السبت، 1 ديسمبر 2018

عالم الأسماء


نستهين في عالمنا العربيّ بأشياء كثيرة، والباحث في المكتبة العربية يشعر بالنقص الفادح في ميادين مختلفة، لأننّا نظنّ أنّها مسائل سخيفة أو تافهة. وهذا من مؤشّرات الأزمة العربية التي لا تخطئها العين الراصدة. مثلاً السبحة او المسبحة بالتعبير المستعمل على أهمّية وجودها بين أيدي الناس، لا نعيرها كبير اهتمام، رغم انها مادّة سيميائية دسمة. وهذا بخلاف اجدادنا الذين اهتموا بأمور كثيرة كانت لها أدوار ووظائف كالعصا مثلا التي أخذت حيزا جميلا في كتابات الجاحظ إلى أن افرد لها ابن منقذ كتاباً أتمنّى أن يقوم أحد ذات يوم بدراسته دراسة تعتصر دلالاته العفيّة. تكلمت عن المسبحة لأني أريد أن أعرّج على المروحة الصينيّة، مروحة اليد ذات التاريخ العريق والحضور الفني والشعريّ والتي حولها كتب عديدة في مجالات شتّى.
كلامي هذا كان توطئة للكلام على رسالة نرمين حول الأسماء. هناك معاجم حول الأسماء، معاجم تكتفي في غالبها بتفسير معنى الإسم، تفسيراً نثريّاً، وهنا يحضرني ما كانت تقوم به مجلّة الشبكة من " تغزّل"، أسبوعياً،  شعراً باسم من الأسماء! 
ومن الأمور ذات الصلة بموضوع بحث الطالبة نرمين ما رواه لي صديق سعوديّ عن صعوبة التلفّظ باسم الأمّ أمام الأغراب، وشاءت المصادفات أن يكون هذا الصديق ممثّلاً سعوديّاً هو ناصر القصبيّ ويقوم بدور البطولة في المسلسل الشهير " طاش ما طاش"، ولقد تناول في إحدى الحلقات مسألة اسم الأم من حيث هو "عورة" ، ومن المعيب التلفّظ به خوفاً من أن يتناهى إلى مسامع عابر من الغرباء فينال الابنَ شيءٌ من العار!
عالم الأسماء عالم فاتن، جذّاب، يستحقّ الدرس اللغويّ، والدرس الاجتماعيّ، والدرس السيميائيّ، والسياسيّ، والنفسيّ. فالاسم نصّ مفتوح بحسب تعبير الراحل امبرتو ايكو. ومن يتتبّع عالم الأسماء لا أظنّ أنّه يعود خالي الوفاض أو صفر اليدين.
موضوع الطالبة نرمين مرعي شيّق، في نظري على الأقلّ، ويعود ذلك لاهتمام شخصيّ بدراسة الاسم، اسم العلم تحديداً، بدءاً بكلمة "الاسم" نفسها، ذات الطبيعة غير الثابتة. وذكرت الطالبة في الإطلالة التمهيدية  الخلافاتِ العديدةَ حول طبيعة الاسم في اللغة العربيّة من الناحية المعجميّة والصرفيّة، وإن كنت أحبّ لو أنها تعمّقت في المقدّمة النظرية قليلاً في دور الاسم لدى شعوب أخرى. 
في عالمنا المتقدّم نعتبر الانسان كائنا ثنائيّ التركيب مؤلفاً من جسد وروح، ولكنّ بعض الشعوب البدائيّة، بحسب ما ورد في كتاب العالم اللغويّ الراحل إبراهيم أنيس " دلالة الألفاظ "،  كانت تضيف ركناً ثالثاً على كيان الانسان وهو الاسم، فالإنسان جسم وروح واسم! وكنت قد قرأت كتاباً رائعاً للكاتبة الفرنسية المتخصّصة بعالم اللغة،  Viviane Alleton, Les Chinois et la passion des noms 1993  ، وهو كتاب غني وطريف، عن اسم العلم في الصين، وعن شغف الصينيين بالأسماء وطرائق التسميات، وكيف أنّ الاسماء مفتوحة بشكل لا نراه في عالمنا العربيّ بحيث ان بعض الاسماء أشبه بمفردات جملة شعرية، وتكون أسماء الأبناء  حين تسرد تباعاً أشبه بجملة تامّة المعنى: أعرف شخصا له ثلاثة أبناء تشكّل أساميهم جملة إسمية: لي غدي وزاد.  
طبعاً، لكلّ بلد عاداته وتقاليده في التسمية، ولا يمكن نكران الأهمية التي أولاها العربيّ للأسماء، وهل علم الأنساب أو شجرة العائلة غير شجرة تتدلّى منها الفاكهة الاسمية؟  ولكن وبحسب علمي لم يتمّ إلى الآن بناء درس نظريّ حول التسمية العربية، وإن كان هناك كتب اهتمت بالأسماء العربية، واشتقاقاتها، وكان من أوائل من اهتمّ بهذا الأمر ابن دريد. ولفت نظري كتاب عن الاسم بقلم المستشرقة الفرنسيّة Jacqueline SUBLET بعنوان Le Voile du nom. Essai sur le nom propre arabe. وهو كتاب دسم، عن تطوّر التسمية في العالم العربيّ بناء للتغيرات التي طرأت على العالم الاسلامي، وعلى السلطة في العالم العربيّ وانتقالها من يد العرب إلى يد الأتراك أو الفرس. وتغيّر الألقاب وكثرة الأسماء المركبة تركيبا إضافياً، كصلاح الدين، وضياء الدين، وسعد الدين، وهي تسميات ولدت في فترة اهتراء سياسيّ وترهّل دينيّ، وعليه فهي تسميات تحمل الأمنيات أكثر مما تعبّر عن واقع الناس الإيمانيّ.
كلمة "اسم" قبل الدخول بالاسم هي بحدّ ذاتها ضرورة إيمانية، عند المسلمين وعند المسيحيين، فعبارة بسم الله أو بسم الصليب أو بسم الآب والابن والروح القدس هي من التعابير التي لا يقوم بدونها أود دين أو صلاة!.  وهي نقاط تناولتها، في بحثها، الطالبة نرمين.
ليس من الأمور التافهة أن نعرف كيف يعيش الإنسان اسمه وكيف يتعايش معه؟ وهو اسم لا ينفرد به، في كلّ حال، بل والطريف إنّ الانسان لا ينفرد حتى باسمه الثنائيّ إلاّ فيما ندر. فبإمكان أيّ شخص، اليوم، بفضل غوغل، أن يتعرّف على شركائه في اسمه الثنائيّ، أي باسمه وشهرته، وسوف يحصل من وراء ذلك، على معلومات طريفة، وقلت كيف يعيش الانسان اسمه؟ لأنّي قرأت ذات يوم عن فتاة تونسية لم تستطع تحمّل اسمها او التعايش معه، ووجدت لسبب ما أنّ التخلّص من حياتها يخلّصها من اسمها، وهكذا كان اسمها أشبه بحبل شنقت به نفسها. وفي حوزة الأسماء الفنّية أو المستعارة أيضاً معلومات كثيرة يمكن أن نسبر من خلالها أعماق حامليها.
الاسم حلم، مشروع. لا يأتي الاسم من فراغ، ولا نحبّ الأسماء لسبب واحد، هناك عوامل لغوية، ولقد تناولتها الطالبة، وهي عوامل صوتية، وصرفية، ومقطعيّة. ولكن هناك عوامل غير لغوية، من مثل العوامل العاطفية، والسياسية، والوطنية، والدينية، والايديولوجيّة، وهي عوامل متغيّرة. وقد نعثر في عائلة واحدة على أسماء متباينة دلاليّا تكون أشبه بخطّ بيانيّ لتحولاّت من يملك سلطة التسمية.  أعرف شخصاً وسأدرج أبناء بنيه: نضال، كفاح، نداء، عبد المجيد. قد يبدو اسم عبد المجيد نافراً وغير منسجم مع الحقل الدلاليّ الذي يجمع بقيّة اخوته، وهذا يعود إلى أنّ الظاهر مراوغ كالثعلب وكثيراً ما يلعب بالعيون والأذهان على السواء. أسماء الأبناء متناسقة، متناغمة، واسم عبد المجيد لا يحمل أي طابع دينيّ رغم ما يقوله ظاهر اللفظ حيث إنّ هذا التركيب الإضافيّ هو تركيب دينيّ وإسلاميّ فـ"المجيد" من أسماء الله الحسنى،  وكان للغزاليّ تعبير يقول فيه" من تبع ظاهر اللفظ ضلّ وتاه". تنتمي اسماء " نضال" و " كفاح" و " نداء" إلى عالم يشي بحراك ثوريّ، أو رغبة في التغيير، بخلاف ما يقوله اسم " عبد المجيد" . الانسجام بين الأسماء خفيّ، تحتيّ، من وحي عبارة "البنية التحيّة" للجملة بحسب مفهوم تشومسكي. ثمّة تماسك وتناسق بين الأسماء الأربعة، وهذا التماسك يظهر جليّاً حين نكشف اللثام أو النقاب عن سيرة الأب الذي اختار هذه الأسماء بناء لالتزام آيديولوجيّ  وسياسيّ، فالأب كان عضواً في حزب البعث بشقّه العراقيّ، وعبد المجيد الرافعي كان الناطق الرسميّ لهذا الحزب في طرابلس، ومن هنا، تمّ اختيار الاسم ليس لما يحمله من معنى معجميّ وهو ما يسمّى بحسب وجهة نظر رولان بارت denotation  وإنّما لما يحمله من معنى ضمنيّ أو بحسب رولان بارت نفسه connotation .
وراء أغلب الأسماء حكايات، حكايات لا يجد البعض ضرورة لسردها، باعتبارها حكايات شخصيّة تخصّ الأهل. ولكن هل تخصّ الأهل حقاً؟ الأهل لا يعيشون في شرنقة، ولا يعيشون بمعزل عن الأحداث ومفاعيلها. علاقتنا مع الاسماء هي مواقف من أحداث وذكريات وهواجس وأحلام. يدخل التفاؤل والتشاؤم في صلب أسباب التسميات، وقد يغير الاسم المصائر، وما أقوله ليس من عندي، وانّما هي وقائع قرأت عنها أو سمعتها، وسأروي هنا حكاية سردها شخص عن أنّ سبب زواجه هو الاسم، نعرف أنّ هناك أسماء unisex  على غرار بعض الألبسة! فصباح وفؤاد مثلاً من الأسماء ليسا حكراً على جنس دون آخر، فعندنا صباح فخري وعندنا الشحرورة صباح رحمها الله. طبعاً، وجد العرب حيلة نحوية للتمييز بين الجنسين عن طريق لعبة الصرف. ولكن عربية اليوم كما نلحظ جميعاً ألغت، على الأغلب، في الاستعمال، إعراب الاسم، ولجأت إلى تسكينه إلاّ في حالات نادرة. 
أعود إلى حكاية ذلك الشخص الذي اكتشف عبر موقع الفايسبوك أنّ هناك فتاة تحمل اسمه، واسم شهرته رغم أن لا قرابة تجمع بينهما، فالأسماء، أيضاً، غدّارة. ولقد دفعه الفضول الاسميّ الى التعرّف على تلك الفتاة، وهو تعرّف تكلّل بالزواج.
الزواج ليس مزحة، او أمراً عارضا، انه ولادة ثانية للإنسان، والإنسان العربيّ بالتحديد. الزواج يغيّر الاسم، وقد يُنسي الاسم! وهنا سأروي حكاية امرأة طاعنة في السنّ نسيت اسمها، ليس لأنّ الالزهايمر اقتحم ذاكرتها وفكّك دعائمها، وإنما، بكل بساطة، لأنّها تزوجت باكراً، والزواج من القاصرات عادة قديمة وسيئة ولكن لا تزال بعض فتيات منطقتنا العربيّة يعشنَ جحيم الزواج من القاصرات. كانت الفتاة في الثالثة عشرة من العمر، وبعد عام أنجبت بكرها، وما إنّ اطلّ وليدها برأسه حتى ذهب اسمها، وتوارى خلف كنيتها " أم أحمد" ، الكنية التي ابتلعت أو اخفت اسمها الحقيقيّ، لم يعد لاسمها الأوّل حضور، والضمور قد يكون ضريبة الغياب. وذات يوم، بعد مرور أعوام كثيرة، سألها حفيدها عن اسمها الأوّل، اسم طفولتها، لم تستطع ذاكرتها أن تسعفها، فنقاب الكنية غيّب من ذاكرتها الاسم الأوّل. طبعاً هذه حالات نادرة، وهي أمثلة عن احتمالات تظهر طبيعة علاقتنا بأسمائنا. وعن طريقتنا في التخلّي عن أسمائنا.  وفي العربية كتاب طريف العنوان" كشف النقاب عن الأسماء والألقاب" تطرّقت إليه نرمين في بحثها. 
الحكايات لا تحبّ الصمت، ثمّة أشياء ناطقة بغير لسان، وكان من هواية الجاحظ، كما ورد في كتابه الحيوان، تركيب أفواه وألسنة للعناصر غير الحيّة أو غير الناطقة. فالبيان لا يحتاج دائماً للسان. والأسماء من هذه الأشياء التي تحكي.
في الفصل الثالث من رسالتها تتحدّث الطالبة نرمين عن مصادر الأسماء عند العرب القدامى، والحقول الدلالية التي استوحى العرب منها اسماءهم. والعربيّ ابن الصحراء، ولا ريب في ان الصحراء فرضت على العرب نمطاً من الأسماء، فالجغرافيا تتحكّم في الأفكار والأقدار، وتتحكّم أيضاً في الأسماء، وهذا ما نجد أمثلة له في بحث الطالبة. فبعض أسماء العرب ذات صلة، على سبيل المثال، بالماء. هل كان للماء في أشكاله المتنوعة، هذا الحضور اللافت لو أنّ العربيّ عاش في بيئة جغرافية غير صحراويّة. وقلت طبيعة الماء المختلفة، الماء السائل والماء السابح في الجوّ على شكل سحب وغيوم ؟
ثمّة المعنى الذي يولد من عالم الدوالّ أي الألفاظ، وهو المعنى المعجميّ المحض، ولكن المعنى لا يحبّ صيغة المفرد، ولا يحبّ الارتباط العضويّ بما يشير إليه، ومن هذا المدخل يمكن أن ندلف إلى عالم التسميات التي نراها غريبة سواء في التسميات العربية أو في التسميات لدى شعوب أخرى، واستشهدت الطالبة نرمين حين حديثها بمصادر الأسماء عن بعض القصص من تراثنا العربي التي تفصح عن أسباب التسميات. معنى المفردة الواحدة معنيان، في الأقلّ، معنى معجميّ ومعنى آخر متفلّت من قيود المعجم، ويرتبط بما نضفيه نحن من دلالات إضافية هي وليدة الذكريات والعلاقات الشخصية مع الأشياء.
وهناك إضاءات عدّة جميلة أشارت اليها الطالبة بخصوص النواحي الصرفية والصوتية، والاسم كائن لغويّ أي انه كائن صرفي وصوتيّ. بالنسبة للأصوات، على سبيل المثال، توقفت الطالبة عند التغيّرات الصوتية نتيجة التأثر بالأصوات الغربية التي أدّت الى تغيير في أصوات الاسم العربيّ، من ناحية ترقيق المفخّم او تفخيم المرقق اي تغيير طبيعة الصوت اللغوية ، وذلك ليس بناء للتطوّر الطبيعيّ للغة وأعطت عدّة أمثلة منها اسم " آية" وهو اسم عربيّ الملامح ولكن حين نسمعه نسمع رنينا غريباً من حيث تفخيم الهمزة ، وأتساءل، هنا، هل لكتابة الاسم العربي بالحرف اللاتينيّ دور ما  في تغيير طريقة التلفّظ به. فاسم " ندى" على سبيل المثال بالحرف اللاتيني الذي تستعمله اللغة الفرنسية ( ولبنان بلد فرنكوفونيّ حتى إشعار آخر) حين يكتب Nada  يفتقد كيانه الصوتي العربي بحكم ان حرف D  الفرنسيّ يميل الى التفخيم بخلاف حرف الدال العربي حين يحرّك بالفتح. وما ينطبق على اسم ندى ينطبق على اسم آية. وقلت الكتابة لأننا نكتب أسماءنا بالحرف العربي والحرف الفرنسي على السواء، بل توسّعنا في الكتابة بالحرف اللاتيني ولم يعد حكرا على الأسماء وإنما تعداه الى الكتابة بالحرف اللاتيني أي بما يسمّى بلغة النت. وكلّ من له حساب في أحد مواقع التواصل يمكنه أن يلحظ طغيان كتابة الاسم بالحرف اللاتينيّ، حتّى لدى بعض من عنده موقف سلبيّ من الكتابة بلغة النتّ.
هناك نقاط كثيرة عالجتها الطالبة بمهارة، والتقطت دلالاتها، ومن هذه النقاط كلامها عن الأسماء بناء للفئة العمرية، ففي فترة الأحلام النهضوية، واليقظة القومية كانت الأسماء تحاول أن تتماشى مع هذا الواقع، وهذا إلى حدّ بعيد، صائب، فبورصة الأسماء تتغيّر صعوداً وهبوطاً بناء لما يحدث على أرض الواقع من تغيّرات وتحوّلات سلبية أو أيجابية.
كما تناولت " الاسم " الواحد بصيغتيه العربية والأجنبية، كالياس وايلي، ومريم وماري. ومروة وميرفت، ولاحظت ان الاسم بصيغتيه يكون ، أغلب الأحيان، اسما يحمله مسيحيّ، فالأسماء ذات الطبيعة الثنائية هي أسماء دينية ذات نكهة مسيحية لها جذور عربية أو سامية في الغالب، بينما الأسماء الإسلامية فهي في الأغلب حافظت على صوتها العربيّ إلا في حالات هي أغلب الأحيان بنت الوجود المديد للسلطة التركية في بلادنا كاسم ميرفت حيث نجده في صيغته العربية مروة ولكن نادرا ما وجدنا شخصا واحدا يستعمل الصيغتين كيوسف وجوزيف، وبيار وبطرس. ويعيش مع الاسمين كما يعيش كثيرون من العرب بين اسمهم وكنيتهم.
أشير في النهاية الى اني تمتعت كثيرا وأنا أقرأ حكايات الأسماء في بحثك، وهي حكايات غنية الدلالات وأتوقف عند واحدة منها هي هيلانة التي تحوّلت الى هلا. وكان اسم هلا هو تسوية بين ديانتين او بين اسمين أو بيت ثقافتين. والعلاقة الصوتية بين هيلانة وهلا واضحة، والحالة شبيهة صوتيا بتلك التسوية التي تخلصت من خلالها احدى الفتيات من اسمها الذي لا تحبّه ويعكّر صفو عيشها، فقامت بتوليد اسم فنّي لها من صلب اسمها باختيار بعض اصواته. اختارت اسم صفا، وهو اسم شائع، بدلا من اسمعها الفعليّ " مواصف"، وهو اسم قديم، ولكن نعرف ان العادات الاسمية صلبة، عصية على الانقراض لسبب علاقتنا مع الأسماء ذات الصلة بمفهوم البرّ والعقوق، فالأسماء ميراث، نرث أسماء من سبقنا ضمن نظام في نقل ملكية الاسم الى الابن الأكبر، وكثيرون يجدون أنفسهم مجبرين على اختيار اسم ما على كره منهم لا للمسمّى وإنّما للاسم هروبا من تهمة ممكن أن تلحق بهم وهي تهمة العقوق، "العقوق الاسميّ" فمن علامات البرّ أن ينقل البكر اسم أبيه الى بكر أولاده حتّى لا يتنقطع نسل الأسماء. 
يعطيك العافية نرمين على بحثك.
+++++++++
الأسماء قد تأتي من المهنة التي يمتهنها الإنسان.
امرأة كانت تعمل في محل لبيع الزهور، وحين أطلّت ابنتها على الدنيا كان الاسم جاهزا، لقد اختارت لها اسم rose .
بين شارلوت وشريفة
لم تحبّ اسمها. الناس يعرفونها باسم شارلوت ولكنّ هويّتها تعترف باسم آخر" شريفة".
هل حكم عليها اسمها في الهوية ان تختار" شارلوت" لاشتراك الاسمين بحرف الشين؟
هربت من اسمها ولكنّه قرّر عنها كيفية الهروب
يقول "شتيفان فيلد" في بحثه الطريف:" الاعلام العربية" من كتاب "الاساس في فقه اللغة العربية" ص82 ما يلي:" " ثمة ميزة لافتة للنظر لاسماء الاشخاص العربية هي ان عددا كبيرا من اسماء الرجال هي اسماء جنس، وهي مؤنثة نحويا مثل: " عبدة" ( مذكر)، و" ثعلبة" ( مذكر). ومن المحتمل انّ هذا يتّصل بانهم ارادوا ان يخفوا الابناء الذين يقدرونهم اكثر من البنات، الى حدّ ما خلف اسم مؤنث."

كلمة " اخفاء" في النص تلفت النظر، فالاسماء ليست دائما لاظهار الشيء وانما  احيانا لاخفائه، اليست هذه هي وظيفة " التنكر" في اسم مستعار؟

هل يمكن للمرء ان يغير هويته دون ان يغيّر اسمه؟
الاسم هوية ولكن يسهل خلعها ولبس اسم آخر.
وتغيير اسم الصبي تغيير لهويته الجنسية، وحماية له من " صيبة العين" او اشياء اخر.
والله اعلم!
وهذه المسألة ليس خاصّة بالعرب القدامى، بل هي موجودة لدى شعوب أخرى. واختم بفكرة أوردها لويس جان كالفيه في كتابه " التقاليد الشفاهية- منشورات الكلمة- دبي، ص 115"، عن اسباب اعطاء اسماء قبيحة لدى قبائل " الوولوف" في السنغال لابنائهم بحكم وجود معتقدات راسخة تقول ان الطفل حين يولد يولد هشاً، من هنا تفتق خيال الاباء عن اسماء غريبة لخداع القدر الجبار. يتعلق الامر باسماء شائعة ولكنها تنطوي على فكرة الزوال والوجود العرضي المنذور للفناء. ويظن افراد هذه القبائل انهم باطلاق هذه الاسماء الشائعة الرائجة امثال "ليني بيغول" الذي يعني " لا احد يرغب فيه"، او "ليمودا" الذي يعني" سيموت" يضلّلون الأقدار ويغيّرون من مسارها. فثمّة أسماء، في ظنّ سكان قبيلة الوولوف السنغاليّة، لا تفتح شهية الأقدار على ممارسة الأذى.

الصيني يحمل اسما مسلولا من لغته الثانية، فهناك صينيون يتعايشون مع اسمائهم العربية براحة نفسية كبيرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق