الخميس، 31 يناير 2013

لقاء مع محمد أركون

كتبهابلال عبد الهادي ، في 15 أيلول 2010 الساعة: 12:13 م




بعد أن حصلت على شهادة الليسانس من الجامعة اللبنانية فرع طرابلس، ذهبت الى باريس لمتابعة الدراسات العليا. كانت باريس لي بمثابة حلم، زرتها صيف 1979، وقضيت هناك فترة ثلاثة أشهر، تمهيدا للمجيء اليها بعد نيلي الليسانس. كنت قد قرّرت حتى قبل دخولي الجامعة اتمام رسالة الدكتوراه في باريس كما فعل طه حسين. إذ كنت في تلك الفترة واقعا تحت سحر طه حسين، الذي اعتبرته بيني وبين نفسي بمثابة ابي الروحي. واليوم حين انظر في اوراقي القديمة وكتاباتي الاولى أشم رائحة طه حسين من خلال تقليدي لطريقته في الكتابة. هي في اي حال ايام ولّت.
خرجت من طرابلس الى باريس في وضع صعب، الانقاض تملأ شوارع المدينة، الحرب التي اخذت اسمها من أبي عمار بسبب وجوده في المدينة بعد طرده على يد القوات الاسرائيلية من بيروت خلال صيف حار قبل سنة من تاريخ حرب طرابلس الدامية بين" العرفاتيين" والقوات السورية. خرجت وكانت الهدنة الهشة لا تزال في بداياتها. وصلت الى باريس وكأني أجيء من قلب الأنقاض إلى مدينة الأضواء التي اعرفها جيدا.
وهناك تعرفت على أركون، وعلى الكاتب الجزائري الآخر جلال الدين بن شيخ.الذي قال لي كلمة هزت سذاجتي هزّا عنيفا وأيقظني على واقع آخر غير الواقع الذي كنت احياه قال لي: لا تقدّس شيئاً.جوابا على قولي له اني اقدس اللغة العربية، واقصد بالقداسة هنا حبي الشديد للغة الضاد. وكان لبن شيخ الفضل في تعرفي على محمد اركون الذي اعجبت بفكره وبطريقته في تناول المواضيع فرحت أداوم على سماع محاضراته التي كان يلقيها في السوربون الجديدة.
وحين اشتغلت في مجلة الاسبوع العربي قررت اجراء مقابلة معه نشرتها قبل مغادرتي باريس بفترة قليلة في الاسبوع العربي.
كنت أسأل وكان يجيب بحفاوة، وما لفت نظري انه لا يحب ان يقال عنه ما لم يقله بعظمة لسانه فاشترط علي القاء نظرة على المقابلة بعد تفريغها من الشريط. وهذا مان كان. وكنت فرحا فرحا عظيما بهذا اللقاء في مكتبه في حرم الجامعة.
شاءت الظروف ان التقي به في جامعة البلمند منذ فترة. ولكم كانت دهشتي انه لا يزال يذكر ملامح وجهي. وتفاجأ بحضوري في تلة البلمند .
اعرف ان بعض الناس لا يحبون محمد اركون اما لانه صارم، والصرامة العلمية ضرورة علمية من وجهة نظري فهل الفلتنان العلمي في بلادنا غير نتيجة للاستهتار بالعلم؟ واما لأنه ينظر الى الاسلام نظرة حيادية علمية. والحياد مطلب في نيل العلم.
في اي حال كنت وانا أقرأ له ازداد يقينا بأننا نحتاج الى هكذا رجال في العالم الاسلامي رجال لا يخدّرون العقل وانما يخضونه ، ينتشلونه من سباته وثباته.
رحمك الله ايها المفكر الجميل والنبيل الذي يضفي على الاسلام مسحة عقلانية راقية.
سوف انشر مقابلتي معه في وقت لاحق، فهي نشرت قبل زمن الانترنت .ربما في عام 1992.
من كلماته التي سمعتها منه: نحن نحتاج الى علمانية، علمانية تحمل روح الاسلام، ان العلمانية الغربية انبثقت من قلب المسيحية، ونحن نحتاج الى علمانية تنبع من قلب الاسلام اي اننا نحتاج الى علمانية اسلامية لا علمانية غربية. علمانية هي بنت الاسلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق