الأربعاء، 13 فبراير 2013

مقدمة وفيات الاعيان لابن خلكان

كتبهابلال عبد الهادي ، في 25 نيسان 2011 الساعة: 16:24 م

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الفقير إلى رحمة الله تعالى شمس الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان، الشافعي، رحمه الله تعالى:
بعد حمد الله الذي تفرد بالبقاء، وحكم على عباده بالموت والفناء، وكتب لكل نفس أجل لا تجاوزه عند الانقضا، وسوى فيه بين الشريف والمشروف والأقوياء والضعفاء، أحمده على سوائغ النعم وضوافي الآلاء، حمد معترف بالقصور عن إدراك أقل مراتب الثناء، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مخلص في جميع الآناء، راجٍ رحمة ربه في الإصباح والإمساء، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل الأنبياء، وأكرم الأصفياء، والداعي إلى سلوك المحجة البيضاء، صلى الله عليه وعلى آله السادة النجباء، صلاة دائمة بدوام الأرض والسماء، ورضي الله عن أزواجه وأصحابه البررة الأتقياء.
هذا مختصر في التاريخ، دعاني إلى جمعه أني كنت مولعاً بالاطلاع على أخبار المتقدمين من أولي النباهة وتواريخ وفياتهم وموالدهم ، ومن جمع منهم كل عصر فوقع لي منهم شيء حملني على الاستزادة وكثرة التتبع، فعمدة إلى مطالعة الكتب الموسومة بهذا الفن، وأخذت من أفواه الأئمة المتقنين له ما لم أجده في كتاب، ولم أزل على ذلك حتى حصل عندي منه مسودات
كثيرة في سنين عديدة ، وغلق على خاطري بعضه فصرت إذا احتجت إلى معاودة شيء منه لا أصل إليه إلا بعد التعب في استخراجه، لكونه غير مرتب، فاضطررت إلى ترتيبه، فرأيت على حروف المعجم أيسر منه على السنين، فعدلت إليه، والتزمت فيه تقديم من كان أول اسمه الهمزة، ثم من كان ثاني حرف من اسمه الهمزة أو ما هو أقرب إليها، على غيره، فقدمت إبراهيم على أحمد لأن الباء أقرب إلى الهمزة من الحاء، وكذلك فعلت إلى آخره، ليكون أسهل للتناول ، وإن كان هذا يفضي إلى تأخير المتقدم وتقديم المتأخر في العصر وإدخال من ليس من الجنس بين المتجانسين، لكن هذه المصلحة أحوجت إليه .
ولم أذكر في هذا المختصر أحداً من الصحابة رضوان الله عليهم، ولا من التابعين رضي الله عنهم، إلا جماعة يسيرة تدعو حاجة كثير من الناس إلى معرفة أحوالهم، وكذلك الخلفاء: ولم أذكر أحداً منهم اكتفاء بالمصنفات الكثيرة في هذا الباب، لكن ذكرت جماعة من الأفاضل الذين شاهدتهم ونقلت عنهم، أو كانوا في زمني ولم أرهم، ليطلع على حالهم من يأتي بعدي.
ولم اقصر هذا المختصر على طائفة مخصوصة مثل العلماء أو الملوك أو الأمراء أو الوزراء أو الشعراء، بل كل من له شهرة بين الناس ويقع السؤال عنه ذكرته وأتيت من أحواله بما وفقت عليه، مع الإيجاز كيلا يطول الكتاب، أثبت وفاته ومولده إن قدرت عليه، ورفعت نسبه على ما ظفرت به، وقيدت من الألفاظ ما لا يؤمن تصحيفه، وذكرت من محاسن كل شخص ما يليق به من مكرمة أو نادرة أو شعر أو رسالة ليتفكه به متأمله ولا يراه مقصوراً على أسلوب واحد فيمليه، والدواعي إنما تنبعث لتصفح الكتاب إذا كان مفنناً.
وبعد أن صار كذلك لم يكن بد من استفتاحه بخطبة وجيزة للتبرك بها؛ فنشأ من مجموع ذلك هذا الكتاب، وجعلته تذكرة لنفسي. وسميته كتاب " وفيات الأعيان، وأبناء أبناء الزمان، مما ثبت بالنقل أو السماع أو أثبته العيان " ليستدل على مضمون الكتاب بمجرد العنوان.
فمن وقف عليه من أهل الدراية بهذا الشأن ورأى فيه خللاً فهو المثاب في إصلاحه بعد التثبيت فيه، فإني بذلت الجهد في التقاطه من مظان الصحة، ولم أتساهل في نقله ممن لا يوثق به، بل تحريت فيه حسبما وصلت القدرة إليه.
وكان ترتيبي له في شهور سنة أربع وخمسين وستمائة بالقاهرة المحروسة مع شواغل عائقة، وأحوال عن مثل هذا متضايقة، فليعذر الواقف عليه، وليعلم أن الحاجة المذكورة ألجأت إليه، لا أن النفس تحدثها الأماني من الانتظام في سلك المؤلفين بالمحال، ففي أمثالهم السائرة " لكل عمل رجال " ومن أين لي ذلك والبضاعة من هذا العلم قدر منزور، والمتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور، حرسنا الله تعالى من التردي في مهاوي الغواية، وجعل لنا من العرفان بأقدارنا أمنع وقاية، بمنه وكرمه، آمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق