كتبهابلال عبد الهادي ، في 11 حزيران 2011 الساعة: 17:32 م
إنّا نجِدُ الحاكية من الناس يَحكي
ألفاظَ سُكان اليَمَن مع مَخارج كلامهم، لا يٌغادر من ذلك شيئاً، وكذلك تكون حكايتُه للخُرَاسانيّ والأهوازيّ والزِّنجي
والسِّنديّ والأجناسِ وغيرِ ذلك، نعم حتَّى تجدُه كأنه أطْبَعُ منهم، فإذا ما حَكى
كلامَ الفأفاء فكأنما قد جُمِعَتْ كلُّ طُرْفَةٍ في كل فأفاءِ في الأرض في لسانٍ
واحد وتجدُه يحكي الأعمى بصُوَرٍ ينشئها لوجهه وعينيه وأعضائه، لا تكاد تجد مِن
ألْف أعْمَى واحداً يجمع ذلك كلَّه، فكأنّه قد جَمَع جميعَ طُرَف حركاتِ العُميان
في أعمَى واحد.
ولقد كان أبو دَبُّوبة الزنجي، مولى
آل زيادٍ، يقف بباب الكَرْخ، بحضرةِ المُكَارين، فينهِقُ، فلا يبقى حمارٌ مريض ولا
هَرم حسيرٌ، ولا مُتعَبٌ بهيرٌ إلا نَهَقَ، وقبل ذلك تسمع نَهيق الحِمار على
الحقيقة، فلا تنبعث لذلك، ولا يتحرَّك منها متحرِّك حتَّى كانَ أبو دبُّوبة يحرّكه،
وقد كان جَمَعَ جميعَ الصورِ التي تجمع نهيقَ الحمار فجعَلَها في نهيق واحد، وكذلك
كان في نُباح الكلاب.
ولذلك زعمت الأوائلُ أنّ الإنسانَ
إنما قيل له العالَمُ الصغيرُ سليلُ العالَم الكبير، لأنّه يصوِّر بيديه كلَّ صورة،
ويحكى بفمه كل حكاية ولأنّه يأكلُ النَّباتَ كما تأكل البهائم، ويأكل الحيوانَ كما
تأكل السِّباع وأنّ فيه من أخلاق جميعِ أجناس الحيوان أشكالاً، وإنما تهيَّأ
وأمكنَ الحاكية لجميعِ مخارِجِ الأمم، لِمَا أعطى اللُّهُ الإنسانَ من الاستطاعة
والتمكين، وحين فضَّله على جميع الحيوان بالمنطق والعقل والاستطاعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق