الثلاثاء، 12 فبراير 2013

فصل في العلم من كتاب الاخلاق والسير لابن حزم

كتبهابلال عبد الهادي ، في 25 نيسان 2011 الساعة: 16:22 م



18 - لو لم يكن من فضل العلم إلا أن الجهال يهابونك ويحبونك وأن العلماء يحبونك ويكرمونك، لكان ذلك سببا إلى وجوب طلبه. فكيف بسائر فضائله في الدنيا والآخرة .ولو لم يكن من نقص الجهل إلا أن صاحبه يحسد العلماء ويعيبه نظراؤه من الجهال لكان ذلك سببا إلى وجوب الفرار عنه، فكيف بسائر رذائله في الدنيا والآخرة..
19 - لو لم يكن من فائدة العلم والاشتغال به إلا أنه يقطع المشتغل به عن الوساويس المضنية ومطارح الآمال التي لا تفيد غير الهم وكفاية الأفكار المؤلمة للنفس، لكان ذلك أعظم داع إليه. فكيف وله من الفضائل ما يطول ذكره، ومن أقلها ما ذكرنا مما يحصل عليه طالب العلم، وفي مثله أتعب ضعفاء الملوك أنفسهم، فتشاغلوا عما ذكرنا بالشطرنج والنرد والخمر والأغاني وركض الدواب في طلب الصيد وسائر الفضول التي تعود بالمضرة في الدنيا والآخرة. وأما بفائدة فلا.
20 - لو تدبر العالم في مرور ساعاته ماذا كفاه العلم من الذل بتسلط الجهال، ومن الهم بمغيب الحقائق عنه، ومن الغبطة بما قد بان له وجهة من الأمور الخفية عن غيره لزاد حمدا لله عز وجل، وغبطة بما لديه من العلم، ورغبة في المزيد منه.
21 - من شغل نفسه بأدنى العلوم وترك أعلاها وهو قادر عليه، كان كزارع الذرة في الأرض التي يجود فيها البر، وكزارع الشعراء حيث يزكو النخل والتين.
22 - نشر العلم عند من ليس من أهله مفسد لهم كإطعامك العسل والحلوى من به احتراق وحمى، وكتشميمك المسك والعنبر لمن به صداع من احتدام الصفراء.
23 - البال بالعلم ألوم من الباخل بالمال، فالباخل بالمال أشفق من فناء ما بيده، والباخل بالعلم بخل بما لا يفنى على النفقة ولا يفارقه مع البذل.
24 - من مال بطبعه إلى علم ما - وإن كان أدنى من غيره - فلا يشغله بسواه، فيكون كغارس النارجيل بالأندلس وكغارس الزيتون بالهند، وكل ذلك لا ينجب.
25 - أجل العلوم ما قربك من خالقك تعالى، وما أعانك على الوصول إلى رضاه.
26 - انظر في المال والحال والصحة إلى من دونك وانظر في الدين والعلم والفضائل إلى من فوقك.
27 - العلوم الغامضة تزيد العقل القوي جودة، وتصفيه من كل آفة، وتهلك ذا العقل الضعيف.
28 - من الغوص على الجنون ما لو غاصه صاحبه على العقل لكان أحكم من الحسن البصري، وأفلاطون الأثيني، وبزرجمهر الفارسي.
29 - وقف العقل عند أنه لا ينفع إن لم يؤيد بتوفيق في الدين أو بسعد في الدنيا.
30 - [لا تضر بنفسك في أن تجرب بها الآراء الفاسدة لتري المشير بها فسادها فتهلك فإن ملامة ذي الرأي الفاسد لك على مخالفته وأنت ناج من مكاره خير لك من أن يقدرك ويندم كلاكما وأنت قد حصلت في مكاره.].
31 - [إياك أن تسر غيرك بما تسوء به نفسك فيما لم توجبه عليك شريعة أو فضيلة].
32 - وقف العلم عند الجهل بصفات الباري عز وجل.
33 - لا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء فيها وهم من غير أهلها، فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون، ويفسدون ويقدرون أنهم يصلحون.
34 - من أراد خير الآخرة وحكمة الدنيا وعدل السيرة والاحتواء على محاسن الأخلاق كلها واستحقاق الفضائل بأسرها فليقتد بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وليستعمل أخلاقه وسيره ما أمكنه، أعاننا الله على الاتساء به بمنه، آمين آمين.
35 - غاظني أهل الجهل مرتين من عمري: إحداهما بكلامهم فيما لا يحسنونه أيام جهلي، والثانية بسكوتهم عن الكلام بحضرتي أيام علمي. فهم أبدا ساكتون عما ينفعهم ناطقون فيما يضرهم. وسرني أهل العلم مرتين من عمري: إحداهما بتعليمي أيام جهلي، والثانية بمذكراتي أيام علمي.
36 - من فضل العلم والزهد في الدنيا انهما لا يؤتيهما الله عز وجل إلا أهلها ومستحقهما. ومن نقص علو أحوال الدنيا من المال والصوت أن أكثر ما يقعان ففي غير أهلهما وفيمن لا يستحقهما.
37 - ومن طلب الفضائل لم يساير إلا أهلها، ولم يرافق في تلك الطريق إلا أكرم صديق [من] أهل المواساة والبر والصدق وكرم العشرة والصبر والوفاء والأمانة والحلم وصفاء الضمائر وصحة المودة؛ ومن طلب الجاه والمال واللذات لم يساير إلا أمثال الكلاب الكلبة والثعالب الخلبة ولو يرافق في تلك الطريق إلا كل عدو في المعتقد خبيث الطبيعة.
38 - منفعة العلم في استعمال الفضائل عظيمة، وهو انه يعلم حسن الفضائل، فيأتيها ولو في الندرة، ويعلم قبح الرذائل فيتجنبها ولو في الندرة، ويستمع الثناء الحسن فيرغب في مثله، والثناء الرديء فينفر منه، فعلى هذه المقدمات وجب أن يكون للعلم حصة في كل فضيلة، وللجهل حصة في كل ريلة، ولا يأتي الفضائل من لم يتعلم العلم إلا صافي الطبع جدا فاضل التركيب. وهذه منزلة خص بها النبيون عليهم الصلاة والسلام، لأن الله تعالى علمهم الخير كله دون أن يتعلموه من الناس.
39 - [وقد رأيت من غمار العامة من يجري من الاعتدال وحميد الأخلاق إلى ما لا يتقدمه فيه حكيم عالم رائض لنفسه، ولكنه قليل جدا. ورأيت ممن طالع العلوم وعرف عهود الأنبياء عليهم السلام ووصايا الحكماء، وهو لا يتقدمه في خبث السيرة وفساد العلانية والسريرة شرار الخلق، وهذا كثير جدا، فعلمت أنهما مواهب وحرمان من الله تعالى].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق