أكتب للقراء هذه المرة، وبعد أن استأذنت رئيس التحرير فغمرنى بكرمه، مقالين طويلين نسبيا، عن الكاتب الصينى البديع الذى فاز هذا العام بجائزة نوبل للآداب، لأن جُلَّ قراء العربية لا يعرفون عنه شيئا، ولم يسمع معظمهم باسمه، ولم تترجَم أىٌّ من رواياته البديعة لها، رغم أن له، قبل فوزه بالجائزة، عشر روايات مترجمة للإنجليزية، وأكثر من عشر لكل من الفرنسية والألمانية. فقد أثرت سنوات البؤس والتردى والهوان، التى ثار عليها الشباب، على العقل العربى وعلى ثقافته. فتراجعت فيها الترجمة وساد الجهل، واستنام الواقع لدعة الكسل العقلى والتخلف. ثم جاء الربيع العربى، لينتشلنا من هذا التردى والهون، فركبت موجته التيارات المتأسلمة والمتأسلفة والتى تريد أن تغرقه فى دياجير جهلها، وأن تضع على عينيه غمامة لا ينظر منها إلا إلى الماضى البعيد، ولا يقرأ بهما إلا كتب الأدعياء، الذين يسمون أنفسهم دعاة، المترعة بضيق الأفق والخرافة. وبدلا من أن ينشغل عالمنا العربى باللحاق بالعالم المتحضر الذى سبقنا فى كل شىء، من الشفافية وسلامة نظم الحكم، وضمان الحريات، والتداول السلمى للسلطة، حتى التقدم العلمى، ووسائل الاتصال، والثورة الإلكترونية، وعلوم الذرة والفضاء، ها نحن نغرق فى تفاهات مفاخذة الصغيرة، ومضاجعة الوداع/ أقرأ الموتى. وها هو العالم يصفعنا كل يوم بحقائق جهلنا فلا نفيق. وآخر تلك الصفعات هو منح الأكاديمية السويدية جائزة نوبل لكاتب لم نسمع عنه، ولم نترجم له كتابا واحدا قبل فوزه بها. مع أن العالم المتحضر والذى يعيش العصر ولا يريد النكوص إلى الماضى السحيق ترجم أعماله لكل لغاته. وهو أمر تكرر أكثر من مرة فى العقدين الأخيرين. تكرر مع توماس ترانسترومر عام 2011، ومع هيرتا ميلر عام 2009، ومع جان مارى ليكلوزيو عام 2008، ومع ألفريدا يلينيك عام 2004، ومع جون كوتسيا عام 2003، والقائمة تطول.فإذا كانت الحرية لا تتجزأ، فإن التخلف والتردى لا يتجزآن كذلك. فمع الاستبداد تتراجع كل الحريات، ومع التخلف يتدهور التعليم، ويقتصر على التلقين والترديد الببغائى لمحفوظات بالية، ويموت الشغف بالمعرفة، وحب استطلاع الآفاق الجديدة، ويختفى التمحيص النقدى للوقائع والخطابات السائدة. فيسود الجهل ويعم الظلام، ويسهل تزييف ما كان يبدو فى الماضى وكأنه من أسس الثقافة والجدل العقلى والتمويه عليه بمهرجانات واحتفاليات فاسدة، ومشاريع كبيرة، كالمشروع القومى للترجمة مثلا. ففى عز ازدهار هذا المشروع تكررت تلك اللطمات التى عددت بعضها لثقافتنا من جائزة نوبل للآداب، فبينما كان المشروع يتباهى بازدياد عدد الكتب التى يصدرها، كانت الأكاديمية السويدية تقول لنا المرة تلو الأخرى إن ثقافتنا تتردى فى وهاد تكرار ما أنجزته، ولا تفتح نوافذها، ناهيك بأبوابها للعالم الذى يواصل التقدم دون أن يعبأ بانشغالنا عنه بسفاسف الأمور. أو فى أحسن الأحوال، وهذا أفضل ما فى المشروع القومى للترجمة، استعادة ما سبق أن عرفناه، بإعادة طبع بعض الترجمات القديمة وليست دائما الجيدة.وأجمل ما فى الأكاديمية السويدية التى تمنح الجائزة هو يقظتها الدائمة، وشغفها بارتياد الآفاق الجديدة، والبحث المستمر عن المعرفة، والجرى وراءها فى مصادرها. حيث تكلف باستمرار أبرز الخبراء فى مختلف آداب العالم بكتابة تقارير عن أهم الهامات الأدبية فى موضوع تخصصهم، وتطلب مهم ترشيح بعض العناوين لها لقراءتها. أقول هذا عن خبرة، إذ حدث هذا معى ومع أكثر من زميل من زملائى فى الكلية التى عملت بها لربع قرن فى جامعة لندن، كلية الدراسات الشرقية والإفريقية، وهى من أبرز قلاع المعرفة بشؤون قارتى آسيا وإفريقيا وآدابها. لذلك كثيرا ما تثبت لنا الأكاديمية أنها لا تلتفت إلى الأسماء المكرورة التى يتداولها المتكهنون ببورصة التوقعات، وتطرح علينا اسما جديدا، يوسع أفق معرفة العالم الأدبية، ويعزز مصداقية الجائزة ومكانتها، ويضيف الكثير إلى رأسمالها الرمزى.تناظرات الأدبين: الصينى والعربى ولا شك فى أن خبر حصول الكاتب الصينى مو يان Mo Yan، على جائزة نوبل للآداب هذا العام، من الأخبار السعيدة التى تزفها لنا الأكاديمية السويدية بين الحين والآخر. وتساهم بذلك فى تسليط الضوء على كاتب جدير بأن يعرفه القراء على نطاق واسع، وعلى أدب يستحق الاهتمام. فلن يقل تأثير هذا الخبر على وضع الأدب الصينى الحديث فى المشهد الثقافى العالمى، عن تأثير خبر حصول كاتبنا الكبير نجيب محفوظ على جائزة نوبل عام 1988 على مكانة الأدب العربى على الخريطة العالمية، وعلى اهتمام القراء والمترجمين به. أقول هذا لمعرفتى الوثيقة بوضع الأدب الصينى حيث عملت لربع قرن جنبًا إلى جنب مع متخصصين فى آداب الصين واليابان وغيرها من آداب آسيا وإفريقيا. وقد أعادنى تصفحى لتغطية الصحف الصينية المنشورة بالإنجليزية للخبر، لتغطية الصحف المصرية والعربية لخبر حصول نجيب محفوظ على نوبل للآداب. حيث تذكر كيف تأخرت الجائزة فى الاعتراف بالأدب الصينى، وكيف أن هناك أكثر من كاتب صينى كان جديرا بها، وتعدد أسمائهم من لو صين وباو جين، حتى يانج مو، وماو دون وغيرهم. وإنه آن الأوان لأن يحظى الأدب الصينى بالمكانة الجديرة به على خريطة الأدب الإنسانى المعاصر، وأن تترجم روائعه إلى لغات العالم المختلفة. وهو الأمر الذى فعلناه حينما فاز بها نجيب محفوظ، واعتبرناه اعتذارا عن عدم منحها لطه حسين أو توفيق الحكيم أو يحيى حقى، أو يوسف إدريس.وأعادتنى قراءة هذه التغطيات لنفس القضايا التى طرحت عربيا حول سياسات الترجمة، وحول الصعوبات التى يطرحها الأدب الصينى على المترجم الغربى لاختلاف الإحالات الثقافية من ناحية، ولضياع الكثير من جماليات الكتابة الصينية الحديثة وتناصّاتها المضمرة فى الترجمة من ناحية أخرى. لأن الأدب الصينى كرديفه العربى، له تاريخ أدبى طويل وعريق، وتاريخ سياسى إشكالى ومعقد، يحاوره الأدب المعاصر، ويقيم علاقاته النصية معه وإحالاته التاريخية والسياسية عليه. ناهيك بأهمية معرفة تاريخ الصين من ثورة 1911 حتى الاحتلال اليابانى، وصولا إلى الزحف الطويل وثورة 1949، ثم الثورة الثقافية عام 1966، وحتى انتفاضة ميدان تينامين الموؤودة عام 1989. وهى كلها من المرتكزات الأساسية والضرورية لفهم أعمال مو يان القصصية والروائية. وهو أمر يناظر ما نقوله عن ضرورة معرفة تاريخنا لفهم أدبنا.لكن الفرق بالطبع هو فى أن مو يان يحصل على الجائزة بعد 24 عاما من حصول نجيب محفوظ عليها، كما أنه حصل عليها وهو فى السابعة والخمسين من عمره، بينما حصل نجيب محفوظ على جائزته وهو فى السابعة والسبعين. ناهيك باختلاف جوهرى آخر، وهو أن نجيب محفوظ حصل على الجائزة فى شيخوخته، وفى مرحلة كانت بلاده فيها تتخبط فى مهاوى التردى والتبعية والهوان، بينما يحصل عليها الكاتب الصينى وهو فى شرخ كهولته ونضجه، وفى مرحلة ترتقى فيها الصين مدارج القوة والتقدم بخطوات متسارعة.وقد أثار خبر حصوله على الجائزة بالفعل الاهتمام بأعماله فقفزت مبيعاتها، عن طريق شركة «أمازون»، به من المكانة 560 إلى المكانة 14 بعد يوم واحد من حصوله على الجائزة. كما أن الألف وخمسمئة نسخة التى كانت لديها من كتابه الأخير (الضفادع) نفدت فى الساعات الست التالية لإعلان الخبر. ولا يقل ما جرى لأعماله فى الصين نفسها عما حدث لترجماته الإنجليزية. إذ عمت الصين فرحة لا تقل عن تلك التى عمّت مصر عقب فوز نجيب محفوظ بالجائزة، ونشرت الصحف الرسمية الخبر فى صدر صفحاتها الأولى، باعتباره أول كاتب صينى يفوز بجائزة نوبل للآداب. وقد اهتمت فى تغطيتها للخبر بالتركيز على أنه أول مواطن صينى يفوز بجائزة نوبل للآداب طوال تاريخها الذى تجاوز القرن، وأن هذا الفوز يشكل اعترافا غربيا بأهمية الأدب الصينى، وبالثقافة الصينية الأصلية، وبمكانة الصين الدولية كقوة صاعدة، كما تقول «جلوبال تايمز» الصحيفة الصينية الرسمية الناطقة بالإنجليزية.لأن الكاتب الصينى جاو زينجيان Gao Xingjian الذى سبقه إليها وفاز بها عام 2000 فاز بها كمواطن فرنسى، تخلى عن جنسيته الصينية عام 1996 بعد لجوئه السياسى لفرنسا. وهو أمر أدانته الصين وقتها، واعتبرت منحه جائزة نوبل للآداب فعلا عدائيا لا ينطوى على أى تقدير للأدب الصينى، وإنما يدخل ضمن ألاعيب جائزة نوبل السياسية والمغرضة. كما أن حصول الناقد الأدبى والناشط السياسى، والرئيس السابق لنادى القلم الصينى (وهو مؤسسة ممولة بالكامل من «NED» الوقف القومى للديمقراطية، وهو أحد أذرع المخابرات المركزية الأمريكية) ليو زياوبو Liu Xiaobo على جائزة نوبل للسلام عام 2010 بعدما منعت كتبه، وحكم عليه بالسجن بتهم تحريضه على هدم الدولة الصينية، ودعوته لإنشاء أحزاب أخرى غير الحزب الشيوعى، الحزب الوحيد والحاكم فى الصين، لم تره الصين إلا فى سياق مخططات الغرب السياسية العدائية ضدها، بل إن جائزة مو يان لم تسلم هى الأخرى من مجموعة من ردود الفعل الإشكالية كتلك التى واجهتها جائزة محفوظ.ردود أفعال الأدب والسياسة:وبدلا من ردود فعل المتأسلمين المتخلفة على فوزه بالجائزة، وتنديد بعضهم من جديد بروايته البديعة «أولاد حارتنا»، وإصدار عمر عبد الرحمن فتوى تهدر دمه، وزعم بعض العرب بأن سر فوزه بها هو مهادنته للعدو الصهيونى أو مغازلته للتطبيع معه، ها نحن نقرأ مجموعة أخرى من الإشكاليات الصينية، وهى إشكاليات تكشف لنا عن أن الجائزة، رغم أدبيتها تلعب دورا سياسيا بامتياز، وتؤثر فى لعبة علاقات القوى الثقافية منها والسياسية على السواء، فقد انتقدت عدة منابر فى الصحافة الغربية، والأمريكية منها خاصة، قرار منحه الجائزة لأنه عضو فى الحزب الشيوعى الصينى، ولم يعرف عنه انتقاد سياسات الحزب، أو تأييد الحركات الصينية الداعية للديمقراطية. وأنه التزم فى كثير من سفرياته التى مثل فيها الأدب الصينى فى الغرب بخط الحزب فى هذا المجال وتعليماته بأن لا يُستدرَج إلى إدانة نظام بلاده لصالح أعدائها، ولم يستجب لكثير من استفزازات الصحافة المعادية للصين فى هذا المجال. أما الكتاب الصينيون فى مختلف المنافى الأوروبية والأمريكية، فلم يقل هجومهم على الجائزة عن نظرائهم الغربيين، لكن برندان أوكين Brendan O’Kane وهو مترجم أيرلندى/ أمريكى للأدب الصينى رد على هذا الهجوم، مؤكدا أن «أعمال مو يان فى جوهرها، وبطريقتها السيريالية البارعة تقوض الكثير من المسلمات. صحيح أنه ليس معارضا على طريقة ليو زياوبو، ولكن قدرة أعماله على فضح الرشوة والقسوة وغباء السلطة تجعلها أقوى تأثيرا من معارضات زياوبو. ففى الصين كثير من الكتاب الذين يفضلون أن يمارسوا دورهم المعارض فى مجتمعهم ضمن سياق المسموح، الذى يوسعون رقعته باستمرار، على أن تمنع أعمالهم، أو يسجنوا أو أن يمنحهم الغرب وظيفة شرفية فى إحدى جامعاته».أما فى الصين نفسها، فإن الفرحة القومية الكبيرة بحصوله على جائزة نوبل باعتبارها اعترافا بأهمية الأدب الصينى ومكانة الصين الدولية، وهى التى وسمت تغطية الصحافة الرسمية للخبر، سرعان ما أفسحت المجال لعدد من الاستجابات المختلفة، بل والمتناقضة، فى الإنترنت خاصة، فبينما أثنى البعض على عمق بصيرته، ورهافة رؤيته الأدبية، وتجريبيته الجسورة فى الشكل والموضوع معا، واعترف الكثيرون بموهبته وإنجازه وقيمته الأدبية المهمة، بل حتى شجاعته فى التعبير عن آراء مستهجنة لخط الحزب فى رواياته. انتقده الآخرون لأنه يؤثر الصمت حينما يتعلق الأمر بقضايا الحرية وحقوق الإنسان. ألا يذكرنا هذا بشىء مما قيل عن نجيب محفوظ؟! فقد انتقد الكاتب لياو ييوو Liao Yiwu الخارج قبل عامين من المعتقل، قرار لجنة نوبل باعتباره «دليلا واضحا على معايير الغرب الملتبسة وما دعاه بغمغماته الأخلاقية». بينما ذهب ناشط صينى معروف هو آى ويوى Ai Weiwei إلى أن منحه الجائزة «وصمة فى جبين الأدب وجبين الإنسانية» كما يقول، وهو يسرد سجله الطويل فى الالتزام بتعليمات الحزب والصمت عن انتهاكاته.ويشير ثالث إلى أنه حينما رأس وفد الصين لمعرض فرانكفورت الدولى للكتاب عام 2009، عندما كانت الصين ضيف شرف المعرض، قاطع أنشطة كتاب المنفى الصينيين المعارضين فى الغرب، استجابة بالطبع لتعليمات الحزب. كما حثّه عدد من منتقديه على أن يقوم الآن، وقد حصنته نوبل، بدور بارز فى الدفاع عن نجوم الأجندات الغربية فى الصين، مثل ليو زياوبو. لكن ردود فعل مو يان على تلك الهجمات تفاوتت، بين كشف نفاق مهاجميه، حينما رد عليهم: «إن كثيرا من الذين انتقدونى فى الإنترنت، هم أنفسهم أعضاء فى الحزب الشيوعى، ويعملون ضمن النظام القائم، ومنهم من استفاد منه كثيرا. ولو قرؤوا أعمالى لأدركوا أننى أعبر عن ضمير شعبى، وأننى انتهكت فيها الكثير من المحرمات التى تعرض منتهكيها للخطر»، وبين اللجوء إلى مهادنة مماثلة لتلك التى اتخذها محفوظ عقب هجوم منتقدى نوبل عليه، إذ سارع بعد يومين من نبأ حصوله على الجائزة إلى مطالبة السلطات الصينية بالإفراج عن ليو زياوبو.مو يان: أفصح من لا يتكلم:فمن هو مو يان؟ وكيف صعد من أحد أفقر مناطق الصين إلى ساحة الاهتمام الدولى والثقافى؟ ولد جوان موييه Guan Moye المعروف باسم مو يان Mo Yan وهو اسمه الأدبى الذى استقاه من نصه الأول من ناحية، ومن مفارقة دالة على وضع الكاتب فى الصين من ناحية أخرى، لأنه يعنى باللغة الصينية، «لا تتكلم»، ولد فى 17 فبراير عام 1955 فى قرية صغيرة هى جاومى التى تقع فى محافظة شاندونج (التى يعنى اسمها شرق الجبل) والمطلة على بحر الصين فى الشمال الشرقى من الصين، فى مواجهة الجزء الجنوبى من شبه الجزيرة الكورية. ولد فى أسرة فلاحية فقيرة تعانى من شظف العيش وقلة الإمكانيات، وتوفر لها فلاحة الأرض بالكاد قوت يومها وعيالها، واضطر كأغلب أبناء جيله إلى ترك المدرسة صبيا للالتحاق بالثورة الثقافية عام 1966، وخبر بنفسه تأثيرها المدمر على المناطق الفلاحية الفقيرة، ثم اضطر إلى العمل فى مصنع للمنتجات النفطية إلى جانب عمله فى الحقل لمساعدة أسرته الفلاحية، وعانى طوال سنوات طفولته وصباه من الفقر، إلى الحد الذى يوشك فيه حديثه عن الفقر الذى خبره بحق أن يكون طالعا من صفحات رواية (جوع) لكنوت هامسون، حيث اضطر إلى أكل لحاء الأشجار. كما أن إجابته عن سؤال لماذا أصبحت كاتبا، ذكرتنى بمشهد من رواية (جوع) لمحمد البساطى، حينما يسأل الابن أباه مندهشا، وقد جلب لهم بقايا مائدة الرجل الثرى الذى يعمل عنده بما فيها من لحوم: «وبتاكل من ده كل يوم!» لأنه أجاب أن أحد أبناء قريته الذى تعلم فى بكين، قال له مرة إنه عرف كاتبا فيها يأكل «جياوزى» ثلاث مرات فى اليوم، وهى المعادل المصرى لأكل اللحم كل يوم! فقرر أن يكون كاتبا، إذا كانت الكتابة تنتشل الإنسان من براثن الفقر.وبعد الثورة الثقافية عام 1976 التحق بجيش التحرير الشعبى، باعتباره الوسيلة الوحيدة للتحرر من الفقر والمسغبة، إلى درجة أن أسرته زورت فى تاريخ ميلاده، وجعلته أصغر من عمره الحقيقى بسنه (زعموا أنه ولد عام 1956 وليس 1955، فلم يكن لديه شهادة ميلاد على كل حال) كى يلتحق بالجيش. وأكمل تعليمه فيه، حيث إن الجيش الصينى، مثله فى ذلك مثل الجيش الأمريكى، يوفر لمن يتطوعون للالتحاق به سبل التعليم. وبدأ الكتابة فى أثناء ذلك، ونشر عددا من قصصه القصيرة اللافتة. ولكن عددا من رؤسائه فى الجيش كانوا ينتقدونه، لأنه يكتب بدلا من القيام بمهامه العسكرية الأخرى، فقرر عام 1980 الالتحاق بقسم الأدب فى أكاديمية جيش التحرير الشعبى للفنون والآداب، كى تصبح الكتابة جزءا من مهامه العسكرية، ثم كتب روايته الأولى (مطر فى ليلة ربيعية) عام 1981. وفى عام 1983 عين مدرسا فى نفس القسم الذى تخرج فيه، وفى العام التالى نشر روايته القصيرة الأولى (فجل شفاف)، التى جاءت ضمن سياق فورة مرحلة الانفتاح والإصلاح الكبيرة التى بدأت مع بداية الثمانينيات. وفى عام 1991 حصل على درجة الماجستير فى الآداب من جامعة بكين. وهو عضو فى الحزب الشيوعى الصينى، ونائب رئيس اتحاد كتاب الصين.أما أعماله الأدبية المهمة التى جلبت له الشهرة، وسياق كتابتها فى الواقع السياسى والثقافى الصينى، فهذا ما سنتناوله فى المقال القادم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق