السبت، 1 ديسمبر 2018

مقال فراس رمضان عن كتاب لعنة بابل


من يقرأ كتاب ‫#‏لعنة_بابل سيعيد التفكير مليون مرة في مفهومه الثقافي الموروث ونظرته المجحفة بحق اللغة العربية. كل عربي "متأجنب" يعتبر اللغة العربية صعبة أو معقدة أو يستسهل استخدام لغة أخرى عليها أو يؤثر استعمال بعض المصطلحات الأجنبية المحفوظة على أخرى عربية معروفة، سيدرك جسامة الخطأ وهول الجريمة التي ترتكب يوميا بحق لغة الضاد. وسيكتشف بأننا كلنا "ولن أستثنيَ أحدا" نهدر ثروة معنوية ومادية حقيقية، كما وصفها الكاتب بلال عبد الهادي. 
الكتاب يصح أن يدرّس، أو يستخدم كوسيلة لترغيب القرّاء باللغة وتقوية علاقتهم بها وحبهم فيها. رغم كم المعلومات الهائل فيه، والقصص الممتعة التي يسردها كاتبه، ويستشهد بها، لا يمكنك إلا التوقف عند أسلوبه وحنكته في استخدام هذه "السيناريوهات" كوسيلة لتحبيب الناس باللغة، حيث ومن خلال سرده لبعض القصص والحكايا يأخذك طواعية في رحلة ممتعة، غير مملّة إطلاقا، إلى الغوص في مفاهيم وحقائق وخبايا ومعلومات لغوية كنت تجهلها، تجعلك تدرك وتقتنع بأن اللغة العربية هي أسهل وأبلغ وأفصح وأبسط من كل اللغات إذا أردت لها أن تكون كذلك، وهي لغة عصرية، حضارية، متمدنة "مودرن وكلاس" أكثر من أي لغة نستعملها، إذا أجدنا استخدامها. 
في العادة، تكون كتب اللغة جافة، معقدة، توثيقية، محددة المواضيع والعناوين وتحتوي على قواعدَ علمية ثابتة ودراسات أو أبحاث.. الجميل في كتاب #لعنة_بابل أنه ليس كتابا لغويا بالشكل العام، أو في عنوانه المختار، أو لا يبدو كذلك، إذا ما سقط عن ناظريك رؤية عبارة "مقالات في اللغة"، قد تظنه رواية او قصّة أو كتابا في التاريخ والحضارات. لكن الفخ المحكم الذي نصبه الكاتب للقارىء هو أنّه ساعة كتب وسرد وقصّ مواضيع جاذبة مختلفة بأسلوب بسيط يعتمد فيه المقارنات والمقاربات والقياس الأدبي المبسّط، كتبها أيضا من نظرة شخصية انطلاقا من خوف الناس من اللغة وتقديرهم الخاطىء لها وكأنه وضع نصب عينه المعوقات أو المؤثرات التي تبعد الناس عن لغتهم الأم وأراد وسيلة إفهام تعتمد على المنطق المبسّط لا على القواعد العلمية الجافة. الامر الذي أعاد لذاكرتي أسلوب أينشتاين (ألبرت أينشتاين، 1879-1955) الممتع والسلس في شرح نظرية النسبية التي حيّرت العالم وشغلت عقولهم، عندما ابتعد عن اللوح والطباشير والمعادلات الفيزيائية الصعبة من خلال مقاربات وقياسات منطقية مقنعة وسهلة تعطي التلميذ ما يحتاج فهمه. 
لئن كان أينشتاين قد استخدم أسلوبا أدبيا قصصيا لشرح نظرية علمية صعبة ومعقدة، فإن لعنة بابل وبالإضافة للأسلوب الأدبي الجميل فيه، يعتمد أسلوبا علميا مبسّطا أيضا لشرح وتقريب حقائق ومفاهيم أدبية، وذلك بأن كاتبه جعله "كالمخدرات الرقمية" التي تسمعك في ظاهرها الواعي ما تريد سماعه ويطرب نفسك، وتدخل إلى لا وعيك الغاية المنشودة للكاتب وهي حب اللغة. وبذلك يكون الفخ لعنة ناصبه التي تصيب كل "متفرنج" ضال فتعيده إلى بابل اللغة وليس "لبلبلته

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق