الأربعاء، 1 فبراير 2017

أغنية الأغاني

عبارة "أغنية الأغاني" قرأتها في كتاب جميل جدّا، اسمه " فنّ الانتقاء"، وهو صادر عن "الدار العربية للعلوم ناشرون" الطبعة الأولى 2010، للكاتبة الهنديّة السيخيّة الأصل "شيينا إينغار " Sheena Iyengar . نقلت الكتاب الممتع إلى العربية السيدة مايا أرسلان. ترجمة الكتاب، بشكل عام، سلسة، بسيطة وجميلة، ولكن فيها بعض الأخطاء التي أحبّ من دور النشر الاهتمام بها. اللغة وحدها لا تكفي للقيام بترجمة تخلو من الشوائب. لا بدّ من امتلاك خلفية ثقافية عن اللغتين لعدم الوقوع في أخطاء مثيرة للغرابة وأحيانا للضحك. فصل الثقافة عن اللغة أمر، للأسف، شائع في عالمنا العربي.
النقطة التي أريد الحديث عنها تقع في هذا الإطار. عبارة "أغنية الأغاني" (صـ.58 ) عبارة سليمة لغويّاً لا يمكن لعاقل ان يعترض على تركيبها ولا على معناها. ولكن حين أعرف ما المقصود بها، اكتشف انها خطأ، ليس خطأ لغويّا وإنّما خطأ ثقافيّ، وخطأ مستهجن ومضحك؟
العبارة تشير الى أحد أجمل أسفار التوراة. هل في التوراة سفر يحمل هذا الاسم؟ عد إلى فهرس التوراة ستصاب بخيبة أمل. ستقول ربما قصدت الكاتبة او المترجمة ( والخطأ هنا من المترجمة وليس من الكاتبة) توراة أخرى غير التوراة المعروفة. هل هناك توراة آخرى؟ بحسب علمي لا يوجد إلاّ توراة واحدة بنسختيها اليهودية والمسيحية ( هناك فصول يعترف بها اليهود، ولا تعترف بها بعض الفرق المسيحية بحسب المقارنة التي أجريتها على النسخة المسيحية والنسخة اليهودية باللغة العبرية، وكان الأمر بمثابة مفاجأة طريفة لي!)
ربما بالمصادفة أعرف أنّ المقصود بالعبارة هو سفر حقيقي وجميل جدّاً في التوراة، سفر في الحبّ والغزل على لسان سليمان الحكيم، وهو( שיר השירים= شير هشيريم ) أي نشيد الإنشاد. لنفترض ان شخصاً لم يسمع بالتوراة أو لم يسبق له أن تصفّح أسفار التوراة الجميلة والممتعة. وأراد أن يقرأ "أغنية الأغاني" وراح واقتنى نسخة من التوراة العربيّة؟ لن يصل الى سماع أيّة اغنية. ليس في التوراة "أغنية الأغاني" فمن أين جاءت بها المترجمة؟ 
حاول أن تبحث عن "أغنية الأغاني" على الأنترنت، ( وهو باحث حياديّ إلى حدّ لا بأس به، وإن كانت لا تخلو حياديته وإجاباته من بعض السوريالية!) سوف يوصلك البحث إلى هيفاء وهبة أو إليسا أو نانسي عجرم أو أي مغنٍّ أو مغنّية، ولكن لن يفضي بك بحثك إلى سليمان الحكيم وسفره البديع " نشيد الإنشاد".
الخطأ الثقافي كبير وهو بجهد ضئيل جدّا يمكن أن لا يقع. لا يجوز التهوّر في الترجمة، ولا يجوز الاستغناء عن الخلفية الثقافيّة في الترجمة، وعلى دور النشر أن تلتفت إلى هذا الأمر. إضافة كلفة بسيطة على الكتاب تريح القارىء وتريح المترجم من ألسنة القرّاء وتريح الناشر من علامات الاستفهام. مراجعة بسيطة للكتاب من طرف يعرف الأمور المسيحية كان كفيلاً بنفض شوائب الترجمة.
الترجمة رسالة، وكما تقول السيدة تونغ وي : تاريخ تطور الحضارة البشرية ما هو إلاّ تاريخ الترجمة". وعليه، أليس من المفروض من دور النشر أن لا تلوّث سمعة الحضارة العربية؟
كانت مراجعة بسيطة لفهرست أسفار التوراة كفيلة بإنقاذ السيدة مايا أرسلان من الانتقاد الذي لا أظنّ أنّه في غير محلّه.
وهذا خطأ يتكرر كثيراً في ترجمات "الدار العربية للعلوم ناشرون" . أرجو أن تخصّص له بعض الوقت والمال والجهد لتكون كتبها المترجمة كثوب عروس أبيض لا تعلق على بياضه الناصع تلك البقع السود التي تخدش جمال الثوب.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق