الثلاثاء، 4 ديسمبر 2018

مقال الدكتور خضر خضر عن كتاب لعنة بابل


لقد وصلتني هذه الرسالة من الصديق الدكتور خضر  خضر ، وهي قراءة لكتابي " لعنة بابل"

أضعها في متناول الأصدقاء.

مع الشكر له مجددا

 
كتاب لعنة بابل

يقدم لنا د. بلال عبد الهادي في " لعنة بابل" رؤيته المبسطة والسهلة للغة العربية، وكيفية مقاربتها من الناحية الثقافية والاجتماعية في نصوص موجزة تشكل حصيلة جهد واضح بذله الكاتب في الدراسة والبحث. والواقع أن هذه النصوص، التي نشرت على مدى أكثر من عام في الصحافة المحلية الطرابلسية، يمكن أن تؤسس لرؤية لغوية منفتحة ومتجددة تساعد على فهم الدلالات الحقيقية للكلمات وعلاقتها بالمعاش اليومي إذا ما إستمرّ العمل على منحاها الفكري، المتعلّق بالخطاب اللغوي والاجتماعيّ، المتضمّن الاحكام الدقيقة التي نصدرها على الأشياء لتحديد ماهيتها. أي بمعنى آخر تحديد العلاقة بين الكلام والفكر.

وإذا كان بعض اللغويين يصرّون على أفضلية الكلام على الفكر والقول بأن الانسان لا يفكر إلا لأنه يتكلم،فإن بعضهم الآخر، من أنصار الحسّ السليم، يرى بأن الكلام لا يستخدم إلا للتعبير عن الفكر بكل اشكاله وتجلياته.من هنا نصل الى النتيجة القائلة بأن الفكر يتم إنتاجه بشكلين لا ثالث لهما :الفكرة والحكم الذي تتضمنه او تحمله.

والفكرة هي الكلمة أو المفردة التي تمثل الأشياء وانواعها، والحكم هو الصفة التي نسبغها أو نمنعها عن هذه الفكرة، والعلاقة الجدلية بين الاثنين هي التي تولد اللغة، أي ذلك التعبير عن الافكار والاحكام. وكما هو معروف فإن هناك في أية لغة كم هائل من الكلمات أو المفردات، التي وبالرغم من اختلافها في الشكل أو الصوت، لا يمكن النظر إليها إلا من زاوية الوظائف التي تقوم بها، وهذا هو بالضبط ما يحاول الكاتب أن يقوله لنا من خلال مقارباته المتنوعة للعديد من المفردات ومن خلال مقارناته بين اللغة العربية وبعض اللغات الاخرى.

والواقع أنه نجح بذلك إلى أبعد الحدود. فهو طرح علينا اللغة من زاوية وظيفتها الاجتماعية –الانسانية بأسلوب" شعبي" إذا صح التعبير، وغايته من ذلك تقريبنا من هذه اللغة التي أصر ويصر أساطين الاعراب على إبعادنا عنها .ولعله في ذلك يقدم لنا نموذجا واضحا عما قام به اللغوي الفرنسي الشهير رولان بارت في ابحاثه المتعددة التي اغنت المكتبة الفرنسية بدراسات تجديدة رائدة.

من هنا فإن الامل كبير في أن يستمر الباحث في بذل جهوده لتسليط الاضواء على النواحي الاخرى الهامة من لغتنا ولا سيما لجهة الفارق بين الكتابة والسماع . فلغتنا ، كما هو معلوم ،سماعية بالدرجة الاولى، ويسهل علينا فهمها بالصوت اكثر مما يسهل علينا فهمها بالكتابة ، خصوصا وان الصوت يحمل في مضمونه الحركات التي تحدد معاني الكلمات التي تلتبس علينا قراءتها عند غياب هذه الحركات عنها.

تبقى علينا الإشارة الى ميزتين اساسيتين في أسلوب د. بلال عبد الهادي،الاولى تلك الغمزات الجميلة في ملاحظاته السياسية التي يمرّرها بين الحين والآخر في نهاية مقالاته، والتي تتصل مباشرة بكل انواع المعاناة التي نعيشها، والثانية هي تلك الروح المرحة التي تضفي على نقده للاشياء سمة خفيفة من الدعابة الجزلة التي تجعلنا نتحمل بقدرية استسلامية نتائج تلك اللعنة التي انزلت من السماء على برج بابل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق