كتبهابلال عبد الهادي ، في 21 نيسان 2011 الساعة: 11:10 ص
الحمد لله
خير ما بدئ به الكلام وختم، وصلى الله على النبي المصطفى وآله وسلم.
أما بعد فإن محاسن أصناف الأدب كثيرة، ونكتها قليلة، وأنوار الأقاويل موجودة، وثمارها عزيزة وأجسام النثر والنظم جمة، وأرواحهما نزرة، وقشورهما معرضة، ولبوبها معوزة. ولما كان الشعر عمدة الأدب، وعلم العرب الذي اختص به عن سائر الأمم، وبلسانهم جاء كتاب الله المنزل، على النبي منهم المرسل، صلوات الله عليه وآله وسلم، كانت أشعار الإسلاميين أرق من أشعار الجاهليين، وأشعار المحدثين ألطف من أشعار المتقدمين، وأشعار المولدين أبدع من أشعار المحدثين، وكانت أشعار العصريين أجمع لنوادر المحاسن، وأنظم للطائف البدائع من أشعار سائر المذكورين؛ لانتهائها إلى أبعد غايات الحسن، وبلوغها أقصى نهايات الجودة والظرف، تكاد تخرج من باب الإعجاب إلى الإعجاز، ومن حد الشعر إلى حد السحر، فكأن الزمان ادخر لنا من نتائج خواطرهم، وثمرات قرائحهم، وأبكار أفكارهم أتم الألفاظ والمعاني استيفاء لأقسام البراعة، وأوفرها نصيباً من كمال الصنعة، ورونق الطلاوة.
أما بعد فإن محاسن أصناف الأدب كثيرة، ونكتها قليلة، وأنوار الأقاويل موجودة، وثمارها عزيزة وأجسام النثر والنظم جمة، وأرواحهما نزرة، وقشورهما معرضة، ولبوبها معوزة. ولما كان الشعر عمدة الأدب، وعلم العرب الذي اختص به عن سائر الأمم، وبلسانهم جاء كتاب الله المنزل، على النبي منهم المرسل، صلوات الله عليه وآله وسلم، كانت أشعار الإسلاميين أرق من أشعار الجاهليين، وأشعار المحدثين ألطف من أشعار المتقدمين، وأشعار المولدين أبدع من أشعار المحدثين، وكانت أشعار العصريين أجمع لنوادر المحاسن، وأنظم للطائف البدائع من أشعار سائر المذكورين؛ لانتهائها إلى أبعد غايات الحسن، وبلوغها أقصى نهايات الجودة والظرف، تكاد تخرج من باب الإعجاب إلى الإعجاز، ومن حد الشعر إلى حد السحر، فكأن الزمان ادخر لنا من نتائج خواطرهم، وثمرات قرائحهم، وأبكار أفكارهم أتم الألفاظ والمعاني استيفاء لأقسام البراعة، وأوفرها نصيباً من كمال الصنعة، ورونق الطلاوة.
وكذاك قد ساد النبي محمد … كل الأنام وكان آخر مرسل
وقد سبق مؤلفوا الكتب إلى ترتيب المتقدمين من الشعراء، وذكر طبقاتهم ودرجاتهم، وتدوين كلماتهم، والانتخاب من قصائدهم ومقطوعاتهم، فكم من كتاب فاخر عملوه، وعقد باهر نظموه، لا يشينه الآن إلا نبو العين من إخلاق جدته، وبلى بردته، ومج السمع لمردداته، وملالة القلب من مكرراته. وبقيت محاسن أهل العصر التي معها رواء الحداثة، ولذة الجدة، وحلاوة قرب العهد، وازدياد الجودة على كثرة النقد، غير محصورة بكتاب يضم نشرها، وينظم شذرها، ويشد أزرها، ولا مجموعة في مصنف يقيد شواردها، ويخلد فوائدها، وقد كنت تصديت لعمل ذلك في سنة أربع وثمانين وثلثمائة، والعمر في إقباله، والشباب بمائة، فافتتحته باسم بعض الوزراء مجرياً إياه مجرى ما يتقرب به أهل الأدب إلى ذوي الأخطار والرتب، ومقيماً ثمار الورق، مقام نثار الورق، وكتبته في مدة تقصر عن إعطاء الكتاب حقه، ولا تتسع لتوفية شرطه، فارتفع كعجالة الراكب، وقبسة العجلان، وقضيت به حاجة في نفسي. وأنا لا أحسب المستعيرين يتعاورونه، والمنتسخين يتداولونه، حتى يصير من أنفس ما تشح عليه أنفس أدباء الإخوان، وتسير به الركبان إلى أقاصي البلدان، فتواترت الأخبار، وشهدت الآثار، بحرص أهل الفضل على غدره وعدهم إياه من فرص العمر وغرره واهتزازهم لزهره، واقتفارهم لفقره، وحين أعرته على الأيام بصري، وأعدت فيه نظري، تبينت مصداق ما قرأته في بعض الكتب: أن أول ما يبدو من ضعف ابن آدم أنه لا يكتب كتاباً فيبيت عنده ليلة إلا أحب في غدها أن يزيد فيه أو ينقص منه، هذا في ليلة واحدة فكيف في سنسن عدة؟ ورأيتني أحاضر بأخوات كثيرة لما فيه وقعت بأخرة إلى، وزيادات جمة عليه حصلت من أفواه الرواة لدي. فقلت: إن كان لهذا الكتاب محل من نفوس الأدباء، وموقع من قلوب الفضلاء، كالعادة فيما لم يقرع من قبل آذانهم، ولم يصافح أذهانهم، فلم لا أبلغ به المبلغ الذي يستحق حسن الإحماد، ويستوجب من الاعتداد أوفر الأعداد؟ ولم لا أبسط فيه عنان الكلام، وأرمي في الإشباع والاتمام هدف المرام؟ فجعلت أبنيه وأنقصه، وأزيده وأنقصه، وأمحوه وأثبته، وأنتسخه ثم أنسخه، وربما أفتتحه ولا أختتمه، وأنتصفه فلا أستتمه، والأيام تحجز، وتعد ولا تنجز، إلى أن أدركت عصر السن والحنكة، وشارفت أوان الثبات والمسكة، فاختلست لمعة من ظلمة الدهر، وانتهزت رقدة من عين الزمان، واغتنمت نبوة من أنياب النوائب، وخفة من زحمة الشوائب، واستمررت في تقرير هذه النسخة الأخيرة، وتحريرها من بين النسخ الكثيرة، بعد أن غيرت ترتيبها، وجددت تبويبها، وأعدت ترصيفها، وأحكمت تأليفها. وصار مثلي فيها كمثل من يتأنق في بناء داره التي هي عشه، وفيها عيشه، فلا يزال ينقض أركانها، ويعيد بنيانها، ويستجدها على أنحاء عدة، وهيئات مختلفة، ويستضيف إليها مجالس كالطاووس، ويستحدث فيها كنائس كالعرائس ثم يقورها آخر الأمور قوراء توسع العين قرة، والنفس مسرة. ويدعها حسناء تخجل منها الدور، وتتقاصر عنها القصور. فإن مات فيها مغفوراً له انتقل من جنة إلى أخرى، وورد من جنة الدنيا إلى جنة المأوى.
فهذه
النسخة الآن تجمع من بدائع أعيان الفضل، ونجوم الأرض من أهل العصر، ومن تقدمهم
قليلاً وسبقهم يسيراً، ما لم تأخذ الكتب العتيقة غرره، ولم تفتض عذره، ولم ينتقص
قدم العهد وتطاول المدة زبره وتشتمل من نسج طباعهم، وسبك أفهامهم، وصوغ أذهانهم،
على الحلل الفاخرة الفائقة، والحلى الرائقة الشائقة. وتتضمن من طرفهم وملحهم لطائف
أمتع من بواكير الرياحين والثمار، وأطيب من فوح نسيم الأسحار، بروائح الأنوار
والأزهار، ما لم تتضمنه النسخة السائرة الأولى.
والشرط في هذه الأخرى إيراد لب اللب، وحبة القلب، وناظر العين، ونكتة الكلمة، وواسطة العقد، ونقش الفص، مع كلام في الإشارة إلى النظائر والأحاسن والسرقات، وأخذ في طريق الاختصار، ونبذ من أخبار المذكورين، وغرر من فصوص فصول المترسلين، يميل إلى جانب الاقتصار. فإن وقع في خلال ما أكتبه البيت والبيتان - مما ليس من أبيات القصائد، ووسائط القلائد - فلأن الكلام معقود به، والمعنى لا يتم دونه ولأن ما يتقدمه أو يليه مفتقر إليه، أو لأنه شعر ملك أو أمير أو وزير أو رئيس خطير، أو إمام من أهل الأدب والعلم كبير. وإنما ينفق مثل ذلك بالانتساب إلى قائله، لا بكثرة طائله.
وخير الشعر أكرمه رجالاً … وشر الشعر ما قال العبيد
وإن أخرت متقدماً فعذري فيه أن العرب قد تبدأ بذكر الشيء والمقدم غيره، كما قال الله تعالى: " هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن " وقال تعالى: " يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين " وكما قال حسان ابن ثابت: وذكر بني هاشم:
بها ليل منهم جعفر وابن أمه … علي، ومنهم أحمد المتخير
وكما قال الصلتان العبدي:
فملتنا أننا مسلمون … على دين صديقنا والنبي
وإن قدمت متأخراً فسبيله على ما قال إبراهيم الموصلي لمسرور، وقد تقدمه في المسير: إن تقدمتك كنت مطرقاً لك، وإن تأخرت فلحق الخدمة.وقال أبو محمد المزني للملك نوح في مثل تلك الحال: إن تقدمت فحاجب، وإن تأخرت فذاك واجب.
ثم إن هذا الكتاب المقرر ينقسم إلى أربعة أقسام: يشتمل كل قسم منها على أبواب وفصول: القسم الأول: في محاسن أشعار آل حمدان، وشعرائهم، وغيرهم من أهل الشام وما يجاورها ومصر والموصل والمغرب ولمع من أخبارهم.
القسم الثاني: في محاسن أشعار أهل العراق، وإنشاء الدولة الديلمية من طبقات الأفاضل، وما يتعلق بها من أخبارهم ونوادرهم، وفصوص من فصول المترسلين منهم.
القسم الثالث: في محاسن أشعار أهل الجبال وفارس وجرجان وطبرستان وأصفهان من وزراء الدولة الديلمية وكتابها وقضاتها وشعرائها وسائر فضلائها، وما ينضاف إليها من أخبارهم وغرر ألفاظهم.
القسم الرابع: في محاسن أشعار أهل خراسان وما وراء النهر من إنشاء الدولة السامانية والغزنية، والطارئين على الحضرة ببخارى من الآفاق، والمتصرفين على أعمالهم، وما يستطرف من أخبارهم، وخاصة أهل نيسابور والغرباء الطارئين عليها والمقيمين بها.
وفيما لم يقع إلي من جنس هذا الكتاب كثرة، ولعله يزيد على ما حصل لدي، ومن يقدر على حصر الأنفاس وضبط بنات الأفكار؟ وفي الزوايا خبايا، ولا نهاية للخواطر، ولا منقطع لمواد المحاسن، وما على المؤلف إلا جهده، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق