كتبهابلال عبد الهادي ، في 26 نيسان 2011 الساعة: 15:55 م
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
بحمد الله نستفتح أقوالنا وأعمالنا، وبذكره نستنجح طلباتنا وآمالنا، إياه نستخير وبعدله نستجير، وبحبله نعتصم، ولأمره نستسلم وإليه نجأر، وفضله نشكر، وعفوه نرجو، وسطوه نرهب، وعقابه نخشى، وثوابه نأمل، وإياه نستعين، عليه نتوكل، وبنبيه محمد صلى الله عليه وسلم نتوسل. له الحمد على مواهبه التي لا نحصيها عدداً، ولا نعرف لها أمداً، حمداً نبلغ به رضاه، ونستدر به نعماه. وله الشكر على منائحه التي أولاها ابتداء، ووعد على شكرها جزاء، شكراً نبلغ به من جهدنا عذراً، ونرتهن به ذخراً و أجراً، ونستديم به من نعمة الراتب الراهن، ونستدنى به الشاحط الشاطن، ونستجر به وعده بالمزيد، "وما ربك بظلامٍ للعبيد " اللهم كما علمتنا بالقلم، وأنطقتنا بالسان الأفصح، وأريتنا لفم الطريق الأوضح، وهديتنا لصراطك المستقيم، وفقهتنا في الدين، وعلمتنا من تأولي الأحاديث، فأوزعنا إن نطلب الزلفى لديك، بالحمد لك والثناء عليك، ووفقنا لارتباط آلائك بشكرها، وأعذنا من أن يحل عقالها بكفرها، وأيدينا بأيدك، وأجرنا من كيدك، وسددنا لقضاء حقك وأداء فرضك، وشكر نعمتك، ولزوم محجتك، والتزام حجتك، والاستضاءة بنورك الذي لا يضل من جعله معلماً لدينه، وعلماً يتلقاه بيمينه. اللهم أنت المأمول، وعدلك المأمون، وفضلك المرجو. بإحسانك الملاذ، وبك من سخطك العياذ. أعوذ بك من الخطل في القول، كما أعوذ بك من الخطإ في العمل. أعوذ بك من زلل اللسان والقلم كما أعوذ بك من ذلل القدم، وأعوذ بك من النطق الفاضح، كما أعوذ بك من العي الفادح. فاجعل نطقنا ثناءً على عزتك، وصمتاً فكراً في قدرتك. وجنبنا في جميع أحوالنا ومختلفات أقوالنا وأفعالنا ما نستجلب به غضبك، ونحتقب به الشرك بك، تشبيها لك بخلقك وتصويراً وتظليما لك في فعلك، وتجويرا وعدولا في دينك عن الجدد، وتنكبا للسنن الأرشد، الذي هدانا إليه نبيّك محمد صلى الله عليه وسلم، بوحيك الذي أوحيته إليه، وكلامك الذي أنزلته عليه، مبلغاً لرسالتك، نادياً إلى عبادتك، صادعا بالدعاء إلى توحيدك، معلنا بتعظيمك وتمجيدك. ناصحاً لأمته وعبيدك. صلى الله عليه صلاتاً نامية زاكية وسلم سلاما طيبا كثيرا وعلى أصحابه وأهل بيته الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهير.وبعد فإني رأيتك - أمتع الله بأدبك، وأمتع الأدب وأهله بك - حين سمعت بالمجموع الكبير الذي سميته "نزهة الأديب، ظننتني قصدت به قصد من يؤلف كتاباً، فيصنفه أصنافاً ويبوبه أبواباً، حتى يتميز فيه النشر عن النظم، والجد عن الهزل، والسمين عن الغث، والبارع عن الرذل، وتكثر فيه الأشكال والنظائر، وتتشابه منه الأوائل والأواخر، ولم تعلم أنه جرى مجرى التعليق، الذي يحتوي على الجليل والدقيق، ويقرن بين القريب والسحيق، ويكون كاتبه كحاطب الليل يجمع نبعا وقتادا، وجارف السيل يجمل منافع وأزبادا، ويكون قارئه كغائص البحر يغوص مرة على الدرة الثمينة، وأخرى على الصدفة المهينة، حتى يخرج من الجد الشريف إلى المزح السخيف، ومن الجذل البديع إلى الهزل الشنيع، ومن فصيح المقال إلى العى المحال ومن الموعظة التي تدنى إلى الرب إلى النادرة التي تغرى بالذنب. ورأيت ميلك من جميع ذلك إلى الكلام الموجز، واللفظ المختصر، واليسير المستغرب، والنادر المستطرف دون الكثير المبتذل، والشائع المشتهر، وإلى الخطب القصار دون الإسهاب والإكثار، وإلى القرحة الواقفة من النثر دون الغرة السائلة من الشعر، وتصورت إيثارك لأن يجمع كل شكل إلى شكله، ويقرن كل فصل إلى مثله حتى يأخذ بعض الكلام برقاب كله، ويتسق آخر الباب على أوله، فصنفت لك هذا الكتاب محتذيا لتمثيلك، مهتديا بدليلك. واقتصرت فيما أوردته فيه على الفقر الفصيحة، والنوادر المليحة، والمواعظ الرقيقة، والألفاظ الرشيقة.. وأخليته من الأشعار، ومن الأخبار الطوال التي تجري مجرى الأسماء. وسميته "نثر الدر". فلا يعثر فيه من النظم إلا بالبيت الشارد، والمصراع الواحد الذي يرد في أدراج الكلام يتم به مقطعه، وأثناء خطاب يحسن منه موقعه. وهو كتاب ينتفع به الأديب المتقدم، كما ينتفع به الشادي المتعلم، ويأنس به الزاهد المتنسك، كما يأنس به الخليع المتهتك، ويحتاج إليه الملك في سياسة ممالكه، كما يحتاج إليه المملوك في خدمة مالكه، وهو نعم العون للكاتب في رسائله وكتبه، وللخطيب في محاوراته وخطبه، وللواعظ في إنذاره وتحذيره، وللقاضي في إذكاره وتبصيره، وللزاهد في قناعته وتسليه، وللمتبتل في نزاهته وتخليه. فأما النديم فغير مستغنٍ عنه في مسامرة رئيسه، وأما الملهى فمضطر إليه عند مضاحكته وتأنيسه. وقد جعلته سبعة فصول، يشتمل كل فصل على أبواب يتشابه ما فيها، وتتقارب معانيها، وذكرت أبواب الفصول في أوائلها، ليقرب الأمر فيه على متناولها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق