كتبهابلال عبد الهادي ، في 21 تموز 2010 الساعة: 12:06 م
لا اعرف ما رأي القارىء بهذه الحكاية
التي سمعتها، والتي سوف أتناول بعض تفاصيلها في هذه العجالة. ولعلّ عبارة "حكاية"
انتقاص لحقيقة الحكاية، إذ قد يذهب الذهن إلى اعتبار الحكاية من نسج الخيال بخلاف
ما عليه الحال من كونها واقعية حتى العظم ولها فيما أتصور متشابهات في أمكنة أخرى
من العالم. قد تثير الرواية غضب عيادات عمليات التجميل، والحكاية لا علاقة لها بهم
إلا كأعراض جانبية، كما قد تثير غيظ أو "شماتة" بعض النسوة أو الفتيات وقد تثير
أيضاً غيظ بعض الرجال.
هل يمكن للحب أن يتغير، سلبا أو
إيجابا، بعد عمليات التجميل؟ والحكاية التالية تروي شكلا من أشكال العوارض الجانبية
لعمليات التجميل. ثمة شاب التقى بفتاة، مصادفة، في إحدى المناسبات، وتحمّل لأجلها
السفر والهجرة والمذلة من أهلها الذين رفضوا أن يزوجوه ابتنهم ووقف أخوها البكر
وقفة عنترية ضد الشخص وكذلك عارضت الأم وشقيقتها رفضت أيضا تحت تأثير أخيها. لكنّ
الحبّ مجنون أعمى. "حبيبي بحبّو ولو كان عبد أسود"، والأقوال التي تنسج على المنوال
كثيرة العدد لا داعي لذكرها. رفضت الفتاة الإذعان لرغبات أهلها، وأصرّت على التعرف
عليه حتى يكون موقفها نابعا من قرارها بعد التعرّف تعلقّت به إلى أن انكسر، في
الأخير، أهل الفتاة لدقات قلبها.
الفتاة جميلة، وإن كان أنفها كثير
البروز بخلاف صدرها الضامر، تزوّجا وعاشا حياة في منتهى الرومانسية، لفّ بها الدنيا
كما يقال، لم يترك قارة من قارات الأرض إلا وأخذها إليها. فهو مقتدر مادياً، والسفر
بالنسبة له بالطائرة مثل شربة الماء. غمرها بالهدايا. كانت أجمل ما في حياته. وعين
المحبّ عن كلّ عيب كليلة، فهو لم ير في انفها ما يعيب ولا في نهدها الضامر ما يخدش
حبه لها.
عاش معها بإخلاص.هنا، ندم الأهل على
موقفهم الأول الذي سوّد وجوههم معه، فأرادوا إبدال الموقف بتكريم فائض له، وهو
تقبّل الأمر برحابة صدر، ولم يحمل أي ضغينة لأسرتها، ونسي الأذى الذي لحق به لمدى
سنوات من الكفاح الغراميّ، فكان كريم النفس معهم، وكريم الجيب أيضاً.
لأجل منحها الشعور بالأمان كتب البيت
الفاخر الذي اشتراه باسمها، فالبيت مملكة المرأة لا الرجل، وليس المطبخ فقط مملكة
المرأة بل المطبخ اليوم مملكة أصبحت مهجورة ومكروهة من قبل عدد كثير من
النساء،
كانت لا تزال تحمل جرح أنفها في نفسها،
وبقدر ما كانت تعشق أن تتصوّر كانت تكره الصور الجانيية لأنها تفضح أنفها، فقررت،
ذات يوم، أن تتخلص من أنفها الذي لم يكن، في أي حال، بحجم الأنف الذي وصفه ابن
الرومي، فاقترحت على زوجها أن تقوم بعملية تجميل تتخلص به من هذا الناتىء زيادة عن
اللزوم. لم يبد الرجل تجاوباً بل اظهر نوعاً من الامتعاض، فهو أحبها كما هي، ويخاف
أن تتحول عملية التجميل إلى عملية تشويه. ومن يسمع أو يشهد المآسي التي العمليات
الفاشلة سببها يلعن التجميل وساعته،
قامت المرأة بإجراء عملية لأنفها تكللت
بالنجاح، وفرحت المرأة كثيراً وصارت تنتقم من عقدتها الماضية فراحت تكثر من صور
"بروفيل"، و"تفسّدت" بعمليات التجميل فقررت أن تتعرّف على السيليكون أيضا، فضمور
الأثداء يستدعي الرثاء لدى بعض النساء، كما استحلت أن تحقن وجنتيها وشفتيها
بالـ"بوتوكس"، وأن تستعين بفنّ وشم الحواجب، كانت تزداد جمالا وتقضم من سنوات
عمرها، كان الزوج يكبر بينما هي تصغر، فالرجال رغم ولعهم باللعب بالزمان إلا أن
الظروف الاجتماعية "الذكوريّة" لا تسمح لهم بأخذ راحتهم في اللعب.
مرّت الأيام، وإذ به يخونها، من تحت
لتحت، بأساليب تمنع عنه الشبهات كلّها، وهي لا تشعر، بل كانت تعتبر أن التنكيل
بجسدها كان لأجل عينيه، ولكنّ عينيه كانتا تكرجان نحو مطارح أخرى. ذات يوم جهنّمي
انكشف أمره، إذ كلّ خيانة ثرثارة، طبعاً، الصدمة بين خيانة عاشقين جرحها غائر. لم
تعد الزوجة تطيق رؤيته، ووصلت الأمور بينهما الى الطلاق، فالخيانة كانت بالنسبة لها
طلاق شرعيّ. وما كاد أن يدفع بها إلى الجنون هو أنّه لم يشعر، في أعماقه، أنّه خائن
يستحقّ ردّ فعلها الغاضب. لم يكن يشعر انه خانها، فالتي أمامه ليست زوجته، وعليه لم
يخن من هي شريكة حياته، هكذا راح "يفلسف" خيانته. فهو لم يخن الفتاة التي اختارها
إنما خان الفتاة التي لم يخترها، فهي، أي زوجته، لم تعد هي، الفتاة التي أحبها لم
يعد يراها لا في وجه زوجته ولا في جسدها، وكأنّ روحها، هكذا شعر، تسكن جسد امرأة
أخرى فرض عليه فرضا. قال: ألا يحقّ لي أن أتخلى عن جسدها حين تتخلى هي، بكامل
وعيها، عن جسدها الذي كان جزءاً من تعلّقي بها! أليس في بعض القبح ما يفتن، وإلاّ
من أين جاءت عبارة "حولة الحسن" على سبيل المثال؟ أليست "الشامة" تشوّها فاتناً رغم
نظرة الطبّ التشريحية والموضوعية إليها باعتبارها عيباً في الخلقة، ومع هذا، ورغم
أنف الطبّ، اختارت اللغة الفرنسية لها عبارة دالّة هي "بذرة الجمال"؟
قد يقول بعض القرّاء إنّ هذا الزوج
مجنون، وقد يقول بعض آخر كان يفترض بالزوجة أن تنظر أبعد من أرنبة "أنفها".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق