السبت، 26 يناير 2013

الألمان «يطهّرون» لغتهم من الكلمات المسيئة

 
برلين - يارا وهبي
الخميس ٢٤ يناير ٢٠١٣
يصعب تغيير الكلمات المؤذية أو حذفها من قواميس متحدثيها، ويصبح الأمر أشدّ صعوبة عندما تخرج تلك الكلمات من مذيع تلفزيوني أو سياسي بارز. لكن في ألمانيا، ابتُكِر حلّ للمشكلة. ففي العام 1990 تشكلت لجنة خاصة من أربع علماء لغويين ومجموعة من الصحافيين، بغية التدقيق في الكلمات غير المرغوب فيها، والمستخدمة عبر وسائل الإعلام، وكذلك لفت النظر إلى تركيبات أو كلمات غير معقولة أو غير إنسانية، والمتداولة بكثرة، بهدف تشجيع التفكير النقدي في اللغة اليومية.
ويعتبر أعضاء اللجنة أنفسهم بمثابة وسطاء لإيصال استياء الناس من وسائل الإعلام التي تذكّر جمهورها بانتظام، في تشرين الأول (أكتوبر) من كل عام، لإرسال ما يرونه غير مناسب من الكلمات إلى اللجنة.
ويتلقى أعضاء اللجنة، وهم يعملون طوعياً، الشكاوى عبر رسائل مكتوبة يرسلها الناس إليهم، متضمنة الكلمة المزعجة مع اقتراح البديل المناسب، وكذلك وسيلة الإعلام التي وردت فيها.
وتعتمد اللجنة مجموعة من المعايير في تصنيفها الكلمات غير اللائقة، والتي يجب حذفها من التداول العام. أول المعايير أن تحمل الكلمة معنى ينتهك مبدأ الكرامة الإنسانية، مثل كلمة «رينتة شفيم» التي تعني «تخمة من المتقاعدين»، وهي كلمة جرى تداولها قبل عام 1996.
والمعيار الثاني هو أن تنطوي الكلمة على معنى التمييز ضد فئات معينة، مثل كلمة «فولشتند مو» التي تعني أن الناس العاطلين عن العمل بالأطنان، أو بمعنى أدق «كأكياس القمامة»، وقد استخدمتها شركة «نستله» الشهيرة قبل أن تُحذف الكلمة عام 1997.
أما المعيار الثالث، فهو أن تتنافى الكلمة مع مبادئ الديموقراطية، مثل كلمة «التنيتف لوس» التي استخدمتها المستشارة أنغيلا مركل كثيراً عام 2010، قبل أن توضع على اللائحة المرفوضة. وتعني الكلمة «البديل»، ولكنها تستخدم في سياق يشير به السياسي إلى أن الاقترح الذي قدمه لا بديل منه ولا غنى عنه، بمعنى أنه غير قابل للرفض، ما جعل اللجنة ترى أن الكلمة تحمل معنى إقصائياً، وبالتالي يجب حذفها من التداول العام ومن لغة السياسة أيضاً.
المعيار الرابع والأخير، أن تكون الكلمة مضللة، مثل كلمة «فرايفيلغ أوس لندة» التي تعني «ترحيل طوعي للغرباء»، والتي توحي أن مقدمي طلبات اللجوء الذين رُفضت طلباتهم «عادوا إلى بلادهم طوعاً». وهذا غير صحيح، لأنهم أجبروا على الترحيل، فلا يوجد ترحيل حرّ.
في العام 2000 حُذف مصطلح استخدمه «النازيون الجدد»، وهو «المناطق المحررة وطنياً». كما حُذفت أيضاً كلمة «جنود الله» عام 2001، والتي كانت تستخدم للدلالة على حركة «طالبان» الأفغانية وتنظيم «القاعدة».
إلى ذلك، دققت اللجنة في كلام أصحاب الشركات ورجال الأعمال، فوضعت كلمة «رأس مال بشري»، التي يُكثر هؤلاء استخدامها ككلمة غير مستحبة للتعبير عن العمال.
ووراء كل كلمة قصة، ففي عام 2011 استخدم على نطاق واسع مصطلح «دونر القتل» للتقليل من أهمية قتل أصحاب مطاعم «الدونر» من ذوي الأصول التركية أو اليونانية. وجاء استخدام المصطلح إثر جريمة قتل نفذت بحق صاحب مطعم «دونر» في ألمانيا، تركي الأصل، فاستخف كثيرون بالجريمة لأن الضحية تركي، ثم دَرَجَ استخدام المصطلح للدلالة على هذا الفعل، لتأييده أو إنكاره. ولكن في كلا الحالين، رأت اللجنة وجوب حذفه من التداول.
أما العبارات التي حُرّم استخدامها هذا العام، فهي «السيدة التي تدعي أنها مغتصبة وهي كاذبة»، والتي استخدمها مذيع تلفزيوني مبرّراً تهمة وُجهت إليه بالاغتصاب. وكذلك مصطلح «إفلاس اليونان» الذي جرى تداوله على نطاق واسع في ألمانيا خلال العام الماضي، وبخاصة على لسان المستشارة مركل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق