كتبهابلال عبد الهادي ، في 19 كانون الثاني 2012 الساعة: 14:39 م
هذا غور من العربية لا ينتصف منه ولا يكاد يحاط
به. وأكثر كلام العرب عليه، وإن كان غفلا مسهواً عنه. وهو على أضرب: منها اقتراب
الأصلين الثلاثيين؛ كضياط وضَيْطار، ولُوقةٍ وأَلوقةٍ، ورخْو ورِخْوَدٍّ، ويَنْجُوج
وأَلَنْجُوج. وقد مضى ذكر ذلك.
ومنها اقتراب الأصلين، ثلاثياً أحدهما، ورباعياً صاحبه، أو رباعيا أحدهما، وخماسياً صاحبه؛ كدمث ودمثر، و سبط وسبطر، ولؤلؤ ولآل، والضبغطى والضبغطرى. ومنه قوله:
وقد مضى هذا أيضاً.
ومنها التقديم والتأخير على ما قلنا في الباب الذي قبل هذا في تقليب الأصول؛ نحو "ك ل م" و "ك م ل" و" م ك ل" ونحو ذلك. وهذا كله والحروف واحدة غير متجاورة. لكن من وراء هذا ضرب غيره، وهو أن تتقارب الحروف لتقارب المعاني. وهذا باب واسع.
من ذلك قول الله سبحانه: "ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا" أي تزعجهم وتقلقهم. فهذا في معنى تهزهم هزا، والهمزة أخت الهاء؛ فتقارب اللفظان لتقارب المعنيين. وكأنهم خصوا هذا المعنى بالهمزة لأنها أقوى من الهاء، وهذا المعنى أعظم في النفوس من الهز؛ لأنك قد تهز ما لا بال له؛ كالجذع وساق الشجرة ونحو ذلك.
ومنه العسف والأسف؛ والعين أخت الهمزة كما أن الأسف يعسف النفس وينال منها، والهمزة أقوى من العين؛ كما أن أسف النفس أغلظ من التردد بالعسف. فقد ترى تصاقب اللفظين لتصاقب المعنيين.
ومنه القرمة وهي الفقرة تحز على أنف البعير. وقريب منه قلمت أظفاري؛ لأن هذا انتقاص للظفر، وذلك انتقاص للجلد. فالراء أخت اللام؛ والعملان متقاربان. وعليه قالوا فيها: الجرفة، وهي من "ج ر ف" وهي أخت جلفت لقلم، إذا أخذت جُلْفته، وهذا من "ج ل ف"؛ وقريب منه الجنف وهو الميل، وإذا جَلَفت الشيء أو جرفته فقد أملته عما كان عليه، وهذا من "ج ن ف".
ومثله تركيب "ع ل م" في العلامة والعلم. وقالوا مع ذلك: بيضة عرماء، وقطيع أعرم، إذا كان فيهما سواد وبياض، وإذا وقع ذلك بأن أحد اللونين من صاحبه، فكان كل واحد منهما علما لصاحبه. وهو من "ع ر م" قال أبو وجزة السعدي:
ومن ذلك تركيب "ح م س" و"ح ب س" قالوا: حبست
الشيء وحمس الشر إذا اشتد. والتقاؤهما أن الشيئين إذا حبس أحدهما صاحبه تمانعا
وتعازا، فكان ذلك كالشر يقع بينهما.
ومنه العَلْب: الأثر، والعَلْم: الشقّ في الشفة العليا. فذاك من "ع ل ب" وهذا من "ع ل م" والباء أخت الميم؛ قال طرفة:
ومنه تركيب "ق ر د" و"ق ر ت" قالوا للأرض:
قَرْدَد، وتلك نباك تكون في الأرض، فهو من قرد الشيء وتقرد إذا تجمع؛ أنشدنا أبو
علي:
أي أسمي الإثمد القرد أذى لها. يعنى عينه
وقالوا: قرت الدم عليه أي جمد، والتاء أخت الدال كما ترى. فأما لم خص هذا المعنى
بذا الحرف فسنذكره في باب يلي هذا بعون الله تعالى.
ومن ذلك العلز: خفة وطيش وقلق يعرض للإنسان، وقالوا العلوص لوجع في الجوف يلتوي له الإنسان ويقلق منه. فذاك من "ع ل ز" وهذا من "ع ل ص" والزاي أخت الصاد.
ومنه الغَرب: الدلو العظيمة، وذلك لأنها يغرف من الماء بها، فذاك من "غ ر ب" وهذا من "غ ر ف" أنشد أبو زيد:
واستعملوا تركيب "ج ب ل" و "ج ب ن" و "ج ب ر"
لتقاربها في موضع واحد، وهو الالتئام والتماسك. منه الجبل لشدته وقوته، وجبن إذا
استمسك وتقف وتجمع، ومنه جبرت العظم ونحوه أي قويته.
وقد تقع المضارعة في الأصل الواحد بالحرفين؛ نحو قولهم: السحيل، والصهيل، قال:
وذاك من "س ح ل" وهذا من "ص ه ل" والصاد أخت
السين كما أن الهاء أخت الحاء. ونحو منه قولهم سحل في الصوت وزحر والسين أخت الزاي؛
كما أن اللام أخت الراء.
وقالوا جلف وجرم فهذا للقشر، وهذا للقطع، وهما متقاربان معنى، متقاربان لفظاً؛ لأن ذاك من "ج ل ف" وهذا من "ج ر م".
وقالوا: صال يصول؛ كما قالوا: سار يسور.
نعم، وتجاوزوا ذلك إلى أن ضارعوا بالأصول الثلاثة: الفاء والعين واللام. فقالوا: عصر الشيء، وقالوا: أزله، إذا حبسه، والعصر ضرب من الحبس. وذاك من "ع ص ر" وهذا من أزل والعين أخت الهمزة، والصاد أخت الزاي، والراء أخت اللام. وقالوا: الأزم: المنع، والعصب: الشد؛ فالمعنيان متقاربان، والهمزة أخت العين، والزاي أخت الصاد، والميم أخت الباء. وذاك من أزم وهذا من "ع ص ب".
وقالوا: السلب والصرف، وإذا سلب الشيء فقد صرف عن وجهه. فذاك من "س ل ب" وهذا من "ص ر ف" والسين أخت الصاد، واللام أخت الراء، والباء أخت الفاء.
وقالوا: الغدر؛ كما قالوا الختل، والمعنيان متقاربان، واللفظان متراسلان؛ فذاك من "غ د ر" وهذا من "خ ت ل" فالغين أخت الخاء، والدال أخت التاء، والراء أخت اللام.
وقالوا: زأر؛ كما قالوا: سعل؛ لتقارب اللفظ والمعنى.
وقالوا: عدن بالمكان؛ كما قالوا: تأطر، أي أقام وتلبث.
وقالوا: شرب؛ كما قالوا: جلف؛ لأن شارب الماء مفن له، كالجلف للشيء.
وقالوا: ألته حقه؛ كما قالوا: عانده. وقالوا: الأرفة للحد بين الشيئين؛ كما قالوا: علامة. وقالوا: قفز؛ كما قالوا: كبس، وذلك أن القافز إذا استقر على الأرض كبسها. وقالوا: صهل؛ كما قالوا: صهل؛ كما قالوا: زأر. وقالوا: الهتر؛ كما قالوا: الإدل، وكلاهما العجب. وقالوا: كلف به؛ كما قالوا: تقرب منه، وقالوا: تجعد؛ كما قالوا: شحط؛ وذلك أن الشيء إذا تجعد وتقبض عن غيره شحط وبعد عنه، ومنه قول الأعشى:
وذاك من تركيب "ج ع د" وهذا من تركيب "ش ح ط"
فالجيم أخت الشين، والعين أخت الحاء، والدال أخت الطاء. وقالوا: السيف والصوب، وذلك
أن السيف يوصف بأنه يرسب في الضريبة لحدته ومضائه، ولذلك قالوا: سيف رسوب، وهذا هو
معنى صاب يصوب إذا انحدر. فذاك من "س ي ف" وهذا من "ص و ب" فالسين أخت الصاد،
والياء أخت الواو، والفاء أخت الباء. وقالوا: جاع يجوع، وشاء يشاء، والجائع مريد
للطعام لا محالة، ولهذا يقول المدعو إلى الطعام إذا لم يجب: لا أريد، ولست أشتهي،
ونحو ذلك، والإرادة هي المشيئة. فذاك من "ج و ع" وهذا من "ش ي أ" والجيم أخت الشين،
والواو أخت الياء، والعين أخت الهمزة. وقالوا: فلان حلس بيته إذا لازمه. وقالوا:
أرز إلى الشيء إذا اجتمع نحوه، وتقبض إليه؛ ومنه إن الإسلام ليأرز إلى المدينة،
وقال:
فذاك من "ح ل س" وهذا من "أ ر ز" فالحاء أخت
الهمزة، واللام أخت الراء، والسين أخت الزاي. وقالوا: أفل؛ كما قالوا: غبر، لأن
أفل: غاب، والغابر غائب أيضاً. فذاك من "أ ف ل" وهذا من "غ ب ر" فالهمزة أخت الغين،
والفاء أخت الباء، واللام أخت الراء.
وهذا النحو من الصنعة موجود في أكثر الكلام وفرش اللغة، و إنما بقي من يثيره ويبحث عن مكنونه، بل من إذا أوضح له وكشفت عنده حقيقته طاع طبعه لها فوعاها وتقبلها. وهيهات ذلك مطلبا، وعز فيهم مذهبا! وقد قال أبو بكر: من عرف ألف، ومن جهل استوحش. ونحن نتبع هذا الباب باباً أغرب منه، وأدل على حكمة القديم سبحانه، وتقدست أسماؤه، فتأمله تحظ به بعون الله تعالى.
ومنها اقتراب الأصلين، ثلاثياً أحدهما، ورباعياً صاحبه، أو رباعيا أحدهما، وخماسياً صاحبه؛ كدمث ودمثر، و سبط وسبطر، ولؤلؤ ولآل، والضبغطى والضبغطرى. ومنه قوله:
قد دَرْدَبَتْ والشيخ دَرْدَبِيس |
ومنها التقديم والتأخير على ما قلنا في الباب الذي قبل هذا في تقليب الأصول؛ نحو "ك ل م" و "ك م ل" و" م ك ل" ونحو ذلك. وهذا كله والحروف واحدة غير متجاورة. لكن من وراء هذا ضرب غيره، وهو أن تتقارب الحروف لتقارب المعاني. وهذا باب واسع.
من ذلك قول الله سبحانه: "ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا" أي تزعجهم وتقلقهم. فهذا في معنى تهزهم هزا، والهمزة أخت الهاء؛ فتقارب اللفظان لتقارب المعنيين. وكأنهم خصوا هذا المعنى بالهمزة لأنها أقوى من الهاء، وهذا المعنى أعظم في النفوس من الهز؛ لأنك قد تهز ما لا بال له؛ كالجذع وساق الشجرة ونحو ذلك.
ومنه العسف والأسف؛ والعين أخت الهمزة كما أن الأسف يعسف النفس وينال منها، والهمزة أقوى من العين؛ كما أن أسف النفس أغلظ من التردد بالعسف. فقد ترى تصاقب اللفظين لتصاقب المعنيين.
ومنه القرمة وهي الفقرة تحز على أنف البعير. وقريب منه قلمت أظفاري؛ لأن هذا انتقاص للظفر، وذلك انتقاص للجلد. فالراء أخت اللام؛ والعملان متقاربان. وعليه قالوا فيها: الجرفة، وهي من "ج ر ف" وهي أخت جلفت لقلم، إذا أخذت جُلْفته، وهذا من "ج ل ف"؛ وقريب منه الجنف وهو الميل، وإذا جَلَفت الشيء أو جرفته فقد أملته عما كان عليه، وهذا من "ج ن ف".
ومثله تركيب "ع ل م" في العلامة والعلم. وقالوا مع ذلك: بيضة عرماء، وقطيع أعرم، إذا كان فيهما سواد وبياض، وإذا وقع ذلك بأن أحد اللونين من صاحبه، فكان كل واحد منهما علما لصاحبه. وهو من "ع ر م" قال أبو وجزة السعدي:
ما زلن ينسبن وهنا كل صـادقةٍ | باتت تباشر عراما غـير أزواجِ | |
حتى سَلَكن الشوى منهن في مسكٍ | من نسل جوابة الآفاقِ مـهـداج |
ومنه العَلْب: الأثر، والعَلْم: الشقّ في الشفة العليا. فذاك من "ع ل ب" وهذا من "ع ل م" والباء أخت الميم؛ قال طرفة:
كأن عُلوب النسع في دأياتـهـا | موارد من خلقاء في ظهرٍ قردد |
أهوى لها مشقصٌ حشر فشبرقها | وكنتُ أدعو قذاها الإثمد القردا |
ومن ذلك العلز: خفة وطيش وقلق يعرض للإنسان، وقالوا العلوص لوجع في الجوف يلتوي له الإنسان ويقلق منه. فذاك من "ع ل ز" وهذا من "ع ل ص" والزاي أخت الصاد.
ومنه الغَرب: الدلو العظيمة، وذلك لأنها يغرف من الماء بها، فذاك من "غ ر ب" وهذا من "غ ر ف" أنشد أبو زيد:
كأن عيني وقد بانـونـي | غربان في جدول منجنون |
وقد تقع المضارعة في الأصل الواحد بالحرفين؛ نحو قولهم: السحيل، والصهيل، قال:
كان سحيله في كل فجر | على أحساء يمؤود دعاء |
وقالوا جلف وجرم فهذا للقشر، وهذا للقطع، وهما متقاربان معنى، متقاربان لفظاً؛ لأن ذاك من "ج ل ف" وهذا من "ج ر م".
وقالوا: صال يصول؛ كما قالوا: سار يسور.
نعم، وتجاوزوا ذلك إلى أن ضارعوا بالأصول الثلاثة: الفاء والعين واللام. فقالوا: عصر الشيء، وقالوا: أزله، إذا حبسه، والعصر ضرب من الحبس. وذاك من "ع ص ر" وهذا من أزل والعين أخت الهمزة، والصاد أخت الزاي، والراء أخت اللام. وقالوا: الأزم: المنع، والعصب: الشد؛ فالمعنيان متقاربان، والهمزة أخت العين، والزاي أخت الصاد، والميم أخت الباء. وذاك من أزم وهذا من "ع ص ب".
وقالوا: السلب والصرف، وإذا سلب الشيء فقد صرف عن وجهه. فذاك من "س ل ب" وهذا من "ص ر ف" والسين أخت الصاد، واللام أخت الراء، والباء أخت الفاء.
وقالوا: الغدر؛ كما قالوا الختل، والمعنيان متقاربان، واللفظان متراسلان؛ فذاك من "غ د ر" وهذا من "خ ت ل" فالغين أخت الخاء، والدال أخت التاء، والراء أخت اللام.
وقالوا: زأر؛ كما قالوا: سعل؛ لتقارب اللفظ والمعنى.
وقالوا: عدن بالمكان؛ كما قالوا: تأطر، أي أقام وتلبث.
وقالوا: شرب؛ كما قالوا: جلف؛ لأن شارب الماء مفن له، كالجلف للشيء.
وقالوا: ألته حقه؛ كما قالوا: عانده. وقالوا: الأرفة للحد بين الشيئين؛ كما قالوا: علامة. وقالوا: قفز؛ كما قالوا: كبس، وذلك أن القافز إذا استقر على الأرض كبسها. وقالوا: صهل؛ كما قالوا: صهل؛ كما قالوا: زأر. وقالوا: الهتر؛ كما قالوا: الإدل، وكلاهما العجب. وقالوا: كلف به؛ كما قالوا: تقرب منه، وقالوا: تجعد؛ كما قالوا: شحط؛ وذلك أن الشيء إذا تجعد وتقبض عن غيره شحط وبعد عنه، ومنه قول الأعشى:
إذا نزل الحي حل الجحيش | شقيا غويا مبينـا غـيورا |
بآرزة الفقارة لم يخـنـهـا | قطاف في الركاب ولا خلاء |
وهذا النحو من الصنعة موجود في أكثر الكلام وفرش اللغة، و إنما بقي من يثيره ويبحث عن مكنونه، بل من إذا أوضح له وكشفت عنده حقيقته طاع طبعه لها فوعاها وتقبلها. وهيهات ذلك مطلبا، وعز فيهم مذهبا! وقد قال أبو بكر: من عرف ألف، ومن جهل استوحش. ونحن نتبع هذا الباب باباً أغرب منه، وأدل على حكمة القديم سبحانه، وتقدست أسماؤه، فتأمله تحظ به بعون الله تعالى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق