الجمعة، 30 يونيو 2017

استراتيجية الفيروس الرقميّ




تؤمن الصين بأنّ أفضل الانتصارات هي التي تحققها من دون أن تخوضها وذلك عن طريق جعل قوة الخصم تتآكل من الداخل ويفعل التآكل فيها فعله على غرار ما تفعله الأَرَضَةُ أو السوس في الخشب. عمدت الصين، مع الوثبة التكنولوجية، إلى تطوير هذه الاستراتيجية، ووجدت في السلاح الرقميّ سلاحاً فتاكاً يحدد مصير أي معركة عسكرية قادمة. وتسعى الصين إلى امتلاك استراتيجيا فاعلة وهي شلّ أعصاب الخصم الرقمية، وتشتيت ذهنه الالكترونيّ، وزرع الضباب الرقميّ في وجهه.

 ماذا يحدث لأميركا في حال لم يعد للتواصل الالكترونيّ أي فعالية في المعركة؟ ماذا تفعل أميركا إذا تمرّد الصاروخ على كبسة الزرّ؟ ماذا تفعل الولايات المتحدّة الأمريكية بقوتها الأخطبوطية الهائلة إذا وجدت نفسها بين ليلة وضحاها عاجزة عن تحريك قدراتها المشلولة؟ إن أميركا تنظر بعيون أبوكاليبسية إلى هذا السيناريو الأسود، ولا سيّما أن أنفاسها وحياتها اليومية في الأرض معلقة بحركات وتعليمات أقمارها الاصطناعية في الفضاء. هذه بعض الأسئلة التي يطرحها الباحث الفرنسيّ جان فرانسوا سوسبيال ( Jean-François Susbielle) في كتابه:" الصين والولايات المتحدة، الحرب المبرمجة".

ترى الصين إنّ من يحدد مصير المعركة اليوم ليس من يملك القوة وإنما من يملك القدرة على شلّ القوة والتشويش على المعلومة. "الفيروس الرقميّ" أيضا سوف يساهم في تحديد مصير أي معركة؟ والصين تعمل بكل قضها وقضيضها على كسب هذه المعركة، وأميركا تنفق الكثير لتحصين مواقعها الالكترونية. إن الصين تسعى على أكثر من محور، و"الحرب السيبرنية" أحد هذه المحاور، هي حرب بكل معنى الكلمة ولكنها حرب قد تمنع حروبا ضارية. إنّ البنتاغون يستعمل 5 ملايين حاسوب وهذه الحواسيب موصول بعضها ببعض، وهي كلّها في نظر الصين أهداف عسكرية، لأن ليس للمعلومة حرمة، وخصوصاً حين تكون هذه المعلومة سلاحاً يستعمله الخصم في المعركة، وأميركا تعرف اليوم إن اغلب الهجمات التي تتلقاها مصدرها الصين. وفي "الحرب السيبرنية" (Cyberguerre) الدفاع يكلّف أكثر من الهجوم، وهو دفاع مشكوك في نجاعته لأنه لا يمكن القيام بـ"مناوارات سيبرنية" لإظهار كفاءة الدفاع. وعليه فإنّ كفاءته لا تظهر إلا في حال الهجوم، وهنا يكون الوضع حرجاُ لأنه في حال تهافت نجاعته أو قدرته على صدّ الهجمات فذلك يعني أن المعركة حسمت من أولها. والصين تنفق كثيراً على هذه المعركة، "والحرب السيبرنية" مادة تدرسها الصين اليوم في كلياتها العسكرية.

ورواتب العاملين في هذا الميدان في الصين سخيّة جدا تضاهي ما يمكن أن يأخذه الموظف في الشركات الخاصة، كما إن للصين جيشا من "الهاركرز" القابل للتجنيد في أي وقت، إنّه احتياط متمرّس ومهيّأ للتدخل في أي لحظة في هذه المعركة. ووظيفته ضرب أنظمة المعلومات للبنية العسكرية الأمريكية في عقر البنتاغون، ليس هذا فحسب وإنما ضرب قنوات الاتصال المدنية، وبورصة نيويورك.

الصين تعرف إن تفوق أميركا موجود في الفضاء، من هنا تعمل الصين على منازعة أميركا لهذا التفوق. ومن يحسم المعركة الأرضية إلى حد كبير هو الفضاء. وأميركا لا تسمح حتى لحلفائها بان يملكوا قوتها الفضائية فما بالك بخصومها؟ لان من يملك القدرة على الحركة في الفضاء هو الذي سوف يرسم حدود وإحجام القوى على الأرض. ويقول الجنرال الصيني "فانغ فانغ خوي":" علينا السعي والعمل، بكلّ عزم، للتفوق على القوة الفضائية الأمريكية".

ما هي الاستراتيجية الصينية لشلّ تفوق أميركا الفضائي؟ يروى الكاتب حكاية القمر الاصطناعي الأميركي  المعروف باسم" كيهول" keyhole)). كان هذا القمر يدور في الأسبوع الأول من أكتوبر عام 2006 فوق الأراضي الصينية على ارتفاع 320 كلم ومهمته التقاط صور رقمية، وهو قمر قادر على رؤية غرض بحجم 10 سنتمر وتصويره بوضوح عالٍ في الليل أو في النهار، كما بإمكانه التقاط مصدر الحرارة أي انه يمكنه تحديد ما إذا كانت عربة ما تستعدّ للتحرّك (عبر حرارة محركها) أم لا. ويستطيع هذا القمر سبر السواتر لرؤية ما يختبىء خلفها من دبابات أو غيرها من أنواع الأسلحة. ويعدّ "كيهول" مفخرة من مفاخر القوة الفضائية الأمريكية الرادعة. وصلت الأخبار السوداء فجأة إلى قاعدة القمر في الأرض ومفادها إن أشعة لايزر آتية من الأرض قد ضربته وأعمت عيونه. إلاّ أنّ البنتاغون لم يعلق كثيرا على الأمر، حتى لا تفلت كلمة غير متوقعة؟ ولهذا سرب المعلومة تسريبا لرؤية رد فعل الصين. والمعلومة المسربة لم تكن إلاّ فتافيت غير كافية لتبيان الضرر الفعلي اللاحق بالقمر، ولم تحدّد ما إذا كان العمى الذي أصاب القمر هو عمى مؤقت.

إن الصين تعمل على إنشاء وتطوير "قمر فضائي طفيليّ"، أو ما يمكن أن يسمى بـ"منمنمات فضائية" أو " ميكروبات فضائية". وظيفة هذا "الميكروب الفضائي" الالتصاق كما الطفيليّات على هيكل قمر اصطناعيّ، ثمّ يتحول إلى ما يشبه الخلية النائمة التي يمكن تنشيطها وتشغيلها في حال حدوث صدام للتشويش على المعلومات الصادرة والواردة إلى هذا القمر، أي أن لهذا "الميكروب" قدرة هائلة على تعطيل وشلّ طاقة القمر الاصطناعي. وهو من الإنجازات التي قامت بها "أكاديمية الأبحاث التكنولوجية الفضائية" في بكين.

بلال عبد الهادي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق