كتبهابلال عبد الهادي ، في 14 نيسان 2011 الساعة: 17:35 م
وجُعِل البيانُ على أربعة أقسام:
لفظ، وخطّ، وعَقْد، وإشارة، وجُعِل بيانُ الدليل الذي لا يستدِلُّ تَمْكِينَهُ
المستدِلَّ من نفسه، واقتيادَه كلَّ من فكَّر فيه إلى معرفةِ ما استُخْزِنَ من
البرهان، وَحُشِيَ من الدَّلاَلة، وأُودِع مِن عَجيب الحكمة، فالأجسامُ الخُرْسُ
الصامتة ناطقةٌ مِن جهة الدَّلالة، ومُعْرِبةٌ من جهة صحَّة الشهادة، على أنَّ الذي
فيها من التدبير والحِكمة، مخبرٌ لمن استخبَرَه، وناطقٌ لِمَن استنطقه، كما خبَّر
الهُزَالُ وكُسُوف اللونِ عن سُوءِ الحال وكما ينطق السمن وحسن النضرة عن حسن
الحال،وقد قال الشاعر وهو نصيب:
فعاجُوا فأثنَوا بالذي أَنْتَ أَهلُه
ولو سكتوا أثنتْ عليك الحقائب
وقال آخر :
مَتى تَكُ في
عدوٍّ أو صديقٍ تُخَبِّرْكَ العيونُ عن القلوبِ
وقد قال العُكْليُّ في صِدق
شمِّ الذّئب وفي شدّةِ حسِّه واسترواحه :
يَستخبِر ُالريحَ إذا لم يَسْمَعِ
بمثل مقراعِ الصَّفا الموقَّع
وقال عنترة هو يصف نَعِيبَ غُراب
:
حَرِقُ الجَنَاحِ كأنَّ لَحْييْ رأسه
جَلَمانِ بالأخبار هَشٌّ مُولَع
وقال الفضل بن عيسى بن أبان في
قصصه: سَل الأَرْضَ فقلْ : مَنْ شقَّ أنهارَكِ وغَرَسَ أشجارَكِ، وجَنَى ثِمارَكِ،
فإنْ لم تُجبكَ حِواراً، أجابتْكَ اعتباراً.
فموضوعُ الجسم ونَصْبته، دليلٌ على ما
فيه وداعيةٌ إليه، ومنبهة عليه. فالجمادُ الأبكمُ الأخرسُ من هذا الوجه، قد شارَكَ
في البيان الإنسانَ الحيَّ الناطق. فمَنْ جَعَل أقسام البيانِ خمسة، فقد ذهَبَ
أيضاً مذهباً له جوازٌ في اللّغة، وشاهدٌ في العقل. فهذا أحدُ قِسمَي الحكمة،
وأحَدُ مَعْنَيَيْ ما استخرنها اللّه تعالى من الوديعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق