كتبهابلال عبد الهادي ، في 2 أيار 2012 الساعة: 11:43 ص
ذكر الأشياء التي يتطير الظرفاء من إهدائها
ويرغبون عنها لشناعة أسمائها
فمن ذلك الأُترجّ، والسفرجل، والشقائق، والسوسن، والنَّمّام، وأطباق الخِلاف، والغَرَب، والبان. فأما الأُترجّ فإن باطنه خلاف ظاهره، وهو حسن الظاهر، حامض البطن، طيّب الرائحة، مختلف الطعم، ولذلك يقول فيه الشاعر:أهدى له أحـبـابـه أُتـرجّةً، | فبكى، وأشفق من عِيافة زاجر | |
خاف التلوّن، إذ أتته، لأنـهـا | لونان باطنها خلاف الظاهـر | |
فَرِقَ المتيَّم من حموضة لبّهـا | واللون زيّنها لعين النـاظـر |
مُتحفي بالسفرجل، | لا أريد السفرجلا! | |
اسمه، لو عرفتَـهُ، | سفرٌ جَلَّ، فاعتلى! |
أهدت إليه سفرجلاً، فتطيّرا | منه وظلّ مُتيَّماً، مستعبـرا | |
خاف الفِراق، لأن أول اسمه | سفرٌ فحقّ له بأن يتطـيّرا |
لا تراني طَـوال ده | ري أهوى الشقائقـا | |
إن يكن يشبه الخـدو | د، فنصف اسمه شَقا |
لا يحب الشقـائقـا | كل من كان عاشقا | |
إن نصف اسمه شقا | ءٌ، إذا فُهتَ ناطقا |
سُوسنةٌ أعطـيتـنـيهـا، ومـا | كنتِ بإعطائكها مـحـسـنـهْ | |
شطر اسمها سوءٌ، فإن جئت بال | آخر منها، فهو سـوءٌ سَـنَـهْ | |
وأنتِ إن هاجرتـنـي سـاعةً، | قلتُ: أتتُ من قبل السوسـنـهْ |
يا ذا الذي أهدى لنا سوسنا، | وما كنتَ في أهدائه محسنا | |
أوله سوءٌ، فقد سـاءنـي، | يا ليت أني لم أر السوسنـا |
إنـي لأذكـر بـالـريحـان رائحةً | منها، فَلِلْقَلب بالـريحـان إينـاسُ | |
وأمنح الياسمين البُغض من حـذري | لليأس، إذ كان في بعض اسمه ياسُ |
أبصرتُه في المنـام نـاولـنـي | من كفّه الياسَمين والـغَـرَبـا | |
فكان يأسٌ في الياسمين، وفي الغ | رب اغترابٌ، يا شؤم ما وهبـا |
أهدى حبيبي ياسميناً، فـبـي | من شِرّةِ الطـيرةِ وسـواسُ | |
أراد أن يوئِسَ من وصـلـه، | إذ كان في شَطر اسمه الياسُ |
حيّتُها بتحيّةٍ في مـجـلـسٍ، | بقضيب نمّام من الريحـانِ | |
فتطيّرت منه، وقالت: أقصّه! | لا تقربَنّ مضيِّع الكِتـمـان |
ما أحسن الآس في عيني وأطيبـه، | لولا اتصال حروف الآس بالـياسِ | |
ما ضرّ من كان أهدى الآس من يده | لو قال: ريحانةٌ، يُعنى به الآسـي | |
لولا الذي أتّقي من طيرتي بهمـا، | ما فارقا أبداً تاجاً عـلـى رأسـي |
فما أعيف النهـديّ، لا درّ دَرُّه، | وأعلمه بالزجر، لا عَزّ ناصـره | |
رأيتُ غراباً ساقطاً فـوق بـانةٍ، | يُنتِّف أعلى ريشـه، ويُطـايره | |
فأما غرابٌ، فاغترابٌ من الهوى، | وبانٌ فبينٌ من حبيبٍ تعـاشـره |
أشاقَك، والليل ملقي الجِـران، | غُرابٌ ينوح على غُضن بان? | |
أحصُّ الجناح، شديد الصـياح، | يُبَكّي بعينين مـا تـدمـعـانِ | |
وفي نَعَبات الغراب اغتـرابٌ، | وفي البان بَيْنٌ بعيد التـدانـي |
وكنتُ قدِ اندملتُ فهاج شوقـي | بكاء حمامتـين تَـجـاوبـانِ | |
تجاوبتا بلـحـنٍ أعـجـمـي، | على غُصنين من غَرَبٍ وبانِ | |
فقلتُ لصاحبيّ، وكنتُ أحـرى | بزجر الطير: ماذا تُخـبـرانِ | |
فقالا: الدار جامعةٌ بسُـعـدى، | فقلت: بَلَ أنتما مـتـيمِّـنـانِ | |
وكان البان أن بانت سُلـيمـى، | وفي الغَرَب اغترابٌ غير وانِ |
ألا راعَ قلبي من سَلامة أنْ غـدا | غُرابٌ على غصنٍ من البان يَنعبُ | |
فأزجرُ ذاك البان بيناً مُواشـكـاً، | وغثربة دارٍ ما تَدانى فيصـقُـبُ |
أهدت إليه بظَرفها رمّاناً، | تُنبيه أنّ وِصالها قد آنـا | |
قال الفتى لمّا رآه تَفوُّلاً، | وَصْلٌ يكون متمَّماً أحيانا | |
رمَّ يَرُمّ تشعَثي بوِصالها، | لقد التفوّل صادقاً قد كانا |
أهدت إلـيه شـاهَـلُّـوجـا، | تُبيه أنْ لو جاء كان وَلـوجـا | |
فمضى على فأل الهدية جاسراً، | عَمْداً، فصار مُداخِلاً خِرّيجـا |
أيا أحسننا خُـلـقـاً، | ومن فات الوَرى سَبقا | |
تفاءلْتَ بأنْ تبـقـى، | فأهديتَ لنا النّـبْـقـا | |
فأبقـاك إلـهُ الـنـا | س ما سرّك أن تبقى | |
وأشقى الله شـانـيك، | وحاشى لك أن تَشْقى |
أهدتَ إليه بنفسجاً يُسلـيه، | تُنبيهِ أنّ بنفسهـا تـفـديه | |
فارتاح بعد صَبابةٍ وكـآبةٍ، | ورَجا لحُسن الظنّ أن تُدنيه |
أهدى له وَرداً، فأخبـر أنـه | في الواردين، ولم يكن وَرّادا | |
فارتاح من فَرَح بطيب وفوده، | وعدا له وَرْدُ الحياء، فـزادا |
ما قيل في صفة الورد
ومحلّه من قلوب ذوي الوجد
اعلم أن أهل الظرف قد أكثروا من تفصيل الورد، ومدحَته الشعراء، وقد أطنبوا فيه، وأفرطوا في نعت حُسنه، واشتهوا رائحته، حتى شبّهوه بالوَجَنات الحمر، وقايَسوه إلى الخمر، ومثّلوه بالأشياء المِلاح، كفعلهم بالتفاح، وهما عندهم في مرتبة واحدة، قال العباس بن الأحنف:أُبغضُ الآسَ والخِلاف جميعاً، | لمكان الخلاف واليأس منهـا | |
وأحبّ التفّاح والوَرد حـتـى | لو وَزَنتيه بالجبال وَزَنْـهـا | |
أشبها ريقها ونكـهة فـيهـا، | فهما يُبئان بالطيب عـنـهـا |
عشيّةَ حـيّانـي بـوَردٍ، كـأنـه | خدودٌ أضيفَت بعضهن إلى بعض | |
وولّى، وفعل الخمر في حركاته، | فِعال نسيم الريح بـالـغُـصُـنّ |
يضـحـك الـوَردُ إلـــى ور | دٍ بـخَـــدَّيك مُـــقـــيمِ | |
جَمـعـا شـكـلـين وَفـقـي | نِ لألـحــاظ الـــنـــديمِ | |
غير أنّ الـمِـسـك أولـــى | بكِ فـي كـلّ نـــســـيمِ | |
سيعلم الوردُ أني غـير ذاكـره، | إذا الخُدود أعارت حُسنها بصري | |
كم بينَ وردٍ مُقيمٍ في أماكـنـه، | وبين وَرْدٍ قليل المَكْثِ في الشجرِ | |
هذا جِنيٌّ مَصونٌ في مَنـابـتـه، | وذاك مُمتهَنٌ في كل محتضَـرِ |
مرّت، وفي كفّها وردٌ، فقلتُ لها | حَيِّي محبَّك! قالت: عنه لي شُغُلُ | |
فقلت: بُخلاً، فقالت: قد وهبتُ له | وَرداً جَنيّاً، وذا بالكفّ يُبـتـذَلُ | |
إنْ كان لم يَجنه منه أنـامـلـه، | فقد جَنَته له الألحاظ والمُـقَـلُ |
وَرْدُ خدّيك مقيمُ، | أبداً، ليس يَريم | |
أما منه في نعيمٍ، | ما بدا منه نعيم |
تمتّعْ من الورد القليل بقاؤه، | فإنك لم يفجعكَ إلا فنـاؤه | |
وودّعه بالتقبيل والشمّ والبُكا، | وداعَ حبيبٍ بعد حولٍ لقاؤه |
وخُبِّرت أن قَينةً أهدت إلى ربيطٍ لها غصن أسٍ، فسُرَّ به، وأنشأ يقول:
والآسُ يبقى، وإن طال الزمان به، | والورد يفنى، ولا يبقى على الزمن |
أنتِ وردٌ وبقـاءُ ال | ورد شهرٌ لا شُهورُ | |
يذهب الورد، ويَفنى، | وإلى الآس نصـيرُ |
سُرّ بالآس الذي أهدت له، | ثم لما أهدَتِ الورد جَزِعْ | |
ذاك أنّ الآسَ بـاقٍ دائمٌ، | ولأن الورد حيناً يَنقطـعْ |
وصلتْ، وكان الورد أول ما بـدا، | فلمّا تولّى الورد ولّت مع الـوردِ | |
فيا لـيت أن الـورد أسٌ فـإنـه | يدوم على الحالين في الحرّ والبردِ |
والتفاح أعظم عندهم قدراً، واجلّ أمراً، وأعلى درجة، وأرفع رتبة لسلامته من البياض والتوريد، وقد ذكرتُ فضائل التفاح في كتاب التفاحة في غير باب، فأغنى عن إعادته في هذا الكتاب، غير أني أذكر في كتابنا هذا جملة مما وصفتُه به الأدباء ومدحته به الشعراء، ولست أذكر في عرض هذا الكتاب شيئاً مما في ذلك الكتاب لئلا يبتلى بشي من المحن، فينسب إلى ضيق العَطَن، وبالله التوفيق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق