السبت، 26 يناير 2013

الحريات في الصين والاصلاح المنشود

 
«ذي ايكونوميست» *
الأربعاء ٢٣ يناير ٢٠١٣
في اقليم هونان الصيني، صدر حكم في آب (اغسطس) الماضي يقضي بسجن تانغ هيوي 18 شهراً في معتقل الأشغال (السجن مع اشغال شاقة) بجرم المطالبة بتشديد العقوبة على الرجال الذين خطفوا ابنتها البالغة 11 سنة واغتصبوها. وإلى وقت قريب، كان مصير مثل هذه السيدة قاتماً وكان لينتهي الى فقدان أثرها وكأنها تبددت. ولكن في عصر المدونات الصغيرة، أيد الآلاف من ابناء الطبقة الوسطى قضيتها وناصروها. فاضطرت السلطات الى إطلاقها. وفي السابع من الشهر الجاري، أعلنت الحكومة انها ستعدل نظام معتقلات العمل و «تصلحه».
وفي غانغزهو، حرّفت الرقابة الأسبوع الماضي مضمون افتتاحية صحيفة «ساوزرن ويك إند» الاصلاحية. فالافتتاحية «الاصلية» دعت الى احترام الحقوق المكرسة في الدستور الصيني، على خلاف النسخة المحرفة التي تحتفي بالحزب الشيوعي والنظام السياسي الصيني. ودعا فريق عمل الصحيفة الى الاضراب، وتظاهر مؤيدون له أمام مكاتبها في غانغزهو منشدين شعارات سياسية لم تعرف الصين مثلها منذ اضطرابات 1989.
ويخالف المسؤولون الصينيون في قضية تانغ وقضية الرقابة، الدستور الصيني. ومثل هذه المخـــالفة ليـــس وليد اليـــوم. فلطالما درج القادة الصينيون على هذا المنوال ولم يلتزموا الدستور، ولكن ما تغير هو رد الشعب على القرارات السياسية وما ينتظروه من الحكام. ولم يعد النمو الاقتصادي والشعارات الرنانة فحسب جسراً الى كسب رضا الصينيين. فهم يطالبون اليوم بالاصلاح السياسي، ومستقبل الرئيس الجديد، تشي جينبينغ، ومستقبل بلاده رهن نزوله على طلب الاصلاح او رفضه.
ويتململ الصينيون من شوائب النظام القضائي والقيود على حرية الصحافة. ويعود نظام «اصلاحية معتقلات العمل» المعروف بـ «لاوجياو» الى 1957، و «نزلاؤه» لا يمثلون امام القضاء. وأرسي النظام لجبه «القوات المتمردة المعادية للثورة». واليوم يحال على هذه «الإصلاحية» صغار المجرمين من العاملين في البغاء أو المتظاهرين أو المعترضين على تعسف السلطة. وقد يسجن المرء 4 سنوات من غير محاكمة، ويقال ان عدد المعتقلين فيها يبلغ حوالى 160 ألف على الأقل.
ومبادرة الرئيس إلى الإصلاح غامضة. فعلى سبيل المثل، نشر صحافي خبير في الشؤون القضائية على مدونته الالكترونية نقلاً عن مسؤول قضائي بارز ان الحكومة ستوقف هذه السنة العمل بنظام لاوجياو، وبعد ساعات على نشر الخبر، أعلنت وكالة الانباء الرسمية، شينخياو، أن النظام لن يلغى، بل «سيُعدل». ووعود الاصلاح السابقة بقيت حبراً على ورق. ولن يُنصف المعتقلون ولو أُجيز لهم الاستعانة بمحامٍ أو المثول امام القضاء. فالنظام القضائي الصيني لا يوفر ضمانات للمتهمين بمحاكمة عادلة.
وفي غانغزهو، استأنف فريق صحيفة «ساوزرن ويك إند» العمل. ويدور الكلام على ابرام أفراد الفريق صفقة مع النظام تقضي بالتزامهم الرقابة الذاتية لقاء امتناع الرقيب عن التدخل تدخلاً سافراً والاكتفاء بتوجيهات رسمـــية عامة للمــحررين. ويبدو أن رئيس جهاز البروباغندا باقٍ في منصبه، ولا مؤشرات الى رفع القيود عن حرية التعبير او البدء بعملية الاصلاح السياسي. فقادة الحزب الشيوعي ينظرون الى حرية الصحافة على انها «الجسر الى الفوضى» وليست أداة رقابة على الفساد.
منذ مطلع التسعينات، ثمة اتفاق ضمني بين الطبقة السياسية والصينيين يرهن إقدام الحُكام على التنمية الاقتصادية بعزوف «المحكومين» عن المطالبة برفع القيود عن الحريات. ويبدو ان كثراً من الصينيين تراجعوا عن الاتفاق. فإثر رسوخ النمو وانعقاد ثمرات الازدهار، بدأوا يطالبون بالحرية. وكلما سارعت الرقابة الالكترونية الى «محو» المقالات والتغريدات المعارضة، تضاعف اقبال ابناء الطبقة الوسطى الغاضبين على نشر شكاوى تظهر شوائب النظام، ومشاركتهم في النقاش المعارض الدائر. وفي السابع من الشهر الجاري، أيد النجم السينمائي الذائع الصيت، ياو شن، وعدد «أتباعه» على تويتر يفوق 30 مليون شخص، صحيفة «ساوذرن ويك إند» باقتباس عبارة الكاتب الروسي الكبير ألكسندر سولجنتسين: «وزن الكلمة الحق يفوق وزن العالم». ودعاة التغيير السياسي ليسوا جميعاً من الخارجين عن النظام. ففي الشهر الماضي، وقّع 72 صينياً «محترماً»، معظمهم من المحامين والاساتذة الجامعيين، عريضة تطالب بالإصلاح.
ويرى الغربيون ان المبادئ الاخلاقية تقضي برفع القيود عن حرية التعبير واغلاق معسكرات العمل. لكن حسابات الرئيس المتسلط قد تكون مختلفة، رغم ذلك هو مدعو الى إدراك ان امساك الحزب الحاكم بمقاليد السلطة بواسطة القمع يفاقم الاضطراب ويزعزع الاستقرار. ولا شك في ان الإصلاحات قد تشرّع الأبواب على الأخطار، لكن الأخطار المترتبة على تجاهل الاصلاح افدح وأكبر.

* عن «ذي ايكونوميست» البريطانية، 18/1/2013 - 12، إعداد منال نحاس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق