الاثنين، 28 يناير 2013

الطعام والموائد من كتاب جمع الجواهر للحصري


 

وعلى ذكر الطعام. قال الجماز: جاءنا فلان بمائدة كأنها زمن البرامكة على العفاة؛ ثم جاءنا بشراب كأنه دمعة اليتيم على باب القاضي:
قد جنّ أضيافك من جوعهم ... فاقرأ عليهم سورة المائده
وقال ابن الرومي يصف طعاماً أكله عند أبي بكر الباقطاني:
وسميطة صفراء ديناريّة ... ثمناً ولوناً زفّها لك حزور
عظمت فكادت أن تكون أوزّة ... وهوت فكاد إهابها يتفطّر
ظلنا نقشّر جلدها عن لحمها ... وكأنّ تبراً عن لجين يقشر
وتقدّمتها قبل ذاك ثرائدٌ ... مثل الرياض بمثلهن يصدّر
ومرقّقات كلّهنّ مزخرفٌ ... بالبيض منها ملبس ومدثّر
وأتت قطائف بعد ذاك لطائفٌ ... ترضى اللهاة بها ويرضى الحنجر
ضحك الوجوه من الطبرزد فوقها ... دمع العيون من الدهان يعصّر
ومن ملح ما قيل في القطائف، قول علي بن يحيى بن منصور بن المنجم:
قطائف قد حشيت باللّوز ... والسكر الماذيّ حشو الموز
تسبح في آذيّ دهن الجوز ... سررت لمّا وقعت في حوزي
سرور عبّاس بقرب فوز
ولم يقل أحد في اللوزينج أحسن من قول ابن الرومي:
لا يخطئني منك لوزينجٌ ... إذا بدا أعجب أو عجّبا
لم تغلق الشهوة أبوابها ... إلا أبت زلفاه أن يحجبا
لو شاء أن يذهب في صخرة ... لسهّل الطيّب له مذهبا
يدور بالنّفخة في جامه ... دوراً ترى الدّهن له لولبا
عاون فيه منظرٌ مخبراً ... مستحسنٌ ساعد مستعذبا
مستكثف الحشو ولكنّه ... أرقّ قشراً من نسيم الصّبا
كأنما قدّت جلابيبه ... من أعين القطر إذا قبّبا
يخال من رقة خرشائه ... شارك في الأجنحة الجندبا
لو أنه صوّر من خبزه ... ثغرٌ لكان الواضح الأشنبا
من كل بيضاء يودّ الفتى ... أن يجعل الكفّ لها مركبا
مدهونة زرقاء مدفونة ... شهباء تحكي الأزرق الأشهبا
ملذّ عين وفم حسّنت ... وطيّبت حتى صبا من صبا
ذيق له اللّوز فما مرّة ... مرّت على الذائق إلاّ أبى
وانتقد السكّر نقّاده ... وشاوروا في نقده المذهبا
فلا إذا العين رأته نبت ... ولا إذا الضرس علاه نبا
لا تنكروا الإدلال من وامق ... وجّه تلقاءكم المطلبا
هذه الأبيات يقولها في قصيدة طويلة يمدح بها أبا العباس أحمد بن محمد بن عبيد الله بن بشر المرثدي ويهنيه بابن له ولد، أولها:
بدرٌ وشمس ولدا كوكبا ... أقسمت باللّه لقد أنجبا
وقال أبو عثمان الناجم: دخلت على أبي الحسن وهو يعمل هذه القصيدة؛ فقلت له: لو تفاءلت لأبي العباس بسبعة من الولد؛ لأن عباس يجيء منكوساً سابع، فلو تصور ذلك لجاء المعنى ظريفاً؛ فقال بديهاً:
وقد تفاءلت له زاجراً ... كنيته لا زاجراً ثعلبا
إنّي تأمّلت له كنيةً ... إذا بدا مقلوبها أعجبا
يصوغها العكس أبا سابع ... وذاك فأل لم يعد معطبا
وقد أتاه منهم واحدٌ ... فلننتظرهم ستّة غيّبا
في مدةٍ تغمرها نعمة ... يجعلها اللّه له ترتبا
حتى تراه جالساً بينهم ... أجلّ من رضوى ومن كبكبا
كالبدر وافى الأرض من نوره ... بين نجوم سبعة فاختبا
وليشكر الناجم عن هذه ... فإنّها من بعض ما بوّبا
أسدى وألحمت فتىً لم أزل ... أشكر ما أسدى وما سبّبا
وقال يصف الرؤوس والرغفان:
ما إن رأينا من طعامٍ حاضر ... نعتدّه لفجاءة الزوّار

كمهيئين من الطعام أصبحا ... شبهاً من الأبرار والفجّار
روس وأرغفة ضخام فخمة ... قد أخرجت من جاحم فوّار
كوجوه أهل الجنة ابتسمت لنا ... مقرونة بوجوه أهل النار
ومن تشابيهه العقم:
ما أنس لا أنس خبّازاً مررت به ... يدحو الرقاقة وشك اللّمع بالبصر
ما بين رؤيتها في كفّه كرةً ... وبين رؤيته قوراء كالقمر
إلاّ بمقدار ما تنداح دائرةٌ ... في صحفة الماء يرمى فيه بالحجر
وكان ابن الرومي منهوماً في المآكل وهي التي قتلته، وكان معجباً بالسمك، فوعده أبو العباس المرثدي أن يبعث إليه كل يوم بوظيفة لا يقطعها، فبعث إليه منه يوم سبت ثم قطعه، فكتب إليه:
ما لحيتاننا جفتنا وأنّى ... أخلف الزائرون منتظريهم
جاء في السبت زورهم فأتينا ... من حفاظٍ عليه ما يكفيهم
وجعلناه يوم عيد عظيمٍ ... فكأنّا اليهود أو نحكيهم
وأرهم مصمّمين على الهج ... ر فلم يسخطون من يرضيهم
قد سبتنا فما أتتنا وكانوا ... يوم لا يسبتون لا تأتيهم
فاتصل ذلك بالناجم فكتب إليه:
أبا حسنٍ أنت من لا تزا ... ل يحمد في الفضل رجحانه
فكم تحسن الظنّ بالمرثديّ ... وقد قلّل اللّه إحسانه
ألم تدر أن الفتى كالسراب م ... إذا وعد الخير إخوانه
وبحر السراب يفوت الطلوب م ... فقل في طلابك حيتانه
وخرج ابن الرومي مع بعض إخوانه في حداثته إلى بعض المتنزهات، وقصدوا كرماً رازقياً، فشربوا هناك عامة يومهم، وكانوا يتهمونه في الشعر. فقالوا: إن كان ما تنشدنا لك فقل في هذا شيئاً. فقال: لا تريموا حتى أقول، ثم أنشد بديهاً:
ورازقيّ مخطف الخصور ... كأنّه مخازن البلّور
قد ضمّنت مسكاً إلى الشطور ... وفي الأعالي ماء وردٍ جوري
لم يبق من وهج الحرور ... إلاّ ضياء في ظروف نور
لو أنه يبقى على الدهور ... قرّط آذان الحسان الحور
بلا مزيد وبلا شذور ... له مذاق العسل المشور
وبرد مسّ الخصر المقرور ... ونكهة المسك مع الكافور
ورقة الماء على الصدور ... باكرته والطير في الوكور
بفتيةٍ من ولد المنصور ... أملأُ للعين من البدور
حتى أتينا خيمة الناطور ... قبل ارتفاع الشمس للذرور
فانحطّ كالطاوي من الصقور ... بطاعة الراغب لا المقهور
والحرّ عبد الحلب المشطور ... حتى أتانا بضروع حور
مملوءة من عسلٍ محصور ... والطّلّ مثل اللؤلؤ المنثور
ينساب مثل الحية المذعور ... بين سماطي شجرٍ مسطور
ناهيك للعنقود من ظهور ... فنيلت الأوطار في سرور
وكل ما يقضى من الأمور ... تعلّةٌ من يومنا المنظور
ومتعةٌ من متع الغرور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق