الأربعاء، 1 فبراير 2017

التحيّز المستتر


بين الذاتيّة والموضوعيّة تبادل أدوار بحيث لا يعرف المرء ما إذا كانت الموضوعية الظاهرة هي فعلاً موضوعيّة، وما إذا كانت الذاتية المعلنة هي ذاتية فعلاً. ورد في كتاب  "التفكير المستقيم والتفكير الأعوج" للكاتب روبرت ثاولس حكاية طريفة عن آراء الناس حول قضيّة بناء مدرسة للمعاقين في لندن، والكاتب اقتبس القضيّة لتبيان فكرته حول " الانحياز" الخفيّ الذي لا يكشف عن نفسه، الانحياز الذي يتوارى خلف قناع الموضوعية فيظنّ الرائي أنّ القناع وجهٌ حقيقيّ الملامح. فقد يتكلم المرء حول قضية من القضايا من منطلق ظاهره منطقيّ، موضوعيّ، عقلانيّ، ولكن يتبيّن لنا من بعد ان الموقف المعالج تمّت معالجته من منطلق شخصي مع تعمّد أو لا تعمّد تغييب السبب الشخصي في طريقة المعالجة. يتناول الكاتب المسألة من خلال عرضه لردود افعال قراء على اقتراح اقترحته مجلة في إنشاء مدرسة للمعاقين في لندن. هناك من عارض وهناك من حبّذ، والكل يدلي برأيه مزوّدا بحجج موضوعية ومنطقية. ولكن وراء الحجج المنطقية والموضوعيّة كانت تتوارى أسباب لا علاقة لها بالموضوعية ولا بالمنطقية، لقد لاحظ الكاتب ان من تحكّم بالإجابات أو الآراء هو مكان سكن القرّاء الذين أدلوا برأيهم، تبيّن فيما بعد من خلال عناوين القراء أنّ الذين يسكنون في لندن كانوا ضد الفكرة، والذين مع  الفكرة لا يسكنون في لندن.
وعليه، فان مكان السكن هو الذي حدّد ردود الأفعال. وهو أمر لم يتناوله ولا معترض على المدرسة، لم يقل ولا واحد انه ضد المدرسة لأنها قريبة من بيته مثلاً، وإنما تغطّى بأسباب عمومية منها أنّ حركة السيارات في العاصمة تشكل خطراً على المعاقين، أو أنّ اولاد لندن لا يحبذون رؤية المعاقين جسمياً أو عقلياً.
المعطيات هي الكفيلة بإعطاء معنى للكلام، وقد تغيب المعطيات عن السامع فيقع في شراك الكلمات المسموعة، المسكوبة في قوالب عقلانيّة تحجب المعنى الحقيقيّ عن أذن السامع.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق