الجمعة، 8 فبراير 2013

الكناية من التذكرة الحمدونيّة

بسم الله الرحمن الرحيم


وما توفيقي إلا بالله


الحمد لله الأول بلا بداية، والآخر بلا نهاية، عالم صريح القول من الكناية. لا يخفى عنه مكنون الغوامض، ولا يخادع في علمه بالمعارض، يعلم سرائر القلوب كعلم إعلانها، ويطلع على مستقبل الغيوب عارفاً بأوقاتها وأوانها. أحمده حمداً يؤدي شكر آلائه ونعمه، وأعوذ به من نزول بلوه ونقمه، وأسأله توفيق ألسنتنا للنطق الصائب، وسلامة قلوبنا من تورية المغل الموارب، وأن يجمعنا على الخير حتى يطابق فيه اللسان الضمير، ونبرأمن كدر التعمية والتغبير، وأن يصلي على رسوله الأمين الصادق، العارف في لحن القول المؤمن من المنافق، وعلى آله وأصحابه أولي البصائر والحقائق.

الباب الثالث والأربعون


ما جاء في الكناية والتعريض والأحاجي


والمعاياة والتورية واستطراد الشعراء


الكنايات لها موضع. فأحسنها العدول عن الكلام الدون إلى ما يدل على معناه في لفظ أبهى ومعنى أجل، فيجيء أقوى وأفخم في النفس؛ ومنه اشتقت الكنية، وهو أن يعظم الرجل فلا يدعى باسمه. ووثعت على ضربين: لمن لا ولد له على سبيل التفاؤل بأن يكون له ولد يدعة باسمه، أو على حقيقة أو يكنى باسم ابنه صيانة لاسمه. وقيل في قوله تعالى: (فقولا له قولاً ليناً) كناية.
فمن الكنية بغير الولد قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في علي عليه السلام: أبو تراب، وذلك أنه نام في غزوة ذي العشيرة. فذهب به النوم، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو متمرغ في البوغاء، فقال: اجلس أبا تراب. وكانت من أحب أسمائه إليه.
ومما يدل على إرادتهم التبجيل بالكنية قول البحتري: (من الخفيف)


يتشاغفن بالصغير المسمى موضعات وبالجليل المكنى

وقال ابن الرومي: (من الطويل)

بكت شجوها الدنيا فلما تبينـت مكانك منها استبشرت وتثنت
وكان ضئيلاً شخصها فتطاولت وكانت تسمى ذلة فتكـنـت

وإليه يشير أبو صخر الهدلي: (من الطويل)

أبى القلب إلا حبهـا عـامـرية لها كنية عمرو وليس لها عمرو
ووجه لـه ديبـاجة قـرشـية بها تدفع البلوى ويستنزل القطر

ومن شأن العرب استعمال الكنايات في الأشياء التي يستحى من ذكرها قصداً منهم التعفف باللسان كما يتعفف لسائر الجوارح. ألا ترى إلى ما أدب الله سبحانه وتعالى به عباده في قوله: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم). فقرن عفة البصر بعفة الفرج، وكذلك يقرن عفة اللسان بعفة البصر.
وفي التنزيل كنايات عجيبة عدل بها عن التصريح تنزيهاً عن اللفظ المستهجن كقوله عز وجل: (نساؤكم حرث لكم، فأتوا حرثكم أنى شئتم). قال أبو عبيدة: هو كناية، شبه النساء بالحرث.
وقوله تعالى: (وقالوا لجلودهم لهم شهدتم علينا) قيل: هو كناية عن الفروج. وفي موضع آخر: (… شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون).
وقوله تعالى: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم)؛ وقوله: (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام). قال المفسرون: هذا تنبيه على عاقبته وعلى ما يصير إليه وهو الحدث، لأن من أكل الطعام فلا بد أن يحدث، ثم قال: (انظر كيف نبين لهم الآيات) وهذا من ألطف الكناية.
ومنه قوله عز وجل: (أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء). فالغائط: المطمئن من الأرض وكانوا يأتونه لحاجتهم فيستترون به عن الأماكن المرتفعة، ومن لم ير الوضوء من لمس النساء جعل الملامسة ها هنا كناية عن الفعل.
ومن الكنايات من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إياكم وخضراء الدمن. قال بعضهم: يريد المرأة الحسناء في المنبت السوء. وتفسير ذلك تجمع الدمن وهو البعر في البقعة من الأرض، ثم يركبه الساقي؛ فإذا أصابه المطر نبت نبتاً غضاً يهتز تحته الدمن الخبيث. يقول: فلا تنكحوا هذه المرأة لجمالها ومنبتها خبيث كالدمن، فإن أعراق السوء تنتزع أولادها.
والتفسير الآخر معنى قول زفر بن الحارث: (من الطويل)


وقد ينبت المرعى على دمن الثرى وتبقى حزازات النفوس كما هـيا

يقول: تحت الظاهر من البشر الحقد والسخيمة، وهكذا الدمن الذي يظهر فوقه النبت مهتزاً وتحته الفساد.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: الآن حمي الوطيس. قال: هو لما جال المسلمون يوم حنين ثم ثابوا واختلط الضرب،وهو منتصب مشرف في ركائبه على بغلته الشهباء، والوطيس: حفيرة تحفر في الأرض شبيهة بالتنور يختبز فيها، والجمع وطس.
قال الحسن: لبث أيوب عليه السلام في المزبلة سبع سنين، وما على الأرض يومئذ خلق أكرم على الله منه، فما سأل العافية إلا تعريضاً: (أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين).
والعرب تكني عن الفعلة المستقذرة بألفاظ كلها كنايات منها: الرجيع والنجو والبراز والغائط والحش. فبعض هذه الألفاظ يراد بها نفس الحدث. ولذلك استعملوا في إتيان النساء المجامعة والمواقعة والمباضعة والمباشرة والملامسة والمماسة والخلوة والإفضاء والغشيان والتغشي، كل هذه الألفاظ مذكورة في القرآن.
المباضعة اشتقت من التقاء البضعين، والبع: اللحم. والمباشرة اشتقت من التقاء البشرين، والبشر ظاهر الجلد.
ومن الكنايات البديعة: قال الشاعر: (من السريع)


آليت لا أدفن قتلاكـم فدخنوا المرء وسرباله

يقول: إذا طعنه أحدث في سرجه فأغرب في الكناية وأبعد.
وروي أن رجلاً من بني العنبر حصل أسيراً في بكر بن وائل، وعزموا على غزو قومه، فسألهم رسولاً إلى قومه، فقالوا: لا ترسل إلا بحضرتنا لئلا تنذرهم. وجيء بعبد أسود فقال له: تعقل? قال: نعم إني لعاقل. قال: ما أراك عاقلاً، ثم أشار بيده إلا الليل فقال: ما هذا? قال: الليل، قال: أراك عاقلاً، ثم ملأ كفيه من الرمل فقال: كم هذا? فقال: لا أدري وإنه لكثير، قال: أيما أكثر النجوم أم النيران? قال: كل كثير. قال: أبلغ قومي التحية وقل لهم ليكرموا فلاناً يعني أسيراً كان في أيديهم من بكر فإن قومه لي مكرمون، وقل لهم: إن العرفج قد أدبى وشكت النساء، وأمرهم أن يعروا ناقتي الحمراء فقد أطالوا ركوبهم إياها، وأن يركبوا جملي الأصهب بآية ما أكلت معكم حيساً، واسألوا عن خبري أخي الحارث. فلما أدى العبد الرسالة إليهم قالوا: لقد جن الأعور، والله ما نعرف له ناقة حمراء ولا جملاً أصهب. ثم سرحوا العبد ودعوا الحارث فقصوا عليه فقال: أنذركم؛ أما قوله: قد أدبى العرفج يريد أن الرجال قد استلأموا ولبسوا السلاح. وقوله: شكت النساء أي اتخذن الشكاء للسفر، وقوله: الناقة الحمراء أي ارتجلوا عن الدهناء واركبوا الصمان وهو الجمل الأصهب، وقوله: أكلت معكم حيساً أي أخلاط من الناس وقد غزوكم، لأن الحيس يجمع التمر والسمن والأقط، فامتثلوا ما قال وعرفوا لحن كلامه.
ومن هذا الفن قوله تعالى: (ولتعرفنهم في لحن القول).
وقوله صلى الله عليه وسلم: لعل أحدكم ألحن بحجته، أي أغوص عليها.
بعث بشامة بن الأعور إلى أهله ثلاثين شاة ونحياً صغيراً فيه سمن، فسرق الرسول شاة واحدة وأخذ من رأس النحي شيئاً من السمن. فقال لهم الرسول: ألكم حاجة أخبره بها? قالت امرأته: أخبره أن الشهر محاق، وأن جدينا الذي كان يطالعنا وجدناه مرثوماً. فارتجع منه الشاة والسمن.
ومن التخلص المليح المتوصل إليه بالكناية ما روي عن عدي بن حاتم بن عبد الله الطائي قال يوماً في حق الوليد بن عقبة بن أبي معيط: ألا تعجبون لهذا أشعر بركا متولي قبل هذا المصر? والله ما يحسن أن يقضي بين تمرتين. فبلغ ذلك الوليد فقال على المنبر: أنشد الله رجلاً سماني أشعر بركا إلا قام. فقام عدي بن حاتم فقال: أيها الأمير، إن الذي يقوم فيقول: أنا سميتك أشعر بركا لجريء، فقال له: اجلس أبا طريف فقد برأك الله منها. فجلس وهو يقول: والله ما برأني الله منها.
والأصمعي يزعم أن زياداً هو الذي كان يسمى أشعر بركا. والبرك: الصدر. وكان زياد أشعر الصدر.
أسرت طيء غلاماً من العرب، فقدم أبوه ليفديه، فاشتطوا عليه فقال أبوه: لا والذي جعل الفرقدين يمسيان ويصبحان على جبلي طيء، ما عندي غير ما بذلته. ثم انصرف وقال: لقد أعطيته كلاماً إن كان فيه خير فهمه، كأنه قال: الزم الفرقدين على جبلي طيء، ففهم الابن تعريضه وطرد إبلاً لهم من ليلته ونجا.
ومن البلاغة والتنقل في الكلام إلى حيث شاء بلطيف الكناية ما روي عن واصل بن عطاء وكان ألثغ قبيح اللثغة في الراء، وكان يخلص كلامه منها، ولا يفطن بذاك لاقتداره وسهولة ألفاظه، وفيه يقول الشاعر: (من البسيط)


ويجعل البر قمحاً في تصـرفـه وخالف الرأي حتى احتال للشعر
ولم يطق مطراً والقول يعجلـه فعاذ بالغيث إشفاقاً من المطـر

فمما يحكى عنه أنه قال وأراد بشاراً: ما لهذا الأعمى الملحد المكنى بأبي معاذ، من يقتله? والله لولا الغيلة خلق من أخلاق الغالية لبعثت إليه من يبعج بطنه على مضجعه، ثم لا يكون إلا سدوسياً أو عقيلياً، وذكر هاتين القبيلتين لأن بشاراً كان نازلاً في بني سدوس ويتولى بني عقيل، ثم لم يقل بشار ولا ابن برد ولا الضرير، ولم يقل أرسلت، ولا فراشهومن الكنايات الدقيقة والاستعارات الرشيقة ألفاظ كان يوردها أحمد بن محمد بن محمد الغزالي الواعظ على طريق الصوفية فيغرب فيها، فمنها: ماجت بحار التشبيه في قلب الخليل. ونقطة خاء الخلة تبرز من صميم صفا. صدر كمين القلب فيقول: لا أحب الآفلين. صاحب اليرقان يرى العالم كله أصفر. كان بإبراهيم يرقان العشق فكل شيء رآه ظنه المحبوب. (من البسيط)

ومستطيل على الصهباء بـاكـرهـا في فتية باصطبـاح الـراح حـذاق
يمضي بها ما مضى من عقل صاحبها وفي الزجاجة باق يطلب الـبـاقـي
فكـل شـيء رآه ظـنـه قـدحـاً وكل شخص رآه ظنـه الـسـاقـي

ومن كلامه: عزازيل وجد في باب الرحمة زحمة، طلب ما لا رحمة فيه. (وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين). (من الطويل)

لئن ساءني ذكراك لي بمساءة لقد سرني أني خطرت ببالك

كانت علية بنت المهدي تهوى خادماً اسمه طل، فكانت تكنى في شعرهاعنه، فمن ذلك قولها وقد صحّفت اسمه: (من الطويل)

أيا سروة البستان طال تشوقي فهل لي إلى ظل إليك سبيل

ومنه قولها: (من الكامل المجزوء)

خليت جسمي ضـاحـياً وسكنت في ظل الحجال

وحلف الرشيد أن لا تكلم طلاً ولا تذكره في شعرها، فاطلع عليها يوماً وهي تقرأ من آخر سورة البقرة: (فإن لم يصبها وابل) فما نهى عنه أمير المؤمنين. فدخل إليها وقبل رأسها وقال: قد وهبت لك طلاً ولا أمنعك بعدها من شيء تريدينه.
ثم عشقت خادماً يقال له رشا، وكانت تكني عنه في شعرها بريب في قافية منصوبة، فعلم بذلك فقالت: (من السريع)


القلب مشتاق إلـى ريب يا رب ما هذا من العيب

كان شريح عند زياد وهو مريض، فلما خرج من عنده أرسل مسروق إليه رسولاً وقال: كيف تركت الأمير? قال: تركته يأمر وينهى. قال مسروق: إنه صاحب عويص، فارجع إليه واسأله: ما يأمر وينهى? قال: يأمر بالوصية وينهى عن النوح.
وتقدم إلى شريح قوم فقالوا: إن هذا خطب إلينا فقلنا له: ما تبيع? قال: أبيع الدواب، فإذا هو يبيع السنانير، قال: أفلا قلتم له: أي الدواب? وأجاز النكاح.
قال رجل يجلس إلى الشعبي يقال له: حبيس، فتحدث الشعبي يوماً فقال له حبيس: ما أحوجك إلى محدرج شديد الفتل لين المهزة عظيم التمرة، قد أخذ من عجب ذنب إلى مغرز عنق، فيوضع على مثل ذلك منك فتكثر له رقصاتك من غير جذل، قال: وما هو يا أبا عمرو? قال: هو والله أمر لنا فيه أرب ولك فيه أرب.
خطب رجل إلى قوم فجاءوا إلى الشعبي يسألونه عنه، وكان به عارفاً فقال: هو والله ما علمت نافذ الطعنة ركين الجلسة، فزوجوه فإذا هو خياط. فأتوه فقالوا: غررتنا، فقال: ما فعلت وإنه لكما وصفت.
دخل رجل على عيسى بن موسى يالكوفة يكلمه، وحضر عبد الله بن شبرمة فأعانه وقال: أصلحك الله فإن له شرفاً وبيتاً وقدماً. فقيل لابن شبرمة: أتعرفه? قال: لا، قال: فكيف أثنيت عليه? قال: إن له شرفاً أي أذنين ومنكبين، وبيتاً يأوي إليه، وقدماً يطأ عليه.
خطب باقلاني إلى قوم وذكر أن الشعبي يعرفه، فسألوه عنه، فقال: إنه لعظيم الرماد كثير الغاشية.
وأخذ العسس رجلاً فقالوا له: من أنت? فقال: (من الطويل)


أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره وإن نزلت يوماً فسوف تعـود

فظنوه من أولاد الأكابر، فلما أصبح سئل عنه فقيل: هم ابن باقلاني وروي أن جميلاً أراد زيارة بثينة فلقي أعرابياً من بني حنظلة، فقال له: هل لك في خير تصطنعه إلي? فإن بيني وبين هؤلاء القوم ما يكون بين بني العم، فإن رأيت أن تأتيهم فإنك تجد القوم في مجلسهم فتنشدهم بكرة أدماء تجر خفها غفلاً من السمرة، فإن ذكروا لك شيئاً فذاك، وإلا استأذنهم في البيوت وقل: إن المرأة والصبي قد يريان ما لا يرى الرجال، فتنشدهم، ولا تدع أحداً تصيبه عينك عنك، ولا بيتاً من بيوتهم إلا نشدتها فيه. قال الرجل: فأتيت القوم فإذا هم في جزور يقسمونها، فسلمت وفعلت ما قال، واستأذنتهم في البيوت فأتيتها بيتاً بيتاً فلم يذكورا شيئاً حتى انتصف النهار، وفرغتمن البيوت، وذهبت لأنصرف، فإذا بثلاثة أبيات، فقلت، ما عند هؤلاء إلا ما عند غيرهم، ثم تذممت فانصرفت عائداً إلى أعظمها بيتاً فذكرت لهم ضالتي، فقالت جارية منهم: يا عبد الله، مالا أظنك إلا قد اشتد علك الحر واشتهيت الشراب، قلت: أجل، قالت: ادخل. فأضافتني وأكرمت، فأتيت عليها ثم قلت: يا أمة الله، هل ذكرت في ضالتي ذكراً? قالت: أترى هذه الشجرة فوق الشرف? قلت: نعم، قالت: فإن الشمس غربت أمس وهي تطيف حولها، ثم حال الليل بيني وبينها. فرجع الرجل إلى جميل فعرف لحن الكلام وأتاها ليلاً فحادثها.
وروي أن لقاءها تعذر عليه لمراعاة أبيها وزوجها لها. فنزل بهم قوم من قريش فأحسن قراهم، فقال له أحدهم: هل لك حاجة? قال: نعم، تنزل بأبي بثينة وتبيت عنده، فإذا وجدت غفلة قلت له: إن لي غريماً وعدني وحلف لي ألا أطلبه ولا أرسل إليه إلا أتاني وقد طال مطله إياي، وهو رجل منكم، وأريد أن تعينني عليه، فإنها ستجيبك بوعد تحصله لي. ففعل القرشي ذلك، وخاطب أباها به، فقالت بثينة: يا أبه، قد رأيت هذا الفتى القرشي ملازماً لرجل يطالبه بحق له في وقت مساء تحت شجرات بأعلى الوادي، ولست أعرف الرجل بعينه لأنه كان في وقت مظلم، فقال له أبوها: إذا غدوت عليه وطالبته عاونتك وكرامة. فلما أصبح مضى إلى جميل فأخبره الموعد فتوافيا فيه.
كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج: أنت عندي كسالم، فلم يدر ما هو، فكتب إلى قتيبة يسأله، فكتب إليه: إن الشاعر يقول: (من الطويل)


يديرونني عن سالم وأديرهـم وجلدة بين العين والأنف سالم

وكتب إليه مرة أخرى: أنت عندي قدح ابن مقبل، فلم يدر ما هو، فكتب إلى قتيبة فكتب إليه قتيبة: إن ابن مقبل نعت قدحاً له فقال: (من الطويل)

غدا وهو مجدول وراح كـأنـه من المش والتقليب بالكف أفطح
خروج من الغمى إذا صك صكة بدا والعيون المستكفة تـلـمـح

المش: المسح، ومنه:

نمش بأعراف الجياد أكفنا

ومنه قيل: لمنديل الغمر مشوش.
قال بعض الشيعة لبعض الخوارج: أنا من علي ومن عثمان بريء. فظاهر كلامه البراءة منهما، وأراد: أنا من علي وإليه، أتولاه، وبريء من عثمان وحده.
ورسمت الفقهاء في أيمانهم عند الشيء يتوقى شره، أو لإصلاح أمر معاد أو معاش. فمن ذلك: كل مالاً أملكه على أنه لاحن ومعناه ما لن أملكه.
وقولهم: واللاه ما فعلت، على فاعل من اللهو، وأشباه ذلك على أن ينويه الإنسان بضميره ويتحرى قصده.
ويقال: ما رأيت فلاناً: أي ما ضربت رئته؛ ولا كلمته من الكلوم، على تكرر الفعل.
ولا أمليت هذا الكتاب ولا قرأته من قوله تعالى: "إنما نملي لهم ليزدادوا إثما" وقرأت: جمعت.
وما رأيت جعفراً ولا كلمت سرياً. فالجعفر: النهر الكبير، والسري: النهر الصغير.
وما رأيت ربيعاً ولا كلمته. فالربيع حظ الأرض من الماء في كل ربع يوم وليلة، والربيع: النهر.
وما كلمت عمر. والعمر عمور الإنسان.
وما وطئت لفلان أرضاً ولا دخلتها. فالأرض باطن الحافر، قال الشاعر: (من الطويل)


إذا ما استحمت أرضه من سمائه

وما أخذت من فلان عسلاً ولا خلاً. فالعسل من عسلان الذئب، والخل: الطريق في الرمل.
وما رأيت كافراً ولا فاسقاً. فالكافر: السحاب، والكافر: الليل، والكافر أيضاً: الذي يغطيه سلاحه ويستره. والفاسق: الذي يجرد من ثيابه.
ويقال: ما عرفت لفلان طريقاً. فالطريق: النخل الذي لا ينال باليد.
وما أمرت فلاناً: أي ما صيرته أميراً؛ وما أحببت كذا، من أحب البعير إذا برك.
وما عرفت له نخلاً ولا شجراً. فالنخل مصدر نخلت الشيء أنخله نخلاً، والشجر من قولهم: تشاجر القوم، إذا اختلفوا، وفي التنزيل: "حتى يحكموك فيما شجر بينهم".
وما رأيت فلاناً راكعاً ولا ساجداً ولا مصلياً. فالراكع: العاثر الذي كبا لوجهه، والساجد: المد من النظر، والملي: الذي يجيء بعد السابق.
ويقال: ما أخذت لفلان دجاجة ولا فروجاً. فالدجاجة: الكبة من الغزل، والفروج: الدراعة.
وما أخذت لفلان بقرة ولا ثوراً. فالبقر: العيال الكثير، يقال: جاء فلان يسوق بقره أي عياله، والثور: القطعة العظيمة من الأقط. وسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمرو بن معدي كرب فقال: أكلت ثوراً وقوساً وكعباً، فالثور قد فسر، والقوس: ما يبقى في أسفل الحلة، والكعب: الشيء القليل من السمن.
وما أخذت لفلان حملاً ولا عنزاً. فالحمل: السحاب الكثير الماء، والعنز: الأكمة السوداء.
وما ضربت لفلان ظهراً ولا بطناً. فالظهر: المرتفع من الأرض، والبطن: الغامض. ويقال: ما أخذت لفلان قناة. فالقناة: قناة الظهر.
وما سببت لفلان أماً ولا جداً ولا خالة. فالأم: أم الدماغ. الجد: الحظ، والخالة: الأكمة الصغيرة.
وما أخذت لفلان قلوصاً ولا رأيتها. فالقلوص: ولد الحبارى. وما رأيت لدابة فلان سواداً ولا بلقاً. فالسواد: الخيال تراه بالليل، والبلق: الفسطاط.
وما أخبرت فلاناً بشيء: أي ما ذبحت له خبرة، وهي شاة يشتريها قوم فيقتسمونها.
قال أبو بكر بن دريد: تقول: والله ما سألت فلاناً حاجة قط. فالحاجة ضرب من الشجر له شوك والجميع حاج.
وما رأيت فلاناً قط وما كلمته. فمعنى رأيته: ضربت رئته، ومعنى كلمته: جرحته.
وما أعلمت فلاناً ولا أعلمني: أي ما جعلته أعلم وهو المشقوق الشفة العليا.
وما لفلان عندي جارية: أي سفينة.
وما أملك فهداً ولا كلباً. فالفهد: المسمار في واسطة الرحل، والكلب: المسمار في قائم السيف.
وما عندي صقر ولا أملكه. فالصقر: دبس الرطب، والصقر: اللبن الحامض الشديد الحموضة.
أنشد أبو عبيدة: (من السريع)


بئس قريناً يفن هالك أم عبيد وأبو مالك

هما كنيتا المفازة والجوع.
كان في جوار أبي حنيفة رجل يسرف في حسده ويذكره بكل سوء. فكان أبو حنيفة يمر به فيسلم عليه فلا يرد عليه السلام. فقيل لأبي حنيفة في أمره فقال: إن للجوار حقاً. ثم إن الرجل ساب رجلاً من أصحاب السلطان، فشتمه وشهد عليه جماعة بشتمه إياه، فهرب من بين يدي السلطان وأتى أبا حنيفة فأخبره بخبره وقال: أنا مستح منك ولكن أغثني، فقال يا فلان، لا تبذأ على المسلمين، فإن البذاء لؤم، والفحش من قلة الدين، إذا صرت إلى السلطان فاعترف وقل: كانت أمه مسلمة صالحة، وسمعت بيتاً من الشعر، فأردت غيظه به فأنشدته إياه: (من الخفيف)


رب ركب وهم مشاة رأينا ورناً للـزانـيين حـلالاً

قال: فغدا الرجل إلى السلطان وأحضرت البينة، فقال: أيسها الأمير، صح عندي أن أمه مسلمة حرة عفيفة ورعة، وأخبرني هو أن أباه وأمه زنيا حلالاً، فأنشدته بيتاً قيل؛ فلم يوجب عليه السلطان عقوبة.
وقال رجل لأبي حنيفة: ما تقول في رجل قال: لا أرجو الجنة ولا أخاف النار، وآكل الميتة وأهد بما لم أرد، ولا أخاف الله، وأصلي بلا ركوع ولا سجود، وأبغض الحق وأحب الفتنة? قال أبو حنيفة، وكان هو يعرفه شديد البغض له: يا فلان، سألتني عن هذه المسألة ولك بها علم? قال: لا، ولكن لم أجد شيئاً هو أشنع من هذا فسألتك عنه، قال: فقال أبو حنيفة لأصحابه: ما تقولون في هذا? قالوا: شر رجل هذه صفة كافر، قال: فتبسم أبو حنيفة وقال له: لقد شنعت القول فيه، ثم قال: هو والله من أولياء الله حقاً، ثم قال للرجل: إن أنا أخبرتك أنه من أولياء الله حقاً تكف عني شرك، ولا تمل على الكتبة ما يضرك? قال: نعم، قال أبو حنيفة: أما قولك: إنه لا يرجو الجنة ولا يخاف النار، فإنه يرجو رب الجنة ويخاف رب النار، وقولك: لا يخاف الله، فإنه لا يخاف ظلمه ولا جوره وقال الله تعالى: "وما ربك بظلام للعبيد". وقولك: يأكل الميتة، فهو يأكل السمك، وقولك: يصلي بلا ركوع ولا سجود، فقد جعل أكثر عمله الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد لزم موضع الجنائز فهو يصلي عليها ويعتبر ويقصر أمله ويصلي على كل مسلم ومسلمة، ويدعو للأحياء والأموات ومن هو آت من المؤمنين والمؤمنات، وقولك: يشهد بما لم ير، فهو شهادة الحق، يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وقولك: يبغض الحق، فهو يحب البقاء حتى يطيع الله ويكره الموت وهو الحق، قال الله تعالى: "وجاءت سكرة الموت بالحق" ، وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقرأ: "وجاءت سكرة الحق بالموت"، وأما الفتنة فالقلوب مجبولة على حب المال والولد وذاك من الفتنة العظيمة على قلوب المؤمنين، قال الله تعالى: "إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم"، لكم فاحذروهم.
قال سيف الدولة بن حمدان لابن عم له: ما أعاقك اليوم عن التصبح? قال: دخلت الحمام وقلمت أظفاري، فقال: لو قلت: أخذت من أطرافي كان أوجز.
كان الجاحظ يتعجب من فطنة طويس ووضعه الكلام موضعه من حسن الأدب في قوله لبعض القرشيين: أمك المباركة وأبوك الطيب، يعني إصابته في قسمة الصفتين وإن لم يصفها بالطيب.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للأحنف: أي الطعام أحب إليك? قال: الزبد والكمأة. فقال: ما هما بأحب الطعام إليه، لكنه يحب الخصب للمسلمين، فما أحسن ما كنى عن إيثاره الخير، وما أحسن فطنة عمر له! ويقولون: أطيب اللحم عوذه، أي ما عاذ باللحم فهي استعارة وكناية.
وقال لقمان لابنه: كل أطيب الطعام ونم على أوطأ الفراش، كنى عن إكثار الصيام وإطالة القيام فإذا أطال الصيام استطاب الطعام، وإذا أطال القيام استمهد الفراش.
ومن مليح التورية وعجيبها مع توخي الصدق في موطن الخوف قول أبي بكر الصدري رضي الله عنه وقد أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو رديفه عام الهجرة، فقيل له: من هذا يا أبا بكر? فقال: هذا رجل يهديني السبيل.
ومما يقارب هذه الكناية وليس هو بعينها أن أبا بكر رضي الله عنه مر به رجل ومعه ثوب فقال: أتبيعه? قال: لا رحمك الله، فقال أبو بكر: قد قومت ألسنتكم لو تستقيمون، ألا قلت: لا ورحمك الله? ومثله ما حكي أن المأمون قال ليحيى بن أكثم: هل تغديت? قال: لا وأيد الله أمير المؤمنين. فقال المأمون: ما أظرف هذه الواو وأحسن موقعها!وكان الصاحب يقول: هذه الواو أحسن من واوات الأصداغ.
ومن الكناية قولهم: الرجال ثلاثة: سابق، ولاحق، وماحق. فالسابق الذي سبق بفضله، واللاحق الذي لحق بأبيه من فضه، والماحق الذي محق شرف آبائه.
روي أن عبيد الله بن الحسن قاضي البصرة رفعت إليه وصية لرجل بما أمر أن يتخذ به حصوناً، قال: اشتروا به خيلاً للسبيل، أما سمعتم قول الجعفي: (من الكامل)


ولقد علمت على تجنبـي الـردى أن الحصون الخيل لا مدر القرى

قال أعرابي لأهله: أين بلغت قدركم? قالت: قام خطيبها، أرادت الغليان.
ونذكر هاهنا الألقاب والكنى التي اشتهر بها أربابها وغلبت على أسمائهم وأغنت عنها.
امرؤ القيس بن حجر: قيل له: الملك الضليل لأنه أضل ملك أبيه، ولقب ذا القروح لأن ملك الروم كساه حلة مسمومة فقرحته.
ذو الثدية: وقيل: اليدية، هو حرقوص بن زهير، ناب الخوارج وكبيرهم الذي أعلمهم الضلال. أخبر هب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وطلبه علي عليه السلام في القتلى يوم النهروان، فقالوا: ما وجدناه، فقال: والله ما كذبت ولا كذبت، حتى جاءوا فقالوا: وجدناه، فخر ساجداً، ونصب يده المخدجة وكانت كالثدس عليها شعرات كشارب السنور.
عثمان ذو النورين: تزوج برقية وأم كلثوم بنتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.وقيل: لم ير زوجان أحسن من عثمان ورقية. ولذلك لقب به نفسه ونور رقية.
ذو النور عبد الله بن الطفيل الدوسي الذي أعطاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نوراً في جبينه ليدعو به قومه، فقال: يا رسول الله، هي مثلة، فجعله في سوطه، فكان كالمصباح يضيء له الطريق بالليل.
ذو الشهادتين خزيمة بن ثابت الأنصاري: روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استقضاه يهودي ديناً، فقال عليه السلام: أو لم أقضك? فطلب البينة. فقال لأصحابه: أيكم يشهد لي? فقال خزيمة: أنا يا رسول الله، قال: وكيف تشهد بذلك ولم تحضره ولم تعلمه? قال: يا رسول الله، نحن نصدقك على الوحي من السماء، فكيف لا نصدقك على أنك قضيته?! فسماه صلى الله عليه وسلم ذا الشهادتين.
الحسن بن زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام ذو الدمعة: كان كثير البكاء، فقيل له في ذلك، فقال: وهل تركت النار والسهمان لي مضحكاً? يويد السهمسن اللذين أصابا زيد بن علي ويحيى بن زيد.
أبو هريرة: قال: كنيت بهرة صغيرة كنت ألعب بها. واختلف في اسمه فقيل: عبد الله، وعبد شمس، وعمير، وسكين.
جهبذ العلماء سعيد بن جبير: قيل إنه مات وما أحد من اهل الأرض إلا وهو محتاج إلى علمه.
عنبسة الفيل النحوي: سمي بذلك لأن أباه معدان كان يروض فيلاً للحجاج.
غيلان الراجز راكب الفيل: وسعدويه الطنبوري عين الفيل لأن الحجاج كان يحملهما على الفيل.
ذو المشهرة أبو دجانة سماك بن خرشة الأنصاري كانت له مشهرة يلبسها ويختال بين الصفين.
سخينة لقب لقريش وهو حساء كانوا يتخذونه في الحرب.
العتيق والصديق: أبو بكر رضي الله عنه لجماله وتصديقه واسمه عبد الله.
الفاروق عمر رضي الله عنه لأنه كان يوم أسلم لا يعبد الله سراً، فظهر به الإسلام وفرق بين الحق والباطل.
الكامل سعد بن عبادة لأنه كان يكتب ويحسن الرمي والغوص.
طلحة بن عبيد الله: كان يقال له طلحة الخير وطلحة الفياض وطلحة الطلحات لسخائه.
يعسوب قريش: عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد. شهد الجمل فمر به علي عليه السلام مقتولاً فقال: لهفي عليك يعسوب قريش، شفيت نفسي وجدعت أنفي، قتلت الصنديد من قريش وفاتني الأغيار من بني جمح، فقال له رجل: تقول هذا فيه وقد خرج عليك? فقال: إنه قام عني وعنه نسوة لم يقمن عنك.
الجراضم: معاوية لأكله في سبعة أمعاء.
رشح الحجر وأبو الذبان: لقبا عبد الملك بن مروان لبخله وبخره.
عكة العسل: سعيد بن العاص، وكان دميماً نحيفاً.
البحر والحبر: عبد الله بن عباس لعلمه.
عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق: كان مائل الشدق. ويقال: بل قال له معاوية: إن هذا الأشدق، يريد التشادق في الكلام، فغلبت عليه.
الجرادة الصفراء: مسلممة بن عبد الملك لصفرة لونه، ولقول يزيد بن المهلب: وما مسلمة إلا جرادة صفراء أتاكم في أقباط وأنباط وأخلاط.
الفياض: عكرمة بن ربعي لسخائه وكرمه.
القباع: الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، عرض عليه مكيال فقال: إن مكيالكم هذا لقباع وهو الذي يسع اكثر مما يقتضيه ظاهره، فلقب به.
صالح قبّه: كان ينكر أن يتولد شيء من شيء ويقول: إن الله عز وجل يبتديء ذلك في حال وجوده، ولو قربت النار من الحطب اليابس ولم يخلق الله الاحتراق لم يحترق أبداً. ولو طرح حيوان في النار ولم يخلق الله الألم فيه لم يتألم، حتى قيل له: فما تنكر أن تكون في هذا الوقت قاعداً بمكة في قبة وأنت لا تعلم أن الله لم يخلق فيك العلم? قال: لا أنكر ذلك، فلقب بذلك.
الجاحظ أبو عثمان عمرو بن بحر، غلب عليه لجحظه.
واصل بن عطاء الغزّال: كان يكثر الجلوس في سوق الغزالين. وقيل: كان يتبع فيه العجائز فيتصدق عليهن.
خالد الحذّاء: لم يكن حذّاء وإنما كان يجلس في الحذّائين. وقيل: كان يكثر إذا ناظر: احذوا على هذا الكلام.
سليمان التيمي: كان داره ومسجده في بني تيم ولم يكن منهم، وهو شيباني.
أبو عمرو الشيباني: لم يكن منهم وإنما كان يعلم يزيد بن مزيد الشيباني.
اليزيدي: كان معلم يزيد بن منصور الحميري فنسب إليه.
سلم الخاسر: باع مصحفاً لأبيه واشترى بثمنه دفتراً من شعر.
العماني الراجز ولم يكن من عمان، وإنما رآه دكين الراجز وهو غليم نضو مصفر مطحول يمتح على بكرة ويرتجز، فقال: من هذا العماني? فلزمه لأن أهل عمان والبحرين يعتريهم الطحال وسامه محمد بن ذؤيب الفقيمي.
ثابت قطنة: أصيبت عينه في حرب فكان يحشوها قطنة.
زياد الأعجم: يكنى أبا أمامة. تشبه بالنابغة في الكنية والاسم. غلب عليه الأعجم للكنة يرتضخها.
منظور بن زبان الفزاري: سمي بذلك لأنه بقي في بطن أمه سنتين كما قيل فانتظر.
خارجة بن سنان المري: ماتت أمه وهو حمل، فتحرك في بطنها، فبقر عنه حتى خرج فسمي خارجة وبقير غطفان.
أنشد ثعلب: (من المنسرح)


ليست بشامية النـحـاس ولا صفواء مصموحة معاصمها
بل ذات أكرومة تكنفهـا ال أحجار مشهورة مواسمهـا

وقال: الأحجار: جندل وصخر وحزون بني نهشل. وأنشد غيره: (من الكامل)

وحللت من مضر بأكرم ذروة منعت بحد الشوك والأحجار

يريد بالشوك أخواله وهم قتادة وطلحة وعوسجة، والأحجار أعمامه وهم صفوان وفهر وجندل.
سفينة: مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنيته أبو عبد الرحمن. كان معه في سفر، فكان كل من أعيا ألقى عليه بعض متاعه، فمر به صلى الله عليه وسلم فقال: أنت سفينة، فغلب عليه.
المبرد النحوي: أبو العباس محمد بن يزيد، اختبأ في تبن، فكشف عنه فقال: هذا مبرد، فغلبت عليه.
ثعلب صاحب الفصيح: هو أبو العباس أحمد بن يحيى.
ذو اليمينين طاهر بن الحسين: لقب بذلك لأن المأمون قال له: يا أبا الطيب، يمينك يمين أمير المؤمنين وشمالك يمين، فبايع بيمينك يمين أمير المؤمنين. وقيل: لما له في دولة المأمون من الاستحقاق، ولجده مصعب بن رزيق في مبدأ الدولة.
ذو الرئاستين: الفضل بن سهل لأنه دبر أمر السيف والقلم، رياسة الجيوش والدواوين.
أبو لهب: كنية وقعت عليه لحمرة لونه.
بعث الجنيد بن عبد الرحمن المري إلى خالد بن عبد الله القسري بسبي من الهند بيض، فجعل يهب أهل البيت كما هو للرجل من قريش ومن وجوه الناس حتى بقيت جارية جميلة كان يذخرها لنفسه، فقال لأبي النجم العجلي الراجز: هل عندك فيها شيء حاضر وتأخذها الساعة? قال: نعم أصلحك الله. فقال العريان بن الهيثم النخعي وكان على شرطته: ما يقدر على ذلك، قال أبو النجم: (من الرجز)


علقت خوداً من بنات الزط ذات جهاز مضغط ملـط
رابي المجس جيد المحـط كأنه قط عـلـى مـقـط
إذا بدا منها الذي تغـطـي كأن تحت ثوبها المنـعـط
شطاً رميت فوقه بـشـط لم يعل في البطن ولم ينحط
فيه شفاء من أذى التمطـي كهامة الشيخ اليماني الثـط

وأومأ بيده إلى هامة العريان. فضحك خالد وقال للعريان: هل تراه احتاج إلى روي فيها? قال: ولكنه ملعون ابن ملعون.
وقال عبد الرحمن بن عائشة: (من الخفيف)


من يكن إبطه كآباط ذا الخل ق فإبطاي في عداد الفقاح
لي إبطان يرميان جليسـي بشبيه السلاح أو كالسلاح
فكأني ما بين هـذا وهـذا قاعد بين مصعب وصباح

يعني مصعب بن عبد الله الزهري وصباح بن خاقان المنقري، وكانا جليسين لا يكادان يفترقان وصديقين متواصلين، فلقيهما أحمد بن هشام يوماً فقال: أما سمعتما ما قال فيكما هذا، يعني إسحاق بن إبراهيم الموصلي? فقالا: ما قال إلا خيراً، قال: (من المديد)

لا فيها مصعب وصبـاح فعصينا مصعباً وصباحاً
وأتينا غير سعي إلـيهـا فاسترحنا منهما واستراحا

ولكن المكروه ما قال فيك إذ يقول: (من الطويل)

وصافية تعشي العيون رقـيقة رهينة عام في الدنـان وعـام
أدرنا بها الكأس الروية موهنـاً من الليل حتى انجاب كل ظلام

فما ذر قرن الشمس حتى كأننا من العي نحكي أحمد بن هشام

أبو عمران الموصلي: (من الطويل)

وليل كوجه البرقعيدي ظلـمة وبرد أعانيه وطول قـرونـه
قطعت ونومي فيه نوم مشـرد كعقل سليمان بن فهد ودينـه
على أولق فيه التفاف كـأنـه أبو جابر في خبطه وجنونـه
إلى أن بدا ضوء الصباح كأنه سنا وجه قرواش وضوء جبينه

البحتري من أبيات يصف فرساً: (من الكامل)

ما إن يعاف قذى وإن أوردته يوماً خلائق حمدويه الأحول

الرضي رضي الله عنه: (من الكامل)

ما زلن حتى لفهن على الوجى ليل كعرض أبي فلان المظلم

قال المأمون لقاريء: اقرأ، فقرأ: "فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله". فأمر بحبسه.
دخل رجل من محارب على عبد الله بن يزيد الهلالي وهو بأرمينية، فقال له عبد الله: ماذا لقينا البارحة من شيوخ محارب، ما تركونا ننام! يريد الضفادع، قال المحاربي: أصلحك الله، إنهم أضلوا برقعاً لهم وكانوا في بغائه.أراد الأول قول الشاعر: (من الطويل)


تكش بلا شيء شيوخ محـارب وما خلتها كانت تريش ولا تبري
ضفادع في ظلماء ليل تجاوبـت فدل عليها صوتها حية البحـر

وأراد الآخر قول الشاعرك (من الطويل)

لكل هلالي من اللؤم برقع ولابن يزيد برقع وجلال

قال رجل لآخر: مرحباً بأبي المنذر، فقال: ليست هذه كنيتي، فقال: نعم، ولكنها كنية مسيلمة، يعرض بأنه كذاب.
خرج المأمون يوماً برقعة فيها مكتوب: يا موسى، فقال: هل تعرفون لها معنى? فقالوا: لا، فقال إسحاق بن إبراهيم الطاهري: يا أمير المؤمنين هذا إنسان محذر إنساناً، أما سمعت الله عو وجل يقول: "يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين". فقال المأمون: صدقت، هذه صرف جاريتي كتبت إلى أختها متيم جارية علي بن هشام أني عازم على قتله، فحذرته.
كان هشام بن عمرو التغلبي على نصيبين، فخرج يشيع أبا مسلم، فقال أبو مسلم: كيف يقول عمك مهلهل: (من الكامل)


إني لأذكر منيتي ونجيبـتـي تحتي وأرفعها تخب ذمـيلا
إني لأكره أن أعيش مظلمـاً طول الحياة وأن أعيش ذليلا

فقال هشام لكاتبه: اكتب إلى امير المءمنين عرفه أن أبا مسلم قد خلع الطاعة.
دخل الحسن بن سهل إلى المأمون، فحلف عليه أن يشرب عنده، فأخذ القدح، فقال له: بحقي عليك إلا أمرت من شئت أن يغنيك، فأومأ الحسن إلى ابراهيم بن المهدي، فقال له المأمون: غنه يا إبراهيم، فاندفع وغنى: (من البسيط)


تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت كما استعان بريح عشرق زجـل

فغضب المأمون ووثب عن مجلسه ودعا بإبراهيم وقال له: لا تدع كبرك وغلك؛ أنفت م إيمائه إليك فغنيت معرضاً بما تعرض له من المرار بشعر فيه ذكر الوسواس، والله لقد عزمت على قتلك إذ خرجت علي، ونزعت يدك من طاعتي، حتى قال لي: إن قتلته فعلت ما فعله الناس قبلك، وإن عفوت عنه فعلت ما لم يفعله أحد قبلك، فعفوت عنك لقوله، فلا تعد.
كان البراء بن قبيصة صاحب شراب، فدخل إلى الوليد بن عبد الملك وبوجهه أثر، فقال: ما هذا? فقال: فرس لي أشقر ركبته فكبا بي، فقال: لو ركبت الأشهب لما كبا بك، يريد الماء.
دخل خليلان المعلم وكان يغني على تستر وتصون يوماً على عقبة بن مسلم الأزدي فاحتبسه عنده، فأكل معه ثم شرب، وحانت منه التفاتة فرأى عوداً معلقاً فعلم أنه عرض له به، فدعا به فأخذه وغناهم: (من المديد)


يا ابنة الأزدي قلبي كئيب مستهام عندها ما ينـيب

وحانت منه التفاتة فرأى وجه عقبة قد تغير، وقد ظن أنه عرض به، ففطن لما أراد به فغنى: (من الهزج)

ألا هزئت بنا قرشية يهتز موكـبـهـا

فسري عن عقبة وشرب، فلما فرغ وضع العود من حجره وحلف بالطلاق أنه لا يغني بعد يومه ذلك إلا من يجوز أمره عليه.
دخل حطيئة على عيينة بن النهاس العجلي، فسأله وهو لا يعرفه، فقال له: ما أنا على عمل فأعطيك، ولا في مالي فضل عن قومي، قال له: لا عليك وانصرف. فقال له بعض قومه: قد عرضتنا ونفسك للشر، قال: فكيف? قالوا: هذا الحطيئة وهو هاجينا أخبث هجاء، فقال: ردوه، فردوه إليه، فقال: كتمتنا أمرك بنفسك كأنك كنت تطلب العلل علينا، اجلس فلك عندنا ما يسرك فجلس، فقال له: من أشعر الناس? قال: الذي يقول: (من الطويل)


ومن يجعل المعروف من دون عرضه يفره ومن لا يتقي الشـتـم يشـتـم

فقال له عيينة: إن هذا من مقدمات أفاعيك. ثم قال لوكيله: اذهب معه إلى السوق فلا يطلب شيئاً إلا اشتريته له. فجعل يعرض عليه الخز ورقيق الثياب فلا يريدها، ويوميء إلى الكرابيس الغلاظ، فيشتريها له حتى قضى أربه، ثم مضى. فلما جلس عيينة في نادي قومه أقبل الحطيئة، فلما رآه عيينة قال: هذا مقام العائذ بك يا أبا مليكة من خيرك وشرك، قال: قد قلت بيتين فاسمعهما، فأنشده: (من الطويل)

سئلت فلم تبخل ولم تـعـط طـائلاً فسيان لا ذم عـلـيك ولا حـمـد
وأنت امرؤ لا الجود منك سـجـية فتعطي، ولا يعدي على النائل الوجد

كان الفرزدق في حلقة في المسجد وفيها المنذر بن الجارود العبدي، فقال المنذر: من الذي يقول: (من الوافر)

وجدنا في كتاب بني تـمـيم أحق الخيل بالركض المعار

فقال الفرزدق: يا أبا الحكم، هو الذي يقول: (من الوافر)

أشارب قهوة وخدين زير وضراط لفسوته بخـار
وجدنا الخيل في أفناء بكر وأفضل خيله خشب وقار

فخجل المنذر حتى ما قدر على الكلام.
وفد سعيد بن عبد الرحمن بن حسان، وكان جميل الوجه، على هشام بن عبد الملك، فاختلف إلى عبد الصمد بن عبد الأعلى مؤدب الوليد بن يزيد، فأراده على نفسه، وكان لوطياً زنديقاً وكان كثير الشبق، فدخل سعيد على هشام مغضباً وهو يقول: (من الرمل)


إنه والله لـولا أنـت لـم ينج مني سالماً عبد الصمد

فقال هشام: لماذا? فقال:

رام جهلاً بي وجهلاً بـأبـي يدخل الأفعى إلى خيس الأسد

فضحك هشام وقال: لو فعلت به شيئاً لم ننكر عليك.
ابن مناذر في رجل كان يرمى بالزندقة: (من الخفيف)


يا أبا جعفر كأنك قـد صـر ت على أجرد طويل الحران
من مطايا ضوامر ليس يصهل ن إذا ما ركبـن يوم رهـان
لم يذللن بالـسـروج ولا أق رح أشداقهن جذب العـنـان
قائمات مسومات لذي الجـس ر لأمثالكم مـن الـفـتـيان

قال عبد الملك بن مروان لثابت بن الزبير: ما ثابت من الأسماء? لا باسم رجل ولا بامرأة، قال: يا أمير المؤمنين، لا ذنب لي، لو كان اسمي إلى لسميت نفسي زينب، يعرض بأبيه كان يعشق زينب بنت عبد الرحمن بن هشام، وخطبها فقالت: لا أوسخ نفسي بأبي الذبان.
ذكروا أن السليك أملق، فخرج على رجليه رجاء أن يصيب غرة من بعض من يمر به في ليلة باردة مقمرة، فاشتمل الصماء ثم نام، واشتمال الصماء أن يرد فضل ثوبه على عضده اليمنى ثم ينام عليها، فبينا هو نائم إذ جثم عليه رجل فقعد إلى جنبه وقال: استأسره، فرفع السليك إليه رأسه وقال: الليل طويل وأنت مقمر، فأرسلها مثلاً، فجعل الرجل يلمزه ويقول: يا خبيث استأسر، فلما آذاه بذلك أخرج السليك يده وضم الرجل إليه ضمة ضرط منها وهو فوقه، فقال السليك: أضرطاً وأنت الأعلى! فأرسلها مثلاً، ثم قال السليك: ما أنت? قال: رجل افتقرت فقلت: لأخرجن فلا أرجع إلى أهلي حتى أستغني قال: فانطلق معي، فانطلقا فوجدا رجلاً قصته مثل قصتهما، فاصطحبوا جميعاً حتى أتوا الجوف جوف مراد، فلما أشرفوا عليه إذا فيه نعم قد ملأ كل شيء من كثرته، فهابوا أن يغيروا فيطردوا بعضها ويلحقهم الطلب فقال لهم سليك: كونوا قريباً مني حتى آتي الرعاء فأعلم لكما علم الحي، أقريب أم بعيد هم، فإن كانوا قريباً رجعت إليكما، وإن كانوا بعيداً قلت لكما قولاً أوحي إليكما به فأغيرا. فانطلق حتى أتى الرعاء فلم يزل يستنطقهم حتى أخبروه مكان الحي. فإذا هم بعيد، إن طلبوا لم يلحقوا، فقال السليك للرعاء: ألا أغنيكم? قالوا: بلى، غنينا، فرفع صوته وغنى: (من البسيط)


يا صاحبي ألا لاحي بالوادي سوى عبيد وأم بـين أذواد
أتنظران قريباً ريث غفلتهم أم تغدوان فإن الريح للغادي

فلما سمعا ذلك أتيا السليك فطردوا الإبل فذهبوا بها، ولم يبلغ الصريخ الحي حتى فاتوهم بالإبل.
قال نميري لفقعسي: إني أريد إتيانك فأجد على بابك خرءاً، فقال له الفقعسي: اطرح عليه تراباً وادخل، أراد النميري قول الشاعر: (من الوافر)


ينام الفقعسي ولا يصـلـي ويخرأ وق قارعة الطريق

وأراد الفقعسي: (من الوافر)

ولو وطئت نساء بني نمير على ترب لخبثن الترابا

كان بالمدينة رجل يسمى جعدة يرجل شعره ويتعرض للنساء، فكتب رجل من الأنصار، وكان في الغزو، إلى عمر رضي الله عنه: (من الوافر)

ألا أبلغ أبا حفـص رسـولاً فدى لك من أخي ثقة إزاري
قلائضنا هـداك الـلـه إنـا شغلنا عنكم زمن الحصـار
يعقلهن جعـد شـيظـمـي وبئس معقل الذود الظـوار

كنى بالقلائص عن النساء، وعرض لأن اسمه جعدة، فسأل عمر عنه، فدل عليه ونفاه عن المدينة.
أخذ علي عليه السلام رجلاً من بني أسد في حد، فاجتمع قومه ليكلموه فيه، وطلبوا إلى الحسن أن يصحبهم فقالوا: ائتوه فهو أعلى بكم عيناً، فدخلوا عليه فرحب بهم وقال لهم معروفاً، وسألوه فقال: لا تسألوني شيئاً أملكه إلى أعطيتكم. فخرجوا وهم راضون يرون أنهم أنجحوا. فسألهم الحسن فقالوا: أتينا خير مأتى، وحكوا له قوله. فقال: ما كنتم فاعلين إذا جلد صاحبكم فاصنعوه، فأخرجه علي عليه السلام فحده فقال: هذا والله لست املكه.
قال عبد الله بن الزبير لامرأة عبد الله بن خازم السلمي: أخرجي المال الذي وضعته تحت استك فقالت: ما ظننت أن أحداً يلي شيئاً من أمور المسلمين يتكلم بهذا، فقال بعض الحاضرين: أما ترون الخلع الخفي الذي أشارت إليه?! فلما أخذ الحجاج أم عبد الرحمن بن الأشعث تجنب ما عيب على ابن الزبير، فكنى عن المعنى فقال لها: عمدت إلى مال الله فوضعته تحت ذيلك.
2قال الشقراني مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: خرج العطاء أيام أبي جعفر، وما لي شفيع، فبقيت متحيراً، فإذا أنا بجعفر بن محمد عليهما السلام، فقمت إليه فقلت: جعلني الله فداك، أنا مولاك الشقراني، فرحب بي وذكرت له حاجتي فنزل ودخل دار أبي جعفر وخرج وعطائي في كمه، فصبه في كمي، ثم قال: يا شقراني، إن الحسن من كل أحد حسن، وإنه منك أحسن لمكانك منا، وإن القبيح من كل أحد قبيح وهو منك أقبح لمكانك منا، عرض له فإنه كان يصيب من الشراب، فأكرم في تعريضه بعد إحسانه في الشفاعة وتنجز حاجته.
ماتت للهذلي أم ولد، فأمر المنصور الربيع بأن يعزيه ويقول له: إن امير المؤمنين موجه إليك جارية نفيسة لها أدب وظرف تسليك عنها، وأمر لك بفرش وكسوة وصلة، فلم يزل الهذلي يتوقعها، ونسيها المنصور، فحج ومعه الهذلي فقال له وهو بالمدينة: أحب أن أطوف الليلة بالمدينة، فاطلب لي من يطوف بي، فقال أنا لها يا أمير المؤمنين. فطاف به حتى وصل إلى بيت عاتكة، فقال: يا أمير المؤمنين، هذا بيت عاتكة الذي يقول فيه الأحوص: (من الكامل)


يا بيت عاتكة الذي أتعزل

فأنكر المنصور ذكر بيت عاتكة من غير أن يسأله عنه، فلما رجع أمر القصيدة على قلبه فإذا فيها:

وأراك تفعل ما تقول وبعضهم مذق الحديث يقول ما لا يفعل

فذكر الوعد فأنجز له واعتذر له.
طلب المتوكل جارية الزقاق بالمدينة، وكاد يزول عقله لفرط حبه لها، فقالت لمولاها: أحسن ظنك بالله وبي، فإني كفيل لك بما تحب. فحملت فقال لها المتوكل: إقرأي! فقرأ: "إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة". ففهم المتوكل ما أرادت فردها إلى مولاها.
اختفى ابراهيم بن المهدي في هربه من المأمون عند عمته زينب بنت أبي جعفر، فوكلت بخدمته جارية لها اسمها ملك، واحدة زمانها في الحسن والأدب، طلبت منها بخمسمائة ألف درهم فأبت، فهويها وتذمم أن يطلبها منها، فغنى يوماً وهي قائمة على رأسه: (من الرمل المجزوء)


يا غزالاً لي إلـيه شافع من مقلتيه
والذي أجللت خدي ه فقبـلـت يديه
بأبي وجهك ما أك ثر حسادي عليه

أنا ضيف وجزاء الض يف إحـسـان إلـيه

ففطنت الجارية فحكت ذلك لمولاتها، فقالت: إذهبي إليه وأعلميه أني قد وهبتك له. فعادت له، فلما رآها أعاد الغناء، فانكبت عليه فقال لها: كفي، فقالت: قد وهبتني لك مولاتيوانا الرسول، فقال: أما الآن فنعم.
كان بين يزيد بن معاوية وبين إسحاق بن طلحة بن عبيد الله كلام بين يدي معاوية، فقال يزيد: يا إسحاق إن خيراً لك أن يدخل بنو حرب كلهم الجنة، فقال إسحاق: وأنت والله خير لك أن يدخل بنو العباس كلهم الجنة، فانكسر يزيد ولم يدر ما عناه. فلما قام إسحاق قال معاوية: أتدري ما عناه إسحاث? قال يزيد: لا، قال: فكيف تشاتم رجلاً قبل أن تعلم ما يقال لك وفيك? عنى ما زعم الناس بأن العباس أبي أنا. وكانت هند اتهمت به وبغيره. وذلك لما جاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تبايعه، فتلا عليها الآية، فبلغ قوله: "ولا يزنين". قالت: وهل تزني الحرة?! فنظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى عمر رضي الله عنه وتبسم.
خاصم خيلان رجلاً من أولاد زياد، فقال له الزيادي: يا دعي، فأنشأ خيلان يقول: (من الطويل)


بثينة قالت يا جميل أربتني فقلت كلانا يا بثين مريب

فبلغ قولهما ابن عائشة فقال: والله إن خيلان في التمثل بهذا البيت أشعر من جميل.
كان يونس يختلف إلى الخليل يتعلم منه العروض، فصعب عليه تعلمه، فقال له الخليل يوماً: من أي بحر قول الشاعر: (من الوافر)


إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع

ففطن يونس إلى ما عناه الخليل وترك العروض.
الأحاجي أنشد ابن الأعرابي في أيام الأسبوع: (من الرجز)


ما سبعة كلـهـم إخـوان ليسوا يموتون وهم شبـان
لم يرهم في موضع إنسان

وأنشد أحمد بن يحيى: (من المتقارب)

إذا الـقـوس وتـرهــا أيد رمى فأصاب الذرى والكلـى
فأصبحت والليل لي مـلـبـس وأصبحت والأرض بحر طمى

يعني قوس الله التي تدل على الخصب، والأيد: القوي، وهو الله عز وجل. وأصاب كلى الإبل وذراها بالشحم، ومعنى أصبحت: أسرجت المصباح.
محمد بن محمد اليزيدي يصف قنفذاً: (من الطويل)


وطارق ليل جاءنا بعد هـجـعة من الليل إلا ما تحدث سـامـر
قريناه صفو الزاد حتـى رأيتـه وقد جاء خفاق الحشى وهو سادر
جميل المحيا في الرضا فإذا أبـى حمته من الضيم الروام الشواجر
ولست تراه واضعاً لـسـلاحـه يد الدهر موتوراً ولا هو واتـر

الحميري في المائدة: (من السريع)

ما ناهد ممسوحة الصدر ظاهرة الآية في الظهر
يقوم بالنسر لها بدرهـا وبدرها يقعد بالنـسـر

امتحن يحيى بن أكثم رجلاً أراده على القضاء فقال: ما تقول في رجلين، زوج كل واحد منهما الآخر أمه، فولد لكل واحد من المرأة ولد، ما قرابة ما بين الولدين? فلم يعرف ذلك، فسئل عنها فقال: كل واحد منهما عم الآخر لأمه.
دخل رجل من أهل الشام على عبد الملك بن مروان فقال: إني قد تزوجت امرأة، وزرجت ابني امها، ولا غنى بها عن رفدك، فقال له عبد الملك: إن أخبرتني ما قرابة ما بين اولادكما إذا ولدتما فعلت، فقال: يا أمير المؤمنين، هذا حميد بن بحدل قد قلدته سيفك ووليته ما وراء بابك، فسله عنها، فإن أصاب لزمني الحرمان، وإن أخطأ اتسع لي العذر. فدعا بالبحدلي فسأله: فقال: يا امير المؤمنين، إنك والله ما قدمتني على العلم بالأنساب، ولكن على الطعن بالرماح، أحدهما عم الآخر، والآخر خاله. وهذه القضية هي التي ضمنها الحريري مقاماته في قوله: (من الخفيف)


رجل مات عن أخ مسلم حر ر نقي مـن امـه وأبـيه
وله زوجة لها أيها الحـب ر أخ خالص بلا تـمـويه
فجرت سهمها وحاز أخوها ما تبقى بالإرث دون أخيه

وهي منقولة من كتاب ابن قتيبة "عيون الأخبار".
وقد وضعت أحاج فقهية ليس فيها طائل ولا يحصل بها علم، وعلى ذلك فقد ذكرت منها ما يجعل الباب حاوياً لما جاء من جنسه.
رجل من اهل الجنة نهى الله أن يعمل مثل عمله? ونس بن متى لقوله تعالى: "ولا تكن كصاحب الحوت".
ميت أحيا ميتاً? بقرة بني إسرائيل لقوله: "اضربوه ببعضها".
شيء قليله حلال وكثيره حرام? نهر طالوت لقوله: "إلا من اغترف غرفة بيده".
صلاة مفروضة تصلى على غير طهر? صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
صوم لا يحجز عن أكل ولا شرب? في قوله تعالى: "إني نذرت للرحمن صوماً" أي سكوتاً.
رجل مسلم محصن أخذ مع امرأة مسلمة محصنة، فوجب الرجم عليه ولم يجب عليها? هو رجل أشهد على طلاق امرأة ولم تعلم، ثم جامعها، فرجم.
رجلان خطبا امرأة فحلت لأحدهما وحرمت على الآخر من غير نسب ولا معرفة ولا رحم ولا رضاع? كان للذي حرمت عليه أربع نسوة.
رجلان كانا في سطح، فسقط أحدهما فمات، فحرمت امرأة الآخر عليه? الجواب عن ذلك أنه كان الحي مولى للميت وتحته ابنته، فإذا مات صارت مولاته، فحرمت عليه.
مكان لا قبلة له? ظهر البيت الحرام.
رجل زوج أمه وأخته من رجل في عقد واحد، والعقد صحيح? الجواب: أن الرجل المزوج كانت أمه أمة مشتركة بين اثنين، فجاءت به فادعاه كل واحد من الموليين، والولد لاحق بهما جميعاً يرثهما ويرثانه، ولكل واحد من الأبوين بنت من امرأة أخرى، وكلتاهما أخت له، فإذا جمع بينهما وبين أمه في نكاح فلا مانع من ذلك.
رجل صلى المغرب فلزمه أن يتشهد فيها عشر مرات? الجواب أنه رجل لحق الإمام وهو ساجد في الركعة الثانية فتشهد معه، ثم قام الإمام إلى الركعة الثالثة وتشهد فيها، وهي الأولى للمأموم، وكان الإمام قد سها فسجد سجود السهو وتشهد، وذكر قبل السلام أن عليه سجدة تلاوة قد سها عنها، فسجدها وتشهد، ثم سجد للسهو عنها وتشهد فصارت خمس مرات، وليس للمأموم فيها غير ركعة واحدة، وقام ليتم صلاته ركعتين، فاتفق له مثل ما اتفق للإمام من السهو فلزمه التشهد خمس مرات، فصارت عشراً.
أبو الفضل بن العميد في الشمس: (من البسيط)


ماذا ترى يا أبا العباس في رجل تشابهت مـنـه أولاه وأخـراه
يرى مقدمه شـروى مـؤخـره حسناً ويمناه في تمثـال يسـراه
من حيث واجهته أرضاك منظره وكيف قابلته أغناك مـغـنـاه
يهوى المباعد عنه قرب منزلـه حتى إذا ما تغشـاه تـحـامـاه

آخر في الشطرنج: (من الوافر)

وجيش في الوغى بإزاء جـيش لهام جحفل لجـب خـمـيس
تراهم يبذلون لـمـذرهـيهـم إذا حمي الوغى مهج النفـوس
نفوس ليس ينفـعـهـا نـعـيم وليس يضيرها إيقـاع بـوس
وليسوا باليهـود ولا نـصـارى ولا العرب الصليب ولا مجوس

آخر في السماء والأرض: (من المنسرح)

أختان إحداهما إا انتحـبـت تبكي كذاك بعبـرة حـرى
وما بهـا عـلة ولا سـقـم تضحك منها الأخية الأخرى

آخر في الأيام والليالي: (من الطويل)

سرينا فأدلجنا فكان ركـابـنـا يسرن بنا في غير بر ولا بحر
مطايا يقربن البعـيد وإنـمـا يقربن أشلاء الكريم إلى القبر

آخر في الشمعة: (من الرجز)

مجدولة تحكي لنـا في قدها قد الأسل
كأنها عمر الفتـى والنار فيها كالأجل

أبو طالب المأموني في المنارة: (من الطويل)

وقائمة بين الجلوس على شوى ثلاث فما تخطى بهن مكانـا
على رأسها نجل لها لم يجنـه حشاها ولا علته قط لبـانـا
تسدد في أعلاه كل عـشـية لشق جلابيب الظلام سنـانـا

كشاجم في البطيخ: (من السريع)

وطيب أهدى لنا طـيبـا فدلنا المهدى على المهدي
لم تأتنا حتى أتـينـا لـه روائح أغنت عن الـنـد
بظاهر أخشن من قنـفـذ وباطن ألـين مـن زبـد
كأنما تكشف عنه المـدى عن زعفران شيب بالشهد

ابن العميدمن رسالة كتبها إلى بعض إخوانه في الشمعة وربعة المصحف: زرت أطال الله بقاء سيدي في هذه الأيام صدراً من صدور الكرام، قد ساعده زهو الشبيبة، وأسعده زمن اللهو والطيبة، وجنجت الأقدار لسلمه، وأسلمت لمراده وحكمه. يقول فيها: إذ دخل علينا واحد من خدمه ومعه شجرة قائمة على ساقها، عارية عن أوراقها، تحمل ناراً، وتعيد ليلها نهاراً، إن انتبهت استأنس جلاسها، وإن قمصت تطلع رأسها، واقفة وما لها قدم، وناحلة وما بها من سقم، أرضها من فضة، ودموعها منفضة، تجمع أوصاف العشاق، وتحكي اعتدال القدود الرشاق. فلما انجلى بها الحندس، وأضاء عنها المجلس، حانت مني التفاتة فرأيت بين السماء والأرض شيئاً بديعاً، بطنه ساج، وفرشه ديباج، أطرافه كجيد الفتاة، وآثاره مس كعوب القناة، ولباسه خزائن البحار، وقلائده بضائع الأبارا والفجار، فهو موصول ومفصول، وإبهامه مقطوع ومأكول، نطاقه في صدره، وأزراره من ظهره، فيه نفس بلا علل، وعين بلا مقل، وأذن بلا قذال، وقلب بلا طحال، قصيره كطويله، وجملته كتفصيله، يصغر وهو عظيم، ويمنع وهو كريم، ويحكم وهو غير حاكم، ويقطع وهو غير صارم، ويسبح وهو غير عائم، ويتكيء وهو غير نائم، يجمع ألوان الأزهار والأنوار، ويدل على صورة الفلك الدوار، يخبر عن غرائب الجواهر، ويؤذن بالدواهي والفواقر، مقيد لم تمسه السلاسل، ومخمل لم تدنسه الغلائل، معلم الطرفين، أحمر الظواهر، أبلق البواطن؛ تضمنته نيران لا تحرقه، ومياه لا تغرقه، حلو يسره، طيب لا يفيد إلا نشره. إن مددت اسمه فكلمتان، وإن تركته فذو معان، لا يوافقه ذم، ولا تفارقه أم، ما رضع من لبان، ولا رصع بنقصان، إخوانه أمجاد، وأخواته أزواج وأفراد، يركب وهو راجل، ويركب وهو غير راحل، حامله محمول، وأثره منقول. فاهتززت لاستهدائه اهتزاز واثق بأن نواله يسبق السؤال، وأفعاله تبلغني الآمال. فلما عرف رغبتي فيه قربه ناحية، فأنجح آمالي قبل أن أخلق وجهي بذل السؤال.
وجه ملك الروم إلى معاوية بقارورة وقال: ابعث إلي فيها من كل شيء، فبعث إلى ابن عباس فقال: إحدى بنات طبق! قال: وما ذاك? فقص عليه القصة، فقال: لتملأ له ماء. فلما ورد به على ملك الروم قال: لله أبوه ما أهاه! وقيل لابن عباس: كيف اخترت ذلك? فقال: لقول الله عز وجل: "وجعلنا من الماء كل شيء حي".
وقيل لرجل من بني هاشم: ما طعم الماء? فقال: طعم الحياة.
صحب أعشى همدان خالد بن عتاب بن ورقاء الرياحي، فكان يعده ويمنيه إن ولي عملاً أن يحكمه فيه. فلما ولي خالد أصفهان سار معه، فلما وصل إلى العمل جفاه وتناساه ففارقه الأعشى وقال فيه من أبيات: (من الوافر)


أتذكرني ومرة إذ غـزونـا وأنت على بغيلك ذي الوشوم
وتركب رأسه في كل وحـل وتعثر في الطريق المستقيم
وليس عليك إلا طـيلـسـان نصيبي وإلا سـحـق نـيم

فبعث إليه خالد: هذا الذي ادعيت أني وأنت غزونا معه على بغل ذي وشوم، متى كان ذلك? ومتى رأيت علي الطيلسان والنيم اللذين وصفتهما? فأرسل إليه: هذا كلام أردت وضعك بظاهره، وأما تفسيره: فإن مرة مرارةثمر ما غرست عندي من القبح، والبغل: المركب الذي ارتكبته مني لا يزال يعثر بك في وعث وجدد ووعر وسهل، وأما الطيلسان فما ألبستك إياه من العار والذم، وإن شئت راجعت الجميل فراجعته لك. قال: لا، بل أراجع الجميل وتراجعه، فوصله بمال عظيم وترضاه.
ومن هذا الجنس قول القائل: (من المتقارب)


ألا لا تصل ألا لا تـصـل حرام عليك فلا تـفـعـل
فإن المزكـي إلـى ربـه من النار في الدرك الأسفل

ظاهر هذا الكلام نهي عن الصلاة وعن الزكاة، وإنما أراد: لا تزن ولا تلط ولا تقامر، فإن هذه الخصال تورد صاحبها في النار. فالصلوان عرقان في الردف يقول: لا تركب الصلوين، يريد: فجوراً. والمزكي: المقامر الذي يلعب حساً أو زكاً أي فرداً أو زوجاً.
خرج المعتصم متنزهاً مستخلياً من غلمانه يسير بين أيديهم وقد بعد عنهم. فلقي رجلاً فقال له: ما صناعتك أيها الرجل? قال: حلية الأحياء وجهاز الموتى. فوقف وجازه الرجل، فلحقه ابن أبي داود وأخبره بما قال الرجل، فقال: هذا حائك يا أمير المؤمنين.


وجه عبد الملك بن صالح بن علي إلى الرشيد فاكهة في أطباق خيزران وكتب إليه: أسعد الله أمير المؤمنين وأسعد به، دخلت بستاناً لي أفادنيه كرمك وغمرته نعمتك، وقد ينعت أشجاره، وأتت ثماره، فوجهت من كل شيء شيئاً على السعة والإمكان في أطباق القضبان، لتصل إلى من بركة دعائه مثل ما وصل إلى من كثرة عطائه، فقال له بعض من حضره: يا أمسر المؤمنين، ما سمعت بأطباق قضبان! فقا له الرشيد: يا أبله، إنما كنى عن الخيزران إذ كان اسماً لأمنا.
ومن كنايات العرب قول بعض اللصوص: (من الوافر)


أيذهب بارح الجوزاء عني ولم أذعر هوامل بالستار

عنى أنه إذا سرق الهوامل عفت الريح على أثر وطئه، فلم يوقف له ونجا بالذي يقتطعه ويسرقه. وأراد بالبارح بوارح الرياح.
ومنه قول الأخر: (من الطويل)


أيا بارح الجوزاء ما لك لا ترى عيالك قد أمسوا مراميل جوعا

أي إذا هببت أمكنتنا السرقة بتعفيتك آثار الأقدام.
ومثله قول الآخر: (من الوافر)


ألا يا جارنا بـأنـاص إنـا وجدنا الريح أكرم منك جارا
تعدينا إذا هبـت عـلـينـا وتملأ وجه ناظركم غبـارا

وقول الآخر: (من الوافر)

إذا لم تطعمونا أطعمتنـا بحمد الله معصفة جنوب

يونس عن امرأة من العرب زارتها بنت أختها وبنت أخيها، فأحسنت تزويدهم. فلما كان عند رجوعهما قالت لابنة أخيها: جف حجرك وطاب نشرك. فرت الجارية بما قالت لها عمتها، وقالت لابنة أختها: أكلت دهشاً وحطبت قمشاً، فوجدت لذلك المصيبة وشق عليها ما قالت لها خالتها، فانطلقت بنت الأخ إلى أمها مسرورة فقالت لها أمها: ما قالت لك عمتك? فقالت: قالت لي خيراً ودعت لي. قالت: ويحك، وكيف قالت ذلك? قالت، قالت: جف حجرك وطاب نشرك. فقالت: يا بنية، ما دعت لك بخير، ولكن دعت بأن لا تلدي ولداً أبداً فيبل حجرك ويغير نشرك. وانطلقت الأخرى إلى أمها فقالت لها: ما قالت لك خالتك? قالت: وما عسى أن تقول لي? دعت الله علي، فقالت، قالت لي: أكلت دهشاً وحطبت قمشاً، قالت: بل دعت الله لك يا بنية أن يكثر ولدك فينازعونك في المال ويقمشوك حطباً.
ومن أخبار العرب في هذا المعنى أن شناً كان رجلاً من دهاة العرب، وكان ألزم نفسه أن لا يتزوج إلا بامرأة تلائمه. فكان يجوب البلاد في ارتياد طلبته، فصاحبه رجل في بعض أسفاره. فلما أخذ منهما السير قال له شن: أتحملني أم أحملك? فقال له: يا جاهل، هل يحمل الراكب الراكب? فأمسك وسار حتى أتيا على زرع، فقال له شن: أترى لهذا الزرع أكل أم لا? فقال: يا جاهل، ألا تراه في سنبله? فأمسك إلى أن استقبلتهما جنازة، فقال له شن: أترى صاحبها حياً أم لا? فقال له صاحبه: ما رأيت أجهل منك، أتراهم حملوا إلى القبر حياً? ثم أنهما وصلا إلى قرية الرجل فصار به إلى منزله، وكانت له بنت تسمى طبقة، فأخذ يطرفها بحديث رفيقه فقال له: ما نطق إلا بالصواب: أما قوله تحملني أم أحملك? فإنه أراد تحدثني أم أحدثك حتى نقطع الطريق? وأما قوله: أترى هذا الزرع أكل أم لا? فإنه أراد هل استسلف ربه ثمنه? وأما استفهامه عن حياة صاحب الجنازة فإنه أراد به: أخلف عقباً يحيي ذكره أم لا. فلما خرج إلى الرجل حدثه بتأويل ابنته كلامه، فخطبها إليه، فزوجه إياها، وسار إلى قومه بها، فلما خبروا ما فيها من الدهاء والفطنة قالوا: وافق شن طبقة، فصارت مثلاً. هذا أحد الأقوال في تفسير هذا المثل وهو بعيد.
وقد قيل في تفسيره ما هو أسد من هذا، وهو مورد في باب الأمثال.
من كلام أبي محمد القاسم بن علي الحريري يصف الإبرة ويلغز عنها: كانت لي مملوكة رشيقة القد، أسيلة الخد، صبور على الكد، تخب أحياناً كالنهد، وترقد أطواراً في المهد. وتجد في تموز مس البرد، ذات عقل وعنان، وحد وسنان، وكف ببنان، وفم بلا أسنان، تلدغ بلسان نضناض، وترفل في ثوب فضفاض، وتجلى في سواد وبياض، وتسقى ولكن من غير حياض، ناصحة خدعة، خبأة طلعة، مطبوعة على المنفعة، ومطواعة في الضيق والسعة. إذا قطعت وصلت، ومتى فصلتها عنك انفصلت، وطالما خدمتك فجملت، وربما جنت عليك فآلمت وململت. وإن هذا الفتى استخدمنيها لغرض، فأخدمته إياها بلا عوض، على ان يجتني نفعها، ولا يكلفها إلا وسعها، فأولج فيها متاعه، وأطال بها استمتاعه. ثم أعادها وقد أفضاها، وبذل عنها قيمة لا أرضاها. الجواب.
من كلامه يلغز بالميل: رهنته، على أرش ما أوهنته، مملوكاً لي متناسب الطرفين، منتسباً إلى القين، نقياً من الدرن والشين، يقارن محله سواد العين، يفشي الإحسان، وينشيء الاستحسان، ويغذي الإنسان، ويتحامى اللسان. إن سود جاد، أو وسم أجاد، وإذا زود وهب الزاد، ومتى استزيد زاد. لا يستقر بمغنى، وقلما ينكح إلا مثنى. يسخو بموجوده، ويسمو عند جوده، وينقاد مع قرينته، وإن لم تكن من طينته، ويستمتع بزينته، وإن لم يطمع في لينته.
ابن القزاز المغربي وكنى عن غلام اسمه لؤلؤ، وأشار إلى أن الأصداغ توصف باللامات والطرر بالواوات: (من الكامل المرفل)


م يكفه أن اسمه عـلـم ينبيك مبسمه بصورتـه
حتى أراد بأن يعنـونـه بصفات صدغيه وطرته

أبو الحسن علي بن إسماعيل الزيدي العلوي المغربي وقد عمد إلى جرتي شراب، فوجد إحداهما خلاً نقيفاً: (من الخفيف)

رب أختين أمستا طوع ملـكـي نجل أم يصبو إليها الـرجـال
هذه حسنـهـا مـقـيم وهـذي غيرت حسن حالهـا الأحـوال
فافتضاض الحسناء سهل حـرام وافتضاض السواء صعب حلال

وه في المائدة: (من الخفيف)

هاكها روضة تعيش بها الأج سام مثل نـورهـا نـوار
دبجتها الأيدي فجاءت تهادى بوجوه كـانـهـا أقـمـار
كل روض غض ينمقه الما ء وهاتيك نمقتهـا الـنـار

وله في الزربطانة بديهاً: (من الخفيف)

سمهري تزخمـنـه نـجـوم لذوات اللحون فيهـا رجـوم
تخرق الأيك فوقهن بحـتـف فلها في صدورهن كـلـوم
كل قوس تحنى إذا سمتها الرم ي وهذا في رميه مستـقـيم

حسن بن علي الصيرفي يلغز بإبراهيم: (من السريع)

يا ابن المغيث اسمع بأعجـوبة جاءتك مني تستخف الحـلـيم
قد صرت في ذا الحب أحدوثة ذا كبد حرى وجسـم سـقـيم
يلعب بي ضدان باسـم الـذي أهوى كريح لعبت بالهـشـيم
بعض اسمه يأمر أن أرعـوي وبعضه يأمـرنـي أن أهـيم
وقد أتت في لفـظـه لـحـنة ألذ من راح بـكـفـي نـديم
ومنه وصفي حالتـي إن أتـى يسألني عنها صديق حـمـيم
ولست أرعى النـجـم إلا لأن ني بت عديلاً لدراري النجوم
وجدته في الآس والبان والـر راح وفي نعتي وبعض النسيم
لو كنت إلا مثل ما قـال فـي بعض اسمه ما لاح برق وشيم

أكثر مقاصده في هذه الأبيات مفهوم إلا قوله: وجدته في الآس… البيت، فإن فيه استغلاقاً. أراد الألف من الآس، والباء من البان، والراء من الراح، والألف الثانية تسقط لتكررها، والهاء من هائم وهو نعت له، والياء والميم من النسيم وهي بعضه كما قال.
اسماعيل بن عبدون الكاتب المغربي في الشمعة: (من المتقارب)


وصفراء تنشر من رأسهـا ذوائب صفراً على المجلس
تعم الندامى بهـا كـسـوة فكل نديم بها مكـتـسـي
تمازج مشـروبـهـم رقة وتلقي شعاعاً على الأكوس
وتهدي إذا حضرت مجلسـاً نشاطاً وأنساً إلى الأنفـس
تريك إذا حدقت عـينـهـا عيوناً من الزهر والنرجس

وله أيضاً فيها: (من المتقارب)

وفـوارة مـاؤهــا رقة تفيض على كل راء لهـا
إذا قابلته كسا الحاضـرين كساها عموماً لها كلـهـا
تفيض عليهم بمثل الغـمـا م أتبع وابلهـا طـلـهـا
يصوب فيغرق أبوابـهـم ويخرج منها وما بلـهـا
تمازج كـاسـاتـهـم رقة ويظهر فيها وما حلـهـا
وليس بملح ولا بـالـفـرا ت يروي العطاش إذا علها
صفات يظل لها ذوي النهى كليل القريحة معتـلـهـا
إذا ما اهتدى لطريق أرت ه أخرى فعاد وقد ضلهـا
البديع الهمذاني رحمه الله في البهار: عدو في بردة صديق. من نجار الصفر، يدعو إلى الكفر، ويرقص على الظفر، كدارة العين، يحط ثقل الدين.
ابن نصر الكاتب في اصطرلاب: قطب الزمن ومداره، وميزان الفلك ومعياره، وأساس الحكمة وموضوعها، وتفصيل القضية ومجموعها، الناطق في صمته، الموفي على نعته، مظهر السر الكنون، المخبر عما كان وعما يكون، ذو شكل مقمر مستدير، ولون مشمس مستنير، ومنطقة محيطة بأجزائه، وخطوط معدلة على أعضائه، وكتابة مطيفة بتلاويزه، ورموز بائحة بضميره، متقابل الأطراف والأهداف، متكامل الأوصاف، بحجرة مسكونة وصفائح موضونة، وقد مرموق، وباب مطروق، يتعلم فتحه ورتاجه، وعليه طريقه ومنهاجه، إذا انتصب قال فحمد، وإذا اضطجع عي فلم يفد، صفري الانتساب، ذهبي الإهاب، يخترق الأنوار من نقابه، ويستخدم الشمس في حسابه، يجمع الشرق والغرب في صفحته، وستره الحامل في راحته. رافعه ينظر من تحته، وأخباره تسند عن خرته.
والكناية في شعر العرب قليل، ولم يكونوا يتعاطونه، وعلى شذوذه فلهم منه النادر. فمن ذلك قول ذي الرمة، وكنى عن الأرض: (من الطويل)

فما أم أولاد ثـكـول وإنـمـا بنو بطنـهـا حـين تـثـكـل
أسرت جنيناً في حشا غير خارج فلا هو منتوج ولا هو معجـل
أسرت جنيناً: أي ما يزرع فيها.
تموت وتحيا حائل من بـنـاتـهـا ومنهن أخرى عاقر وهي تحمـل
عمـانـية مـهـرية دوســرية على ظهرها للكور والحلس محمل
مفرجة حمـراء عـيسـاء جـونة صهابية العثنون دهماء صـنـدل
مفرجة: لها فروج أي طرق فيها حمرة. صهابية العثنون: يريد ما تقدم من الرياح. وصندل: عظيمة الرأس، يريد أول الريح.
تراها أما الريح في كل مـنـزل ولو طال إيجاف بهـا وتـرحـل
ترى الخمس بعد الخمس لا يفتلانها ولو فار للشعرى من الحر مرجل
لا يفتلانها: لا يردانها، يقال: فتله أي صرفه.
تقطع أعناق المطي ولا ترى على السير إلا صلدماً لا تزيل
ترى أثر الأنساع فيها كـأنـه على طي عادي يعاليه جندل
ولو جعل الكور العلافي فوقها وراكبه أعيت به ما تحلحـل
عادي: قليب. يقول: لو جعل الرحل وراكبه فوق الأرض ما تحلحلت.
ترى الموت إن قامت، فإن بركت به يرى موته عن ظهرها حين ينـزل
ترى ولها بطـن وظـهـر وذروة وتشرب من برد الشراب وتـأكـل
قامت: يريد به قيام الساعة. وذروتها: الجبال. وأكلها: ما يزرع فيها.
ولبعض العرب في الجرادة: (من الوافر)

وما صفراء تكنى أو عوف كأن رجيلتيها منـجـلان
وقال أعرابي: أتعرفون شيئاً إذا قام كان أقصر منه إذا قعد. هو الكلب لأنه إذا أقعى سمكاً منه إذا قام على أربع.
ومن لغزهم في العين: (من الوافر)

وباسطة بلا قصب جناحـاً وتسبق ما يطير ولا تطـير
إذا ألقمتها الحجر اطمأنـت وتجزع أن يباشرها الحيري
أراد بالحجر الإثمد.
وسئل أعرابي عن قول القائل: (من الطويل)

أبى علماء الناس لا يخبرونني بناطقة خرساء مسواكها حجر
فقال: هي ما علمت أم سويد.
في القلم: (من المتقارب)

وأجوف يمشي على رأسه يطير حثيثاً على أملـس
فهمت آثاره ما مـضـى وما هو آت ولم يبـلـس
ولآخر فيه: (من الطويل)
وبيت بعلياء الفـلاة بـنـيتـه بأسمر مشقوق الخياشيم يرغف
كشاجم في لوح الهندسة: (من الرجز)
وقلم سطـوره حـسـاب في مـدادهـا تـــراب
يكثر فيها المحو والإضراب من غير أن يسود الكتـاب
حتى يبين الحق والصـواب وليس إعجام ولا إعـراب
سألني سيدنا ومولانا الإمام المستنجد بالله صلوات الله عليه عما قيل في أحول، فأنشدته أبياتاً، ووردت في هذا الكتاب، وأنشد هو ما حضره وأشار إلى نظم لغز فيه: (من المتقارب)
وأختين لم تعرفا ما الفـراق كما التأمت صحبة الفرقدين
ويصطحبان عـلـى رقـبة كمثل الزبانى رقيب البطين
وقلت غير ملغز: (من الرجز)
وأحول محبـب مـمـدوح مبارك العين خفيف الروح
ينظر من خادعة لـمـوح بعرض وهو مقتل الطموح
كصائد مخـاتـل مـشـيح أو كوكب مال إلى الجنوح

نوادر من هذا الباب وأنواعه

تزوج حماد عجرد امرأة، فدخل أصدقاؤه صبيحة البناء بها فسألوه عن خبره معها فقال: (من المديد)
قد فتحت الحصن بعد امتناع بمبيح فاتـح لـلـقـلاع
ظفرت كفي بتفريق شمـل جاءنا تفريقه باجـتـمـاع
فإذا شملي وشمل حبـيبـي إنما يلتام بعـد انـصـداع
سأل خلف أو الأصمعي رجلاً عن قول الشاعر: (من الكامل)
ولقد غدوت بمشرف يافوخه عسر المكرة ماؤه يتدفـق
مرح يسيل من النشاط لعابه ويكاد جلد إهابه يتـمـزق
فقال: يصف فرساً. فقال: أرأسك الله على مثله.
مر أعرابي بجارية تمدر حوضاً لها، فقال: من دل على بعير بعنقه علاط، وبأنفه خزام، تتبعه بكرتان سمراوان? فقالت الجارية: لا حفظ الله عليك يا عدو الله، فقيل لها: ما ذاك? قالت: ينشد سوءته.
شكا رجل إلى مزبد سوء خلق امرأته، فقال مزبد: بخرها بمثلثة، يريد الطلاق.
دخل مطيع بن إياس على قوم وعندهم قينة، فقالوا: اسقوه، ولم يكن أكل شيئاً، فاستحيا وشرب. فلما أوجعه النبيذ قال لها تغنين: (من المتقارب)

خليلي داويتما ظـاهـرا فمن ذا يداوي جوى باطنا
فعلموا أنه عرض بالجوع، فأطعموه.
عر شريح ناقة للبيع فقال له المشتري: كيف غزارتها? قال: احلب في أي إناء شئت، قال: فكيف وثاقها? قال: احمل على حائط ما شئت، قال: كيف وطاؤها? قال: افرش ونم، قال: كيف نجاؤها? قال: هل رأيت البرق قط? قال الأصمعي: كنت مع خلف جالساً، فجرى كلام في شيء من اللغة، وتكلم فيه أبو محمد اليزيدي وجعل يشغب، فقال له خلف: دعني من هذا يا أبا محمد، وأخبرني من الذي يقول: (من الكامل المجزوء)

وإذا انتشيت فإنـنـي رب الحريبة والرميح
وإذا صحوت فإننـي رب الدويبة واللـويح
يعرض به أنه معلم وأنه يلوط فغضب اليزيدي وقام فانصرف.
كان لمطيع بن إياس صديق من العرب يجالسه، فضرط ذات يوم وهو عنده، فاستحيا وغاب عن المجلس، ففقده مطيع وعرف سبب انقطاعه، فكتب إليه يقول: (من البسيط)

أظهرت منك لنا هجراً ومقلـية وغبت عنا ثلاثاً لست تغشـانـا
هون عليك فما في الناس ذو إبل إلا وأينقـه يشـردن أحـيانـا
حدث الأصمعي الرشيد معرضاً أنه كان بالبصرة فتى له كوخ من قصب كان يغشاه الفتيان، فإذا أطربهم سمره قال بعضهم: غداً علي ألف آجرة، وقال آخر: علي الجص، وقال آخر: علي أجرة البناء، فيصير كوخه قصراً من ساعته،ثم يصبح فلا يرى شيئاً، فقال: (من الوافر)
إذا ما طابت الأسمار قالوا غداً نبني بآجـر وجـص
وكيف يشيد البنـيان قـوم يزجون الشتاء بغير قمص
فاستضحك الرشيد وقال: لكننا نبني لك قصراً لا تخاف فيه ما خاف الفتى، وأمر له بألفي دينار.
قال أشعب لفقيه: ما تقول في صلاة صليتها في ثوبين? قال: هي جائزة في ثوب فكيف في ثوبين? قال: هما جورب وقلنسوة.
قال يموت بن المزرع: قال لي ابن صدقة المري: ضربك الله باسمك، فقلت: أحوجك الله إلى اسم أبيك.
قيل لبعض صبيان الأعراب: ما اسمك? قال: قراد، قيل: لقد ضيق أبوك عليك الاسم، قال: إن ضيق الاسم فقد وسع الكنية، قيل: وما كنيتك? قال: أصحاب الصحارى.
كان داود بن عيسى يلقب بأترجة، وعبد السميع بن محمد بن منصور بشحم الخزيرة، ومحمد بن أحمد بن عيسى الهاشمي يلقب كعب البقر، وكانوا مع المستعين فلما صاروا إلى المعتز قال فيهم: (من المتقارب)

أتانـي أتـرجة فـي الأمـان وعبد السميع وكعب البـقـر
فأهلاً وسهلاً بمـن جـاءنـا ويا ليت من لم يجيء في سفر
فقالوا: قد شرفنا أمير المؤمنين، ولكنه ذكرنا باللقب دون عبد السميع، فقال: ما عرفت لقبه، فقالا: شحم الخزير، فقال: هو في وزنه سواء بسواء، فضعوه في موضعه.
اجتاز المبرد رحمه الله بسذاب الوراق، فسأله دخول منزله، فقال له: ما عندك? قال: أنا وأنت، يعني اللحم البارد والسذاب.
أبو نواس يكني عن نكاح اليد: (من الطويل)

وقل بالرفا ما نلت من وصل حرة منعمة حفـت بـخـمـس ولائد
تعقفه ما دام في السجـن ثـاوياً ودامت عليه محكمات الـقـلائد
أعرابي: يا ابن التي خمارها في فيها، أراد ما خمرت به فاها، فهي تستره ببخرها.
حج مع ابن المنكدر رحمه الله شبان، فكانوا إذا رأوا امرأة جميلة قالوا: قد أبرقنا، وهو يظنون أنه لا يفطن. فرأوا قبة فيها امرأة فقالوا: بارقة، وكانت قبيحة، فقال: صاعقة.
وكان أصحاب ابن أبي علي الثقفي إذا رأوا امرأة جميلة قالوا: حجة، فعنت لهم امرأة قبيحة فقالوا: داحضة.
أنشد العجاج: (من الرجز)

أمسى الغواني معرضات صددا
وأعرابي حاضر فقال: تنح عن صدده لا تسقط منه كلمة فتخدشك. كنى عن خشونة كلامه وغلظه.
ساير هشام بن عبد الملك أعرابي، فقال له: انظر ما على ذلك الميل، فجاء الأعرابي وتأمله وقال: رأيت شيئاً كرأس المحجن متصلاً بحلقة يتبعها ثلاثة كأطباء الكلبة، كأن رأسها رأس قطاة بلا منقار، فعرف هشام أنه يصف خمسة.
وأضل رجل بعيراً، فقال لأعرابي: هل رأيت بعيراً جعفراً? فقال: ما أعرف جعفراً، ولكن رأيت بعيراً سمته محجن، وشابوره وحلقه وهلاله متصل بعضه ببعض، فقال: هوذا.
وقال مشمشة المخنث لرجل: اكتب، مشمشة يقرأ عليك السلام، فقال: قد كتبت، فقال: أرنيه، فإن اسمي يشبه دخالة الأذن.
مخلد الموصلي: (من الرمل المجزوء)

أنت عندي عربـي ليس في ذاك كلام
عربـي عـربـي عربي والسـلام
شعر أجفانك قيصو م وشيح وثـمـام
التقط أعرابي اسمه موسى كيساً، ثم دخل مسجداً يصلي فيه، وقرأ الإمام: "وما تلك بيمينك يا موسى"، فرمى إليه بالكيس وقال: والله إنك لساحر.
وفد شاعران على المأمون ، فقال لأحدهما : ممن? قال: من ضبة، فأطرق، فقال: يا أمير المؤمنين من ضبة الكوفة لا من ضبة البصرة. وسأل الآخر فقال: من الأشعريين. فقال: أنت أشعر أم صاحبك? قال: ما ظننت أن هاشمياً يحكم أشعرياً بعد أبي موسى، فضحك وقال: أعطوا الضبي ألفاً لفطنته، والأشعري ألفاً لنادرته.
كان رجل يتعاطى الصراع. فلم يصرع أحداً، فتركه وتعاطى الطب، فمر به حكيم فقال له: الآن تصرع خلقاً كثيراً.
تنبأ رجل في زمن المنصور، فقال له: أنت نبي سفلة، فقال: جعلت فداك، كل إنسان يبعث إلى شكله.
قص قاص، فأقبل جماعة من المرد فقال: ها هو قد جاء العدو، أمنوا، اللهم امنحنا أكتافهم، وكبهم على وجوههم، وولنا أدبارهم، وأرنا عورتهم، وسلط أرماحنا عليهم، والناس يؤمنون ولا يدرون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق