الجمعة، 8 فبراير 2013

الكناية عند النويري

والكنايات لها مواضع، فأحسنها العدول عن الكلام القبيح إلى ما يدل على معناه في لفظ أبهى منه. ومن ذلك أن يعظم الرجل فلا يدعى باسمه ويكنى بكنيته، أو يكنى باسم ابنه صيانة لاسمه، وقد ورد في ذلك كثير من آي القرآن فمنها قوله تعالى "فقولا له قولاً ليناً" أي كنياه. وقد كني رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه: بأبي تراب، وقال البحتري:

يتشاغفن بالصغير المسمى موضعاتٍ وبالكبير المكنى

وهذا يدل على أن المراد بالكنية التبجيل، وقول ابن الرومي:

بكت شجوها الدنيا فلما تبينـت مكانك منها استبشرت وتثنت
وكان ضئيلا شخصها فتطاولت وكانت تسمى ذلةً فتكـنـت

وقال أبو صخر الهذلي:

أبي القلب إلا حبـه عـامـريةً لها كنيةٌ عمروٌ وليس لها عمرو

ومن عادة العرب وشأنهم، استعمال الكنايات في الأشياء التي يستحيي من ذكرها، قصدا للتعفف باللسان، كما يتعفف بسائر الجوارح، قال الله عز وجل تأديبا لعباده "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم" فقرن عفة البصر بعفة الفرج، وفي القرآن كناياتٌ عدل بها عن التصريح تنزيها عن اللفظ المستهجن، كقوله تعالى: "نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" وقال أبو عبيد: هو كناية، شبه النساء بالحرث، وقوله تعالى: "وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا"، قيل: هو كنايةٌ عن الفروج، وفي موضع آخر: "يوم يشهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون"، وقوله تعالى: "أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم"، وقوله تعالى: "ما المسيح ابن مريم إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقةٌ كانا يأكلان الطعام" قال المفسرون: هذا تنبيه بأكل الطعام على عاقبة ما يصير إليه، وهو الحدث، لأن من أكل الطعام فلا بد أن يحدث. ثم قال: "انظر كيف نبين لهم الآيات" وهذا من ألطف الكناية، ومنه قوله تعالى: "أو جاء أحدٌ منكم من الغائط أو لامستم النساء" فالغائط: المطمئن من الأرض، وكانوا يأتونه لحاجتهم ويستترون به عن الأماكن المرتفعة. ومن لم ير الضوء من لمس النساء جعل الملامسة ها هنا كناية عن الفعل.
ومن الكنايات في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو وإن كان قد ورد في الأمثال أشبه بالكناية منها قوله صلى الله عليه وسلم "إياكم وخضراء الدمن" يريد بها المرأة الحسناء في المنبت السوء، وتفسير ذلك: أن الريح تجمع الدمن، وهو البعر في البقعة من الأرض فأذا أصابه المطر نبت غضا يهتز وتحته الدمن الخبيث، يقول: فلا تنكحوا هذه المرأة الحسناء لجمالها، ومنبتها خبيثٌ كالدمن، فإن أعراق السوء تزرع أولادها، وقال زفر بن الحارث:


وقد ينبت المرعى على دمن الثرى وتبقى حزازات النفوس كما هـيا

وقوله صلى الله عليه وسلم: "حمى الوطيس" قاله لما جال المسلمون يوم حنين، والوطيس: حفيرة تحتفر في الأرض شبيهةٌ بالتنور، وقال الحسن: لبث أيوب عليه السلام على المزبلة سبع سنين، وما على الأرض يومئذ خلقٌ أكرم على الله منه، فما سأل الله العافية إلا تعريضا في قوله: "إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين" والعرب تكنى عن الفضلة المستقذرة بألفاظ كلها كنايات منها: الرجيع والنجو والبراز والغائط والعذرة والحش، فبعض هذه الألفاظ يراد بها نفس الحدث، وبعضها يراد بها المواضع التي يأتي بها المحدث، وكذلك استعملوا في إتيان النساء: المجامعة، والمرافعة، والمباضعة، والمباشرة، والملامسة، والمماسة، والخلوة، والإفضاء، والغشيان، والتغشي، وكل هذه الألفاظ مذكورة في القرآن.
وحكي: أن رجلا من بني العنبر كان أسيرا في بكر بن وائل، وعزموا على غزو قومه، فسألهم رسولا إلى قومه، فقالوا: لا ترسل إلا بحضرتنا لئلا تنذرهم، وجيء بعبد أسود، فقال له: أتعقل? قال: نعم إني لعاقل! قال: ما أراك عاقلا. ثم أشار بيده إلى الليل، فقال: ما هذا? قال: الليل! قال: أراك عاقلا. ثم ملأ كفيه من الرمل فقال: كم هذا? قال: لا أدري وإنه لكثير، قال: أيما أكثر? النجوم أم النيران? قال: كل كثير، فقال: أبلغ قومي التحية، وقل لهم ليكرموا فلانا، يعني أسيرا كان في أيديهم من بكر، فإن قومه لي مكرمون وقل لهم: إن العرفج قد أدبي، وشكت النساء، وأمرهم أن يعروا ناقتي الحمراء، فقد أطالوا ركوبها، وأن يركبوا جملي الأصهب بآية ما أكلت معهم حيساً، واسألوا عن خبري أخي الحارث، فلما أدى العبد الرسالة إليهم قالوا: قد جن الأعور، والله ما نعرف له ناقة حمراء، ولا جملاً أصهب، ثم سرحوا العبد ودعوا الحارث فقصوا عليه القصة، فقال: قد أنذركم؛ أما قوله: قد أدبي العرفج، يريد: أن الرجال قد استلاموا ولبسوا السلاح، وقوله: وشكت النساء، أي اتخذن الشكاء للسفر، وقوله: الناقة الحمراء، أي ارتحلوا عن الدهناء واركبوا الصمان وهو الجمل الأصهب، وقوله: بآية ما أكلت معكم حيساً أي أخلاط من الناس وقد غزوكم، لأن الحيس يجمع التمر والسمن والأقط، فامتثلوا ما قال، وعرفوا لحن كلامه، وحكي أبو الفرج الأصفهاني بسنده إلى مجاهد ابن سعيد عبد الملك بن عمر قال: قدم علينا عمر بن هبيرة الكوفة، فأرسل إلى عشرةٍ أنا أحدهم من وجوه أهل الكوفة، فسمرنا عنده. ثم قال: ليحدثني كل رجل منكم أحدوثة. وابدأ أنت يا أبا عمرو، فقلت: أصلح الله الأمير، أحديث الحق أم حديث الباطل? قال: بل حديث الحق، قلت: إن امرأ القيس آلى ألية أن لا يتزوج امرأة حتى يسألها عن ثمانية وأربعة واثنين، فجعل يخطل النساء فإذا سألهن عن هذا، قلن أربعة عشر، فبينا هو يسير في جوف الليل إذا هو برجل يحمل ابنة له صغيرة، كأنها البدر لتمه، فأعجبته فسألها: يا جارية! ما ثمانية وأربعة واثنان? فقالت: أما ثمانية فأطباء الكلبة، وأما أربعة فأخلاف الناقة، وأما اثنان فثديا المرأة، فخطبها إلى أبيها، فزوجه إياها وشرطت عليه أن تسأله ليلة بنائها عن ثلاث خصالٍ، فجعل لها ذلك، وعلى أن يسوق إليها مائةً من الإبل، وعشرة أعبدٍ، وعشر وصائف، وثلاثة أفراس، ففعل ذلك، ثم إنه بعث عبدا له إلى المرأة، وأهدى لها نحياً من سمن، ونحياً من عسل، وحلة من قصب، فنزل العبد على بعض المياه، فنشر الحلة فلبسها فتعلقت بسمرةٍ فانشقت، وفتح النحيين فأطعم أهل الماء منهما فنقصا، ثم قدم على حي المرأة وهم خلوف فسألها عن أبيها وأمها وأخيها، ودفع إليها هديتها فقالت له: أعلم مولاك أن أبي ذهب يقرب بعيدا، ويبعد قريبا، وأن أمي ذهبت تشق النفس نفسين، وأن أخي ذهب يراعي الشمس، وأن سماءكم انشقت، وأن وعاءيكم نضبا، فقدم الغلام على مولاه فأخبره، فقال: أما قولها: أن أبي ذهب يقرب بعيدا ويبعد قريبا: فإن أباها ذهب يحالف قوما على قومه، وأما قولها: ذهبت أمي تشق النفس نفسين: فإن أمها ذهبت تقبل امرأة نفساء، وأما قولها: ذهب أخي يراعي الشمس: فإن أخاها في سرحٍ له يرعاه، فهو ينتظر وجوب الشمس ليروح به، وقولها: أن سماءكم انشقت: فإن البرد الذي بعثت به انشق، وأما قولها: أن وعاءيكم نضبا: فإن النحيين نقصا، فاصدقني، فقال: يا مولاي! إني نزلت بماء من مياه العرب، فسألوني عن نسبي، فأخبرتهم أني ابن عمك، ونشرت الحلة فلبستها وتجملت بها، فتعلقت بسمرةٍ فانشقت، وفتحت النحيين فأطعمت منهما أهل الماء. فقال: أولى لك، ثم ساق مائةً من الإبل، وخرج ومعه الغلام ليسقي الإبل، فعجز، فأعانه امرؤ القيس فرمى به الغلام في البئر، وخرج حتى أتى المرأة بالإبل فأخبرهم أنه زوجها، فقيل لها: قد جاء زوجك! فقالت: والله ما أدري أزوجي هو أم لا? ولكن انحروا له جزورا وأطعموه من كرشها وذنبها، ففعلوا، فأكل ما أطعموه، قالت: اسقوه لبنا حازرا وهو الحامض فسقوه، فشرب، فقالت: افرشوا له عند الفرث والدم، ففرشوا له، فنام. فلما أصبحت أرسلت إليه: أريد أن أسألك عن ثلاث، قال: سلي عما بدا لك، فقالت: لم تختلج شفتاك? قال: من تقبيلي إياك! قالت: لم تختلج فخذاك? قال: لتورك إياك! قالت: فلم يختلج كشحاك? قال:


لالتزامي إياك! قالت: عليكم العبد! فشدوا أيديكم به، ففعلوا، قال: ومر قوم فاستخرجوا امرأ القيس من البئر، فرجع إلى حيه واستاق مائةً من الإبل وأقبل إلى امرأته. فقيل له: قد جاء زوجك! فقالت: والله ما أدري أزوجي هو أم لا? ولكن انحروا له جزورا وأطعموه من كرشها وذنبها، ففعلوا فلما أتوه بذلك، قال: وأين الكبد والسنام والملحاء? فأبى أن يأكل، فقالت: اسقوه لبنا حازرا، فأتى به، فأبى أن يشربه وقال: أين الصريف والرثيئة? فقالت: افرشوا له عند الفرث والدم، ففرشوا له، فأبى أن ينام وقال: افرشوا لي فوق التلعة الحمراء واضربوا عليها خباء، ثم أرسلت إليه: هلم شريطتي عليك في المسائل الثلاث، فأرسل إليها: سليني عما شئت، فقالت: لم تختلج شفتاك?. قال: لشرب المشعشعات، قالت: فلم يختلج كشحاك? قال: للبس الحبرات، قالت: فلم يختلج فخذاك? قال: لركض المطهمات، قالت: هذا زوجي لعمري! فعليكم به، واقتلوا العبد فقتلوه، ودخل امرؤ القيس بالجارية، قال ابن هبيرة: حسبكم! فلا خير في الحديث في سائر الليلة بعد حديثك يا أبا عمرو ولن يأتينا أحدٌ بأعجب منه، فقمنا فانصرفنا وأمر لي بجائزة.
وقيل: بعث بشامة بن الأعور العنبري إلى أهله بثلاثين شاةً ونحيٍ صغير فيه سمن، فسرق الرسول شاة، وأخذ من رأس النحى شيئا، فقال لهم الرسول: ألكم حاجةٌ أخبره بها? فقالت امرأته: أخبره أن الشهر محاق، وأن جدينا الذي كان يطالعنا وجدناه مرثوما، فارتجع منه الشاة والسمن.
وقيل: أسرت طيء غلاما، فقدم أبوه ليفديه، فاشتطوا عليه. فقال أبوه: لا والذي جعل الفرقدين يمسيان ويصبحان على جبلي طيءٍ! ما عندي غير ما بذلته، ثم انصرف وقال: لقد أعطيته كلاما إن كان فيه خيرٌ فهمه. كأنه قال: الزم الفرقدين على جبلي طيء، ففهم الابن تعريضه وطرد إبلاً لهم من ليلته ونجا.
ومن التخليص المتوسط إليه بالكناية، ما روي عن عدي بن حاتم بن عبد الله الطائي، أنه قال يوما في حق الوليد بن عقبى بن أبي معيط: ألا تعجبون لهذا? أشعر بركاً يولي مثل هذا المصر، والله ما يحسن أن يقضي في تمرتين. فبلغ ذلك الوليد فقال على المنبر: أنشد الله رجلاً سماني أشعر بركاً إلا قام، فقام عدي بن حات فقال: أيها الأمير، إن الذي يقوم فيقول: أنا سميتك أشعر بركاً لجريءٌ، فقال له: اجلس يا أبا طريفٍ! فقد برأك الله منها، فجلس وهو يقول: ما برأني الله منها.
وقيل: كان شريح عند زياد بن أبيه وهو مريض، فلما خرج من عنده أرسل إليه مسروق رسولا وقال: كيف تركت الأمير? فقال: تركته يأمر وينهي، قال مسروق: إنه صاحب مرض، فارجع إليه واسأله ما يأمر وينهي، قال: يأمر بالوصية وينهي عن النوح.
خطب رجل إلى قوم فجاءوا إلى الشعبي يسألونه عنه، وكان به عارفا، فقال: هو والله ما علمت نافذ الطعنة، ركي الجلسة، فزوجوه، فإذا هو خياط فأتوه فقالوا: غررتنا فقال: ما فعلت وإنه لكما وصفت.
وخطب باقلاني إلى قوم وذكر أن الشعبي يعرفه فسألوه فقال: إنه لعظيم الرماد، كثير الغاشية.
قيل: أخذ العسس رجلين فقال لهما: من أنتما? فقال أحدهما:


أن ابن الذي لا ينزل الدهر قدره وإن نزلت يوما فسوف تـعـود
ترى الناس أفواجا إلى ضوء ناره فمنهم قيامٌ حولـهـا وقـعـود

وقال الآخر:

أنا ابن من تخضع الرقاب له ما بين مخزومها وهاشمها
تأتيه بالذل وهي صـاغـرة يأخذ من مالها ومن دمهـا

فظنوهما من أولاد الأكابر، فلما أصبح سأل عنهما، فإذا الأول ابن طباخ والثاني ابن حجام.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للأحنف: أي الطعام أحب إليك? قال: الزبد والكمأة. فقال: ما هما بأحب الطعام إليه، ولكنه يحب الخصب للمسلمين.
قال لقمان لابنه: كل أطيب الطعام، ونم على أوطأ الفرش كنى عن إكبار الصيام، وإطالة القيام.
ومن جيد التورية وغريبها مع توخي الصدق في موطن الخوف: قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقد أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو رديفه عام الهجرة، فقيل له: من هذا يا أبا بكر? فقال: رجل يهديني السبيل.
ورفع إلى عبيد الله بن الحسن قاضي البصرة وصيةٌ لرجل بمال أمر أن تتخذ به حصون. فقال: اشتروا به خيلا للسبيل، أما سمعتم قول النخعي:


ولقد علمت على تجنبـي الـردى أن الحصون الخيل لا مدر القرى

قيل كان البراء بن قبيصة صاحب شرابٍ، فدخل على الوليد بن عبد الملك، وبوجهه أثر، فقال: ما هذا? قال فرس لي أشقر، ركبته فكبابي، فقال: لو ركبت الأشهب لما كبابك، يريد الماء.
قال عبد الملك بن مروان لثابت بن الزبير: ما ثابت من الأسماء! ليس باسم رجل ولا امرأة، قال: يا أمير المؤمنين لا ذنب لي لو كان اسمي إلي، لسميت نفسي زينب، يعرض به، فإنه كان يعشق زينب بنت عبد الرحمن بن هشام فخطبها، فقالت: لا أوسخ نفسي بأتى الذبان.
قال نميري لفقعسي: إني أريد إتيانك فأجد على بابك جروا، فقال له الفقعسي: اطرح عليه ترابا وادخل، أراد النميري قول الشاعر:


ينام الفقعسي ومـا يصـلـي ويخرى فوق قارعة الطريق

وأراد الفقعسي قول الآخر:

ولو وطئت نساء بني نميرٍ على تربٍ لخبثن التراب

قال عبد الله بن الزبير لامرأة عبد الله بن حازم السلمي: أخرجي المال الذي وضعته تحت استك، فقالت: ما ظننت أن أحدا يلي شيئا من أمور المسلمين يتكلم بهذا، فقال بعض من حضر: أما ترون الخلع الخفي الذي أشارت إليه? فلما أخذ الحجاج أم عبد الرحمن بن الأشعث تجنب ما عيب على ابن الزبير، فكني عن المعنى فقال لها: عمدت إلى مال الله فوضعته تحت ذيلك.
ماتت للهذلي أم ولدٍ، فأمر المنصور الربيع بأن يعزيه ويقول له: إن أمير المؤمنين يوجه إليك بجارية نفيسة لها أدبٌ وظرفٌ تسليك عنها، وأمر لك بفرسٍ وكسوةٍ وصلةٍ، فلم يزل الهذلي يتوقعها، ونسيها المنصور، ثم حج ومعه الهذلي فقال له وهو بالمدينة: أحب أن أطوف الليلة في المدينة، وأطلب من يطوف بي فقال: أنا لها يا أمير المؤمنين، فطاف به حتى وصل إلى بيت عاتكة فقال: يا أمير المؤمنين! وهذا بيت عاتكة الذي يقول فيه الأحوص:


يا بيت عاتكة الذي أتعزل

فأنكر المنصور ذكر بيت عاتكة من غير أن يسأله عنه، فلما رجع أمر القصيدة على خاطره فإذا فيها:

وأراك تفعل ما تقول وبعضهم مذق الحديث يقول ما لا يفعل

فتذكر الموعد وأنجزه واعتذر إليه.
اجتمع الشعراء بباب أمير من أمراء العرب، فمر رجل ببازٍ فقال رجل من بني تميم لآخر من بني نمير: هذا البازي! فقال النميري: إنه يصيد القطا، عرض الأول بقول جرير:


أنا البازي المطل على نميرٍ أتيح من السماء لها انصبابا

وأراد الآخر قول الطرماح:

تميم بطرق اللؤم أهدي من القطا ولو سلكت طرق المكارم ضلت

قال عمر بن هبيرة الفزاري لأيوب بن ظبيان النميري وهو يسايره: غض من بغلتك! فقال: إنها مكتوبة، أراد بن هبيرة قول جرير:

فغض الطرف إنك من نمير فلا كعبا بلغت ولا كلابـا

وأراد النميري قول ابن دارة:

لا تأمنن فزارياً خلوت بـه على قلوصك واكتبها بأسيار

وقيل: كان العزيز بن المعز العبيدي أحد الخلفاء بمصر يلعب بالحمام فتسابق هو وخادم له فسبق طائر الخادم طائر الخليفة، فبعث إلى وزيره ابن كلس اليهودي يستعلمه عن ذلك فاستحيي أن يقول: إن طائر الخليفة سبق، فكتب إليه:

يا بن الذي طاعته عصمةٌ وحبه مفترضٌ واجـب
طائرك السابق لـكـنـه جاء وفي خدمته حاجب

جاءت امرأة إلى عمر رضي الله عنه فقالت: أشكو إليك زوجي، خير أهل الأرض إلا رجلٌ سبقه لعمل، أو عمل مثل عمله، يقول الليل حتى يصبح، ويصوم النهار حتى يمسي، ثم أخذها الحياء فقالت: أقلني يا أمير المؤمنين! فقال: جزاك الله خيرا! فقد أحسنت الثناء، فلما ولت قال كعب بن شور: يا أمير المؤمنين لقد أبلغت إليك في الشكوى، فإنها كنت بذلك عن عدم المباضعة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق