كتبهابلال عبد الهادي ، في 7 أيار 2011 الساعة: 07:38 ص
قال شيخنا الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام
حامل لواء سنة سيد الأنام خاتمة الحفاظ والمحدثين قامع المفسدين والمبتدعين أبو
الخير محمد شمس الدين ابن الشيخ المفسر المقرئ زين الدين عبد الرحمن بن محمد بن أبي
بكر بن عثمان السخاوي
القاهري الشافعي نفعنا الله والمسلمين بعلومه وأفاض علينا من بركاته آمين الحمد لله
مصرف الأيام والليالي ومعرف العباد كثيراً مما سلف في الأزمان الماضية والدهور
الخوالي ومشرف هذه الأمة في سائر الأشهر والأعوام بالضبط التام المتوالي ومعلم من
شاء من العلم العقلي والنقلي ما هو أنفس من الجواهر واللآلي ومفهم الالباء في التعريف
بالإنسان والزمان الطريق المسند المدرج في العوالي بالعبارة الرائقة الفائقة
المنعشة المرمم البوالي والصلاة والسلام على اشرف الخلق المنزل عليه } (وكلاً نقص
عليك من إنباء الرسل ما نثبت به فؤادك) { يعني الخالص للمجانب والموالي صلى الله
عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم من السادات والموالي .
وبعد فلما كان الاشتغال بفن التاريخ للعلماء من اجل القربات بل من العلوم الواجبات المتنوعة للأحكام الخمسة بين أولى الإصابات ولكن لم أر في فضائله مؤلفاً يشفي الغليل ويزيل الكربات بحيث تطرق للتنقيص له ولأهله بعض أولي البليات ممن هو ممتحن بالجليات فضلاً عن الخلفيات فأردت اتجاف العارفين السادات وكذا التائقين للأمور المفادات بما لا غناء عنه في الشأن من المهمات وان اظهر ما فيه من الفوائد المأثورات وأشهر كونه من الأصول المعتبرات فأبدأ بتعريفه لغة وإصلاحا وموضوعه وفوائده المعبر عنها بالثمرات وغايته وحكمه من الوجوب أو الاستحباب أو الاباحات وما استنبط في الأدلة له من الكتاب والسنة وغيرهما بالطرق الواضحات وتقبيح من ذمة ممن قصر في الطاعات وماذا على المعتني به من الشروط المقررات وأول من أمر به وابتداء وقته شهرا وهجرة بتكرر الساعات والأوقات ثم ما علمته فيه من المصنفات على اختلاف المقاصد في الأشخاص والجهات وغير ذلك من الفنون المتنوعات ثم من صنف فيه وكذا أئمة الجرح والتعديل مع عدم استيعابها وان كنا أطلنا البحث عن ذلك والتفحصات فهذه عشرة فأزيد سد بها الباب المتطرق به للظلمات وسميته الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التوريخ والله اسأل أن يحمينا جهل الجهال ويكفينا سائر المهمات بالمغفرة في الماضي والحال والاستقبال بمنه وكرمه .
فالأول فالتاريخ في اللغة الإعلام بالوقت يقال أرخت الكتاب و ورخت أي بينت وقت كتابته قال الجوهري التاريخ تعريف الوقت والتوريخ مثله يقال أرخت و ورخت وقيل اشتقاقه من الارخ يعني بفتح الهمزة وكسرها وهو الأنثى من بقر الوحش لأنه شئ حدث كما يحدث الولد انتهى وقد فرق الأصمعي بين اللغتين فقال بنو تميم يقولون ورخت الكتاب توريخا وقيس تقول ارخته تأريخاً وهذا كونه عربيا وقيل انه ليس بعربي محض بل هو معرب مأخوذ من ماه روز بالفارسية ماه القمر وروز اليوم وكان الليل طرفة قال أبو منصور الجواليقي في كتابه المعرب من الكلام الأعجمي يقال إن التاريخ الذي يؤرخه الناس ليس بعربي محض وإنما أخذه المسلمون عن أهل الكتاب وتاريخ المسلمين أرخ من سنة الهجرة كتب خلافة عمر رضي الله عنه فصار تاريخا إلى اليوم انتهى.
قال أبو الفرج قدامة جعفر الكاتب في كتاب الخراج له تأريخ كل شئ آخره فيؤرخون بالوقت الذي فيه حوادث مشهورة ونحوه قول ألصولي تأريخ كل شئ غايته ووقته الذي ينتهي أليه زمنه ومنه قيل لفلان تأريخ قومه أما لكون أليه المنتهي في شرف قومه كما قاله ألمطرزي وذلك بالنظر لإضافة الأمور الجليلة من كرم وافخر أو نحوهما إليه وإما لكونه ذاكراً للإخبار وما شاكلها وممن يلقب بذلك أبو البركات محمد بن سعيد بن سعيد البغدادي العسال المقرئ الحنبلي المتوفى في سنة تسع وخمسمائة، وفي اصطلاح التعريف بالوقت الذي تضبط به الأحوال من مولد الرواة والأئمة ووفاة وصحة وعقل وبدن ورحلة وحج وحفظ وضبط وتوثيق وتجريح وما أشبه هذا مما مرجعه الفحص عن أحوالهم في ابتدائهم وحالهم واستقبالهم ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة من ظهور ملمة وتجديد فرض وخليفة ووزير وغزوة وملحمة وحرب وفتح بلد وانتزاعه من متغلب عليه وانتقال دولة وربما يتوسع فيه لبدئ الخلق وقصص الأنبياء وغير ذلك من أمور الأمم الماضية وأحوال القيامة ومقدماتها مما سيأتي دونها كبناء جامع أو مدرسة أو قنطرة أو رصيف أو نحوها مما يعم الانتفاع به مما هو شائع مشاهد أو خفي سماوي كجراد وكسوف وخسوف أو ارضي كزلزلة وحريق وسيل وطوفان وقحط وطاعون وموتان وغيرها من الآيات العظام والعجائب الجسام والحاصل انه فن يبحث فيه وقائع الزمان من حيثية التعيين والتوقيت بل عما كان في العالم .
وأما موضوعه فالإنسان والزمان، ومسألة أحوالها المفصلة للجزئيات تحت دائرة الأحوال العارضة الموجودة للإنسان وفي الزمان، وإما فائدته فمعرفة الأمور على وجهها ومن اجل فوائده انه احد الطرق التي يعلم بتا النسخ في احد الخبرين المتعارضين المتعذر الجمع بينهما أما بالإضافة لوقت متأخر كرايته قبل أن يموت بعام أو نحوه أو عن صحابي متأخر وقد يكون بتصريح الراوي كقوله كان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار وقول عائشة انه صلى الله عليه وسلم كان قبل فتح مكة إذا لم ينزل لم يغتسل بعد وأمربه إلى غيرها وكون المروي من طريق بعض المختلطين من قديم حديثه أو ضده وكون الراوي لم يلق من حدث عنه أما لسكونه كذب أو أرسل وذلك ينشأ عنه معرفة ما في السند من انقطاع أو عضل أو تدليس أو إرسال ظاهر أو خفي للوقوف به على أن الراوي مثلاً لم يعاصره من روى عنه أو عاصره ولكنه لم يلقه لكونهما من بلدين مختلفين ولم يدخل احدهما بلد الآخر ولا التقيا في حج ونحوه مع كونه ليست له منه أجازة أو نحوها، ولما استشكل بعض الحفاظ رواية يونس بن محمد المؤدب عن الليث لاختلاف بلديهما وتوهم انقطاعاً بينهما قال المزي لقيه في الحج ثم قال بل في بغداد حين دخول الليث لها في الرسلية، ومن الغريب ذكر الخطيب عبد الملك بن حبيب في الرواة عن مالك مع كونه لم يرحل إلا بعد موته بنحو من ثلاثين سنة بل إنما ولد بعده، وكذا خلط أبن النجار ترجمة محمد بن الجهم ألسوسي بمحمد بن الجهم الشامي وأسند عنه قصة سمعها من المهتدي بالله بن الواثق انه حضر عند أبيه وهو خليفة قال شيخنا وهذه غفلة عظيمة فأن سماع الشامي لهذه القصة بعد موت ألسوسي بنحو ثلاثين سنة وموت الواثق والد المهتدي كان بعد وفاة ألسوسي بنحو عشرين سنة، ووقع لابن السمعاني في القداحي من أنسابه أن عبد الله بن ميمون القداح ادعى بعد موت اسمعيل بن جعفر الصادق انه ابنه فرد عليه ابن الأثير بأن اسمعيل مات في حياة والده جعفر الصادق فكيف يمكن القداح ادعاء بنوته مع وجود والده، ولما خطأ المزي نقل الحافظ عبد الغني في الكمال أن جابر بن نوح الحماني مات سنة ثلاث ومائتين وقال بل سنة ثلاث وثمانين ومائة رده شيخنا وقال انه من أعجب ما وقع للمزي في كتابه من الخطأ وأيده بقول الزهري واحمد بن حنبل احد من روى عن الحماني أنه لم يرحل إلا بعد سنة ست وثمانين وكذلك من الرواة عنه احمد بن بديل القاضي ومحمد بن طريف البجلي وهما لم يسمعا إلا بعد التسعين وبهذا كله يترجح قول صاحب الكمال، وقد أرخ جماعة وفاة مجمع بن يعقوب بن مجمع بن يزيد بن جارية الأنصاري سنة ستين ومائة فتوقف الذهبي في ذلك لأن قتيبة ممن روى عنه ورحلته إنما كانت بعد السبعين ومائة ولكن يحتاج إلى تحرير رواية قتيبة عنه، قال سفين الثوري لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التأريخ، وعن حسان بن زيد قال لم يستعن على الكذابين بمثل التأريخ يقال للشيخ سنة كم ولدت فإذا اقر بمولده مع معرفتنا بوفاة الذي انتمى إليه عرفنا صدقه من كذبه، وعن حفص بن غياث القاضي قال إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين بفتح النون المشددة تثنية سن وهو العمر يريد احسبوا سنه وسن من كتب عنه، وسأل اسمعيل بن عياش رجلاً اختياراً أي سنة كتبت عن خالد بن معدان فقال سنة ثلاث عشرة وماية فقال أنت تزعم انك سمعت منه بعد موته بسبع سنين،وروى سهيل بن ذكوان أبو ألسندي عن عائشة وزعم انه لقيها بواسط وهكذا يكون الكذب فموت عائشة كان قبل أن يخط الحجاج مدينة واسط بدهر ومنه قول ابن المنادي أن الاعمش اخذ بركاب أبي بكرة الثقفي قال شيخنا انه غلط فاحش لان الاعمش ولد أما في سنة إحدى وستين أو تسع وخمسين وأبو بكرة مات سنة إحدى أو اثنتين وخمسين فكيف يتهيأ أن يأخذ بركاب من مات قبل مولده بعشر سنين أو نحوها قال وكأنه كان والله اعلم اخذ بركاب ابن أبي بكرة فسقطت ابن وثبت الباقي وتعجب من المزي مع حفظه ونقده كيف خفي عليه هذا، وفي مقدمة مسلم أن المعلي بن عرفان قال حدثنا أبو وائل قال خرج علينا أبن مسعود بصفين فقال أبو نعيم يعني الفضل بن دكين حاكية عن المعلى أتراه بعث بعد الموت يعني لان ابن مسعود توفي سنة اثنتين أو ثلاث قبل انقضاء خلافة عثمان بثلاث سنين وصفين كانت في خلافة علي بعد ذلك بسنتين فلا يكون ابن مسعود خرج عليهم بصفين، في أشباه كنسبه بعض الحفاظ إبراهيم بن يعقوب الجور جاني جريري المذهب لمحمد بن جرير الطبري فأن إبراهيم في طبقة شيوخ ابن جرير حسبما يعلم ذلك من تأريخ الوفاة والمولد وإنما هو بالزاي المعجمة والحاء المهملة لحريز بن عثمان، وكونه احد الطرق التي يعلم بها الغلط في المتفقين بإضافة ما لواحد إلى آخر حيث يكون احدهما ولد بعد موت الآخر كأحمد بن نصر بن زياد الهمداني المتوفي سنة سبع عشرة وثلثمائة حيث يوهم انه احمد بن نصر الداودي المتوفي سنة اثنتين وأربعماية ولذلك أمثلة كثيرة، وطالما كان طرقاً للاطلاع على التزوير في المكاتب ونحوها بأن يعلم إن الحاكم الذي نسب أليه الثبوت آو الشاهد آو غيرهما من أسبابه آو نحو ذلك مات قبل تأريخ المكتوب ومن ثم اظهر بعض اليهود كتاباً وادعى انه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسقاط الجزية عن أهل خيبر وفيه شهادة الصحابة رضي الله عنهم وذكروا إن خط علي رضي الله عنه فيه وحمل الكتاب في سنة سبع وأربعين وأربعمائة إلى رئيس الروساء أبي القاسم علي وزير القائم عرضه على الحافظ الحجة أبي بكر الخطيب فتأمله ثم قال هذا مزور فقيل له من أين لك هذا قال فيه شهادة معوية وهو أنما اسلم عام الفتح وفتح خيبر كان في سنة سبع وفيه شهادة سعد بن معاذ وهو قد مات يوم بني قريظة قبل فتح خيبر بسنتين فأستحسن ذلك منه واعتمده و أمضاء ولم يجز اليهود على ما في الكتاب لظهور تزويره.
وفي الرافعي سئل ابن سريج عما يدعونه يعني يهود خيبر إن علياً كتب لهم
كتابا بإسقاطها فقال لم ينقل ذلك عن احد من المسلمين انتهى ولما حقق لهم الخطيب ما تقدم صنف رئيس الرؤساء المشار أليه في إبطاله جزءا وكتب عليه الأئمة أبو الطيب الطبري وأبو نصر الصباغ ومحمد بن محمد البيضاوي ومحمد بن علي الدامغاني وغيرهم، وإخراج المعافى بن زكريا النهرواني في المجلس الرابع والستين من الجليس له من طريق معمر بن شبيب بن شيبه انه سمع المأمون يقول امتحنت الشافعي في كل شيء فوجدته كاملا وقد خصلة وهي إن اسقيه من النبيذ ما يغلب على الرجل الجيد العقل وانه استدعي به وسقاه فما تغير عقله ولا زال عن حجته وقال المعافى عقبها الله اعلم بصحتها، قال شيخنا في لسانه لا يخفى على من له ادني معرفة بالتاريخ إنها كذب وذلك إن الشافعي دخل مصر على رأس المائتين والمأمون آذ ذاك بخراسان ثم مات الشافعي بمصر سنة دخل المأمون من خراسان إلى العراق وهي سنة أربع ومائتين فما التقيا قط والمأمون خليفة وكيف يعتقد إن الشافعي يفعل هذا وهو القائل لو أن الماء البارد يفسد مروءتي ما شربت ألا ماءً حاراً، وقد يكون طريقا للتوصيل به لما المتأهل يستحقه كما اتفق للشيخ شمس الدين ابن عمار المالكي حين استقر في تدريس المالكية بالمدرسة المسلمية بخط السيوريين من مصر ونوزع بأن شرط الواقف إن يكون المدرس في حدود الأربعين فأثبت محضراً بأن سنه آذ ذاك خمس وأربعون سنة وكذا انتزع البدر بن القطان من زين العابدين بن الشرفي المناوي في حياة والده وبعد انفصاله عن القضاء في الأيام الاشرفية الاينالية تدرس الخروبية لكون شرط الواقف في مدرسها إن يزيد سنة على الأربعين وزين العابدين لم يبلغها آذ ذاك وحينئذ فما رويناه في الجزء الأول من فوائد الحلبي من طريق أبي اسمعيل الترمذي قال سمعت البويطي يقول سئل الشافعي رضي الله عنه كم سنك آو مولدك قال ليس من المروءة إن يخبر الرجل بسنه ومن طريق أبي اسمعيل أيضا قال سمعت عبد العزيز الأوسي يقول قال رجل لمالك يا أبا عبد ألله كم سنك قال أقبل على شأنك يحمل على ما إذا كان عبثا لم تدع حاجة خصوصاً من كان مع صغر سنه حصل فضائل لكون ذوي الأسنان الجامدين يحتقرون غالبا بالصغر، ولذا لما استشعر يحيى بن أكتم ذلك ممن ولي القضاء عن سنه وهو أبن عشرين أو نحوها أجابه بقوله إنا اكبر من عتاب بن أسيد حين ولاه النبي صلى الله عليه وسلم مكة وكان سن عتاب حينئذ أزيد من عشرين سنة فيما قاله الواقدي ومن معاذ بن جبل حين وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضياً ومن كعب بن سور حين وجهه عمر رضي الله عنه إلى البصرة قاضياً وكذا اتفق لشيخنا الكمال بن الهمام حين خطبه الأشرف برسباي لمشيخة مدرسته ونبذ عنده بصغر سنه سأله حين احضره لإلباس خلعتها عن سنه فقال اكبر من عتاب ومن فلان أو نحو هذا ولم يفصح له بمقدار سنه وإلا فقد اخبر كل منهما بمولده بل لما سئل العباس رضي الله عنه أنت اكبر أم النبي صلى الله عليه وسلم فقال إنا أسن منه وهو اكبر مني وتبعه في جوابه شيخنا ألزين رضوان حين قيل له أأنت اكبر أم شيخ الإسلام أبن حجر رحمهما الله تعالى، وكون التأريخ احد الأدلة لضبط الراوي حيث يقول في المروي وهو أول شيء سمعته منه أو كان فلان آخر من روى عن فلان أو رأيته في يوم الخميس يفعل كذا أو سمعت منه قبل إن يحدث ما احدث أو قبل إن يختلط وفي المتون من ذلك الكثير كأول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة وأول مانزل من القرآن كذا وأول مسجد وضع أول قال المسجد الحرام ثم الأقصى وحدد المدة التي بينهما وأول مولود في الإسلام أي بالمدينة عبد الله بن الزبير وآخر ما كان كذا كما تقدم وكقوله عن يوم الاثنين وذاك يوم ولدت فيه الحديث وكنا نفعل كذا حتى قدمنا الحبشة ونهي يوم خيبر عن كذا وما أشبه ذلك كقوله قبل إن يوحى إليه بحيث افرد جماعة من القدماء فمن بعدهم الأوائل وأبو زكريا بن مندة آخر الصحابة موتا وبعض المتأخرين الأواخر مطلقاً ولكثرة ما وقع في المتون من ذلك افرده البلقيني بنوع مستقل، وكان يمكن إن يحصل التأريخ على قسمين سندي ومتني مما يشتركان فيه كما فعل في المضطرب والمقلوب وغيرهما ومما وقع في المتون إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهراً ومن صام رمضان وأتبعه بست من شوال وأفضل الصيام بعد رمضان المحرم وصوم تاسوعاء وعاشوراء وكون ابن عباس كان تاسوعاء عنده العاشر والشهر ثلاثون وتسع وعشرون والأمر بصيام الأيام البيض والنهي عن صوم يوم العيد والسبت ألا مع يوم قبله أو بعده ونحو ذلك مما لا ينحصر كالحج عرفة وخلق الله الأرض يوم السبت والجبال يوم الأحد والشجر يوم الاثنين والظلمة يوم الثلاثاء والنور يوم الأربعاء والدواب يوم الخميس وآدم يوم الجمعة وقوله صلى الله عليه وسلم في أواخر عمره } (أن على رأس مائة سنة لا يبقي ممن هو اليوم على ظهر الأرض احد) { فكل هذا مرشداً إلى الافتقار للتأريخ أو هو من فوائده ومن ثم قيل كما سيأتي قريبا عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الله عز وجل ذكره في كتابه العزيز فقال} (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) {وعن قتادة جعلها الله مواقيت لصوم المسلمين وإفطارهم وحجهم وعدد نسائهم وإماما لعله يذكر فيه من أخبار الأنبياء صلوات الله عليهم وسنتهم فهو مع أخبار العلماء ومذاهبهم والحكماء وكلامهم والزهاد والنساك ومواعظهم عظيم الغناء ظاهر فيما يصلح الإنسان به أمر معاده ودينه وسريرته في اعتقاداته وسيرته في أمور الدين وما يصلح به أمر معاملاته ومعاشه الدنيوي وكذا ما يذكر فيه من أخبار الملوك وسياساتهم وأسباب ومبادئ الدول وإقبالها ثم أسباب انقراضها وتدبير أصحاب الجيوش والوزراء وما يتصل بذلك من الأحوال التي يتكرر مثلها وأشباهها أبدا في العالم غزير النفع كثير الفائدة بحيث يكون من عرفه كمن عاش الدهر كله وجرب الأمور بأسرها وباشر تلك الأحوال بنفسه فيغزر عقله ويصير مجربا غير غر ولأغمر كما سيأتي في نظم بعضهم وما أحسن قول بعض السادات العقل عقلان مطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع ما لم يكن ثم مطبوع، ونحو هذا ما يقع فيه من ذكر ذوي المروآت والاجواد والمتصفين بالوفاء ومحاسن الأخلاق والمعروفين بالشجاعة والفروسية وانه أيضا جم الفوائد كثير النفع لذوي الهمم العالية والوقائح الصافية لما جبل عليه طباعهم من الارتياح عند سماعهم هذه الأخبار إلى التشبه والافتداء بأربابها ليصير لهم نصيب من حسن الثناء وطيب الذكر الذي حرص عليه خلاصة البشر واخبر الله تعالى عن إمام الحنفاء إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام انه قال } (واجعل لي لسان صدق في الآخرين){ وامتن على غير واحد من رسله عليهم الصلاة والسلام بقوله } (وتركنا عليه في الآخرين) {وعلى خبرته من خلقه عليه أفضل الصلاة والسلام بقوله } (ورفعنا لك ذكرك) } { (وانه لذكر لك ولقومك) { ولمزيد رغبة ذوي الأنفس الزكية في التأريخ قال أبو علي الحسن بن احمد بن عبد الله بن البناء القرشي الحنبلي صاحب رسالة السكوت وغيرها ليت الخطيب البغدادي ذكرني في تأريخه ولو في الكذابين ونحوه قول بعضهم ممن توهم اقتصارهم على تراجم الأموات ليتني أموت في حياة السخاوي حتى يترجمني، والجملة مما نشرنا من متين فوائده وفضلة مما طوينا من كمين زوائده أشار غير واحد من الأئمة الإعلام واختاره بإرشاده إليها التنويه به بين الأنام ليندفع من لعله ينكره من الجهال وينتفع به الفحول من الإبطال فذكر الأمام الأعظم والمجتهد المقدم إمامنا الشافعي رضي الله عنه حسبما نقله عنه الأمام الشمسي محمد بن الشهاب الباعوني مما سيأتي وحكم بصحته إن من حفظه زاد عقله وأيده، وقال الأمام أبو جعفر بن جرير الطبري ما حاصلة إن في قوله تعالى
(وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل فصلناه تفصيلا) { الإرشاد للتوصل به إلى العلم بأوقات فروضهم التي فرضها عليهم في ساعات الليل والنهار والشهور والسنين من الصلوات والزكوات والحج والصيام وغير ذلك من فروضهم وحين حل ديونهم وحقوقهم كما قال} (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) { وقال } (وهو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعقلون إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السموات والأرض لآيات لقوم يعقلون) {إنعاما منه سبحانه بكل ذلك على خلقه وتفضلا منه به عليهم وتطولا إلى آخر كلامه المتضمن استنباطه وفائدته، بل يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ذكر الله التأريخ في كتابه لان معاذ بن جبل رضي الله عنه قال يا رسول الله ما بال الهلال يبدو دقيقا مثل الخط ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ويستدير ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يعود كما كان على حاله الأول فنزل } (يسألونك عن الأهلة) { وهي جمع هلال} (قل هي مواقيت للناس) { أي في دينهم وصومهم وفطرهم وعدة نسائهم ومدد حواملهم ومحل ديونهم وأجور إجرائهم وغير ذلك من الشروط إلى إن ينتهي إلى اجل معلوم حكمة بالغة ونعم ظاهرة وعن قتادة في تفسيرها جعلها الله مواقيت لصوم المسلمين وإفطارهم وحجهم ومناسكهم وعدد نسائهم وغير ذلك والله اعلم بما يصلح خلقه بل ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال ذكر الهلال عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال} (لاتصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه فان غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما ثم صوموا) {وروى بعض العلماء المحققين مما حكاه الجَنَدِي في مقدمة تأريخه إن الله تعالى انزل التوراة سفراً من إسفارها متضمناً أحوال الأمم السالفة ومدد أعمارها قال الجندي بل قص الله تعالى في كتابه المبين كثيراً من أخبار الأمم الماضين كقوم نوح وهود وكمدين وثمود وما حكاه موسى وهرون وفرعون وقارون وعن أصحاب الكهف والرقيم وعن النمرود وإبراهيم وقال تعالى وهو اصدق القائلين} (وكلا نقص عليك من إنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين) { ونسب لبعض المفسرين انه استنبطه من قوله تعالى } (وزاده بسطة في العلم والجسم) { فينظر.
وكفى بهذا دليلا على جلالة علم التأريخ وفضله وفخامة قدر صاحبه ونبله وقال أبو اسحق احمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي في الحكمة في قص الله تعالى على المصطفى صلى الله عليه وسلم أخبار الأنبياء الماضين والأمم السالفين أمور منها إظهار نبوته والاستدلال بذكرها على رسالته لأنه صلى الله عليه وسلم كان أميا لم يختلف إلى مؤدب ولا معلم ولا فارق وطنه مدة يمكنه الانقطاع فيها إلى عالم يأخذ ذلك عنه فإذا علم به وتدبر العاقل من قومه ذلك علم انه بوحي من الله سبحانه وتعالى فآمن به وصدقه وكان ذلك من المعجزات الدالة على صحة نبوته وقد ينكر ويجحد حسداً وعنادا ومنها التأسي بهم فيما أثنى الله عليهم به والانتهاء عن ضده ومنها التثبيت له والإعلام بشرفه وشرف أمته حيث عوفي وأمته عن كثير مما امتحن به من قبلهم وخفف عنهم في الشرائع وخصهم بكرامات انفردوا بها عنهم وقد قيل في قوله تعالى} (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنه) {إن الظاهرة تخفيف الشرائع والباطنة تضعيف الصنائع ومنها التهذيب والتأديب لامته كما أشار إليه تعالى في قوله آيات للسائلين وعبرة لأولي الألباب وموعظة للمتقين ولذا كان ألشبلي يقول فيها اشتغل العامة بذكر القصص والخاصة باعتبار من القصص ومنها الإحياء لذكرهم وآثارهم ليكون للمحسن سبباً للاجتهاد في العمل رجاء تعجيل ثوابه وبقاء لذكره وآثاره الحسنة كما رغب خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام إذ قال} (واجعل لي لسان صدق في الآخرين) { والناس أحاديث يقال مات ميت والذكر يحييه وقيل ما انفق الملوك والأغنياء الأموال على المصانع والحصون والقصور إلا لبقاء الذكر.
قلت وانظر إلى الأحاديث ترى فيها الكثير من كثير أشير إليه كرحم الله موسى أوذي
بأكثر من هذا وفي التسلي ونحوه اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف اللهم إن إبراهيم
عبدك وخليلك دعاك لمكة واني ادعوك للمدينة في الاقتفاء والتأسي ولولا دعوة أخي
سليمان في التأدب مع المقام بل قال يرحم الله موسى لو صبر حتى يقص علينا من خبرهما
وكذا تأست عائشة رضي الله عنها حيث قالت ما أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف في قوله
تعالى فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، وقال أبو الحسن علي بن الحسين بن علي
المسعودي الشافعي انه علم يستمتع به العالم والجاهل ويستعذب موقعه الأحمق والعاقل
فكل غريبة منه تعرف وكل أعجوبة منه تستظرف ومكارم الأخلاق ومعاليها منه تقتبس وآداب
سياسة الملوك وغيرها منه تلتمس يجمع لك الأول والآخر والناقص والوافر والبادي
والحاضر والموجود والغابر وعليه مدار كثير من الإحكام وبه يتزين في كل محفل ومقام
وانه حمله على التصنيف فيه وفي أخبار العالم محبة احتذاء المشاكلة
التي قصدها الحكماء وان يبقى في العالم ذكراً محمودا وعلماً منظوماً عتيدا، وقال أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد الاصبهاني الكاتب في مقدمة الأغاني إن القارئ إذا تأمل ما فيه من الفقر ونحوها لم يزل منتقلاً بها من فائدة إلى فائدة ومتصرفا منها بين جد وهزل وآثار وإخبار وسير وأشعار متصلة بأيام العرب المشهورة وإخبارها المأثورة وقصص الملوك في الجاهلية والخلفاء في الإسلام يجمل بالمتأدبين معرفتها وتحتاج الإحداث إلى دراستها ولا يرتفع من فوقهم من الكهول عن الاقتباس منها إذا كانت منتحلة من غرر الأخبار ومنتقاة من عيونها ومأخوذة من مظانها ومنقولة عن أهل الخبرة بها ومن غرائبه إن شخصا جهنياً كان من ندماء ألمهلبي فكان يأتي بالطامات فجرى مرة حديث النعنع فقال في البلد الفلاني نعنع يطول حتى يصير شجراً ويعمل من خشبه سلالم فثار منه أبو الفرج هذا فقال نعم عجائب الدنيا كثيرة ولا ينكر هذا والقدرة صالحة وأنا عندي ما هو اغرب من هذا إن زوج حمام يبيض بيضتين فآخذهما وأضع تحتهما سنجه مائة وسنجه خمسين فإذا فرغ زمن الحضان انفقست السنجتان عن طست وإبريق فضحك أهل المجلس وفطن الجهني لما قصد به أبو الفرج من الطنز وانقبض عن كثير من حكاياته قلت وقريب من هذا إن بعض من اتهمنا بالمجازفة حكي ونحن بحضرة شيخنا إن عندهم بحلب من له أربعون ولداً ذكراً فهم يركبون معه في مهماته وكان في المجلس بعض أصحابنا فقال واغرب من هذا فتبسم شيخنا وقطع المجلس وشرع في الصلاة ومن العجب انه كثر اجتماعي بالرجل الثاني واستخبره عن الذي رام يقوله ويشرع في حكايته فيقطعه عارض تكرر لي ذلك من مراراً وقال أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي الشافعي قاضي مصر انه جمع جملا من الأنبياء وتواريخ الخلفاء وولايات الملوك والأمراء إلى سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة على وجه الاختصار ليقرب حفظه على من أراده فقيه يعني من فائدته مع حفظه كفاية المحاضرة وبلغة منيعة للمذاكرة، وقال محمد بن عبد الملك ابن إبراهيم الهمداني الفرضي الشافعي في ذيله لتاريخ ابن جرير انه رغب في الاطلاع عليه سادة الأمم والقبائل وأهل المحامد والفضائل كالأئمة من ولد العباس وغيرهم بدون إلباس إلى إن قال فما كان في ذلك من استقامة في الأحوال كان بالنعم مذكراً وما شاهدوا فيه من الاختلال كان منبهاً ومنذراً وقد روي إن رجلا لسعيد بن المسيب رضي الله عنه إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في منامي فقال له يا هذا إن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم بشيراً ونذيراً فمن كان على خير بشره وأمره بالزيادة ومن كان شر حذره وأمره بالتوبة والاطلاع في أخبار الناس مرآة الناظر يصدق فيرغب في المحاسن ويرهب من القبائح ومهذب ذوي البصائر والقرائح وبها يذكر الله من عباده من يراه أهلا لذكره ومستوجبا ثوابه وأجره .. وقال أبو القاسم محمد بن يوسف ألدني الحنفي نزيل بلخ ومؤلف النافع في فقههم في تأريخ بلخ الذي ألف في سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة وجعله متوسطا لقلة رغبة الناس وضعف همتهم إنزالاً لهم منازل وتكليماً معهم على قدر عقولهم وختمه بأحواله وتصانيفه فيما ذكره من منافعه بزيادة ألفاظ في غير محل من مواضعه في إحياء ذكر الأولين والآخرين من علمائها والطارئين عليها فأن ذكر حياة جديدة ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا وتصورهم في القلوب ومعرفة أفعالهم وزهدهم وورعهم وديانتهم وانصرافهم عن الدني واحتقارهم لها وصبرهم على شدائد الطاعات والمصائب في الله فيتخلق الناظر بأخلاقهم ويتعطر السامع بأحوالهم فالبع منقاد والإنسان معتاد والأذن تعشق قبل العين أحيانا كان سبب النجاة الاستقامة في الأحوال والأفعال ولأيتم الابسائق وقائد كصحبة الصالحين أو سماع أحوالهم والنظر في آثارهم عند تعذر الصحبة حيث تتصور النفس أعيانهم وتتخيل مذاهبهم لأنك لو أبصرت لم يبق عندك إلا التذكير والتخيل وكان السمع كالبصر والعيان كالخبر وان كان بينهما بون ولكن إن لم يكن وابل فطل سيما وعند ذكر الصالحين تنزل الرحمة وذكر للآخرين واعتبارهم فلولا الكتب لنسي أكثر الأخبار والأحوال وكان بعد قريب لم يذكر الصادر ولا الوارد ولا الطريف ولا التالد والدارة المكنونة والجوهرة المخزونة علم الحديث الذي هو أساس الإسلام واصل الإحكام ومبين الحلال والحرام ومقتدي الخاص والعام وبيان مجمل الكتاب ومركز الحقيقة والصواب يعني وهذا الفن طريق إليه وتحقيق للمعول منه عليه وبين إن سبب تصنيفه له الاسترواح مما كان فيه من تصنيف كتاب التحقيق الجامع أصول مسائل الفقه الجليل منه والدقيق إلى هذا العلم اللطيف الحلو النافع المنيف الذي قدماً اعتدته في ريعان الشباب واعتمدته في التواصل إلى الصواب ومكافأة لأهل بلخ حسب الطاقة وجهد المقل لإحسانهم عند نزولي عليهم وتعصبا لعلماء الملة وأمناء الأمة حيث يدرس جل إخبارهم بل تعدم أسماؤهم وشريف آثارهم وانه استمد فيه من كتب ذكرها ومن مشايخ عصره وفضلاءهم وأقطابهم ممن علمها وخبرها وعين منهم جماعة وانه ذكر الفتيان والشبان لأنهم إن كانوا صغار قوم فعسى إن يكونوا كبار قوم آخر وبادر إلى تأليفه خوفاً من طروء الموانع وشفقاً على العلم من الدروس والدثور بوفاة الحملة المتوجهين بجمع الجوامع وقد كتب عمر ابن عبد العزيز إلى أهل المدينة انظروا ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبوه فاني خفت دروس العلم وذهاب العلماء فإذا خافوهم ذلك والإسلام غض رطب والجد فيه عجيب والزمان منجب ونجيب أفلا يخاف في زماننا وقد يقهقر في جدنا وأنبائنا وكذا ذكر مقابر الأئمة ومواضعهم ومضاجعهم لان أجسامهم وقوالبهم سبب دفع البلايا والاوصاب المستعاذ منها بالتوجه لرب الأرباب وقد جعل الله في ذلك الجسد من الخاصية ما تدفع به البلايا وشارك في العالم بسببه حياً وميتاً وذلك جزيل الفضل والعطايا واستدل لذلك بحديث بريده رفعه} (من مات من أصحابي ببلدة فهو قائدهم ونورهم يوم القيامة) { والله نسأل إن يحفضنا بالإسلام وقوة اليقين وان يبقى لنا لسان صدق في الآخرين انه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير، وقال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي في مقدمة المنتظم والسير والتواريخ فوائد كثيرة أهمها فائدتان أحداهما انه إن ذكرت سيرة حازم ووصفت عافية حاله أفادت حسن التدبير واستعمال الحزم أو سيرة مفرط ووصفت عاقبته أفادت الخوف من التفريط فيتأدب المتسلط ويعتبر المتذكر ويتضمن ذلك شحذ صوارم العقول ويكون روضة للمتنزه في المنقول والثانية إن يطلع بذلك على عجائب الأمور وتقلبات الزمن وتصاريف القدر وسماع الأخبار قال أبو عمرو بن العلاء لرجل من بكر بن وائل كبر حتى ذهبت منه لذة المأكل والمشرب والنكاح أتحب إن تموت قال لا قيل فما بقي من لذتك في الدنيا قال اسمع العجائب، وقال أيضا في أول شذور العقود في تأريخ العهد الذي اختصره منه إن التواريخ وذكر السير راحة القلب وجلاء الهم وتنبيه للعقل فانه إن ذكرت عجائب المخلوقات على عظمة الصانع وان شرحت سيرة حازم عملت حسن التدبير وان قصت قصة مفرط خوفت من إهمال الحزم وان وصفت أحوال ظريف أوجبت التعجب من الاقتدار والتنزه فيما يشبه الأسمار، قال العماد ابن محمد بن حامد الاصبهاني الشافعي الكاتب في الفتح القدسي على يد الصلاح أبي المظفر يوسف بن أيوب الذي ابتدأه بسنة ثلاث وثمانين وخمسمائة وقال أن عادة التواريخ الابتداء ببدء الخلق أو بدولة من الدول فليست امة أو دولة إلا ولها تاريخ يرجعون إليه ويعولون عليه ينقله خلفها عن سلفها وحاضرها عن غابرها تقيد به شوارد وتنصب به معالم الإعلام ولولا ذلك لانقطعت الوصل وجهلت الدول ومات في الأيام الأواخر ذكر الأول ولم يعلم الناس أنهم لعرق الثري وأنهم نطف في ظلمات الأصلاب طويلة السري وان أعمارهم مبتدأة من العهد القديم لآدم وقد اخذ ربك من ظهورهم ذرياتهم لما اراده من ظهورهم وتقادم فيعلم المرء انه قبل انقضاء عمره وقبل نزول قبره استبعده أهل الطي من حقيقة النشر وليقبل في واحدة من الأطوار شهادة عشرة فقد قطع عمراً بعد عمر وسار دهراً بعد دهر وثوى وانتشر في ألف قبر وإنما كان من الظهور في أليل إلى إن وصل من العيون إلى فجر ولولا التاريخ لضاعت مساعي أهل السياسات الفاضلة ولم تكن المدائح بينهم وبين المذام هي الفاصلة وتعذر الاعتبار بمسالة الأيام وعقوبتها وجهل ما وراء الأيام من سهولتها وما وراء سهولتها من صعوبتها ثم ذكر ما كان يؤرخ كثيرون مما مضى به كالطوفان والسيل والأرصاد القصير الذيل وان التاريخ بالهجرة نسخ كل تاريخ متقدم وهدم كل مالم يكن مرتكبه فيه متندم بحيث امن به بيقين ووقوع الخلق الواقع في الماضين واستدار الزمان كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض وأمر الله عباده ببذل ما عين لهم في الأموال بل والأنفس مما يعيده إليهم مضاعفاً من الفرض إلى آخر كلامه الحسن في انتظامه، وقال الجمال أبو الحسن علي بن أبي المنصور ظافر بن حسين الازدي المصري المالكي في أخبار الدول الإسلامية انه لو لم يكن من فوائده غير وعظه بأن الدهر لا يبقي على حالة ولا يلزم من أخلاقه غير الايتحالة لكان كافيا ولغرض المتأمل شافيا فكيف وفوائده لا تستقصى والناظر فيه جامع بين عبرة تسلها عبرة وفرحة تنلها منحة ثم عد الدول وأطال في الإشارة إليها، وقال إمام الدين أبو القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الرافعي في التدوين…. ولها تتمة
وبعد فلما كان الاشتغال بفن التاريخ للعلماء من اجل القربات بل من العلوم الواجبات المتنوعة للأحكام الخمسة بين أولى الإصابات ولكن لم أر في فضائله مؤلفاً يشفي الغليل ويزيل الكربات بحيث تطرق للتنقيص له ولأهله بعض أولي البليات ممن هو ممتحن بالجليات فضلاً عن الخلفيات فأردت اتجاف العارفين السادات وكذا التائقين للأمور المفادات بما لا غناء عنه في الشأن من المهمات وان اظهر ما فيه من الفوائد المأثورات وأشهر كونه من الأصول المعتبرات فأبدأ بتعريفه لغة وإصلاحا وموضوعه وفوائده المعبر عنها بالثمرات وغايته وحكمه من الوجوب أو الاستحباب أو الاباحات وما استنبط في الأدلة له من الكتاب والسنة وغيرهما بالطرق الواضحات وتقبيح من ذمة ممن قصر في الطاعات وماذا على المعتني به من الشروط المقررات وأول من أمر به وابتداء وقته شهرا وهجرة بتكرر الساعات والأوقات ثم ما علمته فيه من المصنفات على اختلاف المقاصد في الأشخاص والجهات وغير ذلك من الفنون المتنوعات ثم من صنف فيه وكذا أئمة الجرح والتعديل مع عدم استيعابها وان كنا أطلنا البحث عن ذلك والتفحصات فهذه عشرة فأزيد سد بها الباب المتطرق به للظلمات وسميته الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التوريخ والله اسأل أن يحمينا جهل الجهال ويكفينا سائر المهمات بالمغفرة في الماضي والحال والاستقبال بمنه وكرمه .
فالأول فالتاريخ في اللغة الإعلام بالوقت يقال أرخت الكتاب و ورخت أي بينت وقت كتابته قال الجوهري التاريخ تعريف الوقت والتوريخ مثله يقال أرخت و ورخت وقيل اشتقاقه من الارخ يعني بفتح الهمزة وكسرها وهو الأنثى من بقر الوحش لأنه شئ حدث كما يحدث الولد انتهى وقد فرق الأصمعي بين اللغتين فقال بنو تميم يقولون ورخت الكتاب توريخا وقيس تقول ارخته تأريخاً وهذا كونه عربيا وقيل انه ليس بعربي محض بل هو معرب مأخوذ من ماه روز بالفارسية ماه القمر وروز اليوم وكان الليل طرفة قال أبو منصور الجواليقي في كتابه المعرب من الكلام الأعجمي يقال إن التاريخ الذي يؤرخه الناس ليس بعربي محض وإنما أخذه المسلمون عن أهل الكتاب وتاريخ المسلمين أرخ من سنة الهجرة كتب خلافة عمر رضي الله عنه فصار تاريخا إلى اليوم انتهى.
قال أبو الفرج قدامة جعفر الكاتب في كتاب الخراج له تأريخ كل شئ آخره فيؤرخون بالوقت الذي فيه حوادث مشهورة ونحوه قول ألصولي تأريخ كل شئ غايته ووقته الذي ينتهي أليه زمنه ومنه قيل لفلان تأريخ قومه أما لكون أليه المنتهي في شرف قومه كما قاله ألمطرزي وذلك بالنظر لإضافة الأمور الجليلة من كرم وافخر أو نحوهما إليه وإما لكونه ذاكراً للإخبار وما شاكلها وممن يلقب بذلك أبو البركات محمد بن سعيد بن سعيد البغدادي العسال المقرئ الحنبلي المتوفى في سنة تسع وخمسمائة، وفي اصطلاح التعريف بالوقت الذي تضبط به الأحوال من مولد الرواة والأئمة ووفاة وصحة وعقل وبدن ورحلة وحج وحفظ وضبط وتوثيق وتجريح وما أشبه هذا مما مرجعه الفحص عن أحوالهم في ابتدائهم وحالهم واستقبالهم ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة من ظهور ملمة وتجديد فرض وخليفة ووزير وغزوة وملحمة وحرب وفتح بلد وانتزاعه من متغلب عليه وانتقال دولة وربما يتوسع فيه لبدئ الخلق وقصص الأنبياء وغير ذلك من أمور الأمم الماضية وأحوال القيامة ومقدماتها مما سيأتي دونها كبناء جامع أو مدرسة أو قنطرة أو رصيف أو نحوها مما يعم الانتفاع به مما هو شائع مشاهد أو خفي سماوي كجراد وكسوف وخسوف أو ارضي كزلزلة وحريق وسيل وطوفان وقحط وطاعون وموتان وغيرها من الآيات العظام والعجائب الجسام والحاصل انه فن يبحث فيه وقائع الزمان من حيثية التعيين والتوقيت بل عما كان في العالم .
وأما موضوعه فالإنسان والزمان، ومسألة أحوالها المفصلة للجزئيات تحت دائرة الأحوال العارضة الموجودة للإنسان وفي الزمان، وإما فائدته فمعرفة الأمور على وجهها ومن اجل فوائده انه احد الطرق التي يعلم بتا النسخ في احد الخبرين المتعارضين المتعذر الجمع بينهما أما بالإضافة لوقت متأخر كرايته قبل أن يموت بعام أو نحوه أو عن صحابي متأخر وقد يكون بتصريح الراوي كقوله كان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار وقول عائشة انه صلى الله عليه وسلم كان قبل فتح مكة إذا لم ينزل لم يغتسل بعد وأمربه إلى غيرها وكون المروي من طريق بعض المختلطين من قديم حديثه أو ضده وكون الراوي لم يلق من حدث عنه أما لسكونه كذب أو أرسل وذلك ينشأ عنه معرفة ما في السند من انقطاع أو عضل أو تدليس أو إرسال ظاهر أو خفي للوقوف به على أن الراوي مثلاً لم يعاصره من روى عنه أو عاصره ولكنه لم يلقه لكونهما من بلدين مختلفين ولم يدخل احدهما بلد الآخر ولا التقيا في حج ونحوه مع كونه ليست له منه أجازة أو نحوها، ولما استشكل بعض الحفاظ رواية يونس بن محمد المؤدب عن الليث لاختلاف بلديهما وتوهم انقطاعاً بينهما قال المزي لقيه في الحج ثم قال بل في بغداد حين دخول الليث لها في الرسلية، ومن الغريب ذكر الخطيب عبد الملك بن حبيب في الرواة عن مالك مع كونه لم يرحل إلا بعد موته بنحو من ثلاثين سنة بل إنما ولد بعده، وكذا خلط أبن النجار ترجمة محمد بن الجهم ألسوسي بمحمد بن الجهم الشامي وأسند عنه قصة سمعها من المهتدي بالله بن الواثق انه حضر عند أبيه وهو خليفة قال شيخنا وهذه غفلة عظيمة فأن سماع الشامي لهذه القصة بعد موت ألسوسي بنحو ثلاثين سنة وموت الواثق والد المهتدي كان بعد وفاة ألسوسي بنحو عشرين سنة، ووقع لابن السمعاني في القداحي من أنسابه أن عبد الله بن ميمون القداح ادعى بعد موت اسمعيل بن جعفر الصادق انه ابنه فرد عليه ابن الأثير بأن اسمعيل مات في حياة والده جعفر الصادق فكيف يمكن القداح ادعاء بنوته مع وجود والده، ولما خطأ المزي نقل الحافظ عبد الغني في الكمال أن جابر بن نوح الحماني مات سنة ثلاث ومائتين وقال بل سنة ثلاث وثمانين ومائة رده شيخنا وقال انه من أعجب ما وقع للمزي في كتابه من الخطأ وأيده بقول الزهري واحمد بن حنبل احد من روى عن الحماني أنه لم يرحل إلا بعد سنة ست وثمانين وكذلك من الرواة عنه احمد بن بديل القاضي ومحمد بن طريف البجلي وهما لم يسمعا إلا بعد التسعين وبهذا كله يترجح قول صاحب الكمال، وقد أرخ جماعة وفاة مجمع بن يعقوب بن مجمع بن يزيد بن جارية الأنصاري سنة ستين ومائة فتوقف الذهبي في ذلك لأن قتيبة ممن روى عنه ورحلته إنما كانت بعد السبعين ومائة ولكن يحتاج إلى تحرير رواية قتيبة عنه، قال سفين الثوري لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التأريخ، وعن حسان بن زيد قال لم يستعن على الكذابين بمثل التأريخ يقال للشيخ سنة كم ولدت فإذا اقر بمولده مع معرفتنا بوفاة الذي انتمى إليه عرفنا صدقه من كذبه، وعن حفص بن غياث القاضي قال إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين بفتح النون المشددة تثنية سن وهو العمر يريد احسبوا سنه وسن من كتب عنه، وسأل اسمعيل بن عياش رجلاً اختياراً أي سنة كتبت عن خالد بن معدان فقال سنة ثلاث عشرة وماية فقال أنت تزعم انك سمعت منه بعد موته بسبع سنين،وروى سهيل بن ذكوان أبو ألسندي عن عائشة وزعم انه لقيها بواسط وهكذا يكون الكذب فموت عائشة كان قبل أن يخط الحجاج مدينة واسط بدهر ومنه قول ابن المنادي أن الاعمش اخذ بركاب أبي بكرة الثقفي قال شيخنا انه غلط فاحش لان الاعمش ولد أما في سنة إحدى وستين أو تسع وخمسين وأبو بكرة مات سنة إحدى أو اثنتين وخمسين فكيف يتهيأ أن يأخذ بركاب من مات قبل مولده بعشر سنين أو نحوها قال وكأنه كان والله اعلم اخذ بركاب ابن أبي بكرة فسقطت ابن وثبت الباقي وتعجب من المزي مع حفظه ونقده كيف خفي عليه هذا، وفي مقدمة مسلم أن المعلي بن عرفان قال حدثنا أبو وائل قال خرج علينا أبن مسعود بصفين فقال أبو نعيم يعني الفضل بن دكين حاكية عن المعلى أتراه بعث بعد الموت يعني لان ابن مسعود توفي سنة اثنتين أو ثلاث قبل انقضاء خلافة عثمان بثلاث سنين وصفين كانت في خلافة علي بعد ذلك بسنتين فلا يكون ابن مسعود خرج عليهم بصفين، في أشباه كنسبه بعض الحفاظ إبراهيم بن يعقوب الجور جاني جريري المذهب لمحمد بن جرير الطبري فأن إبراهيم في طبقة شيوخ ابن جرير حسبما يعلم ذلك من تأريخ الوفاة والمولد وإنما هو بالزاي المعجمة والحاء المهملة لحريز بن عثمان، وكونه احد الطرق التي يعلم بها الغلط في المتفقين بإضافة ما لواحد إلى آخر حيث يكون احدهما ولد بعد موت الآخر كأحمد بن نصر بن زياد الهمداني المتوفي سنة سبع عشرة وثلثمائة حيث يوهم انه احمد بن نصر الداودي المتوفي سنة اثنتين وأربعماية ولذلك أمثلة كثيرة، وطالما كان طرقاً للاطلاع على التزوير في المكاتب ونحوها بأن يعلم إن الحاكم الذي نسب أليه الثبوت آو الشاهد آو غيرهما من أسبابه آو نحو ذلك مات قبل تأريخ المكتوب ومن ثم اظهر بعض اليهود كتاباً وادعى انه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسقاط الجزية عن أهل خيبر وفيه شهادة الصحابة رضي الله عنهم وذكروا إن خط علي رضي الله عنه فيه وحمل الكتاب في سنة سبع وأربعين وأربعمائة إلى رئيس الروساء أبي القاسم علي وزير القائم عرضه على الحافظ الحجة أبي بكر الخطيب فتأمله ثم قال هذا مزور فقيل له من أين لك هذا قال فيه شهادة معوية وهو أنما اسلم عام الفتح وفتح خيبر كان في سنة سبع وفيه شهادة سعد بن معاذ وهو قد مات يوم بني قريظة قبل فتح خيبر بسنتين فأستحسن ذلك منه واعتمده و أمضاء ولم يجز اليهود على ما في الكتاب لظهور تزويره.
وفي الرافعي سئل ابن سريج عما يدعونه يعني يهود خيبر إن علياً كتب لهم
كتابا بإسقاطها فقال لم ينقل ذلك عن احد من المسلمين انتهى ولما حقق لهم الخطيب ما تقدم صنف رئيس الرؤساء المشار أليه في إبطاله جزءا وكتب عليه الأئمة أبو الطيب الطبري وأبو نصر الصباغ ومحمد بن محمد البيضاوي ومحمد بن علي الدامغاني وغيرهم، وإخراج المعافى بن زكريا النهرواني في المجلس الرابع والستين من الجليس له من طريق معمر بن شبيب بن شيبه انه سمع المأمون يقول امتحنت الشافعي في كل شيء فوجدته كاملا وقد خصلة وهي إن اسقيه من النبيذ ما يغلب على الرجل الجيد العقل وانه استدعي به وسقاه فما تغير عقله ولا زال عن حجته وقال المعافى عقبها الله اعلم بصحتها، قال شيخنا في لسانه لا يخفى على من له ادني معرفة بالتاريخ إنها كذب وذلك إن الشافعي دخل مصر على رأس المائتين والمأمون آذ ذاك بخراسان ثم مات الشافعي بمصر سنة دخل المأمون من خراسان إلى العراق وهي سنة أربع ومائتين فما التقيا قط والمأمون خليفة وكيف يعتقد إن الشافعي يفعل هذا وهو القائل لو أن الماء البارد يفسد مروءتي ما شربت ألا ماءً حاراً، وقد يكون طريقا للتوصيل به لما المتأهل يستحقه كما اتفق للشيخ شمس الدين ابن عمار المالكي حين استقر في تدريس المالكية بالمدرسة المسلمية بخط السيوريين من مصر ونوزع بأن شرط الواقف إن يكون المدرس في حدود الأربعين فأثبت محضراً بأن سنه آذ ذاك خمس وأربعون سنة وكذا انتزع البدر بن القطان من زين العابدين بن الشرفي المناوي في حياة والده وبعد انفصاله عن القضاء في الأيام الاشرفية الاينالية تدرس الخروبية لكون شرط الواقف في مدرسها إن يزيد سنة على الأربعين وزين العابدين لم يبلغها آذ ذاك وحينئذ فما رويناه في الجزء الأول من فوائد الحلبي من طريق أبي اسمعيل الترمذي قال سمعت البويطي يقول سئل الشافعي رضي الله عنه كم سنك آو مولدك قال ليس من المروءة إن يخبر الرجل بسنه ومن طريق أبي اسمعيل أيضا قال سمعت عبد العزيز الأوسي يقول قال رجل لمالك يا أبا عبد ألله كم سنك قال أقبل على شأنك يحمل على ما إذا كان عبثا لم تدع حاجة خصوصاً من كان مع صغر سنه حصل فضائل لكون ذوي الأسنان الجامدين يحتقرون غالبا بالصغر، ولذا لما استشعر يحيى بن أكتم ذلك ممن ولي القضاء عن سنه وهو أبن عشرين أو نحوها أجابه بقوله إنا اكبر من عتاب بن أسيد حين ولاه النبي صلى الله عليه وسلم مكة وكان سن عتاب حينئذ أزيد من عشرين سنة فيما قاله الواقدي ومن معاذ بن جبل حين وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضياً ومن كعب بن سور حين وجهه عمر رضي الله عنه إلى البصرة قاضياً وكذا اتفق لشيخنا الكمال بن الهمام حين خطبه الأشرف برسباي لمشيخة مدرسته ونبذ عنده بصغر سنه سأله حين احضره لإلباس خلعتها عن سنه فقال اكبر من عتاب ومن فلان أو نحو هذا ولم يفصح له بمقدار سنه وإلا فقد اخبر كل منهما بمولده بل لما سئل العباس رضي الله عنه أنت اكبر أم النبي صلى الله عليه وسلم فقال إنا أسن منه وهو اكبر مني وتبعه في جوابه شيخنا ألزين رضوان حين قيل له أأنت اكبر أم شيخ الإسلام أبن حجر رحمهما الله تعالى، وكون التأريخ احد الأدلة لضبط الراوي حيث يقول في المروي وهو أول شيء سمعته منه أو كان فلان آخر من روى عن فلان أو رأيته في يوم الخميس يفعل كذا أو سمعت منه قبل إن يحدث ما احدث أو قبل إن يختلط وفي المتون من ذلك الكثير كأول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة وأول مانزل من القرآن كذا وأول مسجد وضع أول قال المسجد الحرام ثم الأقصى وحدد المدة التي بينهما وأول مولود في الإسلام أي بالمدينة عبد الله بن الزبير وآخر ما كان كذا كما تقدم وكقوله عن يوم الاثنين وذاك يوم ولدت فيه الحديث وكنا نفعل كذا حتى قدمنا الحبشة ونهي يوم خيبر عن كذا وما أشبه ذلك كقوله قبل إن يوحى إليه بحيث افرد جماعة من القدماء فمن بعدهم الأوائل وأبو زكريا بن مندة آخر الصحابة موتا وبعض المتأخرين الأواخر مطلقاً ولكثرة ما وقع في المتون من ذلك افرده البلقيني بنوع مستقل، وكان يمكن إن يحصل التأريخ على قسمين سندي ومتني مما يشتركان فيه كما فعل في المضطرب والمقلوب وغيرهما ومما وقع في المتون إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهراً ومن صام رمضان وأتبعه بست من شوال وأفضل الصيام بعد رمضان المحرم وصوم تاسوعاء وعاشوراء وكون ابن عباس كان تاسوعاء عنده العاشر والشهر ثلاثون وتسع وعشرون والأمر بصيام الأيام البيض والنهي عن صوم يوم العيد والسبت ألا مع يوم قبله أو بعده ونحو ذلك مما لا ينحصر كالحج عرفة وخلق الله الأرض يوم السبت والجبال يوم الأحد والشجر يوم الاثنين والظلمة يوم الثلاثاء والنور يوم الأربعاء والدواب يوم الخميس وآدم يوم الجمعة وقوله صلى الله عليه وسلم في أواخر عمره } (أن على رأس مائة سنة لا يبقي ممن هو اليوم على ظهر الأرض احد) { فكل هذا مرشداً إلى الافتقار للتأريخ أو هو من فوائده ومن ثم قيل كما سيأتي قريبا عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الله عز وجل ذكره في كتابه العزيز فقال} (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) {وعن قتادة جعلها الله مواقيت لصوم المسلمين وإفطارهم وحجهم وعدد نسائهم وإماما لعله يذكر فيه من أخبار الأنبياء صلوات الله عليهم وسنتهم فهو مع أخبار العلماء ومذاهبهم والحكماء وكلامهم والزهاد والنساك ومواعظهم عظيم الغناء ظاهر فيما يصلح الإنسان به أمر معاده ودينه وسريرته في اعتقاداته وسيرته في أمور الدين وما يصلح به أمر معاملاته ومعاشه الدنيوي وكذا ما يذكر فيه من أخبار الملوك وسياساتهم وأسباب ومبادئ الدول وإقبالها ثم أسباب انقراضها وتدبير أصحاب الجيوش والوزراء وما يتصل بذلك من الأحوال التي يتكرر مثلها وأشباهها أبدا في العالم غزير النفع كثير الفائدة بحيث يكون من عرفه كمن عاش الدهر كله وجرب الأمور بأسرها وباشر تلك الأحوال بنفسه فيغزر عقله ويصير مجربا غير غر ولأغمر كما سيأتي في نظم بعضهم وما أحسن قول بعض السادات العقل عقلان مطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع ما لم يكن ثم مطبوع، ونحو هذا ما يقع فيه من ذكر ذوي المروآت والاجواد والمتصفين بالوفاء ومحاسن الأخلاق والمعروفين بالشجاعة والفروسية وانه أيضا جم الفوائد كثير النفع لذوي الهمم العالية والوقائح الصافية لما جبل عليه طباعهم من الارتياح عند سماعهم هذه الأخبار إلى التشبه والافتداء بأربابها ليصير لهم نصيب من حسن الثناء وطيب الذكر الذي حرص عليه خلاصة البشر واخبر الله تعالى عن إمام الحنفاء إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام انه قال } (واجعل لي لسان صدق في الآخرين){ وامتن على غير واحد من رسله عليهم الصلاة والسلام بقوله } (وتركنا عليه في الآخرين) {وعلى خبرته من خلقه عليه أفضل الصلاة والسلام بقوله } (ورفعنا لك ذكرك) } { (وانه لذكر لك ولقومك) { ولمزيد رغبة ذوي الأنفس الزكية في التأريخ قال أبو علي الحسن بن احمد بن عبد الله بن البناء القرشي الحنبلي صاحب رسالة السكوت وغيرها ليت الخطيب البغدادي ذكرني في تأريخه ولو في الكذابين ونحوه قول بعضهم ممن توهم اقتصارهم على تراجم الأموات ليتني أموت في حياة السخاوي حتى يترجمني، والجملة مما نشرنا من متين فوائده وفضلة مما طوينا من كمين زوائده أشار غير واحد من الأئمة الإعلام واختاره بإرشاده إليها التنويه به بين الأنام ليندفع من لعله ينكره من الجهال وينتفع به الفحول من الإبطال فذكر الأمام الأعظم والمجتهد المقدم إمامنا الشافعي رضي الله عنه حسبما نقله عنه الأمام الشمسي محمد بن الشهاب الباعوني مما سيأتي وحكم بصحته إن من حفظه زاد عقله وأيده، وقال الأمام أبو جعفر بن جرير الطبري ما حاصلة إن في قوله تعالى
(وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل فصلناه تفصيلا) { الإرشاد للتوصل به إلى العلم بأوقات فروضهم التي فرضها عليهم في ساعات الليل والنهار والشهور والسنين من الصلوات والزكوات والحج والصيام وغير ذلك من فروضهم وحين حل ديونهم وحقوقهم كما قال} (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) { وقال } (وهو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعقلون إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السموات والأرض لآيات لقوم يعقلون) {إنعاما منه سبحانه بكل ذلك على خلقه وتفضلا منه به عليهم وتطولا إلى آخر كلامه المتضمن استنباطه وفائدته، بل يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ذكر الله التأريخ في كتابه لان معاذ بن جبل رضي الله عنه قال يا رسول الله ما بال الهلال يبدو دقيقا مثل الخط ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ويستدير ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يعود كما كان على حاله الأول فنزل } (يسألونك عن الأهلة) { وهي جمع هلال} (قل هي مواقيت للناس) { أي في دينهم وصومهم وفطرهم وعدة نسائهم ومدد حواملهم ومحل ديونهم وأجور إجرائهم وغير ذلك من الشروط إلى إن ينتهي إلى اجل معلوم حكمة بالغة ونعم ظاهرة وعن قتادة في تفسيرها جعلها الله مواقيت لصوم المسلمين وإفطارهم وحجهم ومناسكهم وعدد نسائهم وغير ذلك والله اعلم بما يصلح خلقه بل ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال ذكر الهلال عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال} (لاتصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه فان غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما ثم صوموا) {وروى بعض العلماء المحققين مما حكاه الجَنَدِي في مقدمة تأريخه إن الله تعالى انزل التوراة سفراً من إسفارها متضمناً أحوال الأمم السالفة ومدد أعمارها قال الجندي بل قص الله تعالى في كتابه المبين كثيراً من أخبار الأمم الماضين كقوم نوح وهود وكمدين وثمود وما حكاه موسى وهرون وفرعون وقارون وعن أصحاب الكهف والرقيم وعن النمرود وإبراهيم وقال تعالى وهو اصدق القائلين} (وكلا نقص عليك من إنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين) { ونسب لبعض المفسرين انه استنبطه من قوله تعالى } (وزاده بسطة في العلم والجسم) { فينظر.
وكفى بهذا دليلا على جلالة علم التأريخ وفضله وفخامة قدر صاحبه ونبله وقال أبو اسحق احمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي في الحكمة في قص الله تعالى على المصطفى صلى الله عليه وسلم أخبار الأنبياء الماضين والأمم السالفين أمور منها إظهار نبوته والاستدلال بذكرها على رسالته لأنه صلى الله عليه وسلم كان أميا لم يختلف إلى مؤدب ولا معلم ولا فارق وطنه مدة يمكنه الانقطاع فيها إلى عالم يأخذ ذلك عنه فإذا علم به وتدبر العاقل من قومه ذلك علم انه بوحي من الله سبحانه وتعالى فآمن به وصدقه وكان ذلك من المعجزات الدالة على صحة نبوته وقد ينكر ويجحد حسداً وعنادا ومنها التأسي بهم فيما أثنى الله عليهم به والانتهاء عن ضده ومنها التثبيت له والإعلام بشرفه وشرف أمته حيث عوفي وأمته عن كثير مما امتحن به من قبلهم وخفف عنهم في الشرائع وخصهم بكرامات انفردوا بها عنهم وقد قيل في قوله تعالى} (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنه) {إن الظاهرة تخفيف الشرائع والباطنة تضعيف الصنائع ومنها التهذيب والتأديب لامته كما أشار إليه تعالى في قوله آيات للسائلين وعبرة لأولي الألباب وموعظة للمتقين ولذا كان ألشبلي يقول فيها اشتغل العامة بذكر القصص والخاصة باعتبار من القصص ومنها الإحياء لذكرهم وآثارهم ليكون للمحسن سبباً للاجتهاد في العمل رجاء تعجيل ثوابه وبقاء لذكره وآثاره الحسنة كما رغب خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام إذ قال} (واجعل لي لسان صدق في الآخرين) { والناس أحاديث يقال مات ميت والذكر يحييه وقيل ما انفق الملوك والأغنياء الأموال على المصانع والحصون والقصور إلا لبقاء الذكر.
وإنما المرء حديث بـعـده | فكن حديثا حسنا لمن وعى |
التي قصدها الحكماء وان يبقى في العالم ذكراً محمودا وعلماً منظوماً عتيدا، وقال أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد الاصبهاني الكاتب في مقدمة الأغاني إن القارئ إذا تأمل ما فيه من الفقر ونحوها لم يزل منتقلاً بها من فائدة إلى فائدة ومتصرفا منها بين جد وهزل وآثار وإخبار وسير وأشعار متصلة بأيام العرب المشهورة وإخبارها المأثورة وقصص الملوك في الجاهلية والخلفاء في الإسلام يجمل بالمتأدبين معرفتها وتحتاج الإحداث إلى دراستها ولا يرتفع من فوقهم من الكهول عن الاقتباس منها إذا كانت منتحلة من غرر الأخبار ومنتقاة من عيونها ومأخوذة من مظانها ومنقولة عن أهل الخبرة بها ومن غرائبه إن شخصا جهنياً كان من ندماء ألمهلبي فكان يأتي بالطامات فجرى مرة حديث النعنع فقال في البلد الفلاني نعنع يطول حتى يصير شجراً ويعمل من خشبه سلالم فثار منه أبو الفرج هذا فقال نعم عجائب الدنيا كثيرة ولا ينكر هذا والقدرة صالحة وأنا عندي ما هو اغرب من هذا إن زوج حمام يبيض بيضتين فآخذهما وأضع تحتهما سنجه مائة وسنجه خمسين فإذا فرغ زمن الحضان انفقست السنجتان عن طست وإبريق فضحك أهل المجلس وفطن الجهني لما قصد به أبو الفرج من الطنز وانقبض عن كثير من حكاياته قلت وقريب من هذا إن بعض من اتهمنا بالمجازفة حكي ونحن بحضرة شيخنا إن عندهم بحلب من له أربعون ولداً ذكراً فهم يركبون معه في مهماته وكان في المجلس بعض أصحابنا فقال واغرب من هذا فتبسم شيخنا وقطع المجلس وشرع في الصلاة ومن العجب انه كثر اجتماعي بالرجل الثاني واستخبره عن الذي رام يقوله ويشرع في حكايته فيقطعه عارض تكرر لي ذلك من مراراً وقال أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي الشافعي قاضي مصر انه جمع جملا من الأنبياء وتواريخ الخلفاء وولايات الملوك والأمراء إلى سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة على وجه الاختصار ليقرب حفظه على من أراده فقيه يعني من فائدته مع حفظه كفاية المحاضرة وبلغة منيعة للمذاكرة، وقال محمد بن عبد الملك ابن إبراهيم الهمداني الفرضي الشافعي في ذيله لتاريخ ابن جرير انه رغب في الاطلاع عليه سادة الأمم والقبائل وأهل المحامد والفضائل كالأئمة من ولد العباس وغيرهم بدون إلباس إلى إن قال فما كان في ذلك من استقامة في الأحوال كان بالنعم مذكراً وما شاهدوا فيه من الاختلال كان منبهاً ومنذراً وقد روي إن رجلا لسعيد بن المسيب رضي الله عنه إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في منامي فقال له يا هذا إن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم بشيراً ونذيراً فمن كان على خير بشره وأمره بالزيادة ومن كان شر حذره وأمره بالتوبة والاطلاع في أخبار الناس مرآة الناظر يصدق فيرغب في المحاسن ويرهب من القبائح ومهذب ذوي البصائر والقرائح وبها يذكر الله من عباده من يراه أهلا لذكره ومستوجبا ثوابه وأجره .. وقال أبو القاسم محمد بن يوسف ألدني الحنفي نزيل بلخ ومؤلف النافع في فقههم في تأريخ بلخ الذي ألف في سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة وجعله متوسطا لقلة رغبة الناس وضعف همتهم إنزالاً لهم منازل وتكليماً معهم على قدر عقولهم وختمه بأحواله وتصانيفه فيما ذكره من منافعه بزيادة ألفاظ في غير محل من مواضعه في إحياء ذكر الأولين والآخرين من علمائها والطارئين عليها فأن ذكر حياة جديدة ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا وتصورهم في القلوب ومعرفة أفعالهم وزهدهم وورعهم وديانتهم وانصرافهم عن الدني واحتقارهم لها وصبرهم على شدائد الطاعات والمصائب في الله فيتخلق الناظر بأخلاقهم ويتعطر السامع بأحوالهم فالبع منقاد والإنسان معتاد والأذن تعشق قبل العين أحيانا كان سبب النجاة الاستقامة في الأحوال والأفعال ولأيتم الابسائق وقائد كصحبة الصالحين أو سماع أحوالهم والنظر في آثارهم عند تعذر الصحبة حيث تتصور النفس أعيانهم وتتخيل مذاهبهم لأنك لو أبصرت لم يبق عندك إلا التذكير والتخيل وكان السمع كالبصر والعيان كالخبر وان كان بينهما بون ولكن إن لم يكن وابل فطل سيما وعند ذكر الصالحين تنزل الرحمة وذكر للآخرين واعتبارهم فلولا الكتب لنسي أكثر الأخبار والأحوال وكان بعد قريب لم يذكر الصادر ولا الوارد ولا الطريف ولا التالد والدارة المكنونة والجوهرة المخزونة علم الحديث الذي هو أساس الإسلام واصل الإحكام ومبين الحلال والحرام ومقتدي الخاص والعام وبيان مجمل الكتاب ومركز الحقيقة والصواب يعني وهذا الفن طريق إليه وتحقيق للمعول منه عليه وبين إن سبب تصنيفه له الاسترواح مما كان فيه من تصنيف كتاب التحقيق الجامع أصول مسائل الفقه الجليل منه والدقيق إلى هذا العلم اللطيف الحلو النافع المنيف الذي قدماً اعتدته في ريعان الشباب واعتمدته في التواصل إلى الصواب ومكافأة لأهل بلخ حسب الطاقة وجهد المقل لإحسانهم عند نزولي عليهم وتعصبا لعلماء الملة وأمناء الأمة حيث يدرس جل إخبارهم بل تعدم أسماؤهم وشريف آثارهم وانه استمد فيه من كتب ذكرها ومن مشايخ عصره وفضلاءهم وأقطابهم ممن علمها وخبرها وعين منهم جماعة وانه ذكر الفتيان والشبان لأنهم إن كانوا صغار قوم فعسى إن يكونوا كبار قوم آخر وبادر إلى تأليفه خوفاً من طروء الموانع وشفقاً على العلم من الدروس والدثور بوفاة الحملة المتوجهين بجمع الجوامع وقد كتب عمر ابن عبد العزيز إلى أهل المدينة انظروا ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبوه فاني خفت دروس العلم وذهاب العلماء فإذا خافوهم ذلك والإسلام غض رطب والجد فيه عجيب والزمان منجب ونجيب أفلا يخاف في زماننا وقد يقهقر في جدنا وأنبائنا وكذا ذكر مقابر الأئمة ومواضعهم ومضاجعهم لان أجسامهم وقوالبهم سبب دفع البلايا والاوصاب المستعاذ منها بالتوجه لرب الأرباب وقد جعل الله في ذلك الجسد من الخاصية ما تدفع به البلايا وشارك في العالم بسببه حياً وميتاً وذلك جزيل الفضل والعطايا واستدل لذلك بحديث بريده رفعه} (من مات من أصحابي ببلدة فهو قائدهم ونورهم يوم القيامة) { والله نسأل إن يحفضنا بالإسلام وقوة اليقين وان يبقى لنا لسان صدق في الآخرين انه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير، وقال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي في مقدمة المنتظم والسير والتواريخ فوائد كثيرة أهمها فائدتان أحداهما انه إن ذكرت سيرة حازم ووصفت عافية حاله أفادت حسن التدبير واستعمال الحزم أو سيرة مفرط ووصفت عاقبته أفادت الخوف من التفريط فيتأدب المتسلط ويعتبر المتذكر ويتضمن ذلك شحذ صوارم العقول ويكون روضة للمتنزه في المنقول والثانية إن يطلع بذلك على عجائب الأمور وتقلبات الزمن وتصاريف القدر وسماع الأخبار قال أبو عمرو بن العلاء لرجل من بكر بن وائل كبر حتى ذهبت منه لذة المأكل والمشرب والنكاح أتحب إن تموت قال لا قيل فما بقي من لذتك في الدنيا قال اسمع العجائب، وقال أيضا في أول شذور العقود في تأريخ العهد الذي اختصره منه إن التواريخ وذكر السير راحة القلب وجلاء الهم وتنبيه للعقل فانه إن ذكرت عجائب المخلوقات على عظمة الصانع وان شرحت سيرة حازم عملت حسن التدبير وان قصت قصة مفرط خوفت من إهمال الحزم وان وصفت أحوال ظريف أوجبت التعجب من الاقتدار والتنزه فيما يشبه الأسمار، قال العماد ابن محمد بن حامد الاصبهاني الشافعي الكاتب في الفتح القدسي على يد الصلاح أبي المظفر يوسف بن أيوب الذي ابتدأه بسنة ثلاث وثمانين وخمسمائة وقال أن عادة التواريخ الابتداء ببدء الخلق أو بدولة من الدول فليست امة أو دولة إلا ولها تاريخ يرجعون إليه ويعولون عليه ينقله خلفها عن سلفها وحاضرها عن غابرها تقيد به شوارد وتنصب به معالم الإعلام ولولا ذلك لانقطعت الوصل وجهلت الدول ومات في الأيام الأواخر ذكر الأول ولم يعلم الناس أنهم لعرق الثري وأنهم نطف في ظلمات الأصلاب طويلة السري وان أعمارهم مبتدأة من العهد القديم لآدم وقد اخذ ربك من ظهورهم ذرياتهم لما اراده من ظهورهم وتقادم فيعلم المرء انه قبل انقضاء عمره وقبل نزول قبره استبعده أهل الطي من حقيقة النشر وليقبل في واحدة من الأطوار شهادة عشرة فقد قطع عمراً بعد عمر وسار دهراً بعد دهر وثوى وانتشر في ألف قبر وإنما كان من الظهور في أليل إلى إن وصل من العيون إلى فجر ولولا التاريخ لضاعت مساعي أهل السياسات الفاضلة ولم تكن المدائح بينهم وبين المذام هي الفاصلة وتعذر الاعتبار بمسالة الأيام وعقوبتها وجهل ما وراء الأيام من سهولتها وما وراء سهولتها من صعوبتها ثم ذكر ما كان يؤرخ كثيرون مما مضى به كالطوفان والسيل والأرصاد القصير الذيل وان التاريخ بالهجرة نسخ كل تاريخ متقدم وهدم كل مالم يكن مرتكبه فيه متندم بحيث امن به بيقين ووقوع الخلق الواقع في الماضين واستدار الزمان كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض وأمر الله عباده ببذل ما عين لهم في الأموال بل والأنفس مما يعيده إليهم مضاعفاً من الفرض إلى آخر كلامه الحسن في انتظامه، وقال الجمال أبو الحسن علي بن أبي المنصور ظافر بن حسين الازدي المصري المالكي في أخبار الدول الإسلامية انه لو لم يكن من فوائده غير وعظه بأن الدهر لا يبقي على حالة ولا يلزم من أخلاقه غير الايتحالة لكان كافيا ولغرض المتأمل شافيا فكيف وفوائده لا تستقصى والناظر فيه جامع بين عبرة تسلها عبرة وفرحة تنلها منحة ثم عد الدول وأطال في الإشارة إليها، وقال إمام الدين أبو القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الرافعي في التدوين…. ولها تتمة
وقال العز أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن الأثير في
كأمله إن فوائده كثيرة ومنافعه الدنيوية والاخرويه غزيرة وها نحن نذكر شيئاً مما
يظهر لنا فيها ونكل إلى قريحة الناظر فيه معرفة باقيها فأما الدنيوية فمنها إن
الإنسان لإخفاء به انه يحب البقاء ويؤثر إن يكون في زمرة الإحياء فياليت شعري أي
فرق بين ما رآه أمس أو اسمعه وبين ما قرأه في الكتب المتضمنة أخبار الماضين وحوادث
المتقدمين فإذا طالعها فكأنه عاصرهم وإذا عملها فكأنه حاضرهم ومنها إن الملوك ومن
إليهم الأمر والنهي إذا وقفوا على ما فيها من سيرة أهل الجور والعدوان ورأوها مدونة
في الكتب بتناقلها الناس فيرويها خلف عن سلف ونظروا إلى ما أعقبت من سوء الذكر وقبح
الأحدوثة وخراب البلاد وهلاك العباد وذهاب الأموال وفساد الأحوال استقبحوها واعرضوا
عنها واطرحوها فإذا رأوا سيرة الولاة والعارفين وحسنها وما يتبعهم من الذكر الجميل
بعد ذهابهم وان بلادهم وممالكهم عمرت وأموالها درت استحسنوا ذلك ورغبوا فيه وثابروا
عليه وتركوا ماينافية هذا سوى ما يحصل لهم من معرفة الآراء الصائبة التي دفعوا بها
مضرات الأعداء وخلصوا بها من المهالك واستضافوا نفائس المدن وعظيم الممالك ولو لم
يكن منها غير هذا لكفى به فخرا ومنها ما يحصل للإنسان من التجارب والمعرفة بالحوادث
وما تصير إليه عواقبها وانه لا يحدث له أمرا إلا وقد تقدم هو أو نظيره فيزداد بذلك
عقلا ويصبح لان يقتدى به أهلا ولقد أحسن القائل حيث يقول وجدت العقل عقلا فمطبوع
ومسموع ولا ينفع مسموع إذا لم يك مطبوع يعني بالمطبوع العقل الغريزي الذي خلقه الله
للإنسان وبالمسموع ما يزداد به العقل الغريزي من التجربة وجعله عقلاً ثانياً توسعاً
وتعظيماً له وإلا فهو زيادة في عقله الأول انتهى ويشير إليه المروي في المرفوع (إن
حدثت أن رجلاً تحول عن طباعه فلا تصدق) ومنها ما يتجمل به الإنسان في المجالس
والمحافل من ذكر شيء من معارفها ونقل طريفة من طرائفها فترى الإسماع مصغية إليه
والوجوه مقبلة عليه والقلوب متأملة ما يورده ويصدره مستحسنة ما يذكر، وإما الأخروية
فمنها إن العاقل اللبيب إذا تفكر فيها ورأى تقلب الدنيا بأهلها وتتابع نكباتها إلى
أعيان قاضيها وإنها سلبت نفوسهم وذخائرهم وأعدمت اصاغرهم وأكابرهم فلم تبق على جليل
ولا حقير ولم يسلم من نكدها غني ولا فقير زهد فيها وإعراض عنها واقبل على التزود
للآخرة منها ورغب في دار تنزهت عن هذه الخصائص وسلم أهلها من هذه النقائص ولعل
قائلا يقول ما ترى ناظراً فيها زهد في الدنيا واقبل على الآخرة ورغب في درجاتها
العليا الفاخرة فياليت شعري كم رأى هذا القائل قارئاً للقرآن العزيز الذي هو سيد
المواعظ وأفصح الكلام يطلب به اليسير من هذا الحطام فان القلوب مولعة بحب العاجل
ومنها التخلق بالصبر والتأسي وهما من محاسن الأخلاق فان العاقل إذا رأى إن شر
الدنيا لم يسلم منه نبي مكرم ولا ملك معظم بل ولا واحد من البشر علم انه يصيبه ما
أصابهم وينويه ما نابهم.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق