف. وقال الشاعر[4])

غلب المساميح الوليد سماحةً



وكفى قريش المعضلات وسادها


وقال الأعشى:

ولسنا إذا عدَّ الحصا بأقلَّةٍ



وإن معدَّ اليوم مودٍ دليلها


ومثله باهلة، وهو اسم امرأة. لا يقال فيه بنو باهلة إلاّ أنه لا يصرف وإن جعل اسم الحيّ.
وفي الخط:
يكتب كل اسم في آخره ياء نحو غازي. قاضي، وداعي وحادي وساري ومهتدي في حالتي الرفع والجر بغير ياء، كما في قولك جاء غازٍ ومررت بغازٍ وكذا في الباقيات، وفي حالة النصب بالياء مع زيادة ألف بعدها، كما في قولك: رأيت قاضياً وغازياً وداعياً وما أشبهه، وإن كان جمعاً فإن كان غير منصرف كُتب في حالتي الرفع والخفض بغير ياء على ما تقدّم، فيكتب في الرفع هؤلاء غوازٍ وسوارٍ بغير ياء في الحالتين، ويكتب في النصب بالياء، إلاّ أنه لا تزاد الألف بعدها فتكتب رأيت غوازي وسواري، فإذا دخلت الألف واللام في جميع هذه الأسماء أثبتت فيها الياء سواء المنصرف وغير المنصرف، فيكتب هذا الغازي والقاضي، وهؤلاء الجواري والسواري بالياء في الجميع، وقال ابن قتيبة. قد يجوز حذفها، وليس بمستعمل إلاّ في كتابة المصحف، وتكتب تاء التأنيث في نحو رحمة ونعمة وطلحة بالهاء لأنَّ الوقف عليها بالهاء على الصحيح." ([5])
في الدلالة:
تكمن مهمة (اسم العلم الشخصي) في التعبير الفعلي عن الذاتية الفردية لكل إنسان قائم بذاته، وقد اعتنت كتب التراث بالاسم، ووقفت عند أبعاده الواقعية والاجتماعية، ودلالاته اللغوية، كما وقفت عند تنّوع الأسماء، وما يُستحسن منها وما يُستقبح، ووجدت أن أصل التسمية لا يخرج عن أمرين:
أحدهما: أن يكون الاسم مرتجلاً، بأن يضعه الواضع على المسمى ابتداء، كـ "أدد" اسماً لرجل، و"سعاد" اسماً لامرأة، فإنهما ليسا بمسبوقين بالوضع على غيرهما، والرجوع في معرفة ذلك إلى النقل والاستقراء.
وثانيهما: أن يكون الاسم منقولاً عن معنى آخر كـ "نمر" إذا سُمّيَ به الرجل نقلاً عن الحيوان المفترس، و "زيد" إذا سُمّيَ به نقلاً عن معنى الزيادة، وما أشبه ذلك، وهذا النوع أكثرُ الأسماء الأعلام وقوعاً، والرجوع في معرفته إلى النقل والاستقراء أيضاً، كما تقدم في المرتجل.
وأما المقصود من التسمية فتمييز المسمى من غيره بالاسم الموضوع عليه ليتعرّف، وأما تنويع الأسماء فيختلف باختلاف المسمّين، وما يدور في خزائن خيالهم ممَّا يألفونه ويجاورونه ويخالطونه، فالعرب أكثر أسمائهم منقولةٌ عمَّا لديهم ممَّا يدور في خزائن خيالهم، إما من أسماء الحيوان كـ "بكر" ولد الناقة، و"فهد" وهو الحيوان المفترس المعروف، وإما من أسماء النبات، كـ "حنظلة" وهو اسم واحدة الحنظل، النبات المعروف من نبات البادية، و"طلحة" وهو اسم شجرة من شجر الغضى و"عوسجة" وهو اسم لشجرة من شجر البادية، وإما من أجزاء الأرض كـ "حزن" وهو الغليظ من الأرض، و"صخر" وهو الصلد من الحجارة، وإما من أسماء الزمان كـ "ربيع" وهو أحد فصول السنة الأربعة، وأما من أسماء النجوم كـ "سماك" اسم لنجم معروف، وإما من أسماء الفاعلين كـ "حارث" فاعل من الحرث.. إلى غير ذلك من المنقولات التي لا تحصى.
وكان من عادة العرب أن يختاروا لأبنائهم من الأسماء ما فيه البأس والشدّة ونحو ذلك، كـ "محارب ومقاتل ومزاحم ومدافع" ويختاروا لمواليهم ما فيه من معنى التفاؤل، كـ "فرح ونجاح وسالم" وما أشبهها، ويقولون: "أسماء أبنائنا لأعدائنا، وأسماء موالينا لنا" وذلك أن الإنسان أكثر ما يدعو في ليله ونهاره مواليَه للاستخدام من دون أبنائه، فإنه إنَّما يحتاج إليهم في وقت القتال ونحوه. وهذا هو الغالب في أسماء العرب "المنقولة عمَّا يدور في خزانة خيالهم، ممَّا يخالطونه ويجاورونه إما من الحيوان المفترس، كأسد ونمر، وإما من النبات كنبت وحنظلة، وإما من الحشرات كحية وحنش، وإما من أجزاء الأرض كفهر وصخر ونحو ذلك، والغالب على العرب تسمية أبنائهم بمكروهِ الأسماء ككلب وحنظلة ومرّة وضرار وحرب وما أشبه ذلك، وتسمية عبيدهم بمحبوب.. ونحو ذلك ما حكي أنه قيل لأبي الدقيش الكلابي لِمَ تسمون أبناءكم بشرّ الأسماء، نحو كلب وذئب، وعبيدكم بأحسن الأسماء نحو مرزوق ورباح، فقال: إنَّما نسمي أبناءنا لأعدائنا وعبيدنا لأنفسنا، يريد أن الأبناء مُعدّة للأعداء، فاختاروا لهم شرّ الأسماء، والعبيد معدّة لأنفسهم، فاختاروا لأنفسهم الخير."([6])
ويلاحظ ـ منذ العصر الإسلامي ـ أن التسمية التفتت إلى أسماء الأنبياء وصحابتهم، فالمسلمون تسمّوا باسمَي النبي الواردين في القرآن وهما "محمد وأحمد" استجابة لقول النبي r : "تسمّوا باسمي" كما تسمّوا باسم غيره من الأنبياء عليهم السلام، إما بكثرةٍ، كـ "إبراهيم وموسى وهارون" وإما بقلّة كـ "آدم ونوح ولوط" وأخذوا بوافر حظِّ من أسماء الخلفاء الراشدين، والصحابة رضوان الله عليهم كـ "أبي بكر وعمر وعثمان وعلي" وأبنائهم "حسن وحسين" وما أشبه ذلك، والنصارى تسمّوا باسم "عيسى" وغيره من الأنبياء عليهم السلام ممَّن يعتقدون نبوّتهم كـ "إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف وموسى" وكذلك أسماء الحواريين، وأما ما يستحسن من الأسماء فما وردت الشريعة بالندب إلى التسمية به، كأسماء الأنبياء عليهم السلام و "عبد الله، وعبد الرحمن" ففي سنن أبي داود والترمذي من رواية أبي وهب الجشمي أن النبي r قال "تسمّوا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرّة" وأما ما يُستقبح فما وردت الشريعة بالنهي عنه، إما لكراهة لفظه كـ "حرب ومرّة" وإما للتطيّر به كـ "رباح وأفلح ونجيح وراجح ورافع" ونحوها، ففي صحيح مسلم وغيره النهي عن التسمية بمثل ذلك. وورد في جامع الترمذي من حديث "عائشة" رضي الله عنها، أن النبي كان يغيّر الاسم القبيح.
وقد وضع "ابن قتيبة" في "أدب الكاتب" باباً بيّن فيه أصول أسماء الناس المسمّين بأسماء النبات، وأسماء الطير، وأسماء السباع، وأسماء الهوام، والمسمّين بالصفات وغيرها: ([7])
فمن الذين تسمّموا بأسماء النبات:
ثمامة: واحدة الثمام، وهي شجر ضعيف لـه خوص، أو شبيه بالخوص، وربما حُشيَ به خصائص البيوت، قال عبيد بن الأبرص:
عيوا بأمرهم كما



عيت ببيضتها الحمامه


جعلت لها عودين من



نشم وآخر من ثمامه

سمرة : واحدة السمر، وهو شجر أم غيلان.
السياب : هو البلح، الواحدة سيابة.
عرادة : واحدة العراد وهي شجر.
مرارة : واحدة المرار، وهو نبت إذا أكلته الإبل قلصت عنه مشافرها، ومنه قيل "بنو آكل المرار"
شقراء : شقرة: واحده الشقر وهو شقائق النعمان.
علقمة : واحدة العلقم وهو الحنظل.
حمزة : نبات بقلة.
قتادة : واحدة القتاد، وهو شجر له شوك، وبها سميّ الرجل.
سلَمة : واحدة السلم، وهي شجرة الأرطى، وبها سمي الرجل، والسلم من العضاه، وسِلمة إذا كسرت اللام، فهو حجر واحد السلام.
أراكه : نبات. واحدة الأراك.
ومن الذين تسمّوا بأسماء الطير:
يعقوب : اليعقوب ذكر الحجل، واسم لرجل أعجمي وافق هذا الاسم من العربي، إلاّ أنه لا ينصرف، وما كان على هذا المثال من العربي فإنه ينصرف نحو يربوع ويعسوب، لأنَّه وإن كان مزيداً في أوله فإنه لا يضارع الفعل، وهو غير مختلف في صرفه إذا كان معرفة.
هيثم : الهيثم فرخ العقاب.
عكرمة : الحمامة.
ومن الذين تسمّوا بأسماء السباع:
أسد: الأسد : عنبس، وهو فنعل من العبوس، وبه سميَ الرجل.
أوس : الذئب وبه سميَ الرجل.
حيدرة : الأسد، ومنه قول "عليّ" عليه السلام: "أنا الذي سمتني أمي حيدرة".
أسامة : الأسد، وبه سمي الرجل.
ضيغم : الأسد، أخذ من الضغم، وهو العض.
ضرغام : الضرغامة: الأسد.
نهشل : الذئب من النهش.
كلثوم : الفيل.
ومن الذين تسمّوا بأسماء الهوام:
حنش : الحنش: الحية، وبه سمي الرجل حنشاً، والحنش أيضاً: كل شيء يصاد من الطير والهوام يقال: حنشت الصيد إذا صدته.
جندب : الجرادة، وبه سمي الرجل.
ذر : الذر: جمع ذرة، وهي أصغر النمل، وبها سمي الرجل ذراً، وكُنّي "أبا ذرّ".
مازن : المازن: بيض النمل.
الأرقم : الأراقم: بنو جشم، وناس من تغلب، واجتمعوا، فقال: "كأن أعينهم أعين الأراقم" والأراقم: الحيات، واحدها أرقم.
فرعاء/ فرعة: الفرعة: القتلة، وتصغيرها: فريعة، والفَرْعاءُ: المرأة طويلة الشعر، ومنه قول الأعشى:

غَرَّاء فَرْعاء مَصْقُول عَوارِضُها



تَمْشِي الُهوَيْنى كما يَمْشي الوجِي الوَحِلُ


ومن الذين تسموا بالصفات، وغيرها:
قتيبة : تصغير قتب، وجمعه أقتاب، وهي الأمعاء، قال الأصمعي والكسائي واحدتها قتبة.
زهير : من أزهر، وهو مصغرٌ مرخمٌ، مثل: سويد من أسود، والأزهر: الأبيض.
الحارث : هو الكاسب للمال والجامع له.
عمر : معدول عن عامر، وعمرو: واحد عمور الأسنان، وهو ما بينها من اللحم، وعمر الإنسان.
سامة : السام: عروق الذهب، واحدها سامة، وبها سمي "سامة بن لؤي".
نوفل : النوفل: العطية، وهو من تنفلت إذا ابتدأت العطية من غير أن تجب عليك، ومنه قيل لصلاة التطوّع نافلة، وبها سمّي الرجل نوفلاً.
مضر : سمي بذلك لبياضه، ومنه مضيرة الطبيخ، ويقال: لا بل المضيرة من اللبن الماضر، وهو الحامض لأنها تطبخ به.
ربيعة : بيضة السلاح، وبها سمي الرجل.
فارعة : من أسماء النساء، وهو مأخوذ من قولك: فرعت القوم، إذا طلتهم.
عاتكة : القوس إذا قَدِمت، واحمرّت، وبها سميت المرأة.
رباب : الرباب سحاب، وبه سميت المرأة.
ماجد : الماجد: الشريف والكريم.
صفوح: الصفوح والسيد الحليم.
حسيب: الحسيب من الرجال: ذو الحسب، والحسب: العدد، يقال:حسبت الشيء حسباً وحسباناً وحساباً، إذا عددته، والمعدود حسبٌ، كما يقال: نفضت الورق نفضاً، والمنفوض نفضٌ، ومنه يقال: ليكن عملك بحسب كذا؛ أي على قدره وعدده بفتح السين فكأن الحسيب من الرجال الذي يعدّ لنفسه مآثر وأفعالاً حسنة، أو يعدّ آباءً أشرافاً.
مطر: مطر الخريف، وهو وسميّ، لأنَّه يسم الأرض بالنبات نُسب إلى الوسم.
كُثَيِّر واشتهر به كُثَيِّر عزة، وهو: كثير بن عبد الرحمن بن الأسود من عامر بن عويمر، وكُثّير: تصغير كثير، وهو من الأسماء المنقولة عن الصفات. والكُثّير يستعمل في كلام العرب على معنيين:
أحدهما: يراد به ضد القليل من قلة العدد.
والآخر: يراد به العزيز الجليل يقال كثرت بك. أي: اعتززت بك، والمرء كثير بأخيه.
وقد تدخل "أل" التعريف في الأسماء المنقولة من باب الأوصاف إلى باب الأسماء الأعلام، وهو قولك: العباس والحكم والحارث والفضل والوليد، فالألف واللام في هذه الأسماء لم يدخلا لتعريفها، وإنما دخلتا عليها حين كانت أوصافاً كقولك: مررت بالرجل الحكم، وبالرجل العباس، فلما قصدوا أن يسموا بها نقلوها مع الألف واللام إلى باب: زيد وعمرو، ومن العرب من يقول: حارث وعباس وحكم، فكأنه نقلها إلى باب الأعلام على تنكيرها حين قيل: مررت برجل حكم؛ فأما الأسماء التي لزمت حذف الألف واللام فإنها كانت في الأصل مصادر وأجريت مجرى المصادر، فلما نقولها إلى باب الأعلام لزموا فيها طريقة واحدة، كما لزموا في زيد وعمرو."([8])
وقد عمد العرب منذ الجاهلية إلى تسمية بناتهم بأسماء فيها معنى الرّقة والجمال، المأخوذة من الطبيعة النباتية ذات الروائح الزكية، والألوان اليانعة كـ "زهرة وريحانة ووردة" أو بأسماء فيها تيّمن بالسعد كـ "سعاد، وسعدى، وفوز، وميمونة، ونُعم" أو فيها معنى الأمن، كـ "آمنة وسكينة" أو بأسماء فيها معنى الحسن، كـ "جميلة ومليحة، وحبيبة وهيفاء ونفيسة وربيعة، ومزنة" أو ذات جرسٍ مستحبّ، كـ "لبنى وليلى، وهند ودعد" أو فيها صفة الأنوثة، كـ "ميّة وفاطمة وعائشة وخديجة ومليكة، وخولة، وماوية ولبابة وعصماء وشيماء وتيماء وحدارء" وغير ذلك.
ونظراً لما للأنثى من موقعٍ محبّبٍ في القلوب، فإن العرب سمّوا بعض ذكورهم أسماء إناث، مثل "أسامة بن زيد" وأسماء بن خارجة" و"أذينة التعبدي" و"أمية بن أبي سفيان" و"ثعلبة بن حاطب" و"حذيفة بن اليمان" و"جارية بن قدام التميمي" و"جبلة بن الأيهم" و"جنادة بن أبي أمية" "ومثلها أسماء: "خزيمة وحمزة وربيعة..." ([9])
وقد كان الاسم، ولا يزال استكشافاً للذات العربية، وبنيتها الثقافية والاجتماعية والنفسية، ورصداً لتطور هذه الذات وتحولها. ولعل الشعراء من أكثر الناس الذين عملوا على شهرة أسماء محبوباتهم، وقد اقترنت بها أسماؤهم وذاعت، فاشتهر قيس ولبنى، وقيس وليلى، ومجنون ليلى، وجميل بثينة، وكُثَيّر عزة، والأحنف وفوز.. وقد كان للدلالة الاسم أبعاد نفسية وعاطفية، حتّى قال قائلهم:

أُحِبُّ مِنَ الأَسماءِ ما وافَقَ اسمها



أَوَ اَشبَهَهُ أو كانَ مِنهُ مُدانِيا


وقد نسب المحققون هذا البيت إلى الشعراء العذريين الثلاثة "مَجنون لَيلى" قيس بن الملوح، و"جَميل بُثَينَة" و "قيس بن ذريح"([10])
وقد عبّر الشاعر "مسكين الدارمي" واسمه ربيعة بن عامر، خيرَ تعبير عن دلالة الأسماء وأبعادها النفسية والاجتماعية في قوله (من الطويل):

إنْ أُدْعَ مسكيناً فلستُ بمُنكر



وهل تُنكرنَّ الشمسُ ذَرَّ شعاعُها


لعمركَ ما الأسماءُ إلا علامةٌ



منارٌ، ومن خيرِ المنارِ ارتفاعُها


وكان الاسم الشخصي لدى العرب، قريباً ممَّا هو عليه اليوم، يعدّ عنواناً للوجود، لأنَّ الوعي بالاسم، هو وجه من أوجه الوعي بالذات. واستكشاف الاسم العربي هو استكشاف للذات العربية وبنيتها الثقافية والاجتماعية والنفسية... ورصد لتطور هذه الذات وتحولها في الزمان والمكان
فإذا كان الوعي بالذات يحدّد السلوك الإنساني، ويضبط الفعل وينظمه، ويؤثّر في جميع جوانب الحياة الفردية، ويسمح للذات بتقييم ذاتها أو تقويمها... فإن الوعي بالاسم سيكون رافداً من روافد الوعي الشامل بالذات."([11])
وقد خضع الاسم الشخصي لعدد من المكونات الأساسية؛ دينية وبيئية ولغوية وطبقية وجنسية من حيث الذكورة والأنوثة... لكن التواصل اليومي بدءاً من العصر العباسي، أو ما قبل، وحتى العصر الحديث يعيد النقش على حمولات الاسم الدلالية وفقاً للعلاقات الاجتماعية الحميمة أو العدائية أو الطبقية الواضحة..
ولا يزال الاسم الفردي يشتغل وفقاً لمنطق "الدوائر المتسعة" على الطريق التي يرسم بها سقوط الحصى على الماء دوائر تتسع حتّى تتلاشى. ومنطق "الدوائر المتسعة" هذا يشغل على ثلاثة مستويات: مستوى طبقي، مستوى مجالي، ومستوى حضاري.
فعلى المستوى الطبقي، تغدو الطبقة السائدة مركز الدوائر، فهي التي تنتج الجديد من الأسماء، أو تمحو البائد منها لتميّز ذاتها من باقي الطبقات ومن الشائع من الأسماء، ثمَّ تتسع الدوائر نحو الطبقات الدنيا مبتعدة عن المركز، مركز الدوائر...
أمَّا على المستوى المجالي، فتبقى المدينة هي مركز الدوائر المتسعة: تنتج الأسماء وتدفعها إلى دائرة القرية، ثمَّ إلى دائرة الأرياف حيث تتلاشى الأسماء في الهامش مع الدوائر المتسعة.
أمَّا على المستوى الثالث الحضاري، فالحضارة الوافدة تبقى مركز الدوائر، تنتج الثقافات والأسماء وتصدّرها إلى الهامش، كما فعلت الحضارة اليونانية والرومانية والعربية.. فمن الأسماء العربية التي توجد في بلدان إسلامية، كأفغانستان، "بسم الله" وهو اسم ذكرٍ لكنه لم يعد له وجود في المركز العربي، والشيء ذاته مع اسم "زبيدة" وهو اسم عربي مشرقي، وأشهر من حمله زوجةُ هارون الرشيد الخليفة العباسي، لكن الاسم اندثر من المعجم المشرقي، وأضحى يشكل خصوصية اسمية مغربية، ونفس الشيء مع "البتول" و"الجيلالي" وغيرها من الأسماء المحلية المغربية، والتي كانت في زمن ما في مركز الدوائر في المشرق العربي.."([12])
المراجع:
1
ـ القلقشندي. صبح الأعشى في صناعة الإنشا. تحقيق د. يوسف علي طويل. دار الفكر. ط 1 . دمشق 1987
2
ـ د. عبد السلام الترمانيني. الزواج عند العرب في الجاهلية والإسلام. كتاب عالم المعرفة. الكويت 1984.
3
ـ ابن الأنباري. الأضداد في اللغة. ص 235 ـ 236.
4
ـ الصولي. الأمالي. الموسوعة الشعرية، الإمارات العربية. أبو ظبي.
5
ـ المعافى بن زكريا. الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي.. الموسوعة الشعرية/
6
ـ ابن قتيبة. أدب الكاتب. تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد. المكتبة التجارية. مصر. ط4 ـ 1964.
7
ـ أبو حيان التوحيدي. البصائر والذخائر. الموسوعة الشعرية/ 3
8
ـ محمد سعيد الريحاني. الاسم المغربي وإرادة التفرد. طنجة. مطبعة سليكي إخوان. الطبعة الأولى 2001.

*
كاتب وأديب من سورية.

([2])
الأضداد في اللغة ـ لابن الأنباري ـ ص 235 ـ 236

([3])
الصولي. الأمالي. ص 19. الموسوعة الشعرية/ 3 . الإمارات العربية. أبو ظبي.

([4])
الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي. المعافى بن زكريا. الموسوعة الشعرية/3

([5])
القلقشندي. صبح الأعشى في صناعة الإنشا . ج3 ص 172

([6])
الأسماء صبح الأعشى. ج1 ص 363

([7])
ابن قتيبة. أدب الكاتب. ت . محمد محيي الدين عبد الحميد. المكتبة التجارية. مصر 1964 ط4

([8])
أبو حيان التوحيدي. البصائر والذخائر. ص 103 . الموسوعة الشعرية 2003

([9])
د. عبد السلام الترمانيني. الزواج عند العرب في الجاهلية والإسلام. كتاب عالم المعرفة. ص 229 الكويت 1984.

([10]) "
مَجنون لَيلى" قيس بن الملوح بن مزاحم؟ ـ 68 هـ /؟ ـ 687 م. شاعر غزل، من المتيمين، من أهل نجد. لم يكن مجنوناً وإنما لقب بذلك لهيامه في حب ليلى بنت سعد التي نشأ معها إلى أن كبرت وحجبها أبوها، فهام على وجهه ينشد الأشعار ويأنس بالوحوش، فيُرى حيناً في الشام وحيناً في نجد وحيناً في الحجاز، إلى أن وُجد ملقى بين أحجار وهو ميت، فحمل إلى أهله.
"
جميل بثينة" جميل بن عبد الله بن معمر العذري القضاعي، أبو عمرو. 82 هـ/ ـ 701 م شاعر من عشاق العرب، افتتن ببثينة من فتيات قومه، فتناقل الناس أخبارهما. شعره يذوب رقة، أقل ما فيه المدح، وأكثره في النسيب والغزل والفخر. كانت منازل بني عذرة في وادي القرى من أعمال المدينة، ورحلوا إلى أطراف الشام الجنوبية، فقصد جميل مصر وافداً على عبد العزيز بن مروان، فأكرمه وأمر له بمنزل فأقام قليلاً، ومات فيه.
"
قَيس بن ذُرَيح بن سنة بن حذافة الكناني"؟ ـ 68 هـ / ؟ ـ 687 م. شاعر من العشاق المتيمين، اشتهر بحب لبنى بنت الحباب الكعبية، وهو من شعراء العصر الأموي، ومن سكان المدينة. كن رضيعاً للحسين بن علي بن أبي طالب، أرضعته أم قيس، وأخباره مع لبنى كثيرة جداً، وشعره عالي الطبقة في التشبيب ووصف الشوق والحنين.

([11])
محمد سعيد الريحاني، الاسم المغربي وإرادة التفرد. طنجة. مطبعة سليكي إخوان. الطبعة الأولى 2001

([12])
المرجع السابق.


مجلة التراث العربي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق