الجوابات المسكتة الحاضرة من نثر الدرّ/ الآبيّ
كتبهابلال عبد الهادي ، في 2 أيار 2011 الساعة: 19:44 م
قدم حماد بن جميل من فارس، فنظر إليه يزيد بن
المنجاب وعليه جباب وشي، فقال: "هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً
مذكوراً". فقال حماد: "كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم".
جاء رجل إلى عمر
فقال: أعطني فقال: والله لا أعطيك. قال: والله لتعطيني. قال: ولم لا أبالك? قال:
لأنه مال الله، وأنا من عيال الله. قال: صدقت.
قال الربيع يوماً بين يدي
المهدي لشريك" بلغني أنك خنت أمير المؤمنين. فقال له شريك: مه، لا تقولن ذاك، لو
فعلنا لأتاك نصيبك.
خطب رجل إلى عبد الله بن عباس يتيمة كانت في حجره، فقال
له: لا أرضاها لك. قال: ولم ذاك? قال: لأنها تشرف وتنظر، وهي مع ذلك برية، فقال:
إني لا أكره ذلك، فقال ابن عباس: أما الآن فإني لا أرضاك لها.
قال معاوية
لعمرو بن سعيد: إلى من أوصى بك أبوك? فقال: إن أبي أوصى إليّ ولم يوص
بي.
وقال عمرو بن العاص لعبد الله بن عباس: اسمع يا ابن أخي. فقال: كنت ابن
أخيك. وأنا اليوم أخوك.
قال رجل من أهل الحجاز لابن شبرمة: من عندنا خرج
العلم. قال: ثم لم يعد إليكم.
قال بلال بن أبي بردة للهيثم بن الأسود: أنا
ابن أحذ الحكمين. فقال: أما أحدهما ففاسق، وأما الآخر فمائق فابن أيهما
أنت?.
وقال رجل من ولد أبي موسى لشريك: هل كان علي رضي الله عنه يقنت في
الفجر? فقال: نعم، ويلعن فيه أباك.
دخلت وفود على عمر بن عبد العزيز، فأراد
فتى منهم الكلام، فقال عمر: ليتكلم أسنكم. فقال الفتى: يا أمير المؤمنين إن قريشاً
لترى فيها من هو أسن منك. فقال: تكلم يا فتى.
لقي محمد بن أسباط عبد الله بن
طاهر في جبة خز، فقال: يا أبا جعفر، ما خلفت للشتاء? قال: خلع الأمير.
قال
ابن الزيات لبعض أولاد البرامكة: من أنت، ومن أبوك? قال: أبي الذي تعرفه، ومات وهو
لا يعرفك.
كان لشيطان الطاق ابن محمق، فقال أبو حنيفة له: أنت من ابنك هذا
في بستان. قال: هذا لو كان إليك.
دخل بعضهم على عبد الملك، فقال: الحمد لله
الذي ردك على عقبيك. فقال: ومن رد إليك فقد رد على عقبيه، فسكت.
لما قال
مسكين الدارمي:
ناري ونار الجار واحدة
وإليه قبلي تنزل
القدر
قالت
امرأته: صدق؛ لأنها نار الجار وقدره.
قال الرشيد لإسماعيل بن صبيح: وددت أن
لي حسن خطك. فقال: يا أمير المؤمنين، لو كان حسن الحظ مكرمة، لكان أولى الناس بها
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال عمر بن عبد العزيز لرجل: من سيد قومك?
قال: أنا. قال: لو كنت سيدهم ما قلت.
وقال معاوية لعقيل ليلة الهرير: أنت
معنا يا أبا يزيد? قال: ويوم بدر كنت معكم.
دخل شاب من بني هاشم على
المنصور، فسأله عن وفاة أبيه، فقال: مرض رضي الله عنه يوم كذا، ومات رحمه الله يوم
كذا، وترك رضي الله عنه من المال كذا؛ فانتهره الربيع وقال: بين يدي أمير المؤمنين
توالى الدعاء لأبيك! فقال الشاب له: لا ألومك؛ لأنك لم تعرف حلاوة الآباء. قال: فما
علمنا أن المنصور ضحك في مجلسه قط ضحكاً افترّ عن نواجذه إلا يومئذ.
قال
بعضهم وقد باع ضيعة من آخر له: أما والله لقد أخذتها ثقيلة المئونة، قليلة المعونة.
فقال: وأنت والله لقد أخذتها بطيئة الاجتماع، سريعة التفرق.
قال رجل لعمرو
بن العاص: والله لأتفرّغنّ لك. فقال: هناك والله وقعت في الشغل.
قيل لأبي
الأسود الدؤلي: أشهد معاوية بدراً? قال: نعم، من الجانب الآخر.
قال الحجاج
لصالح بن عبد الرحمن الكاتب: إني فكرت فيك فوجدت مالك ودمك لي حراماً. قال: أشد ما
في هذا أيها الأمير واحدة. قال: وما هي? قال: أن هذا بعد الفكرة. يريد: أن هذا مبلغ
عقلك.
نظر ثابت بن عبد الله بن الزبير إلى أهل الشام فشتمهم، فقال له سعيد
بن خالد بن عثمان بن عفان: إنما تنتقصهم لأنهم قتلوا أباك. قال: صدقت لقد قتلوا
أبي، ولكن المهاجرين والأنصار قتلوا أباك.
خطب أبو الهندي - وهو خالد بن عبد
القدوس بن شيث بن ربعي -، إلى رجل من بني تميم؛ فقال له: لو كنت مثل أبيك لزوجتك،
فقال: أبو الهندي: لكن لو كنت مثل أبيك ما خطبت إليك.
ووقف عليه نصر بن سيار
وهو سكران، فسبه، وقال له: ضيعت شرفك. فقال: لولا أني ضيعت شرفي لم تكن أنت والي
خراسان.
جلس محمد بن عبد الملك يوماً للمظالم، وحضر في جملة الناس رجل زيه
زي الكتاب، فجلس بإزائه، ومحمد ينفذ الكلام، وهو لا يتكلم. ومحمد يتأمله، فلما خف
مجلسه قال له: ما حاجتك? قال: الساعة أذكرها. فلما خلا المجلس تقدم وقال: جئتك
أصلحك الله متظلماً. قال: ممن? قال: منك. قال: مني? قال: نعم. ضيعة لي في يد وكيلك
يحمل إليك غلتها ويحول بيني وبينها. قال: فما تريد? قال: تكتب بتسليمها إليّ. قال:
هذا نحتاج فيه إلى شهود وبينة وأشياء كثيرة. قال الرجل: الشهود هم البينة و"أشياء
كثيرة" عيّ منك. فخجل محمد وهاب الرجل، وكتب له بما أرضاه.
قال الحجاج ليحيى
بن سعيد بن العاص: أخبرني عبد الله بن هلال صديق إبليس أنك تشبه إبليس. قال: وما
ينكر الأمير أن يكون سيد الإنس يشبه سيد الجن.
لما هرب ابن هبيرة من خالد بن
عبد الله القسري قال له: أبقت إباق العبد. فقال له: نعم حين نمت نومة الأمة عن
عجينها.
دخل رجل من ولد قتيبة بن مسلم الحمام، وبشار بن برد في الحمام،
فقال: يا أبا معاذ وددت أنك مفتوح العين. قال: ولم? قال: لترى استي فتعرف أنك قد
كذت في شعرك حيث تقول:
على أستاه سادتهم كتاب
"موالي عامر" وسم بنار
قال: غلطت يا ابن
أخي. إنما قلت: على أستاه سادتهم، وليست منهم.
دخل إياس بن معاوية الشام وهو
غلام، فقدم خصماً له - وكان شيخاً كبيراً - إلى قاضي عبد الملك، فقال له القاضي:
أتقدم شيخاً كبيراً? قال: الحق أكبر منه. قال: اسكت. قال: فمن ينطق بحجتي? قال: لا
أظنك تقول حقاً حتى تقوم. قال: لا إله إلا الله. فقام القاضي فدخل على عبد الملك من
ساعته فأخبره بالخبر. فقال: اقض حاجنه الساعة، وأخرجه من الشام، لئلا يفسد علينا
الناس.
ودخل عبيد الله بن زياد بن ظبيان - وكان أفتك الناس وأخطب الناس -
على عبد الملك، فأراد أن يقعد معه على السرير، فقال له عبد الملك: ما بال الناس
يزعمون أنك لا تشبه أباك? قال: والله لأنا أشبه بأبي من الليل بالليل، والغراب
بالغراب، والماء بالماء، وإن شئت أنبأتك عمن لا يشبه أباه. قال: ومن ذلك? قال: من
لم يولد لتمام، ولم تنضجه الأرحام، ومن لم يشبه الأخوال والأعمام. قال: ومن ذاك?
قال: ابن عمي سويد بن منجوف. قال: أو كذلك أنت يا سويد? قال: نعم.
ولما خرجا
من عنده أقبل سويد وقال: وريت بك زنادي. والله ما يسرني أنك كنت نقصته حرفاً وأن لي
حمر النعم. قال: والله وأنا ما يسرني بحلمك اليوم عني سود النعم. وإنما أراد عبيد
الله بذلك عبد الملك? فإنه كان ولد سبعة أشهر.
وعبيد الله هو الذي أتى باب
مالك بن مسمع، ومعه نار ليحرق عليه داره، وقد كان نابه أمر فلم يرسل إليه قبل
الناس، فأشرف عليه مالك، فقال: مهلاً يا أبا مطر. والله إن في كنانتي سهم أنا أوثق
به مني بك. قال: وإنك لعدّني في كنانتك، فوالله أو لو قمت فيها لطلتها، ولو قعدت
فيها لخرقتها. قال: مهلا، أكثر الله في العشيرة مثلك. قال: لقد سألت ربك
شططاً.
قال رجل لرقبة بن مصقلة: ما أكثرك في كل طريق!. فقال له: لم تستكثر
مني ما تستقله من نفسك? هل لقيتني في طريق إلا وأنت فيه? ولما دخل إسماعيل بن حماد
بن أبي حنيفة البصرة قال: هممت أن أؤدب من خالف أبا حنيفة في مسألة. قال له قائل:
هل كان أبو حنيفة يؤدب من خالفه? قال: لا. قيل له، فأدّب نفسك فقد
خالفته.
حدث بعضهم قال: خرجت في حاجة فلما كنت بالسيالة وقفت على باب ابن
هرمة فصحت: يا أبا إسحاق، فأجابتني ابنته قالت: خرج آنفاً. قال: فقلت: هل من قرىً،
فإني مقو من الزاد. قالت: لا والله. قلت: فأين قول أبيك:
لا أمتع العود بالفصال، ولا
أبتاع إلا قـريبة
الأجـل
قالت: فذاك
أفناها.
قال المهدي يوماً لشريك، وعيسى بن موسى عنده: لو شهد عندك عيسى كنت
تقبله? وأراد أن يغرى بينهما. فقال شريك: من شهد عندي سألت عنه، ولا يسأل عن عيسى
غير أمير المؤمنين، فإن زكيته قبلته. فقبلها عليه.
قيل لسعيد بن المسيب وقد
كف: ألا تقدح عينك. قال: حتى أفتحها على من? قال مروان يوم الزاب لحاجبه وقد ولى
منهزماً: كر عليهم بالسيف. فقال: لا طاقة لي بهم. فقال: والله لئن لم تفعل بهم
لأسوءنك. قال: وددت أنك تقدر على ذلك.
ركب الرشيد وجعفر بن يحيى يسايره، وقد
بعث عليّ بن عيسى بهدايا خراسان بعد ولاية الفضل بن يحيى، فقال الرشيد لجعفر: أين
كان هذا في أيام أخيك? قال: في منازل أهله.
قال بحيرا الراهب لأبي طالب:
احذر على ابن أخيك، فإنه سيصير إلى كذا وكذا. قال: إن كان الأمر كما وصفت فإنه في
حصن من الله.
قال رجل مطعون النسب لأبي عبيدة لما عمل كتاب المثالب: سببت
العرب جميعاً. قال: وما يضرك? أنت خارج من ذلك.
قيل لإياس بن معاوية: إنك
لتعجب برأيك. قال: لو لم أعجب به لم أقض به.
قال رجل لعامر بن الطفيل:
استأسر. قال: بيت أمك لا يسعني.
قال الرشيد ليزيد بن مزيد في لعب الصوالجة:
كن مع عيسى بن جعفر. فأبى، فغضب الرشيد وقال: أتأنف أن تكون معه? قال: قد حلفت
لأمير المؤمنين ألا أكون عليه في جد ولا هزل.
دخل الحجاج دار عبد الملك،
فقال له خالد بن يزيد: ما هذا السيف، وإلى متى هذا القتل? قال: ما دام بالعراق رجل
يشهد أن أباك كان يشرب الخمر.
قيل لأبي عبيدة: "الأصمعي دعيّ". قال: ليس في
الدنيا أحد يدعي إلى أصمع.
وقع في بعض الثغور نفير؛ فخرج رجل، ومعه قوس بلا
نشاب، فقيل له: أين الشباب? قال: يجئ الساعة إلينا جزاءً من عند العدو. قالوا: فإن
لم يجئ? قال: إن لم يجئ لم تكن بيننا وبينهم حرب.
قال رجل لهشام بن الحكم
أليس اختصم العباس وعليّ إلى عمر? قال: بلى. قال: فأيهما كان الظالم? قال: ليس
فيهما ظالم. قال: يا سبحان الله، كيف يتخاصم اثنان وليس فيهما ظالم? قال: كما تخاصم
الملكان إلى داود عليه السلام وليس فيهما ظالم.
قال رجل لشريك: أخبرني عن
قول عليّ رضي الله عنه لابنه الحسن: ليت أباك مات قبل هذا اليوم بعشرين سنة. أقاله
وهو شاكّ في أمره? قال: له شريك: أخبرني عن قول مريم: "يا ليتني مت قبل هذا".
أقالته وهي شاكة في عفتها? فسكت الرجل.
استأذن أبو سفيان على عثمان رضي الله
عنه فحجبه، فقيل له: حجبك أمير المؤمنين. فقال: لا عدمت من قومي من إذا شاء
حجبني.
دخل الوليد بن يزيد على هشام، وعلى الوليد عمامة وشي، فقال هشام: بكم
أخذت عمامتك? قال: بألف درهم. فقال هشام: عمامة بألف? - يستكثر ذلك - فقال الوليد:
يا أمير المؤمنين إنها لأكرم أطرافي. وقد اشتريت أنت جارية بعشرة آلاف درهم لأخس
أطرافك.
بات المفضل الضبي عند المهدي. فلم يزل يحدثه وينشده حتى جرى ذكر
حماد الراوية، فقال له المهدي: ما فعل عياله? ومن أين يعيشون? قال: من ليلة مثل هذه
كانت له مع الوليد بن يزيد.
لما قال أبو العتاهية:
فاضرب بطرفك حيث شئ
ت، فلن ترى إلا
بخـيلا
قيل له:
بخلت الناس كلهم. قال: فأكذبوني بواحد.
دعا أبو جعفر المنصور أبا حنيفة إلى
القضاء. فأبى، فحبسه، ثم دعا به، فقال له: أترغب عما نحن فيه? فقال: أصلح الله أمير
المؤمنين، لا أصلح للقضاء. فقال: كذبت. فقال أبو حنيفة: قد حكم عليّ أمير المؤمنين
أني لا أصلح للقضاء، لأنه نسبني إلى الكذب، فإن كنت كاذباً فأنا لا أصلح، وإن كنت
صادقاً، فإني قد صدقت عن نفسي أني لا أصلح. فرده إلى الحبس.
قال الحسن بن
سهل: ما نكأ قلبي كقول خاطبني به أعرابي يحج يوماً بالعرب، فقلت له: رأيت منازلكم
وخيامكم تلك الصغار، فقال لي بالعجلة: فهل رأيت فيها من ينكح أمه أو أخته? قال رجل
لآخر: ألا تستحيي من إعطاء القليل? فقال: الحرمان أقل منه.
شكا يزيد بن أسيد
إلى المنصور ما ناله من العباس بن محمد أخيه، فقال المنصور: اجمع إحساني إليك
وإساءة أخي، فإنهما يعتدلان. قال: إذا كان إحسانكم إلينا لإساءتكم. كانت الطاعة منا
تفضلا.
كتب ملك الروم إلى ملك فارس: كل شيء تقوله كذب. فكتب إليه: صدقت. أي
أني في تصديقك كاذب.
قال بعضهم: التقى رجلان في بعض بلاد الهند، فقال أحدهما
للآخر - وكان غريباً -: ما أقدمك بلادنا? فقال: قدمت أطلب علم الوهم. قال: فتوهم
أنك قد أصبته، وانصرف. فأفحمه.
قال رجل لسليمان الشاذكوني: أرانيك الله يا
أبا أيوب على قضاء أصبهان. فقال له سليمان: إن كان ولا بد فعلى خراجها، فإن أخذ مال
الأغنياء أسهل من أخذ أموال اليتامى.
قال رجل من ولد عيسى بن موسى لشريك بن
عبد الله حين عزل عن القضاء: يا أبا عبد الله، هل رأيت قاضياً عزل? قال: نعم، وولى
عهد خلع.
قال مصعب بن الزبير لسكينة بنت الحسين: أنت مثل البغلة لا تلدين.
قالت: لا والله، ولكن أبي كرمي أن يقبل لؤمك.
قال رجل لآخر: إن قلت كلمة
سمعت عشراً. فقال له: لو قلت عشراً. ما سمعت كلمة.
قال محمد بن مسعر: كنت
أنا ويحيى بن أكثم عند سفيان، فبكى سفيان. فقال له يحيى: ما يبكيك يا أبا محمد?
فقال له: بعد مجالستي أصحاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بليت بمجالستكم.
فقال يحيى - وكان حدثاً -: فمصيبة أصحاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
بمجالستك إياهم بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من مصيبتك. فقال: يا
غلام، أظن السلطان سيحتاج إليك.
دعا الحجاج رجلاً ليوجهه إلى محاربة عدو،
فقال له: أعندك خير? قال: لا، ولكن عندي شر. قال: هذا هو الذي أريدك له، امض
لوجهك.
أكل أعرابي من بني عذرة مع معاوية، فجرف ما بين يدي معاوية، ثم مد
يده هاهنا وهاهنا، ورأى بين يدي معاوية ثريدة كثيرة السمن فجرها، فقال معاوية:
"أخرقتها لتغرق أهلها". فقال الأعرابي: لا، ولكن "سقناه إلى بلد ميت".
لما
بنى محمد بن عمران قصراً حيال قصر المأمون، قيل له: يا أمير المؤمنين، باراك
وباهاك. فدعاه وقال: لم بنيت هذا القصر حذائي? قال: يا أمير المؤمنين، أحببت أن ترى
أثر نعمتك عليّ، فجعلته نصب عينيك. فاستحسن جوابه، وأجزل عطيته.
قال رجل
لأبي عبيدة: أحب أن تخرج لي أيام عشيرتي - وكان دعيّا - فقال أبو عبيدة: مثلك مثل
رجل قال لآخر: اقرأ لي من: "قل هو الله أحد" عشرين آية. قال: لا، ولكنك تبغض العرب.
قال: وما عليك من ذاك?.
قال رجل لابنه، وكانت أمه سرية: يا ابن الأمة. قال:
هي عندي أحمد منك. قال: ولم? قال: لأنها ولدتني من حر، وولدتني من أمة.
قالت
عجوز: اللهم لا تمتني حتى تغفر لي. فقال زوجها: إذاً لا تموتين أبدا.
شاتم
أعرابي ابنه فنفاه وقال: لست بابني. فقال: والله لأنا أشبه بك منك بأبيك، ولأنت كنت
على أمي أغير من أبيك على أمك.
كان بعضهم يتقلد أعمال السلطان، فجاء أبوه
يوماً فسأله في أمر إنسان، فاشتد ذلك عليه وضجر منه، فقال لأبيه: أحب أن أسألك، إذا
جاءك إنسان وقال: كلم ابنك. تسبني وتقول: ليس ذلك بابني? فقال له: أنا أقول هذا منذ
ثلاثين سنة فلا يقبل مني.
بعث معن بن زائدة إلى ابن عياش المنتوف ألف دينار،
وكتب إليه: قد بعثت إليك ألف دينار، واشتريت بها دينك. فكتب إليه: وصل ما أنفذت وقد
بعتك بها ديني ما خلا التوحيد، لعلمي بقلة رغبتك فيه.
لما قدم معاوية حاجاً
في خمس وأربعين تلقته قريش بوادي القرى، وتلقته الأنصار بأجزاع المدينة، فقال: يا
معشر الأنصار، ما منعكم أن تتلقوني حيث تلقتني قريش? قالوا: لم يكن لنا دوابّ. قال:
فأين النواضح? قالوا: أنضيناها يوم بدر في طلب أبي سفيان.
قال بعضهم لشيطان
الطاق: أتحل المتعة? قال: نعم. قال: فزوجني أمك متعة. قال: يا أحمق إذا زوجتك لم
تكن متعة، أما المتعة إذا زجتك نفسها.
وكان أبو حنيفة وشيطان الطاق يمشيان
ذات يوم إذ سمعا رجلاً يقول: من يدلنا على صبي ذال? فقال شيطان الطاق: أما الصبي
فلا أدري، ولكن إن أردت أن أدلك على شيخ ضال فها هو. وأومأ إلى أبي
حنيفة.
لما أخذ محمد بن سليمان صالح بن عبد القدوس ليوجه به إلى المهدي،
قال: أطلقني حتى أفكر لك فيولد لك ذكر. قال: بل اصنع ما هو أنفع لك من أن يولد لي،
فكر حتى تفلت من يدي.
قال مروان بن الحكم لحبيش بن دلجة: أظنك أحمق. فقال:
أحمق ما يكون الشيخ إذا عمل بظنه.
قال بعضهم لأبي تمام: لم لا تقول ما يفهم?
فقال: لم لا تفهمون ما يقال.
قال معاوية: لو ولد أبو سفيان الناس كلهم كانوا
حلماء. فقال له أبو جهم بن حذيفة: قد ولدهم من هو خير من أبي سفيان، آدم عليه
السلام، فمنهم: الحليم والسفيه، والعاقل والأحمق، والصالح والطالح.
قال
الأشعث بن قيس الكندي لشريح القاضي: يا أبا أمية، عهدي بك وإن شأنك لشؤين. فقال: يا
أبا محمد أنت تعرف نعمة الله على غيرك وتجهلها في نفسك.
دخل رجل على داود
الطائي وهو يأكل خبزاً قد بله بالماء مع ملح جريش. فقال له: كيف تشتهي هذا? قال:
إذا لم أشتهه تركته حتى أشتهيه.
قال الرشيد: ما رأيت أزهد من الفضيل، فقال
الفضيل لما بلغه ذلك: هو أزهد مني؛ لأني أزهد في فان، وهو يزهد في باق.
ومر
عبد الله بن عامر بعامر بن عبد قيس وهو يأكل بقلاً بملح، فقال له: لقد رضيت
بالقليل. فقال: أرضى مني بالقليل من رضي بالدنيا.
نظر الفرزدق إلى شيخ من
اليمن فقال: كأنه عجوز سبأ. فقال له: عجوز سبأ خير من عجوز مضر، تلك. قالت: "رب إني
ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين". وهذه: "حمالة الحطب. في جيدها حبل من
مسد".
قال ابن ملجم - لعنه الله - لعلي رضي الله عنه لما ضربه بالسيف: إني
اشتريت سيفي هذا بألف وسممته بألف، وسألت الله أن يقتل به شر خلقه، فقال علي كرم
الله وجهه: قد أجاب الله دعوتك. يا حسن، إذا مت فاقتله بسيفه.
قدم مرزبان من
مرازبة فارس باب السلطان في أيام المهدي يشكو عاملهم، فقال لأبي عبيد الله الوزير:
أصلحك الله. إنك وليت علينا رجلاً، إن كنت وليته وأنت تعرفه، فما خلق الله رعية
أهون عليك منا، وإن كنت لم تعرفه، فما هذا جزاء الملك الذي ولاك أمره، وأقامك
مقامه. فدخل أبو عبيد الله على المهدي وأخبره، وخرج فقال: إن هذا رجل كان له علينا
حق فكافأناه. فقال له: أصلحك الله، إنه كان على باب كسرى ساجة منقوشة بالذهب مكتوب
عليها: العمل للكفاءة، وقضاء الحقوق على بيوت الأموال، فأمر المهدي بعزل
العامل.
وتظلم أهل الكوفة إلى المأمون من عامل ولاه عليهم، فقال: ما علمت في
عمالي أعدل ولا أقوم بأمر الرعية، وأعود بالرفق عليهم منه. فقام رجل من القوم،
فقال: يا أمير المؤمنين: ما أحد أولى بالعدل والإنصاف منك. فإذا كان عاملنا بهذه
الصفة فينبغي أن يعدل بولايته بين أهل البلدان، ويساوي به بين أهل الأمصار، حتى
يلحق كل بلد وأهله من عدله وإنصافه مثل الذي لحقنا. وإذا فعل ذلك أمير المؤمنين فلا
يصيبنا منه أكثر من ثلاث سنين. فضحك المأمون، وعزل العامل عنهم.
قال أحمد بن
أبي خالد يوماً لثمامة: أنا أعرف لكل واحد ممن في هذه الدار معنى غيرك، فإني لا
أعرف لك معنى، ولا أدري لماذا تصلح. فقال ثمامة: أنا أصلح أن أشاور في مثلك، هل
تصلح لموضعك. فأفحمه.
حمل بعض الصوفية طعاماً إلى طحان ليطحنه، فقال: أنا
مشغول. فقال: اطحنه وإلا دعوت عليك وعلى حمارك ورحاك. قال: وأنت مجاب الدعوة? قال:
نعم. قال: فادع الله أن يصير حنطتك دقيقاً، فهو أنفع لك، واسلم لدينك.
هجا
أبو الهول الحميري الفضل بن يحيى، ثم أتاه راغباً، فقال له الفضل: ويحك، بأي وجه
تلقاني? قال: بالوجه الذي ألقى به ربي جل جلاله، وذنوبي إليه أكثر. فضحك
ووصله.
قال الحجاج لسعيد بن جبير: اختر لنفسك أي قتلة شئت. قال: بل اختر
أنت؛ فإن القصاص أمامك.
جاء شيخ من بني عقيل إلى عمر بن هبيرة فمتّ بقرابته،
وسأله، فلم يعطه شيئاً. فعاد إليه بعد أيام فقال: أنا العقيلي الذي سألك منذ أيام.
قال عمر: وأنا الفزاري الذي منعك منذ أيام. فقال معذرة إلى الله، إني سألتك وأنا
أظنك يزيد بن هبيرة المحاربي، فقال: ذاك ألأم لك، وأهون بك علي، نشأ في قومك مثلي
ولم تعلم به، ومات مثل يزيد ولا تعلم به. يا حرسي اسفع يده.
قال عمر بن
الوليد للوليد بن يزيد: إنك لتعجب بالإماء. قال: وكيف لا أعجب بهن، وهن يأتين
بمثلك.
سئل بعض من كان أبوه متقدماً في العلم عن مسألة، فقال: لا أدري و"لا
أدري" نصف العلم. فقال له بعض من حضر: ولكن أباك بالنصف الآخر تقدم.
وقال
رجل لرجل قال: "لا أدري، ولا أدري، نصف العلم": نعم، ولكنه أخس
النصفين.
وقيل لآخر: ما تقول في كذا? فقال: "لا أدري، ولا أدري، نصف العلم".
فقيل له: قل ذلك دفعتين وهو العلم كله.
بعث الأفشين إلى ابن أبي دؤاد: ما
أحب أن تجيئني، فلا تأتني. فأجابه: ما أتيتك متعززاً بك من ذلة، ولا متكثراً بك من
قلة، ولكنك رجل رفعتك دولة، فإن جئتك فلها، وإن قعدت عنها فلك.
أتي معاوية
بسارق فأمر بقطعه، فخرجت إليه أمه وقالت: يا أمير المؤمنين، واحدي وكاسبي. فقال: يا
أمة الله، هذا حد من حدود الله. قالت: اجعله مع صفين ونظائرها. فعفا
عنه.
مشت قريش إلى أبي طالب بعمارة بن الوليد، فقالوا: ادفع إلينا محمداً
نقتله، وأمسك عمارة فاتخذه ولداً مكانه. فقال: ما أنصفتموني يا معشر قريش. أدفع
إليكم ابني تقتلونه، وأمسك ابنكم أغذوه لكم! كان ربيعة الرأي لا يكاد يسكت، وتكلم
يوماً وأكثر وأعجب بالذي كان منه؛ فالتفت إلى أعرابي كان عنده وسأل الأعرابي: ما
تعدون العي فيكم? قال: ما كنت فيه منذ اليوم.
دخل عبيد الله بن زياد بن
ظبيان على أبيه وهو يجود بنفسه، فقال له: ألا أوصي بك الأمير زياداً? قال: لا. قال:
ولم ذاك? قال: إذا لم يكن للحي إلا وصية الميت فالحي هو الميت.
كتب إبراهيم
بن سيابة إلى صديق له، كثير المال، يستسلف منه نفقة، فكتب إليه: العيال كثير،
والدخل قليل، والدين ثقيل، والمال مكذوب عليه. فكتب إليه إبراهيم: إن كنت كاذباً
فجعلك الله صادقاً، وإن كنت محجوجاً فجعلك الله معذوراً.
أدخل زفر بن الحارث
على عبد الملك بعد الصلح، فقال: ما بقي من حبك للضحاك?. قال: ما لا ينفعني ولا
يضرك. قال: شد ما أحببتموه معاشر قيس! قال: أحببناه، ولم نواسه، ولو كنا واسيناه
لقد كنا أدركنا ما فاتنا منه. قال: فما منعك من مواساته يوم المرج? قال: الذي منع
اباك من مواساة عثمان يوم الدار.
دخل الشعبي الحمام وفيه رجل متكشف، فغمض
عينيه، فقال له الرجل: يا شيخ، متى ذهبت عينك? فقال: منذ هتك الله سترك.
كتب
عمرو بن عبد العزيز إلى أبي مجاز، فقدم إليه من خراسان، ودخل مع الناس فلم يعرفه
عمر، وخرج فسأل عنه بعد ذلك فقيل له: قد كان دخل عليك، فدعا به وقال له: لم أعرفك.
فقال: يا أمير المؤمنين. إذا لم تعرفني، فهلا أنكرتني.
حلف رجل بالطلاق أن
الحجاج في النار. فقيل له: سل عن يمينك. فأتى أيوب السختياني فأخبره، فقال: لست
أفتي في هذا بشيء، يغفر الله لمن يشاء. فأتى عمرو بن عبيد فأخبره، فقال: تمسك
بأهلك، فإن الحجاج إن لم يكن من أهل النار فليس يضرك أن تزني.
كان الوليد بن
عبد الملك يلعب بالحمام؛ فخلا لذلك يوماً، واستؤذن لنوفل بن مساحق، فأذن له، فلما
دخل قال: خصصتك بالإذن دون الناس.
فقال: ما خصصتني ولكن خسستني، وكشفت لي عن
عورة من عوراتك.
قال موسى بن سعيد بن سلم: قال أبو الهذيل لأبي يوماً: إني
لا أجد في الغناء ما يجد الناس من الطرب! فقال له: فما أعرف إذاً في الغناء
ذنباً.
أتي ضرار المتكلم بمجوسي ليكلمه، فقال: أبو من? فقال المجوسي: نحن
أجل من أن نسب إلى أبنائنا، إنما ننسب إلى آبائنا، فأطرق ضرار ثم قال: أبناؤنا
أفعالنا، وآباؤنا أفعال غيرنا، ولأن ننسب إلى أفعالنا، أولى من أن ننسب إلى أفعال
غيرنا.
كان يناظر رجل يحيى بن أكثم، وكان يقول له في أثناء كلامه: يا أبا
زكريا. وكان يحيى يكنى بأبي محمد. فقال يحيى: لست بأبي زكريا. فقال الرجل: كل يحيى
كنيته أبو زكريا. فقال: العجب أنك تناظرني في إبطال القياس، وتكنيني
بالقياس.
لما عزل عثمان عمرو بن العاص، وولى عبد الله بن أبي السرح مكانه،
دخل عليه عمرو، فقال: أشعرت أن اللقاح بعدك درت ألبانها بمصر? فقال: نعم، ولكنكم
أعجفتم أولادها.
عرض على رجل ليشتريه، فقال: ما عندي ثمنه. فقال البائع: أنا
أؤخرك. فقال: بل أنا أؤخر نفسي.
سار الفضل بن الربيع إلى أبي عباد في نكبته
يسأله حاجة، فأرتج عليه، فقال له: يا أبا العباس، بهذا البيان خدمت خليفتين?! فقال:
إنا تعودنا أن نسأل ولا نسأل.
دخل أشعري على الرشيد وسأله فقال: احتكم. قال:
يحكّم بعد أبي موسى? فضحك وأعطاه.
دخل قيس بن عاصم على النبي صلى الله عليه
وسلم، فقال: إني وأدت اثنتي عشرة بنتاً في الجاهلية، فما اصنع? قال: اعتق عن كل
موءودة نسمة. فقال أبو بكر: ما الذي حملك على ذلك وأنت أكبر العرب? قال: مخافة أن
ينكحهن مثلك. فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: "هذا سيد أهل
الوبر".
سئل الشعبي عن شيء، فقال: لا أدري. فقيل له: أما تستحي أن تقول: لا
أدري وأنت فقيه العراق? قال: لكن الملائكة لم تستح إذ قالت: "سبحانك لا علم لنا إلا
ما علمتنا".
خطب أبو الهندي إلى رجل، فقال له: لو كنت مثل أبيك زوجتك. فقال
أبو الهندي: لو كنت مثل أبي ما خطبت إليك.
قال محمد بن عبد الملك لبعض
الكتاب: كلمت أمير المؤمنين في عمر بن فرج فعزله من الديوان. فقال له: فرغته لطلب
عيوبك.
جاور إبراهيم بن سيابة قوماً فأزعجوه من جوارهم، فقال: لم تخرجونني
من جواركم? فقالوا: لأنك مريب. فقال: ويحكم. ومن أذل من مريب، أو أحسن
جواراً?.
قيل لبعض الصوفية: أتبيع جبتك الصوف? قال: إذا باع الصياد شبكته
فبأي شيء يصطاد?.
قالوا: لما ضرب سعيد بن المسيب أقيم للناس، فمرت به أمة
لبعض المدينيين، فقالت: لقد أقمت مقام الخزي يا شيخ. فقال سعيد: من مقام الخزي
فررت.
سمعت الصاحب رحمه الله يقول: إن بعض ولد أبي موسى الأشعري عير بأنه
كان حجاماً، فقال: ما حجم قط غير النبي صلى الله عليه وسلم. فقيل له: كان ذلك الشيخ
أتقى لله من أن يتعلم الحجامة في عنق النبي صلى الله عليه وسلم. قال الصاحب: وأنا
أقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحزم من أن يمكن من حجامته من لم يحجم قط
أحداً.
أخذت الخوارج رجلاً فقالت له: ابرأ من عثمان وعلي. فقال: أنا من علي،
ومن عثمان برئ.
قال معاوية لرجل: أنت سيد قومك. قال: الدهر ألجأهم
إليّ.
قال ذو الرياستين لثمامة: ما أدري ما اصنع في كثرة طلاب الحوائج
وغاشية الباب!. فقال: زل عن مكانك وموضعك من السلطان، وعلى ألا يلقاك أحد منهم.
قال: صدقت. وقعد لهم، ونظر في أمورهم.
وقال بعضهم لسعيد بن العاص: عرضت لي
إليك حويجة. فقال: اطلب لها رجيلاً.
وبضد ذلك ما قاله ابن عباس، فإنه قال:
هاتها؛ فإن الحر لا يكبر عن صغير حاجة أخيه، ولا يصغر عن كبيرها.
دخل
الرقاشي على المعتصم في يوم مطير، فقرب مجلسه ورحب به. وقال له: أقم عندنا يومك
نشرب ونطرب. فقال: يا أمير المؤمنين، إني وجدت في الكتب السالفة: أن الله جل ذكره
لما خلق العقل قال له: أقبل. فأقبل، ثم قال له: أدبر. فأدبر، ثم قال له: وعزتي، ما
خلقت خلقاً أكرم منك عليّ، بك أعطي، وبك أمنع، وبك آخذ. فلو وجدت عقلاً يباع
لاشتريته، واضفته إلى عقلي. فكيف أشرب ما يزيل ما معي من العقل? قال المعتصم: عقلك
أوردك هذا المكان.
قيل لسعيد بن سلم: لم لا تشرب النبيذ? قال: تركت كثيره
لله وقليله للناس.
وقيل للعباس بن مرداس: لم تركت الشرب وهو يزيد في جرأتك
وسماحك? قال: أكره أن أصبح سيد قوم، وأمسي سفيههم.
خاصم رجل من ولد أبي لهب
آخر من ولد عمرو بن العاص، فعيره وعيره الآخر بسورة: تبّت. فقال اللهبي: لو علمت ما
لولد أبي لهب في هذه السورة لم تعبهم؛ لأن الله صحح نسبهم بقوله: "وامرأته حمالة
الحطب"؛ فبين أنهم من نكاح لا من سفاح، ونفى بني العاص بقوله: "زنيم" والزنيم:
المنتسب إلى غير أبيه.
قال يحيى بن أكثم لشيخ بالبصرة: بمن اقتديت في تحليل
المتعة? فقال: بعمر بن الخطاب، فإنه قال: إن الله ورسوله أحلا لكم متعتين، وأنا
أحرمهما عليكم وأعاقب. فقبلنا شهادته، ولم نقبل تحريمه.
أتى رجل أعور في
زمان عمر، فشهد أنه رأى الهلال. فقال عمر: بأي عينيك رأيت? قال: بشرهما، وهي
الباقية؛ لأن الأخرى ذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته. فأجاز
شهادته.
رأى مجوسي في مجلس الصاحب رحمه الله لهيب نار، فقال: ما أشرفه! فقال
الصاحب: ما أشرفه وقوداً، وأخسه معبوداً!.
صح عند بعض القضاة إعدام رجل
فأركبه حماراً ونودي عليه: هذا معدم، فلا يعاملنه أحد إلا بالنقد، فلما كان آخر
النهار نزل عن الحمار، فقال له المكاري: هات أجرتي. فقال: فيم كنا نحن منذ الغداة?
تقدم سقاء إلى فقيه على باب سلطان، فسأله عن مسألة، فقال: أهذا موضع المسألة? فقال
له: وهذا موضع الفقهاء? قال الأصمعي: ضرب أبو المخش الأعرابي غلماناً للمهدي.
فاستعدوا عليه، فأحضره وقال: اجترأت على غلماني فضربتهم. فقال: كلنا يا أمير
المؤمنين غلمانك ضرب بعضنا بعضاً. فخلى عنه.
اعترض رجل المأمون فقال: يا
أمير المؤمنين، أنا رجل من العرب. فقال: ما ذاك بعجب. قال: إني أريد الحج. قال:
الطريق أمامك نهج. قال: وليست لي نفقة. قال: قد سقط الفرض. قال: إني جئتك مستجدياً
لا مستفتياً. فضحك وأمر له بصلة.
قال بعضهم: ما قطعني إلا غلام قال لي: ما
تقول في معاوية? قلت: إني أقف فيه. قال: فما تقول في يزيد? قلت: ألعنه لعنه الله.
قال: فما تقول فيمن يحبه? قلت: ألعنه. قال: أفترى معاوية لا يحب يزيد ابنه!? قال
الحجاج لرجل: أنا أطول أم أنت? فقال: الأمير أطول عقلاً، وأنا أبسط
قامة.
قدم رجل من اليمامة فقيل له: ما أحسن ما رأيت بها? قال: خروجي منها
أحسن ما رأيت بها.
مدح رجل هشاماً فقال له: يا هذا، إنه قد نهي عن مدح الرجل
في وجهه فقال له: ما مدحتك، وإنما أذكرتك نعمة الله، لتجدد له شكراً.
عاتب
الفضل بن سهل الحسين بن مصعب في أمر ابنه طاهر، والتوائه وتلونه، فقال له الحسين:
أنا أيها الأمير شيخ في أيديكم، لا تذمون إخلاصي وتلونه، فقال له الحسين: أنا أيها
الأمير شيخ في أيديكم، لا تذمون إخلاصي ولا تنكرون نصيحتي، فأما طاهر فلي في أمره
جواب مختصر وفيه بعض الغلط، فإن أذنت ذكرته. قال: قل. قال: أيها الأمير، أخذت رجلاً
من عرض الأولياء فشققت صدره، وأخرجت قلبه، ثم جعلت فيه قلباً قتل به خليفة، وأعطيته
آلة ذلك من الرجال والأموال والعبيد، ثم تسومه بعد ذلك أن يذل لك، ويكون كما كان.
لا يتهيأ هذا إلا أن ترده إلى ما كان، ولا تقدر على ذلك. فسكت الفضل.
قال
عبد الملك لابن الحارث: بلغني أنكم من كندة. فقال: يا أمير المؤمنين، وأي خير فيمن
لا يدعى رغبة أو ينفى حسداً.
احتضر ابن أخ لأبي الأسود الدؤلي فقال: يا عم،
أموت والناس يحيون! قال: يابن أخي، كما حييت والناس يموتون.
قال عمرو بن
مسعدة لابن سماعة المعيطي: صف لي أصحابك. قال: ولا تغضب? قال: لا. قال: كانوا
يغارون على الإخوان، كما تغارون على القيان.
أمر يحيى بن أكثم برجل إلى
الحبس، فقال: إني معسر. فلم يلتفت إليه، فقال: من لعيالي? قال: الله لهم. فقال
الرجل: أراني الله عيالك وليس لهم أحد غير الله.
قال بعضهم لمجوسي: ما لك لا
تسلم? قال: حتى يشاء الله. قال: قد شاء، ولكن الشيطان لا يدعك. قال: فأنا مع
أقواهما.
ساير ابن لشبيب بن شيبة عليّ بن هشام، وعليّ على برذون له فاره،
فقال له: سر. فقال: وكيف أسير وأنت على برذون إن ضربته طار وإن تركته سار، وأنا على
برذون إن ضربته قطف، وإن تركته وقف. فدعا له ببرذزن وحمله عليه.
قال عبيد
الله بن زياد لمسلم بن عقيل: لأقتلنك قتلة تتحدث بها العرب. فقال: أشهد أنك لا تدع
سوء القتلة ولؤم المقدرة لأحد أولى بها منك.
قال مالك بن طوق للعتابي: سألت
فلاناً حاجة، فرأيتك قليلاً في كلامك. فقال: كيف لا اقل في كلامي، ومعي حيرة الطلب
وذل المسألة، وخوف الرد.? جلس معن بن زائدة يوماً يقسم سلاحاً في جيشه، فدفع إلى
رجل سيفاً رديئاً، فقال: اصلح الله الأمير، أعطني غيره. قال: خذه فإنه مأمور. فقال:
فإنه مما أمر به ألا يقطع شيئاً أبداً! فضحك معن وأعطاه غيره.
قال بنو تميم
لسلامة بن جندل: مجدنا بشعرك. قال: افعلوا حتى أقول.
أتى هشام برجل رمي
بجناية، فأقبل يحتج عن نفسه، فقال هشام: أو تتكلم أيضاً? فقال الرجل: إن الله تعالى
يقول: "يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها" أفتجادل الله جدالاً ولا نكلمك كلاماً?
قال: تكلم بما أحببت.
قال المأمون لابن الأكشف - وكان كثير الركوب للبحر -
ما أعجب ما رأيت في البحر? قال: سلامتي منه.
قيل لسعيد بن المسيب لما نزل
الماء في عينيه: اقدحهما حتى تبصر. فقال: إلى من?.
قال المنصور لرجل: ما
مالك? قال: ما يكف وجهي، ويعجز عن الصديق. قال له: لطفت في المسألة.
قال
المدائني: ورد على المنصور كتاب من مولى له بالبصرة أن سالماً ضربه بالسياط،
فاستشاط غضباً وقال: أعليّ يجترئ سالم? والله لأجعلنه نكالاً يتعظ به غيره. فأطرق
جلساؤه جميعاً، فرفع ابن عياش رأسه، وكان أجرأهم عليه، فقال: يا أمير المؤمنين، قد
رأينا من غضبك على سالم ما شغل قلوبنا، وإن سالماً لم يضرب مولاك بقوته ولا قوة
أبيه، ولكنك فقلدته سيفك، وأصعدته منبرك، فأراد مولاك أن يطامن منه ما رفعت، ويفسد
ما صنعت، فلم يحتمل له ذلك. يا أمير المؤمنين، إن غضب العربي في رأسه، فإذا غضب لم
يهدأ حتى يخرجه بلسان أو يد، وإن غضب النبطي في استه، فإذا خري ذهب عنه غضبه. فضحك
المنصور، وكف عن سالم.
رأى رجل رجلاً من ولد معاوية على بعير له، فقال: هذا
ما كنتم فيه من الدنيا. فقال: رحمك الله، ما فقدنا إلا الفضول.
دخل أبو بكر
الهجري على المنصور، فقال: يا أمير المؤمنين، نفض فمي وأنت أهل بيت بركة، فلو أذنت
لي فقبلت رأسك لعل الله يشدد لي منه. فقال أبو جعفر المنصور: اخترمنها ومن الجائزة.
فقال: يا أمير المؤمنين، أهون عليّ من ذهاب درهم من الجائزة ألا يبقى في فمي
حاكة.
قيل للشعبي: أكان الحجاج مؤمناً? قال: نعم بالطاغوت.
كتب الحسن
بن زيد إلى صاحب الزنج بالبصرة: عرفني نسبك. فأجابه: ليغنك من شأني ما عناني من
أمرك.
كتب صاحب البصرة إلى يعقوب بن الليث الصفار يستدعيه إلى مبايعته، فقال
لكاتبه: أجب عن كتابه. فقال: بماذا? قال: اكتب "قل يا أيها الكافرون. لا أعبد ما
تعبدون.." السورة.
قيل لأبي الهذيل: إن قوماً يلعنونك. قال: أرأيت إن أنا
تبعتهم هل يلعنني قوم آخرون? قال: نعم. قال: فأراني لا أتخلص من لعن طائفة، فدعني
مع الحق وأهله.
قال سعيد بن المسيب لعبد الملك - وقد خطب الناس فأبكاهم - يا
أمير المؤمنين، لئن أبكاهم قولك لما أرضاهم فعلك.
وقيل للأعمش: أنت تكثر
الشك. قال: تلك محاماة عن اليقين.
لما ولى أبو جعفر المنصور سليمان بن راشد
الموصل، ضم إليه ألف رجل من أهل خراسان وقال: قد ضممت إليك ألف شيطان. فلما دخل
الموصل عاثوا، وبلغ الخبر المنصور فكتب إليه: يا سليمان، كفرت بالنعمة. فكتب في
جوابه: "وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا".
قال معاوية لعمرو بن العاص:
ما بلغ من دهائك? قال: لم أدخل في أمر قط إلا خرجت منه. قال معاوية: لكنني لم أدخل
قط في أمر أردت الخروج منه.
قال الواثق لابن أبي دؤاد: كان عندي الساعة
الزيات، فذكرك بكل قبيح. فقال: الحمد لله الذي أحوجه إلى الكذب عليّ، ونزّهني عن
قول الحق فيه.
قال المتوكل للفتح بن خاقان، وقد خرج وصيف الخادم المعروف
بالصغير في أحسن زي: أتحبه? قال: إني لأحب من تحب، وأحب من يحبك، لا سيما مثل
هذا.
قال المأمون لثمامة: ارتفع. قال: يا أمير المؤمنين، لم يف شكري بموضعي
هذا، وأنا أبعد عنك بالإعظام لك، وأقرب منك شحاً عليك.
خلع الرشيد على يزيد
بن مزيد - وكان في مجلسه رجل من أهل اليمن - فقال ليزيد: اجرر ما لم يعرق فيه
جبينك. قال: صدقت. عليكم نسجه، وعلينا سحبه.
قال سهل بن هارون: أدخل على
الفضل بن سهل، ملك التبت وهو أسير، فقال: أما ترى الله قد أمكن منك بغير عهد ولا
عقد، فما شكرك إن صفحت عنك، ووهبت لك نفسك? قال: أجعل النفس التي أبقيتها بذلة لك
متى أردتها. قال الفضل: شكر والله. وكلم المأمون فيه فصفح عنه.
لما أخذ عبد
الحميد الربعي، وأتي به إلى المنصور، ومثل بين يديه قال: لا عذر فأعتذر، وقد أحاط
بي الذنب، وأنت أولى بما ترى. قال المنصور: إني لست أقتل أحداً من آل قحطبة، أهب
سيئهم لمحسنهم. قال: يا أمير المؤمنين: إن لم يكن فيّ مصطنع فلا حاجة بي إلى
الحياة، ولست أرضى أن أكون طليق شفيع وعتيق ابن عم.
قال الرشيد للجهجاه:
أزنديق أنت? قال: وكيف أكون زنديقاً وقد قرأت القرآن، وفرضت الفرائض، وفرقت بين
الحجة والشبهة? قال: تالله لأضربنك حتى تقر. قال: هذا خلاف ما أمر به الرسول صلى
الله عليه وسلم، أمرنا أن نضرب الناس حتى يقروا بالإيمان، وأنت تضربني حتى أقر
بالكفر.
قال عمر لعمرو بن معد يكرب: أخبرني عن السلاح. فقال: سل عما شئت
منه. قال: الرمح. قال: أخوك وربما خانك. قال: النبل. قال: منايا تخطئ وتصيب. قال:
الترس. قال: ذاك المجنّ، وعليه تدور الدوائر. قال: الدرع. قال: مشغلة للراجل متعبة
للفارس، وإنها لحصن حصين. قال: السيف. قال: ثم قارعتك أمك عن الهبل. قال: بل أمك.
قال: الحمّى أضرعتني لك.
قال عمر بن عبد العزيز لعبد الله بن مخزوم: إني
أخاف الله فيما تقلدت. قال: لست أخاف عليك أن تخاف، إنما أخاف ألا تخاف. قيل لرجل
من بني هاشم: من سيدكم? قال: كلنا سيد غيرنا، ومكان سيدنا لا يجهل.
شاور
المنصور سلم بن قتيبة في أمر أبي مسلم، فقال: إني مطلعك على أمر لم افض به إلى
غيرك، ولا أفضي به، فصحح رأيك، واجمع لفظك، وأظهر نصحك، واستره حتى أظهره أنا قد
عزمت على قتل عبد الرحمن، فما ترى? قال سلم: "لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا"
ونهض.
ويروى عنه الأصمعي أنه قال: هجم عليّ شهر رمضان وأنا بمكة، فخرجت إلى
الطائف لأصوم بها هرباً من حر مكة. فلقيني أعرابي فقلت: أين تريد? قال: أريد هذا
البلد المبارك؛ لأصوم فيه هذا الشهر المبارك. قلت: أما تخاف من الحر?! قال: من الحر
أفر.
وقال رجل للربيع بن خثيم وقد صلى ليلة حتى أصبح: أتعبت نفسك. فقال:
راحتها أطلب؛ إن أفره العبيد أكيسهم.
نظر رجل إلى روح بن حاتم بن قبيصة بن
المهلب واقفاً بباب المنصور في الشمس، فقال: قد طال وقوفك في الشمس. فقال روح:
ليطول وقوفي في الظل.
هاجى عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، عبد الرحمن بن الحكم
بن العاص، وتقاذفا. فكتب معاوية إلى مروان أن يؤدبهما، فضرب عبد الرحمن بن حسان
ثمانين، وضرب أخاه عشرين، فقيل لعبد الرحمن قد أمكنك في مروان ما تريد،فأشد بذكره
وارفعه إلى معاوية. فقال: إذاً والله لا أفعل، وقد حدني كما يحد الرجل الحر، وجعل
أخاه كنصف عبد! فأوجعه بهذا القول.
قال رجل لرجل سبه فلم يلتفت إليه: إياك
أعني. فقال: وعنك أعرض.
قال عمر لزياد لما عزله: كرهت أن أحمل على العامة
فضل عقلك. قال: فاحمل عنها من نفسك، فأنت أعقل.
قال المنصور لإسحاق بن مسلم
العقيلي: أفرطت في وفائك لبني أمية. فقال: من وفى لمن لا يرجى، كان لمن يرجى أوفى.
قال: صدقت.
مازح عبيد الله بن زياد حارثة بن بدر، فقال له: أنت شريف لو كانت
أمهاتك مثل آبائك. فقال: إن أحق الناس بألا يذكر الأمهات هو الأمير. فقال عبيد
الله: استرها عليّ، ولك عشرة آلاف درهم.
يقال: إن المكي دخل على المأمون،
وكان مفرط القبح والدمامة، فضحك المعتصم، فقال المكي: مم يضحك هذا? فوالله ما اصطفي
يوسف لجماله، وإنما اصطفي لبيانه. وقد نص الله على ذلك بقوله: "فلما كلمه قال إنك
اليوم لدينا مكين أمين" وبياني أحسن من وجه هذا.
قال معاوية لرجل من السمن:
ما كان أبين حمق قومك حين ملّكوا امرأة. فقال: كان قومك أشد حماقة إذ قالوا: "اللهم
إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء" هلاّ قالوا: فاهدنا له
وبه! قال زياد لأبي الأسود: لو أدركناك وفيك بقية. قال: أيها الأمير، إن كنت تريد
رأيي وعزمي فذاك عندي، وإن كنت تريدني للصراع فلا أصلح لذلك.
قال الأصمعي:
دخل درست بن رباط الفقيمي على بلال بن أبي بردة في الحبس، فعلم بلال أنه شامت،
فقال: ما يسرني بنصيبي من الكره حمر النعم. فقال درست: فقد أكثر الله لك
منه.
أدخل مالك بن أسماء سجن الكوفة، فجلس إلى رجل من بني مرة، فاتكأ على
المرّيّ يحدثه، وأكثر من ذكر نعمه، ثم قال: أتدري كم قتلنا منكم في الجاهلية? قال:
أما في الجاهلية فلا، ولكن أعرف من قتلتم منا في الإسلام. قال: من? قال: أنا.
قتلتني غمّاً.
دخل يزيد بن أبي مسلم على سليمان بن عبد الملك، فلما رآه -
وكان دميماً - قال: على رجل أجرّك رسنه وسلطك على المسلمين لعنه الله. قال: يا أمير
المؤمنين، رأيتني والأمر عني مدبر، ولو رأيتني والأمر عليّ مقبل لا استعظمت من أمري
ما استصغرت.
قال له سليمان: أترى الحجاج بلغ قعر جهنم? قال: يا أمير
المؤمنين، يجئ الحجاج يوم القيامة بين أبيك وأخيك، قابضاً على يمين أبيك وشمال
أخيك، فضعه من النار حيث شئت.
طاف رجل من بني تغلب بالبيت، وكان وسيماً
طويلاً جميلاً، فبصر به رجل من قريش كان حسوداً، فسأل عنه، فأخبر أنه رجل من بني
تغلب، فلما حاذاه، قال القرشي يسمعه: إنهما لرجلان قلما وطئتا البطحاء، فالتفت إليه
التغلبي فقال: يا هذا البطحاوات ثلاث؛ فبطحاء الجزيرة إلى التغلبي دونك، وبطحاء ذي
قار أنا أحق بها منك، وهذه البطحاء، سواء العاكف فيه والباد. قال: فتحير الرجل، فما
أفاض بكلمة.
حدث أن أبا الجهم العدوي وفد على معاوية، فبينا هو يوماً من
الأيام يأكل معه إذ قال له معاوية: اينا أسن يا أبا الجهم، أنا أو أنت? قال: كيف
تسألني في هذا، وقد أكلت في عرس لأمك قبل تزويجها بأبيك أبي سفيان? قال: أيهم هو?
فإنها كانت تستكرم الأزواج. قال: حفص ابن المغيرة. قال: ذاك سلالة قريش، ولكن احذر
السلطان يا أبا الجهم، يغضب غضب الصبي، ويثب وثوب الأسد. قال: فقال أبو الجهم:
إيهاً أراحنا الله منك يا معاوية. قال: فإلى من! إلى زهرة? فوالله ما عندهم فصل ولا
فضل، أم إلى بني هاشم? فوالله ما يرونكم إلا عبيداً لهم. ثم أمر له بمائة ألف درهم.
قال: فأخذها متسخطاً، وقال: رجل يأتي غير بلاده، ويعمل بغير رأي قومه فماذا يصنع?
ثم وفد على يزيد وشكا إليه ديناً كان عليه، فقال له يزيد: تلزمنا، مع قرابتك قربة،
ومع حقك حقوق، فاعذرنا. وأمر له بخمسين ألف درهم. قال: فقال ابن كليبة فماذا? ثم
دعاه عبد الله بن الزبير إلى نفسه، فوفد إليه أبو الجهم وشكا إليه ديناً، ووصف له
كثرة مئونته، فأمر له بألف درهم. فقال أبو الجهم: أحسن الله إمتاع قريش بك، وأحسن
عنّي جزاءك. ودعا له دعاء كثيراً.
فقال له عبد الله: يا أبا الجهم؛ أعطاك
معاوية مائة ألف درهم فسببته، وأعطاك يزيد خمسين ألفاً فشتمته، وأعطيتك ألف درهم
فدعوت لي وشكرت. قال: نعم فديتك، إذا كانت قريش تنقص هذا النقصان فليس يجئ بعدك إلا
خنزيراً.
قال بعضهم: دخلت دار المعتصم فرأيت إبراهيم بن المهدي جالساً في
بعض نواحي الدار، وإلى جانبه العباس بن المأمون. قال: فالتفت العباس إلى إبراهيم
وقد رأى في يده خاتماً فصه ياقوت أحمر عجيب. فقال له: يا عن، خاتمك هذا? قال: نعم،
هذا الخاتم الذي رهنته في خلافة أبيك، وافتككته في خلافة أمير المؤمنين أعزه الله.
فقال العباس: أنت إن لم تشكر أبي على حقنه دمك، لم تشكر عمي على افتكاك
خاتمك.
قالت ابنة النعمان بن بشير لزوجها روح بن زنباع: كيف تسود أنت من
جذام، وأنت جبان، وأنت غيور? قال: أما جذام فإني في أرومتها، وحسب الرجل أن يكون في
أرومة قومه. وأما الجبن فإنما لي نفس واحدة وأنا أحوطها، وأما الغيرة فأمر لا أحب
أن أشارك فيه، وإن الحر لحقيق بالغيرة إذا كانت في بيته ورهاء مثلك.
قال
الحجاج لرجل من ولد عبد الله بن مسعود: لم قرأ أبوك "تسع وتسعون نعجة. أنثى" ألا
يعلم الناس أن النعجة أنثى? قال: فقد قرأت أنت مثله "ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا
رجعتم، تلك عشرة كاملة". ألا يعلم الناس أن ثلاثة وسبعة عشرة? فما أحار الحجاج
جواباً.
قال عبد الله بن الزبير لعدي بن حاتم: يا عدي، متى ذهبت عينك? قال:
يوم قتل أبوك وضربت على قفاك مولّياً، وأنا يومئذ على الحق، وأنت على
الباطل.
وجّه معاوية رجلاً إلى ملك الروم ومعه كتاب، تصديره: إلى طاغية
الروم. فقال ملك الروم للرجل: مالذي الفخر بالرسالة، والمتسمى بخلافه النبوة والسفه
ما أظنكم وليتم هذا الأمر إلا بعد إعذار، ولو شئت كتبت: من ملك الروم إلى غاصب أهل
بيت نبيه، والعامل بما يكفره عليه كتابه، ولكني أتجالل عن ذلك.
قال معاوية
يوماً: الأرض لله، وأنا خليفته. ما أخذت فلي حلال، وما تركت للناس فلي عليهم فيه
منة. فقال صعصعة: ما أنت وأقصى الأمة فيه إلا سواء، ولكن من ملك استأثر، فغضب
معاوية وقال: لقد هممت… قال صعصعة: ما كل من هم فعل. قال: ومن يحول بيني وبين ذلك?
قال: الذي يحول بين المرء وقلبه.
طلب الحسن بن سهل رجلاً من أهل الأدب يؤدب
ولده. فجاءوه بمعاوية بن القاسم الأعمى، فقال له: ما اسمك? قال: أكنى أبا القاسم،
ولضرورة تكنيت؛ فقيل له : اسمه معاوية؛ فاستظرفه وأمره بلزوم داره.
فرض عبد
الله بن عامر لجماعة من بني وائل في شرف العطاء، وأمر لهم بجوائز، فقام رجل منهم،
فقال: أيها الأمير، أرأيت ما أمرت لنا به، أخصصتنا به أم تعم به أهل مصرنا? قال:
لا، بل خصصتكم به. قال: ولم? قال: لما بلغني من فضلكم. قال: إذاً لا نأخذ ثوابه
منك.
قال بعضهم: رأيت يحيى بن عبد الله بن الحسن قد أقبل على عمران بن فروة
الجعفري، فقال: يا أبا شهاب، ما تفعلون بالمولى فيكم? قال: ثلاثاً. قال: ما هن?
قال: لا يمسح لحيته، ولا يكتني بأبي فلان، ولا يشد حبوته وسط القوم، فقال له نعيم
بن عثمان: هذا لجفائكم وبعدكم من الله. فقال له: لو كنت والله يا أبا معاوية هناك
ما ساروا فيك إلا بسيرتهم في أخيك.
خاصم رجل رجلاً إلى سوار، فجعل أحدهما
يدخل في حجة صاحبه، وينهاه سوّار فلا ينتهي. فقال له: ألا تسكت عن خصمك يا ابن
اللخناء. فقال له الرجل: لا والله، ما لك أن تسبني وتذكر أمي. فقال له: ليس هذا
بشيء. اللخن قد يكون في السقاء. قال الرجل: فإن لم يكن فيه شيء فأشهدك أن خصمي ابن
اللخناء.
أرسل أبو جعفر المنصور إلى أصحابه: لا جزاكم الله خيراً، أبق غلامي
فلم تطلبوه، ولم تعلموني بهربه. ولا أعلمتموني قبل هربه أنكم تخافون ذلك منه. وأراد
أن يستنطقهم، فقال لهم ابن عياش المنتوف: وكلوني بجوابه. فقالوا له: أنت وذاك. فقال
للرسول: أتبلغه كما أبلغتنا? قال: نعم. قال: اقرأ على أمير المؤمنين السلام، وقل
له: إنك اخترتنا من عشائرنا وبلداننا، فظننا أنك أردتنا لأن نكون جلساءك، والمجيبين
للوفد إذا قدموا عليك، والخارجين لرتق الفتق إذا انفتق عليك، فأما إذ أردتنا لمن
يأبق من غلمانك فيربع غلامك يريد أن يأبق فاستوثق منه.
حج عبد الملك، ثم شخص
إلى الطائف فدخلها، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يسايره، فاعترض له
رجل من ولد أم الحكم من ثقيف، فقال: يا أمير المؤمنين، إن لنا قرابة وحقاً، وجواراً
وخلقاً، ونحن من إحدى القريتين اللتين ذكرهما الله في كتابه، والله لقد جاء الإسلام
وإن في ثقيف من قريش تسعين امرأة. قال: فتكاثر 1لك عبد الملك وقال: أكذلك يا أبا
بكر? فقال: صدق يا أمير المؤمنين، ولكن والله لا تجد فيهم امرأة من ولد المغيرة.
فقال الثقفي: صدق يا أمير المؤمنين، إنا والله نعرف قومنا، ونعتام في مناكحنا،
ونأتي الأودية من صدورها ولا نأتيها من أذنابها. والله ما أعطيتنا شيئاً إلا أخذنا
مثله، ولا مشينا حزناً إلا أسهلنا الهويني، فقال عبد الملك: قاتله الله ما
أسبه!.
شكا رجل إلى الشبلي كثرة العيال، فقال: ارجع إلى بيتك ومن لم يكن
منهم رزقه على الله فأخرجه من دارك.
باب آخر من الجوابات المسكتة
ما يجري مجرى الهزل
تعرّت الحضرمية يوماُ وزوجها ينظر إليها، فقالت:
ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت، فأشار إلى ركبها وقال: أرى هاهنا شيئاً من
فطور.
ضرط ابن لعبد الملك صغير في حجره فقال له: قم إلى الكنيف. قال له: أنا
فيه يا أبانا.
قال معاوية لعقيل: إن فيكم شبقاً يا بني هاشم. قال: هو منا في
الرجال ومنكم في النساء.
قال بعضهم لآخر: يا خائن. فقال: تقول لي ذلك وقد
ائتمنك الله على مقدار درهم من جسدك فلم تؤد الأمانة فيه.
دخل إبراهيم
الحراني الحمام، فرأى رجلاً عظيم الذكر، فقال: يا فتى، متاع البغل! قال: لا، بل
نحملك عليه. فلما خرج أرسل إليه بصلة وكسوة وقال لرسوله: قل له اكتم هذا الحديث
فإنه كان مزاحاً، فرده وقال: لو قبلت حملاننا لقبلنا صلتك.
قيل لرجل قدم من
الحج: كيف خلفت سعر النعال بمكة. تعريضاً له بالهدية، فقال: الفلعة بحمل ونبيجة
فاكهة.
شتم عيسى بن فرخانشاه رجلاً نصرانياً، فقال: يا ابن الزانية. فقال
له: أنت مسلم ولا اقدر على شتمك، ولكن أخوك يحيى بن فرخانشاه هو ابن
الزانية.
قال الفرزدق لزياد الأعجم: يا أقلف. فقال زياد: يا ابن النمامة أمك
أخبرتك بهذا.
قال رجل لأبي الأسود: كأن وجهك فقاح مجتمعة. قال: فهل ترى فقحة
أمك فيها?.
قال العطوي: قلت لجارية: اشتهي أن أقبلك. قالت: ولم? قلت: لأنك
زانية. قالت: وكل زانية تقبلها? قلت: نعم. قالت: فابدأ بمن تعول.
قال غلام
ثمامة لثمامة: قم صل واسترح. قال: أنا مستريح إن تركتني.
اشترى علي بن الجعد
جارية بثلاثمائة دينار، فقال له ابن قادم النحوي: أي شيء تصنع بهذه الجارية? فقال:
لو كان هذا شيئاً يجرب على الإخوان لجربناه عليك.
أشرف رجل على أبي الأسود
وهو مختضب عريان بين رجليه خرقة، فقال: يا أبا السود، ليت أيري في سرتك. قال:
أفتدري أين تكون فقحتك? فخجل الرجل وانصرف.
قال بعض الرؤساء لبعض الخلفاء:
أنا اشتهي أن أرى النساء كيف يتساحقن. قال: ادخل دارك قليلاً قليلاً.
وقال
آخر لبعض المجان: ما الدنيا إلا المجوس، يدخل الأب ف…ك، ويدخل الإبن ف…ك، فقال له:
اسكت، لا يسمع ذاك أهل دارك فيرتدوا.
سمع بعضهم رجلاً يقول: أبي كان لا يدخل
سكة إلا قام الناس له. فقال: نعم، صدقت، لأنه كان يتقدمه حمل شوك.
نظر أبو
الشمقمق إلى رجل يمازح غلاماً قد التحى، فقال: ما هذا? قال: نأكل التمر لأنه كان
رطباً. قال: فكل الخرى لأنه كان جوذاباً.
كان حماد الراوية يتهم بالزندقة
وكان يصحب ابن بيض، فدخلا يوماً على والي الكوفة، فقال لابن بيض: قد صالحت حماداً?
قال: نعم أيها الأمير، على ألا آمره بالصلاة، ولا ينهاني عنها.
وكان من
حمقاء قريش سليمان بن يزيد بن عبد الملك، وكان وضيئاً. قال يوماً لعن الله الوليد
أخي، فإنه كان فاجراً، والله لقد راودني عن نفسي. فقال له قائل: اسكت. فوالله إن
كان همّ لقد فعل.
أنشد حضري أعرابياً شعراً لنفسه، وقال: تراني مطبوعا? قال:
نعم على قلبك.
قال أبو عثمان: رأيت رجلاً من المنافقين كان أراد أن يكون على
جبهته سجادة فوضع عليها ثوماً وشده، فلما نام انقلبت السجادة، وصارت على الجانب
الأيمن، فسألته عن ذلك، فقال: ومن الناس من يعبد الله على حرف.
اعترض عمرو
بن الليث فارساً من جيشه، فكانت دابته بغاية الهزال. فقال له: يا هذا، تأخذ مالي
تنفقه على امرأتك وتسمنها، وتهزل دابتك التي عليها تحارب، وبها تأخذ الرزق، امض
لشأنك فليس لك عندي شيء. فقال الجندي: أيها الأمير، لو استعرضت امرأتي لاستسمنت
دابتي. فضحك عمرو، وأمر بإعطائه رزقه.
قيل للنتيف الأصبهاني: لم تنتف لحيتك?
فقال: وأنت فلم لا تنتفها? رأى ابن مكرم منجماً عند أبي العيناء، فقال: ما يصنع
هذا? قال: يعمل مولد ابني. قال فسله أولاً هل هو ابنك أم لا?.
سأل رجل آخر
عن درب الحمير، قال: ادخل أي درب شئت.
قال أبو بكر المقرئ: رأيت امرأة
منكشفة بباب المسجد، فقلت لها: أما تستحيين? قالت: ممن? استعار رجل من آخر حماراً
فأخرج إليه إكافاً وقال: اجعله على من شئت.
رجل بامرأة قد مات عنها خمسة
أزواج، فمرض السادس، فقالت: إلى من تكلني? فقال: إلى السابع الشقي.
ومات زوج
امرأة فراسلها في ذلك اليوم رجل يخطبها، فقالت: لو لم يسبقك غيرك لفعلت. فقال
الرجل: قد قلت لك إذا مات الثاني فلا تفوتيني.
كان ليهودي غلام فبعثه يوماً
ليحمل ناراً يطبخ بها قدراً، فأبطأ عليه ثم عاد بعد مدة وليس معه نار، فقال: أين
النار? قال: يا سيدي. قد جئتك بأحر من النار، هذا صاحب الجوالي بالباب يطالب
بالجزية.
غنّت قينة عند بعض الرؤساء فطرب وشق ثوبه، وقال لغلامه: شق ثوبك.
فقال: كيف أعمل وليس لي غيره? قال: أنا أكسوك غداً. فقال: وأنا أشقه
غداً.
أدخل رجل بغلة إلى سوق الدواب يبيعها فلقيه رجل فقال: بكم البغلة?.
قال بخمسمائة درهم. قال: لا بأربعمائة. قال صاحبها: زدني شيئاً آخر. قال: أزيدك
أ..ر حمار، فقال: اقعد أنت على سومك، فإن زادنا غيرك وإلا أنت أحق به.
كان
عفان بن مسلم يروي الحديث، فقال بعض من حضره: إن رأيت أن تزيد في صوتك فإن في سمعي
ثقلاً. قال: الثقل في كل شيء منك.
قال زيادي لرجل: يا ابن الزانية. قال:
أتسبني بشيء شرفت به?.
قال أبو موسى ابن المتوكل لرجل: لم انقطعت عنا?.
فقال: بيتك حر، ما خرج منه أحد فعاد إليه.
قال النخعي: ما رأيت أسرع جواباً
من نصراني رأيته بالرقة. فإني دخلت عليه في الحمام، وهو يصب عليه ماء فأطال ومنعني
الدنو من الحوض، فقلت وقد دخلني الغيظ: تنح ويلك فإنك بغيض. فترك ما كان فيه وقال
لي: قد فعلت، ولكن لا تفارقني حتى تقول لي من أين حكمت عليّ بأني بغيض! قال فقلت:
لأنك جعلت مع الله عز وجل شريكاً. فقال لي: أسرع من اللحظ: لا والله ما جعلت معه
شريكاً، فإن كنت فعلت، فخذ كتابي إليه بالانصراف الساعة. فأخجلني.
قيل
لبعضهم: زوجت أمك? فقال: نعم، حلالاً طيباً. فقال: أما حلال فنعم، وأما طيب
فلا.
قالت امرأة لرائض دواب: بئس الكسب كسبك، إنما كسبك باستك. فقال: ليس
بين ما أكتسب به وبين ما تكتسبين به إلا إصبعان.
قالت امرأة لزوجها: يا مفلس
يا قرنان. قال: إن كنت صادقة فواحدة منك وواحدة من الله.
قيل لبعض الظرفاء
من أهل العلم: أتكره السماع? قال: نعم، إذا لم يكن معه شرب.
كتب العباس بن
المأمون، في رقعة: أي دواة لم يلقها قلمه? وألقاها بين يدي يحيى بن أكثم، فقرأها
ووقع فيها: دواتك ودواة أبيك. فأقرأها العباس أباه المأمون، فقال: صدق يا بني، ولو
قال غير هذا لكانت الفضيحة.
كان ليعضهم ابن دميم فخطب له إلى قوم، فقال
الابن لأبيه يوماً: بلغني أن العروس عوراء، فقال الأب: يا بني، بودي أنها عمياء حتى
لا ترى سماجة وجهك.
سمع رجل به وجع الضرس آخر ينشد:
قضاها لغيري وابتلاني بحبها
فقال: والله لو
ابتلاك بوجع الضرس لم تفزع لهذا.
اعتلت امرأة ابن مضاء الرازي، فجعلت تقول
له: ويلك، كيف تعمل أنت إن مت أنا? وابن مضاء الرازي يقول: ويلك، أنا إن لم تموتي
كيف أعمل?.
قال عبادة يوماً لأبي حرملة المزين: خذ ذقني. قال: يا مخنث، أضع
يدي على وجهك وأنا أضعها على وجه أمير المؤمنين! فقال له: يا حجام أنت تضعها على
باب أستك كل يوم خمس مرات لا يجوز أن تضعها على وجهي?!.
قيل لبعضهم: غلامك
ساحر. قال: قولوا له يسحر لنفسه قباء وسراويل.
قال ابن مكرم لأبي العيناء:
بلغني أنك مأبون. قال: مكذوب عليّ وعليك.
نظر رئيس إلى أبي هفان وهو يسارّ
آخر، فقال: فيم تكذبان? قال: في مدحك.
وقيل لبعض ولد أبي لهب: العن معاوية.
فقال: ما أشغلني: "تبت".
كان لخازم بن خزيمة كاتب ظريف أديب وكان يتنادر
عليه، فقام يوماً من بين يديه، فقال له ابن خزيمة: إلى أين يا هامان? فقال: أبني لك
صرحاً.
قيل لرجل كانت امرأته تشارّه: أما أحد يصلح بينكما? قال: لا، قد مات
الذي كان يصلح بيننا. يعني ذكره.
قال بعضهم لصاحب له: متى عهدك بالن..ك?
قال: سل أمك فقد نسيت.
كان رجل يكثر الحلف بالطلاق، فعوتي في ذلك، فقال:
أحضروها فإن كانت تصلح لغير الطلاق فاقتلوني.
قيل لبعضهم وهو مقنع: إن لقمان
قال: إن القناع مذلة بالنهار معجزة بالليل. فقال: إن لقمان لم يكن عليه
دين.
حمل إلى معاوية مال من العراق، وعلى رأسه خصيّ يذب عنه، فقال: يا سيدي،
من لي بكف منه? فقال: ويحك، وما تصنع به? إنك إن مت وتركته كويت به يوم القيامة.
فقال: يا مولاي إن كان هذا حقاً فإن جلدك لا يشترى يوم القيامة بفلس.
وقف
رجل مفرط الطول على بعض العيارين وهو يبيه الرمان، فقال: هذا رمان صغير. فقال له
صاحب الرمان: لو نظرت أنا إليه حيث تنظر إليه أنت ما كان في عيني إلا
عفصاً.
قالت امرأة عقيل له: والله لا يجمع رأسي ورأسك وساد أبداً. فقال
عقيل: لكن أستاهنا تجتمع.
قال بعضهم: كنت نائماً على سطح لي، فسمعت في بعض
الليل كلام امرأة من وراء الحائط تقول لزوجها: أنا عريانة بجنبك، وأنت تجلد عميرة!
فقال لها: يا ويلك، إذا كان عميرة أفره منك كيف أعمل? قال الوليد بن يزيد لبديح: خذ
بنا في التمني فوالله لأغلبنك. قال: والله لا تغلبني أبدا! قال: بلى والله ما تتمنى
شيئاً إلا تمنيت ضعفيه. قال بديح: فإني أتمنى كفلين من العذاب، وأن الله يلعنني
لعناً كبيراً، فخذ ضعفي ذلك. قال: غلبتني لعنك الله.
كانت رقية بنت عبد الله
بن عمرو بن عثمان، وأمها فاطمة بنت الحسين عند هشام، وكان يحبها وتبغضه، فاعتلت
فجلس عند رأسها، فقال: ما تشتكين? قالت: بغضك. فسكت عنها ساعة، ثم قال لها: ما
تشتهين? قالت: فقدك.
كان بالبصرة رجل طبيب يقال له: حوصلة، وكان له جار يعشق
ابناً له، فوجّه حوصلة بابنه إلى بغداد في حاجة له، ولم يعلم جاره بذلك، فجاء ليلة
يطلبه، فصاح بالباب: أعطونا ناراً. فقال حوصلة: المقدحة ببغداد.
شكا رجل
جاريته إلى إبراهيم الحراني - وكان قبيحاً دميماً - فقال له إبراهيم: هل رأيت وجهك
في المرآة? قال: نعم. قال: أفرضيته لنفسك? قال: لا. قال: فكيف تلومها على كراهية ما
تكرهه لنفسك.
كان رجل دميم قبيح الخلقة قد رزق ابنين مليحين، فدخل يوماً إلى
بعض الأمراء وهما معه، فقال له: يا أبا فلان والدتهما حرة أم أمة? فقال: أيها
الأمير أفي الدنيا حرة تمكن نفسها من مثلي?!.
سمع رجل بعض الحمقى يقول:
اللهم لا تأخذنا على غفلة، فقال: إذاً لا يأخذك أبدا.
قال غلام لأبيه: يا
أبه. أخبرني مستملي أبي خيثمة: أن أبا خيثمة يستثقلني، فقال: يا بني، فأنت ثقيل
بإسناد.
كتب رجل إلى صديق له: وجه غليّ بدستيجة نبيذ، وغط رأسك من الحر، وسر
إلينا، فقال في الجواب: ولم لا أكشف رأسي في بيتي، واشرب الدستيجة
وحدي?.
قال بعض البصريين: كنا عند رجل ومعنا رجل من آل أبي معيط، وأبو صفوان
حاضر، فأتيا بفالوذجة حارة، فكاع القوم عنها لحرارتها، وأهوى إليها المعيطي، وجعل
يأكل، فقال أبو صفوان: انظروا إلى صبر آل أبي معيط على النار.
اتخذ ابن أخ
لإبراهيم بن العباس منجماً وطبيباً، فقال له إبراهيم: والله ما أعرف لك في السماء
نجماً ولا في الأرض طبعاً، فما تصنع بالطبيب والمنجم.
دخل بعض الولاة
والمتغلبين إلى بلد واستتر منه الوالي قبله، فطلبه، وأخذ أصحابه وطالبهم بالدلالة
عليه إلى أن أخذ وكيلاً له، فألح عليه إلحاحاً شديداً، فلما علم ذلك ووقف عليه لم
يلبث أن خرج الأول من الاستتار، ووجد أعواناً فقبض على الآخر وحبسه، وانتقل هو إلى
دار الإمارة، فجاء هذا الوكيل إلى الحبس، ودخل على المحبوس، وقال: كنت قد حلفتني أن
أدلك على موضع الأمير إذا عرفته، وقد عرفت ذلك، وهو في دار الإمارة في الإيوان،
فخذه إن أردت أخذه.
مدح رجل رجلاً عند الفضل بن الربيع، فقال له الفضل: يا
عدو الله؛ ألم تذكره عندي بكل قبيح?! قال: ذاك في السر. جعلت فداك.
تزوج
أعمى امرأة قبيحة، فقالت: رزقت أحسن الناس وأنت لا تدري! فقال: يا بظراء، فأين كان
البصراء عنك?!.
قال رجل لآخر أصلع: إن صلعتك هذه لمن نتن دماغك، فقال: لو
كان كذلك ما كان على حرأمك طاقة شعر.
دخل أبو العيناء إلى ابن مكرم، فقال
له: كيف أنت? قال أبو العيناء: كما تحب? قال: فلم أنت مطلق?.
أهدى رجل إلى
إسماعيل الأعرج فالوذجة زنخة، وكتب معها: إني اخترت لعملها جيّد السكر السوسي،
والعسل الماذي، والزعفران الأصبهاني، فأجابه: برئت من الله إن لم تكن عملت هذه
الفالوذجة قبل أن تمصر أصبهان، وقبل أن تفتح سوس، وقبل أن أوحى الله إلى
النحل.
قيل للنتيف الأصبهاني: ما بقي معك من آلة الجماع? قال:
البزاق.
قيل للجاحظ: لم هربت في نكبة ابن الزيات? قال: خفت أن أكون ثاني
اثنين إذ هما في التنور.
رمى المتوكل عصفوراً بالبندق فلم يصبه، فقال ابن
حمدون: أحسنت يا سيدي، فقال: هو ذا تهزأ بي، كيف أحسنت? قال: إلى
العصفور.
كان بعض الكتاب يكتب كتاباً وإلى جنبه رجل يتطلع في كتابه، فلما شق
عليه ذلك كتب في كتابه: ولولا ابن زانية أخو قحبة كان يتطلع في كتابي لأطلته وشرحت
فيه جميع ما في نفسي، فقال الرجل: يا سيدي والله ما كنت أتطلع في كتابك، فقال: يا
بغيض، فمن أين قرأت هذا الذي كتبته? قيل لأبي عروة الزبيري: أيسرك أنك قائد? فقال:
إي والله، ولو قائد عميان.
تجارى قوم في مجلس لهم حديث الكمال في الرجال،
ودخول النقصان عليهم للآفات، فقال بعضهم: من كان أعور فهو نصف رجل، ومن لن يحسن
السباحة فهو نصف رجل، ومن لم يكن متزوجاً فهو نصف رجل. وكان فيهم أعور، ولم يكن
يحسن السباحة ولا متزوجاً، فالتفت إلى ذلك الإنسان وقال له: إن كان عليّ ما تقول
فأنا أحتاج إلى نصف رجل حتى أكون لا شيء.
قال بعضهم: مررت بمنجم قد صلب،
فقلت له: هل رأيت في نجمك وحكمك هذا? قال: كنت رأيت رفعة، ولكن لم اعلم أنها فوق
خشبة.
قال بعضهم: نزلت بعض القرى، وخرجت في الليل لحاجة فإذا أنا بأعمى على
عاتقه جرة وفي يده سراج، فلم يزل يمشي حتى أتى النهر، وملأ الجرة وانصرف راجعاً،
فقلت له: يا هذا، أنت أعمى، والليل والنهار عليك سواء، فما معنى هذا السراج? قال:
يا فضولي، حملته معي لأعمى القلب مثلك يستضئ به، فلا يعثر بي في الظلمة فيقع عليّ
ويكسر جرتي.
صدم اعور في بعض الأسواق امرأة، فالتفتت إليه وقالت: أعمى الله
بصرك، فقال: يا ستي، قد استجاب الله نصف دعائك.
دخل إلى بعض العور رجل من
جيرانه - ومعه حمار - فقال: أيها الأستاذ اشتريت هذا الحمار فأحببت أن أتبرك بنظرك
إليه فكم يساوي عندك? فتأمله، ثم قال: يساوي خمسين درهماً. وكان الرجل قد اشتراه
بمائة درهم، فقال: لا إله إلا الله ما أخطأت بفلس، فإني اشتريته بمائة، وأنت رأيت
نصفه.
غنت مغنية بصوت فيه "الله يعلم.." فكررته مراراً، فقال ابن مكرم: أنك
بغيضة.
سئل رجل عن سن امرأته - وكانت قديمة الصحبة له - فقال: خذوا عيار
رأسها من لحيتي.
قال أبو حنيفة لشيطان الطاق: مات إمامك - يعني جعفر الصادق
عليه السلام - فقال له: لكن إمامك لا يموت إلى يوم الدين. يعني،
إبليس.
وناظره مرة في الطلاق، فقال له أبو حنيفة: أنتم معاشر الشيعة لا
تقدرون على أن تطلقوا نساءكم، فقال شيطان الطاق: نحن نقدر على أن نطلق على جميع من
خالفنا نساءهم. فكيف لا نقدر على ذلك في نسائنا? وإن شئت طلقت عليك امرأتك. قال أبو
حنيفة: افعل. قال: قد طلقتها بأمرك، فقد قلت لي: افعل.
قال بعض العلوية لأبي
العيناء: أتبغضني ولا تصح صلاتك إلا بالصلاة عليّ، إذا قلت: اللهم صل على محمد
وآله? فقال أبو العيناء: إذا قلت "الطيبين" خرجت منهم.
أتى قوم بعضهم
وقالوا: نحب أن تسلف فلاناً ألف درهم، وتؤخره سنة. فقال: هذه حاجتان ولكني سأقضي
لكم إحداهما، أما الألف فلا يسهل عليّ، ولكني أؤخره ما شاء الله.
وسأل بعض
الخلفاء من لا يستحق الولاية، فقال: ولني يا أمير المؤمنين أرمينية، فقال: يبطئ على
أمير المؤمنين خبرك.
كان لبعضهم ابن متحنف، فقال له يوماً: ما أطيب الثكل!
فقال الابن: أطيب منه والله يا أبي اليتم.
قال بعض القصاص - وهو يعظ:
آه..آه!! فقال بعض المجان: من تحتي? فقال القاص: ومعي ثلاثة. يريد: لحمل
نعشه.
قال رجل لحميد الطوسي - وكان عاتياً - رأيت في النوم كأن القيامة قد
قامت، وكأن الله قد دعا بك، وغفر لك، وأدخلك الجنة. فقال: إن كانت رؤياك حقاً
فالجور ثم أكثر من هاهنا.
مر الفرزدق وهو راكب بغلة فضربها فضرطت، فضحكت منه
امرأة فالتفت إليها وقال: ما يضحكك? فوالله ما حملتني أنثى قط إلا ضرطت، فقالت له
المرأة: فقد حملتك أمك تسعة أشهر يا ابن الضراطة.
قيل لمفلس: يا مربي. قال:
فأل حسن.
كتبهابلال عبد الهادي ، في 2 أيار 2011 الساعة: 19:44 م
قدم حماد بن جميل من فارس، فنظر إليه يزيد بن
المنجاب وعليه جباب وشي، فقال: "هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً
مذكوراً". فقال حماد: "كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم".
جاء رجل إلى عمر فقال: أعطني فقال: والله لا أعطيك. قال: والله لتعطيني. قال: ولم لا أبالك? قال: لأنه مال الله، وأنا من عيال الله. قال: صدقت.
قال الربيع يوماً بين يدي المهدي لشريك" بلغني أنك خنت أمير المؤمنين. فقال له شريك: مه، لا تقولن ذاك، لو فعلنا لأتاك نصيبك.
خطب رجل إلى عبد الله بن عباس يتيمة كانت في حجره، فقال له: لا أرضاها لك. قال: ولم ذاك? قال: لأنها تشرف وتنظر، وهي مع ذلك برية، فقال: إني لا أكره ذلك، فقال ابن عباس: أما الآن فإني لا أرضاك لها.
قال معاوية لعمرو بن سعيد: إلى من أوصى بك أبوك? فقال: إن أبي أوصى إليّ ولم يوص بي.
وقال عمرو بن العاص لعبد الله بن عباس: اسمع يا ابن أخي. فقال: كنت ابن أخيك. وأنا اليوم أخوك.
قال رجل من أهل الحجاز لابن شبرمة: من عندنا خرج العلم. قال: ثم لم يعد إليكم.
قال بلال بن أبي بردة للهيثم بن الأسود: أنا ابن أحذ الحكمين. فقال: أما أحدهما ففاسق، وأما الآخر فمائق فابن أيهما أنت?.
وقال رجل من ولد أبي موسى لشريك: هل كان علي رضي الله عنه يقنت في الفجر? فقال: نعم، ويلعن فيه أباك.
دخلت وفود على عمر بن عبد العزيز، فأراد فتى منهم الكلام، فقال عمر: ليتكلم أسنكم. فقال الفتى: يا أمير المؤمنين إن قريشاً لترى فيها من هو أسن منك. فقال: تكلم يا فتى.
لقي محمد بن أسباط عبد الله بن طاهر في جبة خز، فقال: يا أبا جعفر، ما خلفت للشتاء? قال: خلع الأمير.
قال ابن الزيات لبعض أولاد البرامكة: من أنت، ومن أبوك? قال: أبي الذي تعرفه، ومات وهو لا يعرفك.
كان لشيطان الطاق ابن محمق، فقال أبو حنيفة له: أنت من ابنك هذا في بستان. قال: هذا لو كان إليك.
دخل بعضهم على عبد الملك، فقال: الحمد لله الذي ردك على عقبيك. فقال: ومن رد إليك فقد رد على عقبيه، فسكت.
لما قال مسكين الدارمي:
قالت
امرأته: صدق؛ لأنها نار الجار وقدره.
قال الرشيد لإسماعيل بن صبيح: وددت أن لي حسن خطك. فقال: يا أمير المؤمنين، لو كان حسن الحظ مكرمة، لكان أولى الناس بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال عمر بن عبد العزيز لرجل: من سيد قومك? قال: أنا. قال: لو كنت سيدهم ما قلت.
وقال معاوية لعقيل ليلة الهرير: أنت معنا يا أبا يزيد? قال: ويوم بدر كنت معكم.
دخل شاب من بني هاشم على المنصور، فسأله عن وفاة أبيه، فقال: مرض رضي الله عنه يوم كذا، ومات رحمه الله يوم كذا، وترك رضي الله عنه من المال كذا؛ فانتهره الربيع وقال: بين يدي أمير المؤمنين توالى الدعاء لأبيك! فقال الشاب له: لا ألومك؛ لأنك لم تعرف حلاوة الآباء. قال: فما علمنا أن المنصور ضحك في مجلسه قط ضحكاً افترّ عن نواجذه إلا يومئذ.
قال بعضهم وقد باع ضيعة من آخر له: أما والله لقد أخذتها ثقيلة المئونة، قليلة المعونة. فقال: وأنت والله لقد أخذتها بطيئة الاجتماع، سريعة التفرق.
قال رجل لعمرو بن العاص: والله لأتفرّغنّ لك. فقال: هناك والله وقعت في الشغل.
قيل لأبي الأسود الدؤلي: أشهد معاوية بدراً? قال: نعم، من الجانب الآخر.
قال الحجاج لصالح بن عبد الرحمن الكاتب: إني فكرت فيك فوجدت مالك ودمك لي حراماً. قال: أشد ما في هذا أيها الأمير واحدة. قال: وما هي? قال: أن هذا بعد الفكرة. يريد: أن هذا مبلغ عقلك.
نظر ثابت بن عبد الله بن الزبير إلى أهل الشام فشتمهم، فقال له سعيد بن خالد بن عثمان بن عفان: إنما تنتقصهم لأنهم قتلوا أباك. قال: صدقت لقد قتلوا أبي، ولكن المهاجرين والأنصار قتلوا أباك.
خطب أبو الهندي - وهو خالد بن عبد القدوس بن شيث بن ربعي -، إلى رجل من بني تميم؛ فقال له: لو كنت مثل أبيك لزوجتك، فقال: أبو الهندي: لكن لو كنت مثل أبيك ما خطبت إليك.
ووقف عليه نصر بن سيار وهو سكران، فسبه، وقال له: ضيعت شرفك. فقال: لولا أني ضيعت شرفي لم تكن أنت والي خراسان.
جلس محمد بن عبد الملك يوماً للمظالم، وحضر في جملة الناس رجل زيه زي الكتاب، فجلس بإزائه، ومحمد ينفذ الكلام، وهو لا يتكلم. ومحمد يتأمله، فلما خف مجلسه قال له: ما حاجتك? قال: الساعة أذكرها. فلما خلا المجلس تقدم وقال: جئتك أصلحك الله متظلماً. قال: ممن? قال: منك. قال: مني? قال: نعم. ضيعة لي في يد وكيلك يحمل إليك غلتها ويحول بيني وبينها. قال: فما تريد? قال: تكتب بتسليمها إليّ. قال: هذا نحتاج فيه إلى شهود وبينة وأشياء كثيرة. قال الرجل: الشهود هم البينة و"أشياء كثيرة" عيّ منك. فخجل محمد وهاب الرجل، وكتب له بما أرضاه.
قال الحجاج ليحيى بن سعيد بن العاص: أخبرني عبد الله بن هلال صديق إبليس أنك تشبه إبليس. قال: وما ينكر الأمير أن يكون سيد الإنس يشبه سيد الجن.
لما هرب ابن هبيرة من خالد بن عبد الله القسري قال له: أبقت إباق العبد. فقال له: نعم حين نمت نومة الأمة عن عجينها.
دخل رجل من ولد قتيبة بن مسلم الحمام، وبشار بن برد في الحمام، فقال: يا أبا معاذ وددت أنك مفتوح العين. قال: ولم? قال: لترى استي فتعرف أنك قد كذت في شعرك حيث تقول:
قال: غلطت يا ابن
أخي. إنما قلت: على أستاه سادتهم، وليست منهم.
دخل إياس بن معاوية الشام وهو غلام، فقدم خصماً له - وكان شيخاً كبيراً - إلى قاضي عبد الملك، فقال له القاضي: أتقدم شيخاً كبيراً? قال: الحق أكبر منه. قال: اسكت. قال: فمن ينطق بحجتي? قال: لا أظنك تقول حقاً حتى تقوم. قال: لا إله إلا الله. فقام القاضي فدخل على عبد الملك من ساعته فأخبره بالخبر. فقال: اقض حاجنه الساعة، وأخرجه من الشام، لئلا يفسد علينا الناس.
ودخل عبيد الله بن زياد بن ظبيان - وكان أفتك الناس وأخطب الناس - على عبد الملك، فأراد أن يقعد معه على السرير، فقال له عبد الملك: ما بال الناس يزعمون أنك لا تشبه أباك? قال: والله لأنا أشبه بأبي من الليل بالليل، والغراب بالغراب، والماء بالماء، وإن شئت أنبأتك عمن لا يشبه أباه. قال: ومن ذلك? قال: من لم يولد لتمام، ولم تنضجه الأرحام، ومن لم يشبه الأخوال والأعمام. قال: ومن ذاك? قال: ابن عمي سويد بن منجوف. قال: أو كذلك أنت يا سويد? قال: نعم.
ولما خرجا من عنده أقبل سويد وقال: وريت بك زنادي. والله ما يسرني أنك كنت نقصته حرفاً وأن لي حمر النعم. قال: والله وأنا ما يسرني بحلمك اليوم عني سود النعم. وإنما أراد عبيد الله بذلك عبد الملك? فإنه كان ولد سبعة أشهر.
وعبيد الله هو الذي أتى باب مالك بن مسمع، ومعه نار ليحرق عليه داره، وقد كان نابه أمر فلم يرسل إليه قبل الناس، فأشرف عليه مالك، فقال: مهلاً يا أبا مطر. والله إن في كنانتي سهم أنا أوثق به مني بك. قال: وإنك لعدّني في كنانتك، فوالله أو لو قمت فيها لطلتها، ولو قعدت فيها لخرقتها. قال: مهلا، أكثر الله في العشيرة مثلك. قال: لقد سألت ربك شططاً.
قال رجل لرقبة بن مصقلة: ما أكثرك في كل طريق!. فقال له: لم تستكثر مني ما تستقله من نفسك? هل لقيتني في طريق إلا وأنت فيه? ولما دخل إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة البصرة قال: هممت أن أؤدب من خالف أبا حنيفة في مسألة. قال له قائل: هل كان أبو حنيفة يؤدب من خالفه? قال: لا. قيل له، فأدّب نفسك فقد خالفته.
حدث بعضهم قال: خرجت في حاجة فلما كنت بالسيالة وقفت على باب ابن هرمة فصحت: يا أبا إسحاق، فأجابتني ابنته قالت: خرج آنفاً. قال: فقلت: هل من قرىً، فإني مقو من الزاد. قالت: لا والله. قلت: فأين قول أبيك:
قالت: فذاك
أفناها.
قال المهدي يوماً لشريك، وعيسى بن موسى عنده: لو شهد عندك عيسى كنت تقبله? وأراد أن يغرى بينهما. فقال شريك: من شهد عندي سألت عنه، ولا يسأل عن عيسى غير أمير المؤمنين، فإن زكيته قبلته. فقبلها عليه.
قيل لسعيد بن المسيب وقد كف: ألا تقدح عينك. قال: حتى أفتحها على من? قال مروان يوم الزاب لحاجبه وقد ولى منهزماً: كر عليهم بالسيف. فقال: لا طاقة لي بهم. فقال: والله لئن لم تفعل بهم لأسوءنك. قال: وددت أنك تقدر على ذلك.
ركب الرشيد وجعفر بن يحيى يسايره، وقد بعث عليّ بن عيسى بهدايا خراسان بعد ولاية الفضل بن يحيى، فقال الرشيد لجعفر: أين كان هذا في أيام أخيك? قال: في منازل أهله.
قال بحيرا الراهب لأبي طالب: احذر على ابن أخيك، فإنه سيصير إلى كذا وكذا. قال: إن كان الأمر كما وصفت فإنه في حصن من الله.
قال رجل مطعون النسب لأبي عبيدة لما عمل كتاب المثالب: سببت العرب جميعاً. قال: وما يضرك? أنت خارج من ذلك.
قيل لإياس بن معاوية: إنك لتعجب برأيك. قال: لو لم أعجب به لم أقض به.
قال رجل لعامر بن الطفيل: استأسر. قال: بيت أمك لا يسعني.
قال الرشيد ليزيد بن مزيد في لعب الصوالجة: كن مع عيسى بن جعفر. فأبى، فغضب الرشيد وقال: أتأنف أن تكون معه? قال: قد حلفت لأمير المؤمنين ألا أكون عليه في جد ولا هزل.
دخل الحجاج دار عبد الملك، فقال له خالد بن يزيد: ما هذا السيف، وإلى متى هذا القتل? قال: ما دام بالعراق رجل يشهد أن أباك كان يشرب الخمر.
قيل لأبي عبيدة: "الأصمعي دعيّ". قال: ليس في الدنيا أحد يدعي إلى أصمع.
وقع في بعض الثغور نفير؛ فخرج رجل، ومعه قوس بلا نشاب، فقيل له: أين الشباب? قال: يجئ الساعة إلينا جزاءً من عند العدو. قالوا: فإن لم يجئ? قال: إن لم يجئ لم تكن بيننا وبينهم حرب.
قال رجل لهشام بن الحكم أليس اختصم العباس وعليّ إلى عمر? قال: بلى. قال: فأيهما كان الظالم? قال: ليس فيهما ظالم. قال: يا سبحان الله، كيف يتخاصم اثنان وليس فيهما ظالم? قال: كما تخاصم الملكان إلى داود عليه السلام وليس فيهما ظالم.
قال رجل لشريك: أخبرني عن قول عليّ رضي الله عنه لابنه الحسن: ليت أباك مات قبل هذا اليوم بعشرين سنة. أقاله وهو شاكّ في أمره? قال: له شريك: أخبرني عن قول مريم: "يا ليتني مت قبل هذا". أقالته وهي شاكة في عفتها? فسكت الرجل.
استأذن أبو سفيان على عثمان رضي الله عنه فحجبه، فقيل له: حجبك أمير المؤمنين. فقال: لا عدمت من قومي من إذا شاء حجبني.
دخل الوليد بن يزيد على هشام، وعلى الوليد عمامة وشي، فقال هشام: بكم أخذت عمامتك? قال: بألف درهم. فقال هشام: عمامة بألف? - يستكثر ذلك - فقال الوليد: يا أمير المؤمنين إنها لأكرم أطرافي. وقد اشتريت أنت جارية بعشرة آلاف درهم لأخس أطرافك.
بات المفضل الضبي عند المهدي. فلم يزل يحدثه وينشده حتى جرى ذكر حماد الراوية، فقال له المهدي: ما فعل عياله? ومن أين يعيشون? قال: من ليلة مثل هذه كانت له مع الوليد بن يزيد.
لما قال أبو العتاهية:
قيل له:
بخلت الناس كلهم. قال: فأكذبوني بواحد.
دعا أبو جعفر المنصور أبا حنيفة إلى القضاء. فأبى، فحبسه، ثم دعا به، فقال له: أترغب عما نحن فيه? فقال: أصلح الله أمير المؤمنين، لا أصلح للقضاء. فقال: كذبت. فقال أبو حنيفة: قد حكم عليّ أمير المؤمنين أني لا أصلح للقضاء، لأنه نسبني إلى الكذب، فإن كنت كاذباً فأنا لا أصلح، وإن كنت صادقاً، فإني قد صدقت عن نفسي أني لا أصلح. فرده إلى الحبس.
قال الحسن بن سهل: ما نكأ قلبي كقول خاطبني به أعرابي يحج يوماً بالعرب، فقلت له: رأيت منازلكم وخيامكم تلك الصغار، فقال لي بالعجلة: فهل رأيت فيها من ينكح أمه أو أخته? قال رجل لآخر: ألا تستحيي من إعطاء القليل? فقال: الحرمان أقل منه.
شكا يزيد بن أسيد إلى المنصور ما ناله من العباس بن محمد أخيه، فقال المنصور: اجمع إحساني إليك وإساءة أخي، فإنهما يعتدلان. قال: إذا كان إحسانكم إلينا لإساءتكم. كانت الطاعة منا تفضلا.
كتب ملك الروم إلى ملك فارس: كل شيء تقوله كذب. فكتب إليه: صدقت. أي أني في تصديقك كاذب.
قال بعضهم: التقى رجلان في بعض بلاد الهند، فقال أحدهما للآخر - وكان غريباً -: ما أقدمك بلادنا? فقال: قدمت أطلب علم الوهم. قال: فتوهم أنك قد أصبته، وانصرف. فأفحمه.
قال رجل لسليمان الشاذكوني: أرانيك الله يا أبا أيوب على قضاء أصبهان. فقال له سليمان: إن كان ولا بد فعلى خراجها، فإن أخذ مال الأغنياء أسهل من أخذ أموال اليتامى.
قال رجل من ولد عيسى بن موسى لشريك بن عبد الله حين عزل عن القضاء: يا أبا عبد الله، هل رأيت قاضياً عزل? قال: نعم، وولى عهد خلع.
قال مصعب بن الزبير لسكينة بنت الحسين: أنت مثل البغلة لا تلدين. قالت: لا والله، ولكن أبي كرمي أن يقبل لؤمك.
قال رجل لآخر: إن قلت كلمة سمعت عشراً. فقال له: لو قلت عشراً. ما سمعت كلمة.
قال محمد بن مسعر: كنت أنا ويحيى بن أكثم عند سفيان، فبكى سفيان. فقال له يحيى: ما يبكيك يا أبا محمد? فقال له: بعد مجالستي أصحاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بليت بمجالستكم. فقال يحيى - وكان حدثاً -: فمصيبة أصحاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجالستك إياهم بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من مصيبتك. فقال: يا غلام، أظن السلطان سيحتاج إليك.
دعا الحجاج رجلاً ليوجهه إلى محاربة عدو، فقال له: أعندك خير? قال: لا، ولكن عندي شر. قال: هذا هو الذي أريدك له، امض لوجهك.
أكل أعرابي من بني عذرة مع معاوية، فجرف ما بين يدي معاوية، ثم مد يده هاهنا وهاهنا، ورأى بين يدي معاوية ثريدة كثيرة السمن فجرها، فقال معاوية: "أخرقتها لتغرق أهلها". فقال الأعرابي: لا، ولكن "سقناه إلى بلد ميت".
لما بنى محمد بن عمران قصراً حيال قصر المأمون، قيل له: يا أمير المؤمنين، باراك وباهاك. فدعاه وقال: لم بنيت هذا القصر حذائي? قال: يا أمير المؤمنين، أحببت أن ترى أثر نعمتك عليّ، فجعلته نصب عينيك. فاستحسن جوابه، وأجزل عطيته.
قال رجل لأبي عبيدة: أحب أن تخرج لي أيام عشيرتي - وكان دعيّا - فقال أبو عبيدة: مثلك مثل رجل قال لآخر: اقرأ لي من: "قل هو الله أحد" عشرين آية. قال: لا، ولكنك تبغض العرب. قال: وما عليك من ذاك?.
قال رجل لابنه، وكانت أمه سرية: يا ابن الأمة. قال: هي عندي أحمد منك. قال: ولم? قال: لأنها ولدتني من حر، وولدتني من أمة.
قالت عجوز: اللهم لا تمتني حتى تغفر لي. فقال زوجها: إذاً لا تموتين أبدا.
شاتم أعرابي ابنه فنفاه وقال: لست بابني. فقال: والله لأنا أشبه بك منك بأبيك، ولأنت كنت على أمي أغير من أبيك على أمك.
كان بعضهم يتقلد أعمال السلطان، فجاء أبوه يوماً فسأله في أمر إنسان، فاشتد ذلك عليه وضجر منه، فقال لأبيه: أحب أن أسألك، إذا جاءك إنسان وقال: كلم ابنك. تسبني وتقول: ليس ذلك بابني? فقال له: أنا أقول هذا منذ ثلاثين سنة فلا يقبل مني.
بعث معن بن زائدة إلى ابن عياش المنتوف ألف دينار، وكتب إليه: قد بعثت إليك ألف دينار، واشتريت بها دينك. فكتب إليه: وصل ما أنفذت وقد بعتك بها ديني ما خلا التوحيد، لعلمي بقلة رغبتك فيه.
لما قدم معاوية حاجاً في خمس وأربعين تلقته قريش بوادي القرى، وتلقته الأنصار بأجزاع المدينة، فقال: يا معشر الأنصار، ما منعكم أن تتلقوني حيث تلقتني قريش? قالوا: لم يكن لنا دوابّ. قال: فأين النواضح? قالوا: أنضيناها يوم بدر في طلب أبي سفيان.
قال بعضهم لشيطان الطاق: أتحل المتعة? قال: نعم. قال: فزوجني أمك متعة. قال: يا أحمق إذا زوجتك لم تكن متعة، أما المتعة إذا زجتك نفسها.
وكان أبو حنيفة وشيطان الطاق يمشيان ذات يوم إذ سمعا رجلاً يقول: من يدلنا على صبي ذال? فقال شيطان الطاق: أما الصبي فلا أدري، ولكن إن أردت أن أدلك على شيخ ضال فها هو. وأومأ إلى أبي حنيفة.
لما أخذ محمد بن سليمان صالح بن عبد القدوس ليوجه به إلى المهدي، قال: أطلقني حتى أفكر لك فيولد لك ذكر. قال: بل اصنع ما هو أنفع لك من أن يولد لي، فكر حتى تفلت من يدي.
قال مروان بن الحكم لحبيش بن دلجة: أظنك أحمق. فقال: أحمق ما يكون الشيخ إذا عمل بظنه.
قال بعضهم لأبي تمام: لم لا تقول ما يفهم? فقال: لم لا تفهمون ما يقال.
قال معاوية: لو ولد أبو سفيان الناس كلهم كانوا حلماء. فقال له أبو جهم بن حذيفة: قد ولدهم من هو خير من أبي سفيان، آدم عليه السلام، فمنهم: الحليم والسفيه، والعاقل والأحمق، والصالح والطالح.
قال الأشعث بن قيس الكندي لشريح القاضي: يا أبا أمية، عهدي بك وإن شأنك لشؤين. فقال: يا أبا محمد أنت تعرف نعمة الله على غيرك وتجهلها في نفسك.
دخل رجل على داود الطائي وهو يأكل خبزاً قد بله بالماء مع ملح جريش. فقال له: كيف تشتهي هذا? قال: إذا لم أشتهه تركته حتى أشتهيه.
قال الرشيد: ما رأيت أزهد من الفضيل، فقال الفضيل لما بلغه ذلك: هو أزهد مني؛ لأني أزهد في فان، وهو يزهد في باق.
ومر عبد الله بن عامر بعامر بن عبد قيس وهو يأكل بقلاً بملح، فقال له: لقد رضيت بالقليل. فقال: أرضى مني بالقليل من رضي بالدنيا.
نظر الفرزدق إلى شيخ من اليمن فقال: كأنه عجوز سبأ. فقال له: عجوز سبأ خير من عجوز مضر، تلك. قالت: "رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين". وهذه: "حمالة الحطب. في جيدها حبل من مسد".
قال ابن ملجم - لعنه الله - لعلي رضي الله عنه لما ضربه بالسيف: إني اشتريت سيفي هذا بألف وسممته بألف، وسألت الله أن يقتل به شر خلقه، فقال علي كرم الله وجهه: قد أجاب الله دعوتك. يا حسن، إذا مت فاقتله بسيفه.
قدم مرزبان من مرازبة فارس باب السلطان في أيام المهدي يشكو عاملهم، فقال لأبي عبيد الله الوزير: أصلحك الله. إنك وليت علينا رجلاً، إن كنت وليته وأنت تعرفه، فما خلق الله رعية أهون عليك منا، وإن كنت لم تعرفه، فما هذا جزاء الملك الذي ولاك أمره، وأقامك مقامه. فدخل أبو عبيد الله على المهدي وأخبره، وخرج فقال: إن هذا رجل كان له علينا حق فكافأناه. فقال له: أصلحك الله، إنه كان على باب كسرى ساجة منقوشة بالذهب مكتوب عليها: العمل للكفاءة، وقضاء الحقوق على بيوت الأموال، فأمر المهدي بعزل العامل.
وتظلم أهل الكوفة إلى المأمون من عامل ولاه عليهم، فقال: ما علمت في عمالي أعدل ولا أقوم بأمر الرعية، وأعود بالرفق عليهم منه. فقام رجل من القوم، فقال: يا أمير المؤمنين: ما أحد أولى بالعدل والإنصاف منك. فإذا كان عاملنا بهذه الصفة فينبغي أن يعدل بولايته بين أهل البلدان، ويساوي به بين أهل الأمصار، حتى يلحق كل بلد وأهله من عدله وإنصافه مثل الذي لحقنا. وإذا فعل ذلك أمير المؤمنين فلا يصيبنا منه أكثر من ثلاث سنين. فضحك المأمون، وعزل العامل عنهم.
قال أحمد بن أبي خالد يوماً لثمامة: أنا أعرف لكل واحد ممن في هذه الدار معنى غيرك، فإني لا أعرف لك معنى، ولا أدري لماذا تصلح. فقال ثمامة: أنا أصلح أن أشاور في مثلك، هل تصلح لموضعك. فأفحمه.
حمل بعض الصوفية طعاماً إلى طحان ليطحنه، فقال: أنا مشغول. فقال: اطحنه وإلا دعوت عليك وعلى حمارك ورحاك. قال: وأنت مجاب الدعوة? قال: نعم. قال: فادع الله أن يصير حنطتك دقيقاً، فهو أنفع لك، واسلم لدينك.
هجا أبو الهول الحميري الفضل بن يحيى، ثم أتاه راغباً، فقال له الفضل: ويحك، بأي وجه تلقاني? قال: بالوجه الذي ألقى به ربي جل جلاله، وذنوبي إليه أكثر. فضحك ووصله.
قال الحجاج لسعيد بن جبير: اختر لنفسك أي قتلة شئت. قال: بل اختر أنت؛ فإن القصاص أمامك.
جاء شيخ من بني عقيل إلى عمر بن هبيرة فمتّ بقرابته، وسأله، فلم يعطه شيئاً. فعاد إليه بعد أيام فقال: أنا العقيلي الذي سألك منذ أيام. قال عمر: وأنا الفزاري الذي منعك منذ أيام. فقال معذرة إلى الله، إني سألتك وأنا أظنك يزيد بن هبيرة المحاربي، فقال: ذاك ألأم لك، وأهون بك علي، نشأ في قومك مثلي ولم تعلم به، ومات مثل يزيد ولا تعلم به. يا حرسي اسفع يده.
قال عمر بن الوليد للوليد بن يزيد: إنك لتعجب بالإماء. قال: وكيف لا أعجب بهن، وهن يأتين بمثلك.
سئل بعض من كان أبوه متقدماً في العلم عن مسألة، فقال: لا أدري و"لا أدري" نصف العلم. فقال له بعض من حضر: ولكن أباك بالنصف الآخر تقدم.
وقال رجل لرجل قال: "لا أدري، ولا أدري، نصف العلم": نعم، ولكنه أخس النصفين.
وقيل لآخر: ما تقول في كذا? فقال: "لا أدري، ولا أدري، نصف العلم". فقيل له: قل ذلك دفعتين وهو العلم كله.
بعث الأفشين إلى ابن أبي دؤاد: ما أحب أن تجيئني، فلا تأتني. فأجابه: ما أتيتك متعززاً بك من ذلة، ولا متكثراً بك من قلة، ولكنك رجل رفعتك دولة، فإن جئتك فلها، وإن قعدت عنها فلك.
أتي معاوية بسارق فأمر بقطعه، فخرجت إليه أمه وقالت: يا أمير المؤمنين، واحدي وكاسبي. فقال: يا أمة الله، هذا حد من حدود الله. قالت: اجعله مع صفين ونظائرها. فعفا عنه.
مشت قريش إلى أبي طالب بعمارة بن الوليد، فقالوا: ادفع إلينا محمداً نقتله، وأمسك عمارة فاتخذه ولداً مكانه. فقال: ما أنصفتموني يا معشر قريش. أدفع إليكم ابني تقتلونه، وأمسك ابنكم أغذوه لكم! كان ربيعة الرأي لا يكاد يسكت، وتكلم يوماً وأكثر وأعجب بالذي كان منه؛ فالتفت إلى أعرابي كان عنده وسأل الأعرابي: ما تعدون العي فيكم? قال: ما كنت فيه منذ اليوم.
دخل عبيد الله بن زياد بن ظبيان على أبيه وهو يجود بنفسه، فقال له: ألا أوصي بك الأمير زياداً? قال: لا. قال: ولم ذاك? قال: إذا لم يكن للحي إلا وصية الميت فالحي هو الميت.
كتب إبراهيم بن سيابة إلى صديق له، كثير المال، يستسلف منه نفقة، فكتب إليه: العيال كثير، والدخل قليل، والدين ثقيل، والمال مكذوب عليه. فكتب إليه إبراهيم: إن كنت كاذباً فجعلك الله صادقاً، وإن كنت محجوجاً فجعلك الله معذوراً.
أدخل زفر بن الحارث على عبد الملك بعد الصلح، فقال: ما بقي من حبك للضحاك?. قال: ما لا ينفعني ولا يضرك. قال: شد ما أحببتموه معاشر قيس! قال: أحببناه، ولم نواسه، ولو كنا واسيناه لقد كنا أدركنا ما فاتنا منه. قال: فما منعك من مواساته يوم المرج? قال: الذي منع اباك من مواساة عثمان يوم الدار.
دخل الشعبي الحمام وفيه رجل متكشف، فغمض عينيه، فقال له الرجل: يا شيخ، متى ذهبت عينك? فقال: منذ هتك الله سترك.
كتب عمرو بن عبد العزيز إلى أبي مجاز، فقدم إليه من خراسان، ودخل مع الناس فلم يعرفه عمر، وخرج فسأل عنه بعد ذلك فقيل له: قد كان دخل عليك، فدعا به وقال له: لم أعرفك. فقال: يا أمير المؤمنين. إذا لم تعرفني، فهلا أنكرتني.
حلف رجل بالطلاق أن الحجاج في النار. فقيل له: سل عن يمينك. فأتى أيوب السختياني فأخبره، فقال: لست أفتي في هذا بشيء، يغفر الله لمن يشاء. فأتى عمرو بن عبيد فأخبره، فقال: تمسك بأهلك، فإن الحجاج إن لم يكن من أهل النار فليس يضرك أن تزني.
كان الوليد بن عبد الملك يلعب بالحمام؛ فخلا لذلك يوماً، واستؤذن لنوفل بن مساحق، فأذن له، فلما دخل قال: خصصتك بالإذن دون الناس.
فقال: ما خصصتني ولكن خسستني، وكشفت لي عن عورة من عوراتك.
قال موسى بن سعيد بن سلم: قال أبو الهذيل لأبي يوماً: إني لا أجد في الغناء ما يجد الناس من الطرب! فقال له: فما أعرف إذاً في الغناء ذنباً.
أتي ضرار المتكلم بمجوسي ليكلمه، فقال: أبو من? فقال المجوسي: نحن أجل من أن نسب إلى أبنائنا، إنما ننسب إلى آبائنا، فأطرق ضرار ثم قال: أبناؤنا أفعالنا، وآباؤنا أفعال غيرنا، ولأن ننسب إلى أفعالنا، أولى من أن ننسب إلى أفعال غيرنا.
كان يناظر رجل يحيى بن أكثم، وكان يقول له في أثناء كلامه: يا أبا زكريا. وكان يحيى يكنى بأبي محمد. فقال يحيى: لست بأبي زكريا. فقال الرجل: كل يحيى كنيته أبو زكريا. فقال: العجب أنك تناظرني في إبطال القياس، وتكنيني بالقياس.
لما عزل عثمان عمرو بن العاص، وولى عبد الله بن أبي السرح مكانه، دخل عليه عمرو، فقال: أشعرت أن اللقاح بعدك درت ألبانها بمصر? فقال: نعم، ولكنكم أعجفتم أولادها.
عرض على رجل ليشتريه، فقال: ما عندي ثمنه. فقال البائع: أنا أؤخرك. فقال: بل أنا أؤخر نفسي.
سار الفضل بن الربيع إلى أبي عباد في نكبته يسأله حاجة، فأرتج عليه، فقال له: يا أبا العباس، بهذا البيان خدمت خليفتين?! فقال: إنا تعودنا أن نسأل ولا نسأل.
دخل أشعري على الرشيد وسأله فقال: احتكم. قال: يحكّم بعد أبي موسى? فضحك وأعطاه.
دخل قيس بن عاصم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني وأدت اثنتي عشرة بنتاً في الجاهلية، فما اصنع? قال: اعتق عن كل موءودة نسمة. فقال أبو بكر: ما الذي حملك على ذلك وأنت أكبر العرب? قال: مخافة أن ينكحهن مثلك. فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: "هذا سيد أهل الوبر".
سئل الشعبي عن شيء، فقال: لا أدري. فقيل له: أما تستحي أن تقول: لا أدري وأنت فقيه العراق? قال: لكن الملائكة لم تستح إذ قالت: "سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا".
خطب أبو الهندي إلى رجل، فقال له: لو كنت مثل أبيك زوجتك. فقال أبو الهندي: لو كنت مثل أبي ما خطبت إليك.
قال محمد بن عبد الملك لبعض الكتاب: كلمت أمير المؤمنين في عمر بن فرج فعزله من الديوان. فقال له: فرغته لطلب عيوبك.
جاور إبراهيم بن سيابة قوماً فأزعجوه من جوارهم، فقال: لم تخرجونني من جواركم? فقالوا: لأنك مريب. فقال: ويحكم. ومن أذل من مريب، أو أحسن جواراً?.
قيل لبعض الصوفية: أتبيع جبتك الصوف? قال: إذا باع الصياد شبكته فبأي شيء يصطاد?.
قالوا: لما ضرب سعيد بن المسيب أقيم للناس، فمرت به أمة لبعض المدينيين، فقالت: لقد أقمت مقام الخزي يا شيخ. فقال سعيد: من مقام الخزي فررت.
سمعت الصاحب رحمه الله يقول: إن بعض ولد أبي موسى الأشعري عير بأنه كان حجاماً، فقال: ما حجم قط غير النبي صلى الله عليه وسلم. فقيل له: كان ذلك الشيخ أتقى لله من أن يتعلم الحجامة في عنق النبي صلى الله عليه وسلم. قال الصاحب: وأنا أقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحزم من أن يمكن من حجامته من لم يحجم قط أحداً.
أخذت الخوارج رجلاً فقالت له: ابرأ من عثمان وعلي. فقال: أنا من علي، ومن عثمان برئ.
قال معاوية لرجل: أنت سيد قومك. قال: الدهر ألجأهم إليّ.
قال ذو الرياستين لثمامة: ما أدري ما اصنع في كثرة طلاب الحوائج وغاشية الباب!. فقال: زل عن مكانك وموضعك من السلطان، وعلى ألا يلقاك أحد منهم. قال: صدقت. وقعد لهم، ونظر في أمورهم.
وقال بعضهم لسعيد بن العاص: عرضت لي إليك حويجة. فقال: اطلب لها رجيلاً.
وبضد ذلك ما قاله ابن عباس، فإنه قال: هاتها؛ فإن الحر لا يكبر عن صغير حاجة أخيه، ولا يصغر عن كبيرها.
دخل الرقاشي على المعتصم في يوم مطير، فقرب مجلسه ورحب به. وقال له: أقم عندنا يومك نشرب ونطرب. فقال: يا أمير المؤمنين، إني وجدت في الكتب السالفة: أن الله جل ذكره لما خلق العقل قال له: أقبل. فأقبل، ثم قال له: أدبر. فأدبر، ثم قال له: وعزتي، ما خلقت خلقاً أكرم منك عليّ، بك أعطي، وبك أمنع، وبك آخذ. فلو وجدت عقلاً يباع لاشتريته، واضفته إلى عقلي. فكيف أشرب ما يزيل ما معي من العقل? قال المعتصم: عقلك أوردك هذا المكان.
قيل لسعيد بن سلم: لم لا تشرب النبيذ? قال: تركت كثيره لله وقليله للناس.
وقيل للعباس بن مرداس: لم تركت الشرب وهو يزيد في جرأتك وسماحك? قال: أكره أن أصبح سيد قوم، وأمسي سفيههم.
خاصم رجل من ولد أبي لهب آخر من ولد عمرو بن العاص، فعيره وعيره الآخر بسورة: تبّت. فقال اللهبي: لو علمت ما لولد أبي لهب في هذه السورة لم تعبهم؛ لأن الله صحح نسبهم بقوله: "وامرأته حمالة الحطب"؛ فبين أنهم من نكاح لا من سفاح، ونفى بني العاص بقوله: "زنيم" والزنيم: المنتسب إلى غير أبيه.
قال يحيى بن أكثم لشيخ بالبصرة: بمن اقتديت في تحليل المتعة? فقال: بعمر بن الخطاب، فإنه قال: إن الله ورسوله أحلا لكم متعتين، وأنا أحرمهما عليكم وأعاقب. فقبلنا شهادته، ولم نقبل تحريمه.
أتى رجل أعور في زمان عمر، فشهد أنه رأى الهلال. فقال عمر: بأي عينيك رأيت? قال: بشرهما، وهي الباقية؛ لأن الأخرى ذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته. فأجاز شهادته.
رأى مجوسي في مجلس الصاحب رحمه الله لهيب نار، فقال: ما أشرفه! فقال الصاحب: ما أشرفه وقوداً، وأخسه معبوداً!.
صح عند بعض القضاة إعدام رجل فأركبه حماراً ونودي عليه: هذا معدم، فلا يعاملنه أحد إلا بالنقد، فلما كان آخر النهار نزل عن الحمار، فقال له المكاري: هات أجرتي. فقال: فيم كنا نحن منذ الغداة? تقدم سقاء إلى فقيه على باب سلطان، فسأله عن مسألة، فقال: أهذا موضع المسألة? فقال له: وهذا موضع الفقهاء? قال الأصمعي: ضرب أبو المخش الأعرابي غلماناً للمهدي. فاستعدوا عليه، فأحضره وقال: اجترأت على غلماني فضربتهم. فقال: كلنا يا أمير المؤمنين غلمانك ضرب بعضنا بعضاً. فخلى عنه.
اعترض رجل المأمون فقال: يا أمير المؤمنين، أنا رجل من العرب. فقال: ما ذاك بعجب. قال: إني أريد الحج. قال: الطريق أمامك نهج. قال: وليست لي نفقة. قال: قد سقط الفرض. قال: إني جئتك مستجدياً لا مستفتياً. فضحك وأمر له بصلة.
قال بعضهم: ما قطعني إلا غلام قال لي: ما تقول في معاوية? قلت: إني أقف فيه. قال: فما تقول في يزيد? قلت: ألعنه لعنه الله. قال: فما تقول فيمن يحبه? قلت: ألعنه. قال: أفترى معاوية لا يحب يزيد ابنه!? قال الحجاج لرجل: أنا أطول أم أنت? فقال: الأمير أطول عقلاً، وأنا أبسط قامة.
قدم رجل من اليمامة فقيل له: ما أحسن ما رأيت بها? قال: خروجي منها أحسن ما رأيت بها.
مدح رجل هشاماً فقال له: يا هذا، إنه قد نهي عن مدح الرجل في وجهه فقال له: ما مدحتك، وإنما أذكرتك نعمة الله، لتجدد له شكراً.
عاتب الفضل بن سهل الحسين بن مصعب في أمر ابنه طاهر، والتوائه وتلونه، فقال له الحسين: أنا أيها الأمير شيخ في أيديكم، لا تذمون إخلاصي وتلونه، فقال له الحسين: أنا أيها الأمير شيخ في أيديكم، لا تذمون إخلاصي ولا تنكرون نصيحتي، فأما طاهر فلي في أمره جواب مختصر وفيه بعض الغلط، فإن أذنت ذكرته. قال: قل. قال: أيها الأمير، أخذت رجلاً من عرض الأولياء فشققت صدره، وأخرجت قلبه، ثم جعلت فيه قلباً قتل به خليفة، وأعطيته آلة ذلك من الرجال والأموال والعبيد، ثم تسومه بعد ذلك أن يذل لك، ويكون كما كان. لا يتهيأ هذا إلا أن ترده إلى ما كان، ولا تقدر على ذلك. فسكت الفضل.
قال عبد الملك لابن الحارث: بلغني أنكم من كندة. فقال: يا أمير المؤمنين، وأي خير فيمن لا يدعى رغبة أو ينفى حسداً.
احتضر ابن أخ لأبي الأسود الدؤلي فقال: يا عم، أموت والناس يحيون! قال: يابن أخي، كما حييت والناس يموتون.
قال عمرو بن مسعدة لابن سماعة المعيطي: صف لي أصحابك. قال: ولا تغضب? قال: لا. قال: كانوا يغارون على الإخوان، كما تغارون على القيان.
أمر يحيى بن أكثم برجل إلى الحبس، فقال: إني معسر. فلم يلتفت إليه، فقال: من لعيالي? قال: الله لهم. فقال الرجل: أراني الله عيالك وليس لهم أحد غير الله.
قال بعضهم لمجوسي: ما لك لا تسلم? قال: حتى يشاء الله. قال: قد شاء، ولكن الشيطان لا يدعك. قال: فأنا مع أقواهما.
ساير ابن لشبيب بن شيبة عليّ بن هشام، وعليّ على برذون له فاره، فقال له: سر. فقال: وكيف أسير وأنت على برذون إن ضربته طار وإن تركته سار، وأنا على برذون إن ضربته قطف، وإن تركته وقف. فدعا له ببرذزن وحمله عليه.
قال عبيد الله بن زياد لمسلم بن عقيل: لأقتلنك قتلة تتحدث بها العرب. فقال: أشهد أنك لا تدع سوء القتلة ولؤم المقدرة لأحد أولى بها منك.
قال مالك بن طوق للعتابي: سألت فلاناً حاجة، فرأيتك قليلاً في كلامك. فقال: كيف لا اقل في كلامي، ومعي حيرة الطلب وذل المسألة، وخوف الرد.? جلس معن بن زائدة يوماً يقسم سلاحاً في جيشه، فدفع إلى رجل سيفاً رديئاً، فقال: اصلح الله الأمير، أعطني غيره. قال: خذه فإنه مأمور. فقال: فإنه مما أمر به ألا يقطع شيئاً أبداً! فضحك معن وأعطاه غيره.
قال بنو تميم لسلامة بن جندل: مجدنا بشعرك. قال: افعلوا حتى أقول.
أتى هشام برجل رمي بجناية، فأقبل يحتج عن نفسه، فقال هشام: أو تتكلم أيضاً? فقال الرجل: إن الله تعالى يقول: "يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها" أفتجادل الله جدالاً ولا نكلمك كلاماً? قال: تكلم بما أحببت.
قال المأمون لابن الأكشف - وكان كثير الركوب للبحر - ما أعجب ما رأيت في البحر? قال: سلامتي منه.
قيل لسعيد بن المسيب لما نزل الماء في عينيه: اقدحهما حتى تبصر. فقال: إلى من?.
قال المنصور لرجل: ما مالك? قال: ما يكف وجهي، ويعجز عن الصديق. قال له: لطفت في المسألة.
قال المدائني: ورد على المنصور كتاب من مولى له بالبصرة أن سالماً ضربه بالسياط، فاستشاط غضباً وقال: أعليّ يجترئ سالم? والله لأجعلنه نكالاً يتعظ به غيره. فأطرق جلساؤه جميعاً، فرفع ابن عياش رأسه، وكان أجرأهم عليه، فقال: يا أمير المؤمنين، قد رأينا من غضبك على سالم ما شغل قلوبنا، وإن سالماً لم يضرب مولاك بقوته ولا قوة أبيه، ولكنك فقلدته سيفك، وأصعدته منبرك، فأراد مولاك أن يطامن منه ما رفعت، ويفسد ما صنعت، فلم يحتمل له ذلك. يا أمير المؤمنين، إن غضب العربي في رأسه، فإذا غضب لم يهدأ حتى يخرجه بلسان أو يد، وإن غضب النبطي في استه، فإذا خري ذهب عنه غضبه. فضحك المنصور، وكف عن سالم.
رأى رجل رجلاً من ولد معاوية على بعير له، فقال: هذا ما كنتم فيه من الدنيا. فقال: رحمك الله، ما فقدنا إلا الفضول.
دخل أبو بكر الهجري على المنصور، فقال: يا أمير المؤمنين، نفض فمي وأنت أهل بيت بركة، فلو أذنت لي فقبلت رأسك لعل الله يشدد لي منه. فقال أبو جعفر المنصور: اخترمنها ومن الجائزة. فقال: يا أمير المؤمنين، أهون عليّ من ذهاب درهم من الجائزة ألا يبقى في فمي حاكة.
قيل للشعبي: أكان الحجاج مؤمناً? قال: نعم بالطاغوت.
كتب الحسن بن زيد إلى صاحب الزنج بالبصرة: عرفني نسبك. فأجابه: ليغنك من شأني ما عناني من أمرك.
كتب صاحب البصرة إلى يعقوب بن الليث الصفار يستدعيه إلى مبايعته، فقال لكاتبه: أجب عن كتابه. فقال: بماذا? قال: اكتب "قل يا أيها الكافرون. لا أعبد ما تعبدون.." السورة.
قيل لأبي الهذيل: إن قوماً يلعنونك. قال: أرأيت إن أنا تبعتهم هل يلعنني قوم آخرون? قال: نعم. قال: فأراني لا أتخلص من لعن طائفة، فدعني مع الحق وأهله.
قال سعيد بن المسيب لعبد الملك - وقد خطب الناس فأبكاهم - يا أمير المؤمنين، لئن أبكاهم قولك لما أرضاهم فعلك.
وقيل للأعمش: أنت تكثر الشك. قال: تلك محاماة عن اليقين.
لما ولى أبو جعفر المنصور سليمان بن راشد الموصل، ضم إليه ألف رجل من أهل خراسان وقال: قد ضممت إليك ألف شيطان. فلما دخل الموصل عاثوا، وبلغ الخبر المنصور فكتب إليه: يا سليمان، كفرت بالنعمة. فكتب في جوابه: "وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا".
قال معاوية لعمرو بن العاص: ما بلغ من دهائك? قال: لم أدخل في أمر قط إلا خرجت منه. قال معاوية: لكنني لم أدخل قط في أمر أردت الخروج منه.
قال الواثق لابن أبي دؤاد: كان عندي الساعة الزيات، فذكرك بكل قبيح. فقال: الحمد لله الذي أحوجه إلى الكذب عليّ، ونزّهني عن قول الحق فيه.
قال المتوكل للفتح بن خاقان، وقد خرج وصيف الخادم المعروف بالصغير في أحسن زي: أتحبه? قال: إني لأحب من تحب، وأحب من يحبك، لا سيما مثل هذا.
قال المأمون لثمامة: ارتفع. قال: يا أمير المؤمنين، لم يف شكري بموضعي هذا، وأنا أبعد عنك بالإعظام لك، وأقرب منك شحاً عليك.
خلع الرشيد على يزيد بن مزيد - وكان في مجلسه رجل من أهل اليمن - فقال ليزيد: اجرر ما لم يعرق فيه جبينك. قال: صدقت. عليكم نسجه، وعلينا سحبه.
قال سهل بن هارون: أدخل على الفضل بن سهل، ملك التبت وهو أسير، فقال: أما ترى الله قد أمكن منك بغير عهد ولا عقد، فما شكرك إن صفحت عنك، ووهبت لك نفسك? قال: أجعل النفس التي أبقيتها بذلة لك متى أردتها. قال الفضل: شكر والله. وكلم المأمون فيه فصفح عنه.
لما أخذ عبد الحميد الربعي، وأتي به إلى المنصور، ومثل بين يديه قال: لا عذر فأعتذر، وقد أحاط بي الذنب، وأنت أولى بما ترى. قال المنصور: إني لست أقتل أحداً من آل قحطبة، أهب سيئهم لمحسنهم. قال: يا أمير المؤمنين: إن لم يكن فيّ مصطنع فلا حاجة بي إلى الحياة، ولست أرضى أن أكون طليق شفيع وعتيق ابن عم.
قال الرشيد للجهجاه: أزنديق أنت? قال: وكيف أكون زنديقاً وقد قرأت القرآن، وفرضت الفرائض، وفرقت بين الحجة والشبهة? قال: تالله لأضربنك حتى تقر. قال: هذا خلاف ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم، أمرنا أن نضرب الناس حتى يقروا بالإيمان، وأنت تضربني حتى أقر بالكفر.
قال عمر لعمرو بن معد يكرب: أخبرني عن السلاح. فقال: سل عما شئت منه. قال: الرمح. قال: أخوك وربما خانك. قال: النبل. قال: منايا تخطئ وتصيب. قال: الترس. قال: ذاك المجنّ، وعليه تدور الدوائر. قال: الدرع. قال: مشغلة للراجل متعبة للفارس، وإنها لحصن حصين. قال: السيف. قال: ثم قارعتك أمك عن الهبل. قال: بل أمك. قال: الحمّى أضرعتني لك.
قال عمر بن عبد العزيز لعبد الله بن مخزوم: إني أخاف الله فيما تقلدت. قال: لست أخاف عليك أن تخاف، إنما أخاف ألا تخاف. قيل لرجل من بني هاشم: من سيدكم? قال: كلنا سيد غيرنا، ومكان سيدنا لا يجهل.
شاور المنصور سلم بن قتيبة في أمر أبي مسلم، فقال: إني مطلعك على أمر لم افض به إلى غيرك، ولا أفضي به، فصحح رأيك، واجمع لفظك، وأظهر نصحك، واستره حتى أظهره أنا قد عزمت على قتل عبد الرحمن، فما ترى? قال سلم: "لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا" ونهض.
ويروى عنه الأصمعي أنه قال: هجم عليّ شهر رمضان وأنا بمكة، فخرجت إلى الطائف لأصوم بها هرباً من حر مكة. فلقيني أعرابي فقلت: أين تريد? قال: أريد هذا البلد المبارك؛ لأصوم فيه هذا الشهر المبارك. قلت: أما تخاف من الحر?! قال: من الحر أفر.
وقال رجل للربيع بن خثيم وقد صلى ليلة حتى أصبح: أتعبت نفسك. فقال: راحتها أطلب؛ إن أفره العبيد أكيسهم.
نظر رجل إلى روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب واقفاً بباب المنصور في الشمس، فقال: قد طال وقوفك في الشمس. فقال روح: ليطول وقوفي في الظل.
هاجى عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، عبد الرحمن بن الحكم بن العاص، وتقاذفا. فكتب معاوية إلى مروان أن يؤدبهما، فضرب عبد الرحمن بن حسان ثمانين، وضرب أخاه عشرين، فقيل لعبد الرحمن قد أمكنك في مروان ما تريد،فأشد بذكره وارفعه إلى معاوية. فقال: إذاً والله لا أفعل، وقد حدني كما يحد الرجل الحر، وجعل أخاه كنصف عبد! فأوجعه بهذا القول.
قال رجل لرجل سبه فلم يلتفت إليه: إياك أعني. فقال: وعنك أعرض.
قال عمر لزياد لما عزله: كرهت أن أحمل على العامة فضل عقلك. قال: فاحمل عنها من نفسك، فأنت أعقل.
قال المنصور لإسحاق بن مسلم العقيلي: أفرطت في وفائك لبني أمية. فقال: من وفى لمن لا يرجى، كان لمن يرجى أوفى. قال: صدقت.
مازح عبيد الله بن زياد حارثة بن بدر، فقال له: أنت شريف لو كانت أمهاتك مثل آبائك. فقال: إن أحق الناس بألا يذكر الأمهات هو الأمير. فقال عبيد الله: استرها عليّ، ولك عشرة آلاف درهم.
يقال: إن المكي دخل على المأمون، وكان مفرط القبح والدمامة، فضحك المعتصم، فقال المكي: مم يضحك هذا? فوالله ما اصطفي يوسف لجماله، وإنما اصطفي لبيانه. وقد نص الله على ذلك بقوله: "فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين" وبياني أحسن من وجه هذا.
قال معاوية لرجل من السمن: ما كان أبين حمق قومك حين ملّكوا امرأة. فقال: كان قومك أشد حماقة إذ قالوا: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء" هلاّ قالوا: فاهدنا له وبه! قال زياد لأبي الأسود: لو أدركناك وفيك بقية. قال: أيها الأمير، إن كنت تريد رأيي وعزمي فذاك عندي، وإن كنت تريدني للصراع فلا أصلح لذلك.
قال الأصمعي: دخل درست بن رباط الفقيمي على بلال بن أبي بردة في الحبس، فعلم بلال أنه شامت، فقال: ما يسرني بنصيبي من الكره حمر النعم. فقال درست: فقد أكثر الله لك منه.
أدخل مالك بن أسماء سجن الكوفة، فجلس إلى رجل من بني مرة، فاتكأ على المرّيّ يحدثه، وأكثر من ذكر نعمه، ثم قال: أتدري كم قتلنا منكم في الجاهلية? قال: أما في الجاهلية فلا، ولكن أعرف من قتلتم منا في الإسلام. قال: من? قال: أنا. قتلتني غمّاً.
دخل يزيد بن أبي مسلم على سليمان بن عبد الملك، فلما رآه - وكان دميماً - قال: على رجل أجرّك رسنه وسلطك على المسلمين لعنه الله. قال: يا أمير المؤمنين، رأيتني والأمر عني مدبر، ولو رأيتني والأمر عليّ مقبل لا استعظمت من أمري ما استصغرت.
قال له سليمان: أترى الحجاج بلغ قعر جهنم? قال: يا أمير المؤمنين، يجئ الحجاج يوم القيامة بين أبيك وأخيك، قابضاً على يمين أبيك وشمال أخيك، فضعه من النار حيث شئت.
طاف رجل من بني تغلب بالبيت، وكان وسيماً طويلاً جميلاً، فبصر به رجل من قريش كان حسوداً، فسأل عنه، فأخبر أنه رجل من بني تغلب، فلما حاذاه، قال القرشي يسمعه: إنهما لرجلان قلما وطئتا البطحاء، فالتفت إليه التغلبي فقال: يا هذا البطحاوات ثلاث؛ فبطحاء الجزيرة إلى التغلبي دونك، وبطحاء ذي قار أنا أحق بها منك، وهذه البطحاء، سواء العاكف فيه والباد. قال: فتحير الرجل، فما أفاض بكلمة.
حدث أن أبا الجهم العدوي وفد على معاوية، فبينا هو يوماً من الأيام يأكل معه إذ قال له معاوية: اينا أسن يا أبا الجهم، أنا أو أنت? قال: كيف تسألني في هذا، وقد أكلت في عرس لأمك قبل تزويجها بأبيك أبي سفيان? قال: أيهم هو? فإنها كانت تستكرم الأزواج. قال: حفص ابن المغيرة. قال: ذاك سلالة قريش، ولكن احذر السلطان يا أبا الجهم، يغضب غضب الصبي، ويثب وثوب الأسد. قال: فقال أبو الجهم: إيهاً أراحنا الله منك يا معاوية. قال: فإلى من! إلى زهرة? فوالله ما عندهم فصل ولا فضل، أم إلى بني هاشم? فوالله ما يرونكم إلا عبيداً لهم. ثم أمر له بمائة ألف درهم. قال: فأخذها متسخطاً، وقال: رجل يأتي غير بلاده، ويعمل بغير رأي قومه فماذا يصنع? ثم وفد على يزيد وشكا إليه ديناً كان عليه، فقال له يزيد: تلزمنا، مع قرابتك قربة، ومع حقك حقوق، فاعذرنا. وأمر له بخمسين ألف درهم. قال: فقال ابن كليبة فماذا? ثم دعاه عبد الله بن الزبير إلى نفسه، فوفد إليه أبو الجهم وشكا إليه ديناً، ووصف له كثرة مئونته، فأمر له بألف درهم. فقال أبو الجهم: أحسن الله إمتاع قريش بك، وأحسن عنّي جزاءك. ودعا له دعاء كثيراً.
فقال له عبد الله: يا أبا الجهم؛ أعطاك معاوية مائة ألف درهم فسببته، وأعطاك يزيد خمسين ألفاً فشتمته، وأعطيتك ألف درهم فدعوت لي وشكرت. قال: نعم فديتك، إذا كانت قريش تنقص هذا النقصان فليس يجئ بعدك إلا خنزيراً.
قال بعضهم: دخلت دار المعتصم فرأيت إبراهيم بن المهدي جالساً في بعض نواحي الدار، وإلى جانبه العباس بن المأمون. قال: فالتفت العباس إلى إبراهيم وقد رأى في يده خاتماً فصه ياقوت أحمر عجيب. فقال له: يا عن، خاتمك هذا? قال: نعم، هذا الخاتم الذي رهنته في خلافة أبيك، وافتككته في خلافة أمير المؤمنين أعزه الله. فقال العباس: أنت إن لم تشكر أبي على حقنه دمك، لم تشكر عمي على افتكاك خاتمك.
قالت ابنة النعمان بن بشير لزوجها روح بن زنباع: كيف تسود أنت من جذام، وأنت جبان، وأنت غيور? قال: أما جذام فإني في أرومتها، وحسب الرجل أن يكون في أرومة قومه. وأما الجبن فإنما لي نفس واحدة وأنا أحوطها، وأما الغيرة فأمر لا أحب أن أشارك فيه، وإن الحر لحقيق بالغيرة إذا كانت في بيته ورهاء مثلك.
قال الحجاج لرجل من ولد عبد الله بن مسعود: لم قرأ أبوك "تسع وتسعون نعجة. أنثى" ألا يعلم الناس أن النعجة أنثى? قال: فقد قرأت أنت مثله "ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم، تلك عشرة كاملة". ألا يعلم الناس أن ثلاثة وسبعة عشرة? فما أحار الحجاج جواباً.
قال عبد الله بن الزبير لعدي بن حاتم: يا عدي، متى ذهبت عينك? قال: يوم قتل أبوك وضربت على قفاك مولّياً، وأنا يومئذ على الحق، وأنت على الباطل.
وجّه معاوية رجلاً إلى ملك الروم ومعه كتاب، تصديره: إلى طاغية الروم. فقال ملك الروم للرجل: مالذي الفخر بالرسالة، والمتسمى بخلافه النبوة والسفه ما أظنكم وليتم هذا الأمر إلا بعد إعذار، ولو شئت كتبت: من ملك الروم إلى غاصب أهل بيت نبيه، والعامل بما يكفره عليه كتابه، ولكني أتجالل عن ذلك.
قال معاوية يوماً: الأرض لله، وأنا خليفته. ما أخذت فلي حلال، وما تركت للناس فلي عليهم فيه منة. فقال صعصعة: ما أنت وأقصى الأمة فيه إلا سواء، ولكن من ملك استأثر، فغضب معاوية وقال: لقد هممت… قال صعصعة: ما كل من هم فعل. قال: ومن يحول بيني وبين ذلك? قال: الذي يحول بين المرء وقلبه.
طلب الحسن بن سهل رجلاً من أهل الأدب يؤدب ولده. فجاءوه بمعاوية بن القاسم الأعمى، فقال له: ما اسمك? قال: أكنى أبا القاسم، ولضرورة تكنيت؛ فقيل له : اسمه معاوية؛ فاستظرفه وأمره بلزوم داره.
فرض عبد الله بن عامر لجماعة من بني وائل في شرف العطاء، وأمر لهم بجوائز، فقام رجل منهم، فقال: أيها الأمير، أرأيت ما أمرت لنا به، أخصصتنا به أم تعم به أهل مصرنا? قال: لا، بل خصصتكم به. قال: ولم? قال: لما بلغني من فضلكم. قال: إذاً لا نأخذ ثوابه منك.
قال بعضهم: رأيت يحيى بن عبد الله بن الحسن قد أقبل على عمران بن فروة الجعفري، فقال: يا أبا شهاب، ما تفعلون بالمولى فيكم? قال: ثلاثاً. قال: ما هن? قال: لا يمسح لحيته، ولا يكتني بأبي فلان، ولا يشد حبوته وسط القوم، فقال له نعيم بن عثمان: هذا لجفائكم وبعدكم من الله. فقال له: لو كنت والله يا أبا معاوية هناك ما ساروا فيك إلا بسيرتهم في أخيك.
خاصم رجل رجلاً إلى سوار، فجعل أحدهما يدخل في حجة صاحبه، وينهاه سوّار فلا ينتهي. فقال له: ألا تسكت عن خصمك يا ابن اللخناء. فقال له الرجل: لا والله، ما لك أن تسبني وتذكر أمي. فقال له: ليس هذا بشيء. اللخن قد يكون في السقاء. قال الرجل: فإن لم يكن فيه شيء فأشهدك أن خصمي ابن اللخناء.
أرسل أبو جعفر المنصور إلى أصحابه: لا جزاكم الله خيراً، أبق غلامي فلم تطلبوه، ولم تعلموني بهربه. ولا أعلمتموني قبل هربه أنكم تخافون ذلك منه. وأراد أن يستنطقهم، فقال لهم ابن عياش المنتوف: وكلوني بجوابه. فقالوا له: أنت وذاك. فقال للرسول: أتبلغه كما أبلغتنا? قال: نعم. قال: اقرأ على أمير المؤمنين السلام، وقل له: إنك اخترتنا من عشائرنا وبلداننا، فظننا أنك أردتنا لأن نكون جلساءك، والمجيبين للوفد إذا قدموا عليك، والخارجين لرتق الفتق إذا انفتق عليك، فأما إذ أردتنا لمن يأبق من غلمانك فيربع غلامك يريد أن يأبق فاستوثق منه.
حج عبد الملك، ثم شخص إلى الطائف فدخلها، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يسايره، فاعترض له رجل من ولد أم الحكم من ثقيف، فقال: يا أمير المؤمنين، إن لنا قرابة وحقاً، وجواراً وخلقاً، ونحن من إحدى القريتين اللتين ذكرهما الله في كتابه، والله لقد جاء الإسلام وإن في ثقيف من قريش تسعين امرأة. قال: فتكاثر 1لك عبد الملك وقال: أكذلك يا أبا بكر? فقال: صدق يا أمير المؤمنين، ولكن والله لا تجد فيهم امرأة من ولد المغيرة. فقال الثقفي: صدق يا أمير المؤمنين، إنا والله نعرف قومنا، ونعتام في مناكحنا، ونأتي الأودية من صدورها ولا نأتيها من أذنابها. والله ما أعطيتنا شيئاً إلا أخذنا مثله، ولا مشينا حزناً إلا أسهلنا الهويني، فقال عبد الملك: قاتله الله ما أسبه!.
شكا رجل إلى الشبلي كثرة العيال، فقال: ارجع إلى بيتك ومن لم يكن منهم رزقه على الله فأخرجه من دارك.
ضرط ابن لعبد الملك صغير في حجره فقال له: قم إلى الكنيف. قال له: أنا فيه يا أبانا.
قال معاوية لعقيل: إن فيكم شبقاً يا بني هاشم. قال: هو منا في الرجال ومنكم في النساء.
قال بعضهم لآخر: يا خائن. فقال: تقول لي ذلك وقد ائتمنك الله على مقدار درهم من جسدك فلم تؤد الأمانة فيه.
دخل إبراهيم الحراني الحمام، فرأى رجلاً عظيم الذكر، فقال: يا فتى، متاع البغل! قال: لا، بل نحملك عليه. فلما خرج أرسل إليه بصلة وكسوة وقال لرسوله: قل له اكتم هذا الحديث فإنه كان مزاحاً، فرده وقال: لو قبلت حملاننا لقبلنا صلتك.
قيل لرجل قدم من الحج: كيف خلفت سعر النعال بمكة. تعريضاً له بالهدية، فقال: الفلعة بحمل ونبيجة فاكهة.
شتم عيسى بن فرخانشاه رجلاً نصرانياً، فقال: يا ابن الزانية. فقال له: أنت مسلم ولا اقدر على شتمك، ولكن أخوك يحيى بن فرخانشاه هو ابن الزانية.
قال الفرزدق لزياد الأعجم: يا أقلف. فقال زياد: يا ابن النمامة أمك أخبرتك بهذا.
قال رجل لأبي الأسود: كأن وجهك فقاح مجتمعة. قال: فهل ترى فقحة أمك فيها?.
قال العطوي: قلت لجارية: اشتهي أن أقبلك. قالت: ولم? قلت: لأنك زانية. قالت: وكل زانية تقبلها? قلت: نعم. قالت: فابدأ بمن تعول.
قال غلام ثمامة لثمامة: قم صل واسترح. قال: أنا مستريح إن تركتني.
اشترى علي بن الجعد جارية بثلاثمائة دينار، فقال له ابن قادم النحوي: أي شيء تصنع بهذه الجارية? فقال: لو كان هذا شيئاً يجرب على الإخوان لجربناه عليك.
أشرف رجل على أبي الأسود وهو مختضب عريان بين رجليه خرقة، فقال: يا أبا السود، ليت أيري في سرتك. قال: أفتدري أين تكون فقحتك? فخجل الرجل وانصرف.
قال بعض الرؤساء لبعض الخلفاء: أنا اشتهي أن أرى النساء كيف يتساحقن. قال: ادخل دارك قليلاً قليلاً.
وقال آخر لبعض المجان: ما الدنيا إلا المجوس، يدخل الأب ف…ك، ويدخل الإبن ف…ك، فقال له: اسكت، لا يسمع ذاك أهل دارك فيرتدوا.
سمع بعضهم رجلاً يقول: أبي كان لا يدخل سكة إلا قام الناس له. فقال: نعم، صدقت، لأنه كان يتقدمه حمل شوك.
نظر أبو الشمقمق إلى رجل يمازح غلاماً قد التحى، فقال: ما هذا? قال: نأكل التمر لأنه كان رطباً. قال: فكل الخرى لأنه كان جوذاباً.
كان حماد الراوية يتهم بالزندقة وكان يصحب ابن بيض، فدخلا يوماً على والي الكوفة، فقال لابن بيض: قد صالحت حماداً? قال: نعم أيها الأمير، على ألا آمره بالصلاة، ولا ينهاني عنها.
وكان من حمقاء قريش سليمان بن يزيد بن عبد الملك، وكان وضيئاً. قال يوماً لعن الله الوليد أخي، فإنه كان فاجراً، والله لقد راودني عن نفسي. فقال له قائل: اسكت. فوالله إن كان همّ لقد فعل.
أنشد حضري أعرابياً شعراً لنفسه، وقال: تراني مطبوعا? قال: نعم على قلبك.
قال أبو عثمان: رأيت رجلاً من المنافقين كان أراد أن يكون على جبهته سجادة فوضع عليها ثوماً وشده، فلما نام انقلبت السجادة، وصارت على الجانب الأيمن، فسألته عن ذلك، فقال: ومن الناس من يعبد الله على حرف.
اعترض عمرو بن الليث فارساً من جيشه، فكانت دابته بغاية الهزال. فقال له: يا هذا، تأخذ مالي تنفقه على امرأتك وتسمنها، وتهزل دابتك التي عليها تحارب، وبها تأخذ الرزق، امض لشأنك فليس لك عندي شيء. فقال الجندي: أيها الأمير، لو استعرضت امرأتي لاستسمنت دابتي. فضحك عمرو، وأمر بإعطائه رزقه.
قيل للنتيف الأصبهاني: لم تنتف لحيتك? فقال: وأنت فلم لا تنتفها? رأى ابن مكرم منجماً عند أبي العيناء، فقال: ما يصنع هذا? قال: يعمل مولد ابني. قال فسله أولاً هل هو ابنك أم لا?.
سأل رجل آخر عن درب الحمير، قال: ادخل أي درب شئت.
قال أبو بكر المقرئ: رأيت امرأة منكشفة بباب المسجد، فقلت لها: أما تستحيين? قالت: ممن? استعار رجل من آخر حماراً فأخرج إليه إكافاً وقال: اجعله على من شئت.
رجل بامرأة قد مات عنها خمسة أزواج، فمرض السادس، فقالت: إلى من تكلني? فقال: إلى السابع الشقي.
ومات زوج امرأة فراسلها في ذلك اليوم رجل يخطبها، فقالت: لو لم يسبقك غيرك لفعلت. فقال الرجل: قد قلت لك إذا مات الثاني فلا تفوتيني.
كان ليهودي غلام فبعثه يوماً ليحمل ناراً يطبخ بها قدراً، فأبطأ عليه ثم عاد بعد مدة وليس معه نار، فقال: أين النار? قال: يا سيدي. قد جئتك بأحر من النار، هذا صاحب الجوالي بالباب يطالب بالجزية.
غنّت قينة عند بعض الرؤساء فطرب وشق ثوبه، وقال لغلامه: شق ثوبك. فقال: كيف أعمل وليس لي غيره? قال: أنا أكسوك غداً. فقال: وأنا أشقه غداً.
أدخل رجل بغلة إلى سوق الدواب يبيعها فلقيه رجل فقال: بكم البغلة?. قال بخمسمائة درهم. قال: لا بأربعمائة. قال صاحبها: زدني شيئاً آخر. قال: أزيدك أ..ر حمار، فقال: اقعد أنت على سومك، فإن زادنا غيرك وإلا أنت أحق به.
كان عفان بن مسلم يروي الحديث، فقال بعض من حضره: إن رأيت أن تزيد في صوتك فإن في سمعي ثقلاً. قال: الثقل في كل شيء منك.
قال زيادي لرجل: يا ابن الزانية. قال: أتسبني بشيء شرفت به?.
قال أبو موسى ابن المتوكل لرجل: لم انقطعت عنا?. فقال: بيتك حر، ما خرج منه أحد فعاد إليه.
قال النخعي: ما رأيت أسرع جواباً من نصراني رأيته بالرقة. فإني دخلت عليه في الحمام، وهو يصب عليه ماء فأطال ومنعني الدنو من الحوض، فقلت وقد دخلني الغيظ: تنح ويلك فإنك بغيض. فترك ما كان فيه وقال لي: قد فعلت، ولكن لا تفارقني حتى تقول لي من أين حكمت عليّ بأني بغيض! قال فقلت: لأنك جعلت مع الله عز وجل شريكاً. فقال لي: أسرع من اللحظ: لا والله ما جعلت معه شريكاً، فإن كنت فعلت، فخذ كتابي إليه بالانصراف الساعة. فأخجلني.
قيل لبعضهم: زوجت أمك? فقال: نعم، حلالاً طيباً. فقال: أما حلال فنعم، وأما طيب فلا.
قالت امرأة لرائض دواب: بئس الكسب كسبك، إنما كسبك باستك. فقال: ليس بين ما أكتسب به وبين ما تكتسبين به إلا إصبعان.
قالت امرأة لزوجها: يا مفلس يا قرنان. قال: إن كنت صادقة فواحدة منك وواحدة من الله.
قيل لبعض الظرفاء من أهل العلم: أتكره السماع? قال: نعم، إذا لم يكن معه شرب.
كتب العباس بن المأمون، في رقعة: أي دواة لم يلقها قلمه? وألقاها بين يدي يحيى بن أكثم، فقرأها ووقع فيها: دواتك ودواة أبيك. فأقرأها العباس أباه المأمون، فقال: صدق يا بني، ولو قال غير هذا لكانت الفضيحة.
كان ليعضهم ابن دميم فخطب له إلى قوم، فقال الابن لأبيه يوماً: بلغني أن العروس عوراء، فقال الأب: يا بني، بودي أنها عمياء حتى لا ترى سماجة وجهك.
سمع رجل به وجع الضرس آخر ينشد:
فقال: والله لو
ابتلاك بوجع الضرس لم تفزع لهذا.
اعتلت امرأة ابن مضاء الرازي، فجعلت تقول له: ويلك، كيف تعمل أنت إن مت أنا? وابن مضاء الرازي يقول: ويلك، أنا إن لم تموتي كيف أعمل?.
قال عبادة يوماً لأبي حرملة المزين: خذ ذقني. قال: يا مخنث، أضع يدي على وجهك وأنا أضعها على وجه أمير المؤمنين! فقال له: يا حجام أنت تضعها على باب أستك كل يوم خمس مرات لا يجوز أن تضعها على وجهي?!.
قيل لبعضهم: غلامك ساحر. قال: قولوا له يسحر لنفسه قباء وسراويل.
قال ابن مكرم لأبي العيناء: بلغني أنك مأبون. قال: مكذوب عليّ وعليك.
نظر رئيس إلى أبي هفان وهو يسارّ آخر، فقال: فيم تكذبان? قال: في مدحك.
وقيل لبعض ولد أبي لهب: العن معاوية. فقال: ما أشغلني: "تبت".
كان لخازم بن خزيمة كاتب ظريف أديب وكان يتنادر عليه، فقام يوماً من بين يديه، فقال له ابن خزيمة: إلى أين يا هامان? فقال: أبني لك صرحاً.
قيل لرجل كانت امرأته تشارّه: أما أحد يصلح بينكما? قال: لا، قد مات الذي كان يصلح بيننا. يعني ذكره.
قال بعضهم لصاحب له: متى عهدك بالن..ك? قال: سل أمك فقد نسيت.
كان رجل يكثر الحلف بالطلاق، فعوتي في ذلك، فقال: أحضروها فإن كانت تصلح لغير الطلاق فاقتلوني.
قيل لبعضهم وهو مقنع: إن لقمان قال: إن القناع مذلة بالنهار معجزة بالليل. فقال: إن لقمان لم يكن عليه دين.
حمل إلى معاوية مال من العراق، وعلى رأسه خصيّ يذب عنه، فقال: يا سيدي، من لي بكف منه? فقال: ويحك، وما تصنع به? إنك إن مت وتركته كويت به يوم القيامة. فقال: يا مولاي إن كان هذا حقاً فإن جلدك لا يشترى يوم القيامة بفلس.
وقف رجل مفرط الطول على بعض العيارين وهو يبيه الرمان، فقال: هذا رمان صغير. فقال له صاحب الرمان: لو نظرت أنا إليه حيث تنظر إليه أنت ما كان في عيني إلا عفصاً.
قالت امرأة عقيل له: والله لا يجمع رأسي ورأسك وساد أبداً. فقال عقيل: لكن أستاهنا تجتمع.
قال بعضهم: كنت نائماً على سطح لي، فسمعت في بعض الليل كلام امرأة من وراء الحائط تقول لزوجها: أنا عريانة بجنبك، وأنت تجلد عميرة! فقال لها: يا ويلك، إذا كان عميرة أفره منك كيف أعمل? قال الوليد بن يزيد لبديح: خذ بنا في التمني فوالله لأغلبنك. قال: والله لا تغلبني أبدا! قال: بلى والله ما تتمنى شيئاً إلا تمنيت ضعفيه. قال بديح: فإني أتمنى كفلين من العذاب، وأن الله يلعنني لعناً كبيراً، فخذ ضعفي ذلك. قال: غلبتني لعنك الله.
كانت رقية بنت عبد الله بن عمرو بن عثمان، وأمها فاطمة بنت الحسين عند هشام، وكان يحبها وتبغضه، فاعتلت فجلس عند رأسها، فقال: ما تشتكين? قالت: بغضك. فسكت عنها ساعة، ثم قال لها: ما تشتهين? قالت: فقدك.
كان بالبصرة رجل طبيب يقال له: حوصلة، وكان له جار يعشق ابناً له، فوجّه حوصلة بابنه إلى بغداد في حاجة له، ولم يعلم جاره بذلك، فجاء ليلة يطلبه، فصاح بالباب: أعطونا ناراً. فقال حوصلة: المقدحة ببغداد.
شكا رجل جاريته إلى إبراهيم الحراني - وكان قبيحاً دميماً - فقال له إبراهيم: هل رأيت وجهك في المرآة? قال: نعم. قال: أفرضيته لنفسك? قال: لا. قال: فكيف تلومها على كراهية ما تكرهه لنفسك.
كان رجل دميم قبيح الخلقة قد رزق ابنين مليحين، فدخل يوماً إلى بعض الأمراء وهما معه، فقال له: يا أبا فلان والدتهما حرة أم أمة? فقال: أيها الأمير أفي الدنيا حرة تمكن نفسها من مثلي?!.
سمع رجل بعض الحمقى يقول: اللهم لا تأخذنا على غفلة، فقال: إذاً لا يأخذك أبدا.
قال غلام لأبيه: يا أبه. أخبرني مستملي أبي خيثمة: أن أبا خيثمة يستثقلني، فقال: يا بني، فأنت ثقيل بإسناد.
كتب رجل إلى صديق له: وجه غليّ بدستيجة نبيذ، وغط رأسك من الحر، وسر إلينا، فقال في الجواب: ولم لا أكشف رأسي في بيتي، واشرب الدستيجة وحدي?.
قال بعض البصريين: كنا عند رجل ومعنا رجل من آل أبي معيط، وأبو صفوان حاضر، فأتيا بفالوذجة حارة، فكاع القوم عنها لحرارتها، وأهوى إليها المعيطي، وجعل يأكل، فقال أبو صفوان: انظروا إلى صبر آل أبي معيط على النار.
اتخذ ابن أخ لإبراهيم بن العباس منجماً وطبيباً، فقال له إبراهيم: والله ما أعرف لك في السماء نجماً ولا في الأرض طبعاً، فما تصنع بالطبيب والمنجم.
دخل بعض الولاة والمتغلبين إلى بلد واستتر منه الوالي قبله، فطلبه، وأخذ أصحابه وطالبهم بالدلالة عليه إلى أن أخذ وكيلاً له، فألح عليه إلحاحاً شديداً، فلما علم ذلك ووقف عليه لم يلبث أن خرج الأول من الاستتار، ووجد أعواناً فقبض على الآخر وحبسه، وانتقل هو إلى دار الإمارة، فجاء هذا الوكيل إلى الحبس، ودخل على المحبوس، وقال: كنت قد حلفتني أن أدلك على موضع الأمير إذا عرفته، وقد عرفت ذلك، وهو في دار الإمارة في الإيوان، فخذه إن أردت أخذه.
مدح رجل رجلاً عند الفضل بن الربيع، فقال له الفضل: يا عدو الله؛ ألم تذكره عندي بكل قبيح?! قال: ذاك في السر. جعلت فداك.
تزوج أعمى امرأة قبيحة، فقالت: رزقت أحسن الناس وأنت لا تدري! فقال: يا بظراء، فأين كان البصراء عنك?!.
قال رجل لآخر أصلع: إن صلعتك هذه لمن نتن دماغك، فقال: لو كان كذلك ما كان على حرأمك طاقة شعر.
دخل أبو العيناء إلى ابن مكرم، فقال له: كيف أنت? قال أبو العيناء: كما تحب? قال: فلم أنت مطلق?.
أهدى رجل إلى إسماعيل الأعرج فالوذجة زنخة، وكتب معها: إني اخترت لعملها جيّد السكر السوسي، والعسل الماذي، والزعفران الأصبهاني، فأجابه: برئت من الله إن لم تكن عملت هذه الفالوذجة قبل أن تمصر أصبهان، وقبل أن تفتح سوس، وقبل أن أوحى الله إلى النحل.
قيل للنتيف الأصبهاني: ما بقي معك من آلة الجماع? قال: البزاق.
قيل للجاحظ: لم هربت في نكبة ابن الزيات? قال: خفت أن أكون ثاني اثنين إذ هما في التنور.
رمى المتوكل عصفوراً بالبندق فلم يصبه، فقال ابن حمدون: أحسنت يا سيدي، فقال: هو ذا تهزأ بي، كيف أحسنت? قال: إلى العصفور.
كان بعض الكتاب يكتب كتاباً وإلى جنبه رجل يتطلع في كتابه، فلما شق عليه ذلك كتب في كتابه: ولولا ابن زانية أخو قحبة كان يتطلع في كتابي لأطلته وشرحت فيه جميع ما في نفسي، فقال الرجل: يا سيدي والله ما كنت أتطلع في كتابك، فقال: يا بغيض، فمن أين قرأت هذا الذي كتبته? قيل لأبي عروة الزبيري: أيسرك أنك قائد? فقال: إي والله، ولو قائد عميان.
تجارى قوم في مجلس لهم حديث الكمال في الرجال، ودخول النقصان عليهم للآفات، فقال بعضهم: من كان أعور فهو نصف رجل، ومن لن يحسن السباحة فهو نصف رجل، ومن لم يكن متزوجاً فهو نصف رجل. وكان فيهم أعور، ولم يكن يحسن السباحة ولا متزوجاً، فالتفت إلى ذلك الإنسان وقال له: إن كان عليّ ما تقول فأنا أحتاج إلى نصف رجل حتى أكون لا شيء.
قال بعضهم: مررت بمنجم قد صلب، فقلت له: هل رأيت في نجمك وحكمك هذا? قال: كنت رأيت رفعة، ولكن لم اعلم أنها فوق خشبة.
قال بعضهم: نزلت بعض القرى، وخرجت في الليل لحاجة فإذا أنا بأعمى على عاتقه جرة وفي يده سراج، فلم يزل يمشي حتى أتى النهر، وملأ الجرة وانصرف راجعاً، فقلت له: يا هذا، أنت أعمى، والليل والنهار عليك سواء، فما معنى هذا السراج? قال: يا فضولي، حملته معي لأعمى القلب مثلك يستضئ به، فلا يعثر بي في الظلمة فيقع عليّ ويكسر جرتي.
صدم اعور في بعض الأسواق امرأة، فالتفتت إليه وقالت: أعمى الله بصرك، فقال: يا ستي، قد استجاب الله نصف دعائك.
دخل إلى بعض العور رجل من جيرانه - ومعه حمار - فقال: أيها الأستاذ اشتريت هذا الحمار فأحببت أن أتبرك بنظرك إليه فكم يساوي عندك? فتأمله، ثم قال: يساوي خمسين درهماً. وكان الرجل قد اشتراه بمائة درهم، فقال: لا إله إلا الله ما أخطأت بفلس، فإني اشتريته بمائة، وأنت رأيت نصفه.
غنت مغنية بصوت فيه "الله يعلم.." فكررته مراراً، فقال ابن مكرم: أنك بغيضة.
سئل رجل عن سن امرأته - وكانت قديمة الصحبة له - فقال: خذوا عيار رأسها من لحيتي.
قال أبو حنيفة لشيطان الطاق: مات إمامك - يعني جعفر الصادق عليه السلام - فقال له: لكن إمامك لا يموت إلى يوم الدين. يعني، إبليس.
وناظره مرة في الطلاق، فقال له أبو حنيفة: أنتم معاشر الشيعة لا تقدرون على أن تطلقوا نساءكم، فقال شيطان الطاق: نحن نقدر على أن نطلق على جميع من خالفنا نساءهم. فكيف لا نقدر على ذلك في نسائنا? وإن شئت طلقت عليك امرأتك. قال أبو حنيفة: افعل. قال: قد طلقتها بأمرك، فقد قلت لي: افعل.
قال بعض العلوية لأبي العيناء: أتبغضني ولا تصح صلاتك إلا بالصلاة عليّ، إذا قلت: اللهم صل على محمد وآله? فقال أبو العيناء: إذا قلت "الطيبين" خرجت منهم.
أتى قوم بعضهم وقالوا: نحب أن تسلف فلاناً ألف درهم، وتؤخره سنة. فقال: هذه حاجتان ولكني سأقضي لكم إحداهما، أما الألف فلا يسهل عليّ، ولكني أؤخره ما شاء الله.
وسأل بعض الخلفاء من لا يستحق الولاية، فقال: ولني يا أمير المؤمنين أرمينية، فقال: يبطئ على أمير المؤمنين خبرك.
كان لبعضهم ابن متحنف، فقال له يوماً: ما أطيب الثكل! فقال الابن: أطيب منه والله يا أبي اليتم.
قال بعض القصاص - وهو يعظ: آه..آه!! فقال بعض المجان: من تحتي? فقال القاص: ومعي ثلاثة. يريد: لحمل نعشه.
قال رجل لحميد الطوسي - وكان عاتياً - رأيت في النوم كأن القيامة قد قامت، وكأن الله قد دعا بك، وغفر لك، وأدخلك الجنة. فقال: إن كانت رؤياك حقاً فالجور ثم أكثر من هاهنا.
مر الفرزدق وهو راكب بغلة فضربها فضرطت، فضحكت منه امرأة فالتفت إليها وقال: ما يضحكك? فوالله ما حملتني أنثى قط إلا ضرطت، فقالت له المرأة: فقد حملتك أمك تسعة أشهر يا ابن الضراطة.
قيل لمفلس: يا مربي. قال: فأل حسن.
جاء رجل إلى عمر فقال: أعطني فقال: والله لا أعطيك. قال: والله لتعطيني. قال: ولم لا أبالك? قال: لأنه مال الله، وأنا من عيال الله. قال: صدقت.
قال الربيع يوماً بين يدي المهدي لشريك" بلغني أنك خنت أمير المؤمنين. فقال له شريك: مه، لا تقولن ذاك، لو فعلنا لأتاك نصيبك.
خطب رجل إلى عبد الله بن عباس يتيمة كانت في حجره، فقال له: لا أرضاها لك. قال: ولم ذاك? قال: لأنها تشرف وتنظر، وهي مع ذلك برية، فقال: إني لا أكره ذلك، فقال ابن عباس: أما الآن فإني لا أرضاك لها.
قال معاوية لعمرو بن سعيد: إلى من أوصى بك أبوك? فقال: إن أبي أوصى إليّ ولم يوص بي.
وقال عمرو بن العاص لعبد الله بن عباس: اسمع يا ابن أخي. فقال: كنت ابن أخيك. وأنا اليوم أخوك.
قال رجل من أهل الحجاز لابن شبرمة: من عندنا خرج العلم. قال: ثم لم يعد إليكم.
قال بلال بن أبي بردة للهيثم بن الأسود: أنا ابن أحذ الحكمين. فقال: أما أحدهما ففاسق، وأما الآخر فمائق فابن أيهما أنت?.
وقال رجل من ولد أبي موسى لشريك: هل كان علي رضي الله عنه يقنت في الفجر? فقال: نعم، ويلعن فيه أباك.
دخلت وفود على عمر بن عبد العزيز، فأراد فتى منهم الكلام، فقال عمر: ليتكلم أسنكم. فقال الفتى: يا أمير المؤمنين إن قريشاً لترى فيها من هو أسن منك. فقال: تكلم يا فتى.
لقي محمد بن أسباط عبد الله بن طاهر في جبة خز، فقال: يا أبا جعفر، ما خلفت للشتاء? قال: خلع الأمير.
قال ابن الزيات لبعض أولاد البرامكة: من أنت، ومن أبوك? قال: أبي الذي تعرفه، ومات وهو لا يعرفك.
كان لشيطان الطاق ابن محمق، فقال أبو حنيفة له: أنت من ابنك هذا في بستان. قال: هذا لو كان إليك.
دخل بعضهم على عبد الملك، فقال: الحمد لله الذي ردك على عقبيك. فقال: ومن رد إليك فقد رد على عقبيه، فسكت.
لما قال مسكين الدارمي:
ناري ونار الجار واحدة | وإليه قبلي تنزل القدر |
قال الرشيد لإسماعيل بن صبيح: وددت أن لي حسن خطك. فقال: يا أمير المؤمنين، لو كان حسن الحظ مكرمة، لكان أولى الناس بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال عمر بن عبد العزيز لرجل: من سيد قومك? قال: أنا. قال: لو كنت سيدهم ما قلت.
وقال معاوية لعقيل ليلة الهرير: أنت معنا يا أبا يزيد? قال: ويوم بدر كنت معكم.
دخل شاب من بني هاشم على المنصور، فسأله عن وفاة أبيه، فقال: مرض رضي الله عنه يوم كذا، ومات رحمه الله يوم كذا، وترك رضي الله عنه من المال كذا؛ فانتهره الربيع وقال: بين يدي أمير المؤمنين توالى الدعاء لأبيك! فقال الشاب له: لا ألومك؛ لأنك لم تعرف حلاوة الآباء. قال: فما علمنا أن المنصور ضحك في مجلسه قط ضحكاً افترّ عن نواجذه إلا يومئذ.
قال بعضهم وقد باع ضيعة من آخر له: أما والله لقد أخذتها ثقيلة المئونة، قليلة المعونة. فقال: وأنت والله لقد أخذتها بطيئة الاجتماع، سريعة التفرق.
قال رجل لعمرو بن العاص: والله لأتفرّغنّ لك. فقال: هناك والله وقعت في الشغل.
قيل لأبي الأسود الدؤلي: أشهد معاوية بدراً? قال: نعم، من الجانب الآخر.
قال الحجاج لصالح بن عبد الرحمن الكاتب: إني فكرت فيك فوجدت مالك ودمك لي حراماً. قال: أشد ما في هذا أيها الأمير واحدة. قال: وما هي? قال: أن هذا بعد الفكرة. يريد: أن هذا مبلغ عقلك.
نظر ثابت بن عبد الله بن الزبير إلى أهل الشام فشتمهم، فقال له سعيد بن خالد بن عثمان بن عفان: إنما تنتقصهم لأنهم قتلوا أباك. قال: صدقت لقد قتلوا أبي، ولكن المهاجرين والأنصار قتلوا أباك.
خطب أبو الهندي - وهو خالد بن عبد القدوس بن شيث بن ربعي -، إلى رجل من بني تميم؛ فقال له: لو كنت مثل أبيك لزوجتك، فقال: أبو الهندي: لكن لو كنت مثل أبيك ما خطبت إليك.
ووقف عليه نصر بن سيار وهو سكران، فسبه، وقال له: ضيعت شرفك. فقال: لولا أني ضيعت شرفي لم تكن أنت والي خراسان.
جلس محمد بن عبد الملك يوماً للمظالم، وحضر في جملة الناس رجل زيه زي الكتاب، فجلس بإزائه، ومحمد ينفذ الكلام، وهو لا يتكلم. ومحمد يتأمله، فلما خف مجلسه قال له: ما حاجتك? قال: الساعة أذكرها. فلما خلا المجلس تقدم وقال: جئتك أصلحك الله متظلماً. قال: ممن? قال: منك. قال: مني? قال: نعم. ضيعة لي في يد وكيلك يحمل إليك غلتها ويحول بيني وبينها. قال: فما تريد? قال: تكتب بتسليمها إليّ. قال: هذا نحتاج فيه إلى شهود وبينة وأشياء كثيرة. قال الرجل: الشهود هم البينة و"أشياء كثيرة" عيّ منك. فخجل محمد وهاب الرجل، وكتب له بما أرضاه.
قال الحجاج ليحيى بن سعيد بن العاص: أخبرني عبد الله بن هلال صديق إبليس أنك تشبه إبليس. قال: وما ينكر الأمير أن يكون سيد الإنس يشبه سيد الجن.
لما هرب ابن هبيرة من خالد بن عبد الله القسري قال له: أبقت إباق العبد. فقال له: نعم حين نمت نومة الأمة عن عجينها.
دخل رجل من ولد قتيبة بن مسلم الحمام، وبشار بن برد في الحمام، فقال: يا أبا معاذ وددت أنك مفتوح العين. قال: ولم? قال: لترى استي فتعرف أنك قد كذت في شعرك حيث تقول:
على أستاه سادتهم كتاب | "موالي عامر" وسم بنار |
دخل إياس بن معاوية الشام وهو غلام، فقدم خصماً له - وكان شيخاً كبيراً - إلى قاضي عبد الملك، فقال له القاضي: أتقدم شيخاً كبيراً? قال: الحق أكبر منه. قال: اسكت. قال: فمن ينطق بحجتي? قال: لا أظنك تقول حقاً حتى تقوم. قال: لا إله إلا الله. فقام القاضي فدخل على عبد الملك من ساعته فأخبره بالخبر. فقال: اقض حاجنه الساعة، وأخرجه من الشام، لئلا يفسد علينا الناس.
ودخل عبيد الله بن زياد بن ظبيان - وكان أفتك الناس وأخطب الناس - على عبد الملك، فأراد أن يقعد معه على السرير، فقال له عبد الملك: ما بال الناس يزعمون أنك لا تشبه أباك? قال: والله لأنا أشبه بأبي من الليل بالليل، والغراب بالغراب، والماء بالماء، وإن شئت أنبأتك عمن لا يشبه أباه. قال: ومن ذلك? قال: من لم يولد لتمام، ولم تنضجه الأرحام، ومن لم يشبه الأخوال والأعمام. قال: ومن ذاك? قال: ابن عمي سويد بن منجوف. قال: أو كذلك أنت يا سويد? قال: نعم.
ولما خرجا من عنده أقبل سويد وقال: وريت بك زنادي. والله ما يسرني أنك كنت نقصته حرفاً وأن لي حمر النعم. قال: والله وأنا ما يسرني بحلمك اليوم عني سود النعم. وإنما أراد عبيد الله بذلك عبد الملك? فإنه كان ولد سبعة أشهر.
وعبيد الله هو الذي أتى باب مالك بن مسمع، ومعه نار ليحرق عليه داره، وقد كان نابه أمر فلم يرسل إليه قبل الناس، فأشرف عليه مالك، فقال: مهلاً يا أبا مطر. والله إن في كنانتي سهم أنا أوثق به مني بك. قال: وإنك لعدّني في كنانتك، فوالله أو لو قمت فيها لطلتها، ولو قعدت فيها لخرقتها. قال: مهلا، أكثر الله في العشيرة مثلك. قال: لقد سألت ربك شططاً.
قال رجل لرقبة بن مصقلة: ما أكثرك في كل طريق!. فقال له: لم تستكثر مني ما تستقله من نفسك? هل لقيتني في طريق إلا وأنت فيه? ولما دخل إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة البصرة قال: هممت أن أؤدب من خالف أبا حنيفة في مسألة. قال له قائل: هل كان أبو حنيفة يؤدب من خالفه? قال: لا. قيل له، فأدّب نفسك فقد خالفته.
حدث بعضهم قال: خرجت في حاجة فلما كنت بالسيالة وقفت على باب ابن هرمة فصحت: يا أبا إسحاق، فأجابتني ابنته قالت: خرج آنفاً. قال: فقلت: هل من قرىً، فإني مقو من الزاد. قالت: لا والله. قلت: فأين قول أبيك:
لا أمتع العود بالفصال، ولا | أبتاع إلا قـريبة الأجـل |
قال المهدي يوماً لشريك، وعيسى بن موسى عنده: لو شهد عندك عيسى كنت تقبله? وأراد أن يغرى بينهما. فقال شريك: من شهد عندي سألت عنه، ولا يسأل عن عيسى غير أمير المؤمنين، فإن زكيته قبلته. فقبلها عليه.
قيل لسعيد بن المسيب وقد كف: ألا تقدح عينك. قال: حتى أفتحها على من? قال مروان يوم الزاب لحاجبه وقد ولى منهزماً: كر عليهم بالسيف. فقال: لا طاقة لي بهم. فقال: والله لئن لم تفعل بهم لأسوءنك. قال: وددت أنك تقدر على ذلك.
ركب الرشيد وجعفر بن يحيى يسايره، وقد بعث عليّ بن عيسى بهدايا خراسان بعد ولاية الفضل بن يحيى، فقال الرشيد لجعفر: أين كان هذا في أيام أخيك? قال: في منازل أهله.
قال بحيرا الراهب لأبي طالب: احذر على ابن أخيك، فإنه سيصير إلى كذا وكذا. قال: إن كان الأمر كما وصفت فإنه في حصن من الله.
قال رجل مطعون النسب لأبي عبيدة لما عمل كتاب المثالب: سببت العرب جميعاً. قال: وما يضرك? أنت خارج من ذلك.
قيل لإياس بن معاوية: إنك لتعجب برأيك. قال: لو لم أعجب به لم أقض به.
قال رجل لعامر بن الطفيل: استأسر. قال: بيت أمك لا يسعني.
قال الرشيد ليزيد بن مزيد في لعب الصوالجة: كن مع عيسى بن جعفر. فأبى، فغضب الرشيد وقال: أتأنف أن تكون معه? قال: قد حلفت لأمير المؤمنين ألا أكون عليه في جد ولا هزل.
دخل الحجاج دار عبد الملك، فقال له خالد بن يزيد: ما هذا السيف، وإلى متى هذا القتل? قال: ما دام بالعراق رجل يشهد أن أباك كان يشرب الخمر.
قيل لأبي عبيدة: "الأصمعي دعيّ". قال: ليس في الدنيا أحد يدعي إلى أصمع.
وقع في بعض الثغور نفير؛ فخرج رجل، ومعه قوس بلا نشاب، فقيل له: أين الشباب? قال: يجئ الساعة إلينا جزاءً من عند العدو. قالوا: فإن لم يجئ? قال: إن لم يجئ لم تكن بيننا وبينهم حرب.
قال رجل لهشام بن الحكم أليس اختصم العباس وعليّ إلى عمر? قال: بلى. قال: فأيهما كان الظالم? قال: ليس فيهما ظالم. قال: يا سبحان الله، كيف يتخاصم اثنان وليس فيهما ظالم? قال: كما تخاصم الملكان إلى داود عليه السلام وليس فيهما ظالم.
قال رجل لشريك: أخبرني عن قول عليّ رضي الله عنه لابنه الحسن: ليت أباك مات قبل هذا اليوم بعشرين سنة. أقاله وهو شاكّ في أمره? قال: له شريك: أخبرني عن قول مريم: "يا ليتني مت قبل هذا". أقالته وهي شاكة في عفتها? فسكت الرجل.
استأذن أبو سفيان على عثمان رضي الله عنه فحجبه، فقيل له: حجبك أمير المؤمنين. فقال: لا عدمت من قومي من إذا شاء حجبني.
دخل الوليد بن يزيد على هشام، وعلى الوليد عمامة وشي، فقال هشام: بكم أخذت عمامتك? قال: بألف درهم. فقال هشام: عمامة بألف? - يستكثر ذلك - فقال الوليد: يا أمير المؤمنين إنها لأكرم أطرافي. وقد اشتريت أنت جارية بعشرة آلاف درهم لأخس أطرافك.
بات المفضل الضبي عند المهدي. فلم يزل يحدثه وينشده حتى جرى ذكر حماد الراوية، فقال له المهدي: ما فعل عياله? ومن أين يعيشون? قال: من ليلة مثل هذه كانت له مع الوليد بن يزيد.
لما قال أبو العتاهية:
فاضرب بطرفك حيث شئ | ت، فلن ترى إلا بخـيلا |
دعا أبو جعفر المنصور أبا حنيفة إلى القضاء. فأبى، فحبسه، ثم دعا به، فقال له: أترغب عما نحن فيه? فقال: أصلح الله أمير المؤمنين، لا أصلح للقضاء. فقال: كذبت. فقال أبو حنيفة: قد حكم عليّ أمير المؤمنين أني لا أصلح للقضاء، لأنه نسبني إلى الكذب، فإن كنت كاذباً فأنا لا أصلح، وإن كنت صادقاً، فإني قد صدقت عن نفسي أني لا أصلح. فرده إلى الحبس.
قال الحسن بن سهل: ما نكأ قلبي كقول خاطبني به أعرابي يحج يوماً بالعرب، فقلت له: رأيت منازلكم وخيامكم تلك الصغار، فقال لي بالعجلة: فهل رأيت فيها من ينكح أمه أو أخته? قال رجل لآخر: ألا تستحيي من إعطاء القليل? فقال: الحرمان أقل منه.
شكا يزيد بن أسيد إلى المنصور ما ناله من العباس بن محمد أخيه، فقال المنصور: اجمع إحساني إليك وإساءة أخي، فإنهما يعتدلان. قال: إذا كان إحسانكم إلينا لإساءتكم. كانت الطاعة منا تفضلا.
كتب ملك الروم إلى ملك فارس: كل شيء تقوله كذب. فكتب إليه: صدقت. أي أني في تصديقك كاذب.
قال بعضهم: التقى رجلان في بعض بلاد الهند، فقال أحدهما للآخر - وكان غريباً -: ما أقدمك بلادنا? فقال: قدمت أطلب علم الوهم. قال: فتوهم أنك قد أصبته، وانصرف. فأفحمه.
قال رجل لسليمان الشاذكوني: أرانيك الله يا أبا أيوب على قضاء أصبهان. فقال له سليمان: إن كان ولا بد فعلى خراجها، فإن أخذ مال الأغنياء أسهل من أخذ أموال اليتامى.
قال رجل من ولد عيسى بن موسى لشريك بن عبد الله حين عزل عن القضاء: يا أبا عبد الله، هل رأيت قاضياً عزل? قال: نعم، وولى عهد خلع.
قال مصعب بن الزبير لسكينة بنت الحسين: أنت مثل البغلة لا تلدين. قالت: لا والله، ولكن أبي كرمي أن يقبل لؤمك.
قال رجل لآخر: إن قلت كلمة سمعت عشراً. فقال له: لو قلت عشراً. ما سمعت كلمة.
قال محمد بن مسعر: كنت أنا ويحيى بن أكثم عند سفيان، فبكى سفيان. فقال له يحيى: ما يبكيك يا أبا محمد? فقال له: بعد مجالستي أصحاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بليت بمجالستكم. فقال يحيى - وكان حدثاً -: فمصيبة أصحاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجالستك إياهم بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من مصيبتك. فقال: يا غلام، أظن السلطان سيحتاج إليك.
دعا الحجاج رجلاً ليوجهه إلى محاربة عدو، فقال له: أعندك خير? قال: لا، ولكن عندي شر. قال: هذا هو الذي أريدك له، امض لوجهك.
أكل أعرابي من بني عذرة مع معاوية، فجرف ما بين يدي معاوية، ثم مد يده هاهنا وهاهنا، ورأى بين يدي معاوية ثريدة كثيرة السمن فجرها، فقال معاوية: "أخرقتها لتغرق أهلها". فقال الأعرابي: لا، ولكن "سقناه إلى بلد ميت".
لما بنى محمد بن عمران قصراً حيال قصر المأمون، قيل له: يا أمير المؤمنين، باراك وباهاك. فدعاه وقال: لم بنيت هذا القصر حذائي? قال: يا أمير المؤمنين، أحببت أن ترى أثر نعمتك عليّ، فجعلته نصب عينيك. فاستحسن جوابه، وأجزل عطيته.
قال رجل لأبي عبيدة: أحب أن تخرج لي أيام عشيرتي - وكان دعيّا - فقال أبو عبيدة: مثلك مثل رجل قال لآخر: اقرأ لي من: "قل هو الله أحد" عشرين آية. قال: لا، ولكنك تبغض العرب. قال: وما عليك من ذاك?.
قال رجل لابنه، وكانت أمه سرية: يا ابن الأمة. قال: هي عندي أحمد منك. قال: ولم? قال: لأنها ولدتني من حر، وولدتني من أمة.
قالت عجوز: اللهم لا تمتني حتى تغفر لي. فقال زوجها: إذاً لا تموتين أبدا.
شاتم أعرابي ابنه فنفاه وقال: لست بابني. فقال: والله لأنا أشبه بك منك بأبيك، ولأنت كنت على أمي أغير من أبيك على أمك.
كان بعضهم يتقلد أعمال السلطان، فجاء أبوه يوماً فسأله في أمر إنسان، فاشتد ذلك عليه وضجر منه، فقال لأبيه: أحب أن أسألك، إذا جاءك إنسان وقال: كلم ابنك. تسبني وتقول: ليس ذلك بابني? فقال له: أنا أقول هذا منذ ثلاثين سنة فلا يقبل مني.
بعث معن بن زائدة إلى ابن عياش المنتوف ألف دينار، وكتب إليه: قد بعثت إليك ألف دينار، واشتريت بها دينك. فكتب إليه: وصل ما أنفذت وقد بعتك بها ديني ما خلا التوحيد، لعلمي بقلة رغبتك فيه.
لما قدم معاوية حاجاً في خمس وأربعين تلقته قريش بوادي القرى، وتلقته الأنصار بأجزاع المدينة، فقال: يا معشر الأنصار، ما منعكم أن تتلقوني حيث تلقتني قريش? قالوا: لم يكن لنا دوابّ. قال: فأين النواضح? قالوا: أنضيناها يوم بدر في طلب أبي سفيان.
قال بعضهم لشيطان الطاق: أتحل المتعة? قال: نعم. قال: فزوجني أمك متعة. قال: يا أحمق إذا زوجتك لم تكن متعة، أما المتعة إذا زجتك نفسها.
وكان أبو حنيفة وشيطان الطاق يمشيان ذات يوم إذ سمعا رجلاً يقول: من يدلنا على صبي ذال? فقال شيطان الطاق: أما الصبي فلا أدري، ولكن إن أردت أن أدلك على شيخ ضال فها هو. وأومأ إلى أبي حنيفة.
لما أخذ محمد بن سليمان صالح بن عبد القدوس ليوجه به إلى المهدي، قال: أطلقني حتى أفكر لك فيولد لك ذكر. قال: بل اصنع ما هو أنفع لك من أن يولد لي، فكر حتى تفلت من يدي.
قال مروان بن الحكم لحبيش بن دلجة: أظنك أحمق. فقال: أحمق ما يكون الشيخ إذا عمل بظنه.
قال بعضهم لأبي تمام: لم لا تقول ما يفهم? فقال: لم لا تفهمون ما يقال.
قال معاوية: لو ولد أبو سفيان الناس كلهم كانوا حلماء. فقال له أبو جهم بن حذيفة: قد ولدهم من هو خير من أبي سفيان، آدم عليه السلام، فمنهم: الحليم والسفيه، والعاقل والأحمق، والصالح والطالح.
قال الأشعث بن قيس الكندي لشريح القاضي: يا أبا أمية، عهدي بك وإن شأنك لشؤين. فقال: يا أبا محمد أنت تعرف نعمة الله على غيرك وتجهلها في نفسك.
دخل رجل على داود الطائي وهو يأكل خبزاً قد بله بالماء مع ملح جريش. فقال له: كيف تشتهي هذا? قال: إذا لم أشتهه تركته حتى أشتهيه.
قال الرشيد: ما رأيت أزهد من الفضيل، فقال الفضيل لما بلغه ذلك: هو أزهد مني؛ لأني أزهد في فان، وهو يزهد في باق.
ومر عبد الله بن عامر بعامر بن عبد قيس وهو يأكل بقلاً بملح، فقال له: لقد رضيت بالقليل. فقال: أرضى مني بالقليل من رضي بالدنيا.
نظر الفرزدق إلى شيخ من اليمن فقال: كأنه عجوز سبأ. فقال له: عجوز سبأ خير من عجوز مضر، تلك. قالت: "رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين". وهذه: "حمالة الحطب. في جيدها حبل من مسد".
قال ابن ملجم - لعنه الله - لعلي رضي الله عنه لما ضربه بالسيف: إني اشتريت سيفي هذا بألف وسممته بألف، وسألت الله أن يقتل به شر خلقه، فقال علي كرم الله وجهه: قد أجاب الله دعوتك. يا حسن، إذا مت فاقتله بسيفه.
قدم مرزبان من مرازبة فارس باب السلطان في أيام المهدي يشكو عاملهم، فقال لأبي عبيد الله الوزير: أصلحك الله. إنك وليت علينا رجلاً، إن كنت وليته وأنت تعرفه، فما خلق الله رعية أهون عليك منا، وإن كنت لم تعرفه، فما هذا جزاء الملك الذي ولاك أمره، وأقامك مقامه. فدخل أبو عبيد الله على المهدي وأخبره، وخرج فقال: إن هذا رجل كان له علينا حق فكافأناه. فقال له: أصلحك الله، إنه كان على باب كسرى ساجة منقوشة بالذهب مكتوب عليها: العمل للكفاءة، وقضاء الحقوق على بيوت الأموال، فأمر المهدي بعزل العامل.
وتظلم أهل الكوفة إلى المأمون من عامل ولاه عليهم، فقال: ما علمت في عمالي أعدل ولا أقوم بأمر الرعية، وأعود بالرفق عليهم منه. فقام رجل من القوم، فقال: يا أمير المؤمنين: ما أحد أولى بالعدل والإنصاف منك. فإذا كان عاملنا بهذه الصفة فينبغي أن يعدل بولايته بين أهل البلدان، ويساوي به بين أهل الأمصار، حتى يلحق كل بلد وأهله من عدله وإنصافه مثل الذي لحقنا. وإذا فعل ذلك أمير المؤمنين فلا يصيبنا منه أكثر من ثلاث سنين. فضحك المأمون، وعزل العامل عنهم.
قال أحمد بن أبي خالد يوماً لثمامة: أنا أعرف لكل واحد ممن في هذه الدار معنى غيرك، فإني لا أعرف لك معنى، ولا أدري لماذا تصلح. فقال ثمامة: أنا أصلح أن أشاور في مثلك، هل تصلح لموضعك. فأفحمه.
حمل بعض الصوفية طعاماً إلى طحان ليطحنه، فقال: أنا مشغول. فقال: اطحنه وإلا دعوت عليك وعلى حمارك ورحاك. قال: وأنت مجاب الدعوة? قال: نعم. قال: فادع الله أن يصير حنطتك دقيقاً، فهو أنفع لك، واسلم لدينك.
هجا أبو الهول الحميري الفضل بن يحيى، ثم أتاه راغباً، فقال له الفضل: ويحك، بأي وجه تلقاني? قال: بالوجه الذي ألقى به ربي جل جلاله، وذنوبي إليه أكثر. فضحك ووصله.
قال الحجاج لسعيد بن جبير: اختر لنفسك أي قتلة شئت. قال: بل اختر أنت؛ فإن القصاص أمامك.
جاء شيخ من بني عقيل إلى عمر بن هبيرة فمتّ بقرابته، وسأله، فلم يعطه شيئاً. فعاد إليه بعد أيام فقال: أنا العقيلي الذي سألك منذ أيام. قال عمر: وأنا الفزاري الذي منعك منذ أيام. فقال معذرة إلى الله، إني سألتك وأنا أظنك يزيد بن هبيرة المحاربي، فقال: ذاك ألأم لك، وأهون بك علي، نشأ في قومك مثلي ولم تعلم به، ومات مثل يزيد ولا تعلم به. يا حرسي اسفع يده.
قال عمر بن الوليد للوليد بن يزيد: إنك لتعجب بالإماء. قال: وكيف لا أعجب بهن، وهن يأتين بمثلك.
سئل بعض من كان أبوه متقدماً في العلم عن مسألة، فقال: لا أدري و"لا أدري" نصف العلم. فقال له بعض من حضر: ولكن أباك بالنصف الآخر تقدم.
وقال رجل لرجل قال: "لا أدري، ولا أدري، نصف العلم": نعم، ولكنه أخس النصفين.
وقيل لآخر: ما تقول في كذا? فقال: "لا أدري، ولا أدري، نصف العلم". فقيل له: قل ذلك دفعتين وهو العلم كله.
بعث الأفشين إلى ابن أبي دؤاد: ما أحب أن تجيئني، فلا تأتني. فأجابه: ما أتيتك متعززاً بك من ذلة، ولا متكثراً بك من قلة، ولكنك رجل رفعتك دولة، فإن جئتك فلها، وإن قعدت عنها فلك.
أتي معاوية بسارق فأمر بقطعه، فخرجت إليه أمه وقالت: يا أمير المؤمنين، واحدي وكاسبي. فقال: يا أمة الله، هذا حد من حدود الله. قالت: اجعله مع صفين ونظائرها. فعفا عنه.
مشت قريش إلى أبي طالب بعمارة بن الوليد، فقالوا: ادفع إلينا محمداً نقتله، وأمسك عمارة فاتخذه ولداً مكانه. فقال: ما أنصفتموني يا معشر قريش. أدفع إليكم ابني تقتلونه، وأمسك ابنكم أغذوه لكم! كان ربيعة الرأي لا يكاد يسكت، وتكلم يوماً وأكثر وأعجب بالذي كان منه؛ فالتفت إلى أعرابي كان عنده وسأل الأعرابي: ما تعدون العي فيكم? قال: ما كنت فيه منذ اليوم.
دخل عبيد الله بن زياد بن ظبيان على أبيه وهو يجود بنفسه، فقال له: ألا أوصي بك الأمير زياداً? قال: لا. قال: ولم ذاك? قال: إذا لم يكن للحي إلا وصية الميت فالحي هو الميت.
كتب إبراهيم بن سيابة إلى صديق له، كثير المال، يستسلف منه نفقة، فكتب إليه: العيال كثير، والدخل قليل، والدين ثقيل، والمال مكذوب عليه. فكتب إليه إبراهيم: إن كنت كاذباً فجعلك الله صادقاً، وإن كنت محجوجاً فجعلك الله معذوراً.
أدخل زفر بن الحارث على عبد الملك بعد الصلح، فقال: ما بقي من حبك للضحاك?. قال: ما لا ينفعني ولا يضرك. قال: شد ما أحببتموه معاشر قيس! قال: أحببناه، ولم نواسه، ولو كنا واسيناه لقد كنا أدركنا ما فاتنا منه. قال: فما منعك من مواساته يوم المرج? قال: الذي منع اباك من مواساة عثمان يوم الدار.
دخل الشعبي الحمام وفيه رجل متكشف، فغمض عينيه، فقال له الرجل: يا شيخ، متى ذهبت عينك? فقال: منذ هتك الله سترك.
كتب عمرو بن عبد العزيز إلى أبي مجاز، فقدم إليه من خراسان، ودخل مع الناس فلم يعرفه عمر، وخرج فسأل عنه بعد ذلك فقيل له: قد كان دخل عليك، فدعا به وقال له: لم أعرفك. فقال: يا أمير المؤمنين. إذا لم تعرفني، فهلا أنكرتني.
حلف رجل بالطلاق أن الحجاج في النار. فقيل له: سل عن يمينك. فأتى أيوب السختياني فأخبره، فقال: لست أفتي في هذا بشيء، يغفر الله لمن يشاء. فأتى عمرو بن عبيد فأخبره، فقال: تمسك بأهلك، فإن الحجاج إن لم يكن من أهل النار فليس يضرك أن تزني.
كان الوليد بن عبد الملك يلعب بالحمام؛ فخلا لذلك يوماً، واستؤذن لنوفل بن مساحق، فأذن له، فلما دخل قال: خصصتك بالإذن دون الناس.
فقال: ما خصصتني ولكن خسستني، وكشفت لي عن عورة من عوراتك.
قال موسى بن سعيد بن سلم: قال أبو الهذيل لأبي يوماً: إني لا أجد في الغناء ما يجد الناس من الطرب! فقال له: فما أعرف إذاً في الغناء ذنباً.
أتي ضرار المتكلم بمجوسي ليكلمه، فقال: أبو من? فقال المجوسي: نحن أجل من أن نسب إلى أبنائنا، إنما ننسب إلى آبائنا، فأطرق ضرار ثم قال: أبناؤنا أفعالنا، وآباؤنا أفعال غيرنا، ولأن ننسب إلى أفعالنا، أولى من أن ننسب إلى أفعال غيرنا.
كان يناظر رجل يحيى بن أكثم، وكان يقول له في أثناء كلامه: يا أبا زكريا. وكان يحيى يكنى بأبي محمد. فقال يحيى: لست بأبي زكريا. فقال الرجل: كل يحيى كنيته أبو زكريا. فقال: العجب أنك تناظرني في إبطال القياس، وتكنيني بالقياس.
لما عزل عثمان عمرو بن العاص، وولى عبد الله بن أبي السرح مكانه، دخل عليه عمرو، فقال: أشعرت أن اللقاح بعدك درت ألبانها بمصر? فقال: نعم، ولكنكم أعجفتم أولادها.
عرض على رجل ليشتريه، فقال: ما عندي ثمنه. فقال البائع: أنا أؤخرك. فقال: بل أنا أؤخر نفسي.
سار الفضل بن الربيع إلى أبي عباد في نكبته يسأله حاجة، فأرتج عليه، فقال له: يا أبا العباس، بهذا البيان خدمت خليفتين?! فقال: إنا تعودنا أن نسأل ولا نسأل.
دخل أشعري على الرشيد وسأله فقال: احتكم. قال: يحكّم بعد أبي موسى? فضحك وأعطاه.
دخل قيس بن عاصم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني وأدت اثنتي عشرة بنتاً في الجاهلية، فما اصنع? قال: اعتق عن كل موءودة نسمة. فقال أبو بكر: ما الذي حملك على ذلك وأنت أكبر العرب? قال: مخافة أن ينكحهن مثلك. فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: "هذا سيد أهل الوبر".
سئل الشعبي عن شيء، فقال: لا أدري. فقيل له: أما تستحي أن تقول: لا أدري وأنت فقيه العراق? قال: لكن الملائكة لم تستح إذ قالت: "سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا".
خطب أبو الهندي إلى رجل، فقال له: لو كنت مثل أبيك زوجتك. فقال أبو الهندي: لو كنت مثل أبي ما خطبت إليك.
قال محمد بن عبد الملك لبعض الكتاب: كلمت أمير المؤمنين في عمر بن فرج فعزله من الديوان. فقال له: فرغته لطلب عيوبك.
جاور إبراهيم بن سيابة قوماً فأزعجوه من جوارهم، فقال: لم تخرجونني من جواركم? فقالوا: لأنك مريب. فقال: ويحكم. ومن أذل من مريب، أو أحسن جواراً?.
قيل لبعض الصوفية: أتبيع جبتك الصوف? قال: إذا باع الصياد شبكته فبأي شيء يصطاد?.
قالوا: لما ضرب سعيد بن المسيب أقيم للناس، فمرت به أمة لبعض المدينيين، فقالت: لقد أقمت مقام الخزي يا شيخ. فقال سعيد: من مقام الخزي فررت.
سمعت الصاحب رحمه الله يقول: إن بعض ولد أبي موسى الأشعري عير بأنه كان حجاماً، فقال: ما حجم قط غير النبي صلى الله عليه وسلم. فقيل له: كان ذلك الشيخ أتقى لله من أن يتعلم الحجامة في عنق النبي صلى الله عليه وسلم. قال الصاحب: وأنا أقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحزم من أن يمكن من حجامته من لم يحجم قط أحداً.
أخذت الخوارج رجلاً فقالت له: ابرأ من عثمان وعلي. فقال: أنا من علي، ومن عثمان برئ.
قال معاوية لرجل: أنت سيد قومك. قال: الدهر ألجأهم إليّ.
قال ذو الرياستين لثمامة: ما أدري ما اصنع في كثرة طلاب الحوائج وغاشية الباب!. فقال: زل عن مكانك وموضعك من السلطان، وعلى ألا يلقاك أحد منهم. قال: صدقت. وقعد لهم، ونظر في أمورهم.
وقال بعضهم لسعيد بن العاص: عرضت لي إليك حويجة. فقال: اطلب لها رجيلاً.
وبضد ذلك ما قاله ابن عباس، فإنه قال: هاتها؛ فإن الحر لا يكبر عن صغير حاجة أخيه، ولا يصغر عن كبيرها.
دخل الرقاشي على المعتصم في يوم مطير، فقرب مجلسه ورحب به. وقال له: أقم عندنا يومك نشرب ونطرب. فقال: يا أمير المؤمنين، إني وجدت في الكتب السالفة: أن الله جل ذكره لما خلق العقل قال له: أقبل. فأقبل، ثم قال له: أدبر. فأدبر، ثم قال له: وعزتي، ما خلقت خلقاً أكرم منك عليّ، بك أعطي، وبك أمنع، وبك آخذ. فلو وجدت عقلاً يباع لاشتريته، واضفته إلى عقلي. فكيف أشرب ما يزيل ما معي من العقل? قال المعتصم: عقلك أوردك هذا المكان.
قيل لسعيد بن سلم: لم لا تشرب النبيذ? قال: تركت كثيره لله وقليله للناس.
وقيل للعباس بن مرداس: لم تركت الشرب وهو يزيد في جرأتك وسماحك? قال: أكره أن أصبح سيد قوم، وأمسي سفيههم.
خاصم رجل من ولد أبي لهب آخر من ولد عمرو بن العاص، فعيره وعيره الآخر بسورة: تبّت. فقال اللهبي: لو علمت ما لولد أبي لهب في هذه السورة لم تعبهم؛ لأن الله صحح نسبهم بقوله: "وامرأته حمالة الحطب"؛ فبين أنهم من نكاح لا من سفاح، ونفى بني العاص بقوله: "زنيم" والزنيم: المنتسب إلى غير أبيه.
قال يحيى بن أكثم لشيخ بالبصرة: بمن اقتديت في تحليل المتعة? فقال: بعمر بن الخطاب، فإنه قال: إن الله ورسوله أحلا لكم متعتين، وأنا أحرمهما عليكم وأعاقب. فقبلنا شهادته، ولم نقبل تحريمه.
أتى رجل أعور في زمان عمر، فشهد أنه رأى الهلال. فقال عمر: بأي عينيك رأيت? قال: بشرهما، وهي الباقية؛ لأن الأخرى ذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته. فأجاز شهادته.
رأى مجوسي في مجلس الصاحب رحمه الله لهيب نار، فقال: ما أشرفه! فقال الصاحب: ما أشرفه وقوداً، وأخسه معبوداً!.
صح عند بعض القضاة إعدام رجل فأركبه حماراً ونودي عليه: هذا معدم، فلا يعاملنه أحد إلا بالنقد، فلما كان آخر النهار نزل عن الحمار، فقال له المكاري: هات أجرتي. فقال: فيم كنا نحن منذ الغداة? تقدم سقاء إلى فقيه على باب سلطان، فسأله عن مسألة، فقال: أهذا موضع المسألة? فقال له: وهذا موضع الفقهاء? قال الأصمعي: ضرب أبو المخش الأعرابي غلماناً للمهدي. فاستعدوا عليه، فأحضره وقال: اجترأت على غلماني فضربتهم. فقال: كلنا يا أمير المؤمنين غلمانك ضرب بعضنا بعضاً. فخلى عنه.
اعترض رجل المأمون فقال: يا أمير المؤمنين، أنا رجل من العرب. فقال: ما ذاك بعجب. قال: إني أريد الحج. قال: الطريق أمامك نهج. قال: وليست لي نفقة. قال: قد سقط الفرض. قال: إني جئتك مستجدياً لا مستفتياً. فضحك وأمر له بصلة.
قال بعضهم: ما قطعني إلا غلام قال لي: ما تقول في معاوية? قلت: إني أقف فيه. قال: فما تقول في يزيد? قلت: ألعنه لعنه الله. قال: فما تقول فيمن يحبه? قلت: ألعنه. قال: أفترى معاوية لا يحب يزيد ابنه!? قال الحجاج لرجل: أنا أطول أم أنت? فقال: الأمير أطول عقلاً، وأنا أبسط قامة.
قدم رجل من اليمامة فقيل له: ما أحسن ما رأيت بها? قال: خروجي منها أحسن ما رأيت بها.
مدح رجل هشاماً فقال له: يا هذا، إنه قد نهي عن مدح الرجل في وجهه فقال له: ما مدحتك، وإنما أذكرتك نعمة الله، لتجدد له شكراً.
عاتب الفضل بن سهل الحسين بن مصعب في أمر ابنه طاهر، والتوائه وتلونه، فقال له الحسين: أنا أيها الأمير شيخ في أيديكم، لا تذمون إخلاصي وتلونه، فقال له الحسين: أنا أيها الأمير شيخ في أيديكم، لا تذمون إخلاصي ولا تنكرون نصيحتي، فأما طاهر فلي في أمره جواب مختصر وفيه بعض الغلط، فإن أذنت ذكرته. قال: قل. قال: أيها الأمير، أخذت رجلاً من عرض الأولياء فشققت صدره، وأخرجت قلبه، ثم جعلت فيه قلباً قتل به خليفة، وأعطيته آلة ذلك من الرجال والأموال والعبيد، ثم تسومه بعد ذلك أن يذل لك، ويكون كما كان. لا يتهيأ هذا إلا أن ترده إلى ما كان، ولا تقدر على ذلك. فسكت الفضل.
قال عبد الملك لابن الحارث: بلغني أنكم من كندة. فقال: يا أمير المؤمنين، وأي خير فيمن لا يدعى رغبة أو ينفى حسداً.
احتضر ابن أخ لأبي الأسود الدؤلي فقال: يا عم، أموت والناس يحيون! قال: يابن أخي، كما حييت والناس يموتون.
قال عمرو بن مسعدة لابن سماعة المعيطي: صف لي أصحابك. قال: ولا تغضب? قال: لا. قال: كانوا يغارون على الإخوان، كما تغارون على القيان.
أمر يحيى بن أكثم برجل إلى الحبس، فقال: إني معسر. فلم يلتفت إليه، فقال: من لعيالي? قال: الله لهم. فقال الرجل: أراني الله عيالك وليس لهم أحد غير الله.
قال بعضهم لمجوسي: ما لك لا تسلم? قال: حتى يشاء الله. قال: قد شاء، ولكن الشيطان لا يدعك. قال: فأنا مع أقواهما.
ساير ابن لشبيب بن شيبة عليّ بن هشام، وعليّ على برذون له فاره، فقال له: سر. فقال: وكيف أسير وأنت على برذون إن ضربته طار وإن تركته سار، وأنا على برذون إن ضربته قطف، وإن تركته وقف. فدعا له ببرذزن وحمله عليه.
قال عبيد الله بن زياد لمسلم بن عقيل: لأقتلنك قتلة تتحدث بها العرب. فقال: أشهد أنك لا تدع سوء القتلة ولؤم المقدرة لأحد أولى بها منك.
قال مالك بن طوق للعتابي: سألت فلاناً حاجة، فرأيتك قليلاً في كلامك. فقال: كيف لا اقل في كلامي، ومعي حيرة الطلب وذل المسألة، وخوف الرد.? جلس معن بن زائدة يوماً يقسم سلاحاً في جيشه، فدفع إلى رجل سيفاً رديئاً، فقال: اصلح الله الأمير، أعطني غيره. قال: خذه فإنه مأمور. فقال: فإنه مما أمر به ألا يقطع شيئاً أبداً! فضحك معن وأعطاه غيره.
قال بنو تميم لسلامة بن جندل: مجدنا بشعرك. قال: افعلوا حتى أقول.
أتى هشام برجل رمي بجناية، فأقبل يحتج عن نفسه، فقال هشام: أو تتكلم أيضاً? فقال الرجل: إن الله تعالى يقول: "يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها" أفتجادل الله جدالاً ولا نكلمك كلاماً? قال: تكلم بما أحببت.
قال المأمون لابن الأكشف - وكان كثير الركوب للبحر - ما أعجب ما رأيت في البحر? قال: سلامتي منه.
قيل لسعيد بن المسيب لما نزل الماء في عينيه: اقدحهما حتى تبصر. فقال: إلى من?.
قال المنصور لرجل: ما مالك? قال: ما يكف وجهي، ويعجز عن الصديق. قال له: لطفت في المسألة.
قال المدائني: ورد على المنصور كتاب من مولى له بالبصرة أن سالماً ضربه بالسياط، فاستشاط غضباً وقال: أعليّ يجترئ سالم? والله لأجعلنه نكالاً يتعظ به غيره. فأطرق جلساؤه جميعاً، فرفع ابن عياش رأسه، وكان أجرأهم عليه، فقال: يا أمير المؤمنين، قد رأينا من غضبك على سالم ما شغل قلوبنا، وإن سالماً لم يضرب مولاك بقوته ولا قوة أبيه، ولكنك فقلدته سيفك، وأصعدته منبرك، فأراد مولاك أن يطامن منه ما رفعت، ويفسد ما صنعت، فلم يحتمل له ذلك. يا أمير المؤمنين، إن غضب العربي في رأسه، فإذا غضب لم يهدأ حتى يخرجه بلسان أو يد، وإن غضب النبطي في استه، فإذا خري ذهب عنه غضبه. فضحك المنصور، وكف عن سالم.
رأى رجل رجلاً من ولد معاوية على بعير له، فقال: هذا ما كنتم فيه من الدنيا. فقال: رحمك الله، ما فقدنا إلا الفضول.
دخل أبو بكر الهجري على المنصور، فقال: يا أمير المؤمنين، نفض فمي وأنت أهل بيت بركة، فلو أذنت لي فقبلت رأسك لعل الله يشدد لي منه. فقال أبو جعفر المنصور: اخترمنها ومن الجائزة. فقال: يا أمير المؤمنين، أهون عليّ من ذهاب درهم من الجائزة ألا يبقى في فمي حاكة.
قيل للشعبي: أكان الحجاج مؤمناً? قال: نعم بالطاغوت.
كتب الحسن بن زيد إلى صاحب الزنج بالبصرة: عرفني نسبك. فأجابه: ليغنك من شأني ما عناني من أمرك.
كتب صاحب البصرة إلى يعقوب بن الليث الصفار يستدعيه إلى مبايعته، فقال لكاتبه: أجب عن كتابه. فقال: بماذا? قال: اكتب "قل يا أيها الكافرون. لا أعبد ما تعبدون.." السورة.
قيل لأبي الهذيل: إن قوماً يلعنونك. قال: أرأيت إن أنا تبعتهم هل يلعنني قوم آخرون? قال: نعم. قال: فأراني لا أتخلص من لعن طائفة، فدعني مع الحق وأهله.
قال سعيد بن المسيب لعبد الملك - وقد خطب الناس فأبكاهم - يا أمير المؤمنين، لئن أبكاهم قولك لما أرضاهم فعلك.
وقيل للأعمش: أنت تكثر الشك. قال: تلك محاماة عن اليقين.
لما ولى أبو جعفر المنصور سليمان بن راشد الموصل، ضم إليه ألف رجل من أهل خراسان وقال: قد ضممت إليك ألف شيطان. فلما دخل الموصل عاثوا، وبلغ الخبر المنصور فكتب إليه: يا سليمان، كفرت بالنعمة. فكتب في جوابه: "وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا".
قال معاوية لعمرو بن العاص: ما بلغ من دهائك? قال: لم أدخل في أمر قط إلا خرجت منه. قال معاوية: لكنني لم أدخل قط في أمر أردت الخروج منه.
قال الواثق لابن أبي دؤاد: كان عندي الساعة الزيات، فذكرك بكل قبيح. فقال: الحمد لله الذي أحوجه إلى الكذب عليّ، ونزّهني عن قول الحق فيه.
قال المتوكل للفتح بن خاقان، وقد خرج وصيف الخادم المعروف بالصغير في أحسن زي: أتحبه? قال: إني لأحب من تحب، وأحب من يحبك، لا سيما مثل هذا.
قال المأمون لثمامة: ارتفع. قال: يا أمير المؤمنين، لم يف شكري بموضعي هذا، وأنا أبعد عنك بالإعظام لك، وأقرب منك شحاً عليك.
خلع الرشيد على يزيد بن مزيد - وكان في مجلسه رجل من أهل اليمن - فقال ليزيد: اجرر ما لم يعرق فيه جبينك. قال: صدقت. عليكم نسجه، وعلينا سحبه.
قال سهل بن هارون: أدخل على الفضل بن سهل، ملك التبت وهو أسير، فقال: أما ترى الله قد أمكن منك بغير عهد ولا عقد، فما شكرك إن صفحت عنك، ووهبت لك نفسك? قال: أجعل النفس التي أبقيتها بذلة لك متى أردتها. قال الفضل: شكر والله. وكلم المأمون فيه فصفح عنه.
لما أخذ عبد الحميد الربعي، وأتي به إلى المنصور، ومثل بين يديه قال: لا عذر فأعتذر، وقد أحاط بي الذنب، وأنت أولى بما ترى. قال المنصور: إني لست أقتل أحداً من آل قحطبة، أهب سيئهم لمحسنهم. قال: يا أمير المؤمنين: إن لم يكن فيّ مصطنع فلا حاجة بي إلى الحياة، ولست أرضى أن أكون طليق شفيع وعتيق ابن عم.
قال الرشيد للجهجاه: أزنديق أنت? قال: وكيف أكون زنديقاً وقد قرأت القرآن، وفرضت الفرائض، وفرقت بين الحجة والشبهة? قال: تالله لأضربنك حتى تقر. قال: هذا خلاف ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم، أمرنا أن نضرب الناس حتى يقروا بالإيمان، وأنت تضربني حتى أقر بالكفر.
قال عمر لعمرو بن معد يكرب: أخبرني عن السلاح. فقال: سل عما شئت منه. قال: الرمح. قال: أخوك وربما خانك. قال: النبل. قال: منايا تخطئ وتصيب. قال: الترس. قال: ذاك المجنّ، وعليه تدور الدوائر. قال: الدرع. قال: مشغلة للراجل متعبة للفارس، وإنها لحصن حصين. قال: السيف. قال: ثم قارعتك أمك عن الهبل. قال: بل أمك. قال: الحمّى أضرعتني لك.
قال عمر بن عبد العزيز لعبد الله بن مخزوم: إني أخاف الله فيما تقلدت. قال: لست أخاف عليك أن تخاف، إنما أخاف ألا تخاف. قيل لرجل من بني هاشم: من سيدكم? قال: كلنا سيد غيرنا، ومكان سيدنا لا يجهل.
شاور المنصور سلم بن قتيبة في أمر أبي مسلم، فقال: إني مطلعك على أمر لم افض به إلى غيرك، ولا أفضي به، فصحح رأيك، واجمع لفظك، وأظهر نصحك، واستره حتى أظهره أنا قد عزمت على قتل عبد الرحمن، فما ترى? قال سلم: "لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا" ونهض.
ويروى عنه الأصمعي أنه قال: هجم عليّ شهر رمضان وأنا بمكة، فخرجت إلى الطائف لأصوم بها هرباً من حر مكة. فلقيني أعرابي فقلت: أين تريد? قال: أريد هذا البلد المبارك؛ لأصوم فيه هذا الشهر المبارك. قلت: أما تخاف من الحر?! قال: من الحر أفر.
وقال رجل للربيع بن خثيم وقد صلى ليلة حتى أصبح: أتعبت نفسك. فقال: راحتها أطلب؛ إن أفره العبيد أكيسهم.
نظر رجل إلى روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب واقفاً بباب المنصور في الشمس، فقال: قد طال وقوفك في الشمس. فقال روح: ليطول وقوفي في الظل.
هاجى عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، عبد الرحمن بن الحكم بن العاص، وتقاذفا. فكتب معاوية إلى مروان أن يؤدبهما، فضرب عبد الرحمن بن حسان ثمانين، وضرب أخاه عشرين، فقيل لعبد الرحمن قد أمكنك في مروان ما تريد،فأشد بذكره وارفعه إلى معاوية. فقال: إذاً والله لا أفعل، وقد حدني كما يحد الرجل الحر، وجعل أخاه كنصف عبد! فأوجعه بهذا القول.
قال رجل لرجل سبه فلم يلتفت إليه: إياك أعني. فقال: وعنك أعرض.
قال عمر لزياد لما عزله: كرهت أن أحمل على العامة فضل عقلك. قال: فاحمل عنها من نفسك، فأنت أعقل.
قال المنصور لإسحاق بن مسلم العقيلي: أفرطت في وفائك لبني أمية. فقال: من وفى لمن لا يرجى، كان لمن يرجى أوفى. قال: صدقت.
مازح عبيد الله بن زياد حارثة بن بدر، فقال له: أنت شريف لو كانت أمهاتك مثل آبائك. فقال: إن أحق الناس بألا يذكر الأمهات هو الأمير. فقال عبيد الله: استرها عليّ، ولك عشرة آلاف درهم.
يقال: إن المكي دخل على المأمون، وكان مفرط القبح والدمامة، فضحك المعتصم، فقال المكي: مم يضحك هذا? فوالله ما اصطفي يوسف لجماله، وإنما اصطفي لبيانه. وقد نص الله على ذلك بقوله: "فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين" وبياني أحسن من وجه هذا.
قال معاوية لرجل من السمن: ما كان أبين حمق قومك حين ملّكوا امرأة. فقال: كان قومك أشد حماقة إذ قالوا: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء" هلاّ قالوا: فاهدنا له وبه! قال زياد لأبي الأسود: لو أدركناك وفيك بقية. قال: أيها الأمير، إن كنت تريد رأيي وعزمي فذاك عندي، وإن كنت تريدني للصراع فلا أصلح لذلك.
قال الأصمعي: دخل درست بن رباط الفقيمي على بلال بن أبي بردة في الحبس، فعلم بلال أنه شامت، فقال: ما يسرني بنصيبي من الكره حمر النعم. فقال درست: فقد أكثر الله لك منه.
أدخل مالك بن أسماء سجن الكوفة، فجلس إلى رجل من بني مرة، فاتكأ على المرّيّ يحدثه، وأكثر من ذكر نعمه، ثم قال: أتدري كم قتلنا منكم في الجاهلية? قال: أما في الجاهلية فلا، ولكن أعرف من قتلتم منا في الإسلام. قال: من? قال: أنا. قتلتني غمّاً.
دخل يزيد بن أبي مسلم على سليمان بن عبد الملك، فلما رآه - وكان دميماً - قال: على رجل أجرّك رسنه وسلطك على المسلمين لعنه الله. قال: يا أمير المؤمنين، رأيتني والأمر عني مدبر، ولو رأيتني والأمر عليّ مقبل لا استعظمت من أمري ما استصغرت.
قال له سليمان: أترى الحجاج بلغ قعر جهنم? قال: يا أمير المؤمنين، يجئ الحجاج يوم القيامة بين أبيك وأخيك، قابضاً على يمين أبيك وشمال أخيك، فضعه من النار حيث شئت.
طاف رجل من بني تغلب بالبيت، وكان وسيماً طويلاً جميلاً، فبصر به رجل من قريش كان حسوداً، فسأل عنه، فأخبر أنه رجل من بني تغلب، فلما حاذاه، قال القرشي يسمعه: إنهما لرجلان قلما وطئتا البطحاء، فالتفت إليه التغلبي فقال: يا هذا البطحاوات ثلاث؛ فبطحاء الجزيرة إلى التغلبي دونك، وبطحاء ذي قار أنا أحق بها منك، وهذه البطحاء، سواء العاكف فيه والباد. قال: فتحير الرجل، فما أفاض بكلمة.
حدث أن أبا الجهم العدوي وفد على معاوية، فبينا هو يوماً من الأيام يأكل معه إذ قال له معاوية: اينا أسن يا أبا الجهم، أنا أو أنت? قال: كيف تسألني في هذا، وقد أكلت في عرس لأمك قبل تزويجها بأبيك أبي سفيان? قال: أيهم هو? فإنها كانت تستكرم الأزواج. قال: حفص ابن المغيرة. قال: ذاك سلالة قريش، ولكن احذر السلطان يا أبا الجهم، يغضب غضب الصبي، ويثب وثوب الأسد. قال: فقال أبو الجهم: إيهاً أراحنا الله منك يا معاوية. قال: فإلى من! إلى زهرة? فوالله ما عندهم فصل ولا فضل، أم إلى بني هاشم? فوالله ما يرونكم إلا عبيداً لهم. ثم أمر له بمائة ألف درهم. قال: فأخذها متسخطاً، وقال: رجل يأتي غير بلاده، ويعمل بغير رأي قومه فماذا يصنع? ثم وفد على يزيد وشكا إليه ديناً كان عليه، فقال له يزيد: تلزمنا، مع قرابتك قربة، ومع حقك حقوق، فاعذرنا. وأمر له بخمسين ألف درهم. قال: فقال ابن كليبة فماذا? ثم دعاه عبد الله بن الزبير إلى نفسه، فوفد إليه أبو الجهم وشكا إليه ديناً، ووصف له كثرة مئونته، فأمر له بألف درهم. فقال أبو الجهم: أحسن الله إمتاع قريش بك، وأحسن عنّي جزاءك. ودعا له دعاء كثيراً.
فقال له عبد الله: يا أبا الجهم؛ أعطاك معاوية مائة ألف درهم فسببته، وأعطاك يزيد خمسين ألفاً فشتمته، وأعطيتك ألف درهم فدعوت لي وشكرت. قال: نعم فديتك، إذا كانت قريش تنقص هذا النقصان فليس يجئ بعدك إلا خنزيراً.
قال بعضهم: دخلت دار المعتصم فرأيت إبراهيم بن المهدي جالساً في بعض نواحي الدار، وإلى جانبه العباس بن المأمون. قال: فالتفت العباس إلى إبراهيم وقد رأى في يده خاتماً فصه ياقوت أحمر عجيب. فقال له: يا عن، خاتمك هذا? قال: نعم، هذا الخاتم الذي رهنته في خلافة أبيك، وافتككته في خلافة أمير المؤمنين أعزه الله. فقال العباس: أنت إن لم تشكر أبي على حقنه دمك، لم تشكر عمي على افتكاك خاتمك.
قالت ابنة النعمان بن بشير لزوجها روح بن زنباع: كيف تسود أنت من جذام، وأنت جبان، وأنت غيور? قال: أما جذام فإني في أرومتها، وحسب الرجل أن يكون في أرومة قومه. وأما الجبن فإنما لي نفس واحدة وأنا أحوطها، وأما الغيرة فأمر لا أحب أن أشارك فيه، وإن الحر لحقيق بالغيرة إذا كانت في بيته ورهاء مثلك.
قال الحجاج لرجل من ولد عبد الله بن مسعود: لم قرأ أبوك "تسع وتسعون نعجة. أنثى" ألا يعلم الناس أن النعجة أنثى? قال: فقد قرأت أنت مثله "ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم، تلك عشرة كاملة". ألا يعلم الناس أن ثلاثة وسبعة عشرة? فما أحار الحجاج جواباً.
قال عبد الله بن الزبير لعدي بن حاتم: يا عدي، متى ذهبت عينك? قال: يوم قتل أبوك وضربت على قفاك مولّياً، وأنا يومئذ على الحق، وأنت على الباطل.
وجّه معاوية رجلاً إلى ملك الروم ومعه كتاب، تصديره: إلى طاغية الروم. فقال ملك الروم للرجل: مالذي الفخر بالرسالة، والمتسمى بخلافه النبوة والسفه ما أظنكم وليتم هذا الأمر إلا بعد إعذار، ولو شئت كتبت: من ملك الروم إلى غاصب أهل بيت نبيه، والعامل بما يكفره عليه كتابه، ولكني أتجالل عن ذلك.
قال معاوية يوماً: الأرض لله، وأنا خليفته. ما أخذت فلي حلال، وما تركت للناس فلي عليهم فيه منة. فقال صعصعة: ما أنت وأقصى الأمة فيه إلا سواء، ولكن من ملك استأثر، فغضب معاوية وقال: لقد هممت… قال صعصعة: ما كل من هم فعل. قال: ومن يحول بيني وبين ذلك? قال: الذي يحول بين المرء وقلبه.
طلب الحسن بن سهل رجلاً من أهل الأدب يؤدب ولده. فجاءوه بمعاوية بن القاسم الأعمى، فقال له: ما اسمك? قال: أكنى أبا القاسم، ولضرورة تكنيت؛ فقيل له : اسمه معاوية؛ فاستظرفه وأمره بلزوم داره.
فرض عبد الله بن عامر لجماعة من بني وائل في شرف العطاء، وأمر لهم بجوائز، فقام رجل منهم، فقال: أيها الأمير، أرأيت ما أمرت لنا به، أخصصتنا به أم تعم به أهل مصرنا? قال: لا، بل خصصتكم به. قال: ولم? قال: لما بلغني من فضلكم. قال: إذاً لا نأخذ ثوابه منك.
قال بعضهم: رأيت يحيى بن عبد الله بن الحسن قد أقبل على عمران بن فروة الجعفري، فقال: يا أبا شهاب، ما تفعلون بالمولى فيكم? قال: ثلاثاً. قال: ما هن? قال: لا يمسح لحيته، ولا يكتني بأبي فلان، ولا يشد حبوته وسط القوم، فقال له نعيم بن عثمان: هذا لجفائكم وبعدكم من الله. فقال له: لو كنت والله يا أبا معاوية هناك ما ساروا فيك إلا بسيرتهم في أخيك.
خاصم رجل رجلاً إلى سوار، فجعل أحدهما يدخل في حجة صاحبه، وينهاه سوّار فلا ينتهي. فقال له: ألا تسكت عن خصمك يا ابن اللخناء. فقال له الرجل: لا والله، ما لك أن تسبني وتذكر أمي. فقال له: ليس هذا بشيء. اللخن قد يكون في السقاء. قال الرجل: فإن لم يكن فيه شيء فأشهدك أن خصمي ابن اللخناء.
أرسل أبو جعفر المنصور إلى أصحابه: لا جزاكم الله خيراً، أبق غلامي فلم تطلبوه، ولم تعلموني بهربه. ولا أعلمتموني قبل هربه أنكم تخافون ذلك منه. وأراد أن يستنطقهم، فقال لهم ابن عياش المنتوف: وكلوني بجوابه. فقالوا له: أنت وذاك. فقال للرسول: أتبلغه كما أبلغتنا? قال: نعم. قال: اقرأ على أمير المؤمنين السلام، وقل له: إنك اخترتنا من عشائرنا وبلداننا، فظننا أنك أردتنا لأن نكون جلساءك، والمجيبين للوفد إذا قدموا عليك، والخارجين لرتق الفتق إذا انفتق عليك، فأما إذ أردتنا لمن يأبق من غلمانك فيربع غلامك يريد أن يأبق فاستوثق منه.
حج عبد الملك، ثم شخص إلى الطائف فدخلها، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يسايره، فاعترض له رجل من ولد أم الحكم من ثقيف، فقال: يا أمير المؤمنين، إن لنا قرابة وحقاً، وجواراً وخلقاً، ونحن من إحدى القريتين اللتين ذكرهما الله في كتابه، والله لقد جاء الإسلام وإن في ثقيف من قريش تسعين امرأة. قال: فتكاثر 1لك عبد الملك وقال: أكذلك يا أبا بكر? فقال: صدق يا أمير المؤمنين، ولكن والله لا تجد فيهم امرأة من ولد المغيرة. فقال الثقفي: صدق يا أمير المؤمنين، إنا والله نعرف قومنا، ونعتام في مناكحنا، ونأتي الأودية من صدورها ولا نأتيها من أذنابها. والله ما أعطيتنا شيئاً إلا أخذنا مثله، ولا مشينا حزناً إلا أسهلنا الهويني، فقال عبد الملك: قاتله الله ما أسبه!.
شكا رجل إلى الشبلي كثرة العيال، فقال: ارجع إلى بيتك ومن لم يكن منهم رزقه على الله فأخرجه من دارك.
باب آخر من الجوابات المسكتة
ما يجري مجرى الهزل
تعرّت الحضرمية يوماُ وزوجها ينظر إليها، فقالت: ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت، فأشار إلى ركبها وقال: أرى هاهنا شيئاً من فطور.ضرط ابن لعبد الملك صغير في حجره فقال له: قم إلى الكنيف. قال له: أنا فيه يا أبانا.
قال معاوية لعقيل: إن فيكم شبقاً يا بني هاشم. قال: هو منا في الرجال ومنكم في النساء.
قال بعضهم لآخر: يا خائن. فقال: تقول لي ذلك وقد ائتمنك الله على مقدار درهم من جسدك فلم تؤد الأمانة فيه.
دخل إبراهيم الحراني الحمام، فرأى رجلاً عظيم الذكر، فقال: يا فتى، متاع البغل! قال: لا، بل نحملك عليه. فلما خرج أرسل إليه بصلة وكسوة وقال لرسوله: قل له اكتم هذا الحديث فإنه كان مزاحاً، فرده وقال: لو قبلت حملاننا لقبلنا صلتك.
قيل لرجل قدم من الحج: كيف خلفت سعر النعال بمكة. تعريضاً له بالهدية، فقال: الفلعة بحمل ونبيجة فاكهة.
شتم عيسى بن فرخانشاه رجلاً نصرانياً، فقال: يا ابن الزانية. فقال له: أنت مسلم ولا اقدر على شتمك، ولكن أخوك يحيى بن فرخانشاه هو ابن الزانية.
قال الفرزدق لزياد الأعجم: يا أقلف. فقال زياد: يا ابن النمامة أمك أخبرتك بهذا.
قال رجل لأبي الأسود: كأن وجهك فقاح مجتمعة. قال: فهل ترى فقحة أمك فيها?.
قال العطوي: قلت لجارية: اشتهي أن أقبلك. قالت: ولم? قلت: لأنك زانية. قالت: وكل زانية تقبلها? قلت: نعم. قالت: فابدأ بمن تعول.
قال غلام ثمامة لثمامة: قم صل واسترح. قال: أنا مستريح إن تركتني.
اشترى علي بن الجعد جارية بثلاثمائة دينار، فقال له ابن قادم النحوي: أي شيء تصنع بهذه الجارية? فقال: لو كان هذا شيئاً يجرب على الإخوان لجربناه عليك.
أشرف رجل على أبي الأسود وهو مختضب عريان بين رجليه خرقة، فقال: يا أبا السود، ليت أيري في سرتك. قال: أفتدري أين تكون فقحتك? فخجل الرجل وانصرف.
قال بعض الرؤساء لبعض الخلفاء: أنا اشتهي أن أرى النساء كيف يتساحقن. قال: ادخل دارك قليلاً قليلاً.
وقال آخر لبعض المجان: ما الدنيا إلا المجوس، يدخل الأب ف…ك، ويدخل الإبن ف…ك، فقال له: اسكت، لا يسمع ذاك أهل دارك فيرتدوا.
سمع بعضهم رجلاً يقول: أبي كان لا يدخل سكة إلا قام الناس له. فقال: نعم، صدقت، لأنه كان يتقدمه حمل شوك.
نظر أبو الشمقمق إلى رجل يمازح غلاماً قد التحى، فقال: ما هذا? قال: نأكل التمر لأنه كان رطباً. قال: فكل الخرى لأنه كان جوذاباً.
كان حماد الراوية يتهم بالزندقة وكان يصحب ابن بيض، فدخلا يوماً على والي الكوفة، فقال لابن بيض: قد صالحت حماداً? قال: نعم أيها الأمير، على ألا آمره بالصلاة، ولا ينهاني عنها.
وكان من حمقاء قريش سليمان بن يزيد بن عبد الملك، وكان وضيئاً. قال يوماً لعن الله الوليد أخي، فإنه كان فاجراً، والله لقد راودني عن نفسي. فقال له قائل: اسكت. فوالله إن كان همّ لقد فعل.
أنشد حضري أعرابياً شعراً لنفسه، وقال: تراني مطبوعا? قال: نعم على قلبك.
قال أبو عثمان: رأيت رجلاً من المنافقين كان أراد أن يكون على جبهته سجادة فوضع عليها ثوماً وشده، فلما نام انقلبت السجادة، وصارت على الجانب الأيمن، فسألته عن ذلك، فقال: ومن الناس من يعبد الله على حرف.
اعترض عمرو بن الليث فارساً من جيشه، فكانت دابته بغاية الهزال. فقال له: يا هذا، تأخذ مالي تنفقه على امرأتك وتسمنها، وتهزل دابتك التي عليها تحارب، وبها تأخذ الرزق، امض لشأنك فليس لك عندي شيء. فقال الجندي: أيها الأمير، لو استعرضت امرأتي لاستسمنت دابتي. فضحك عمرو، وأمر بإعطائه رزقه.
قيل للنتيف الأصبهاني: لم تنتف لحيتك? فقال: وأنت فلم لا تنتفها? رأى ابن مكرم منجماً عند أبي العيناء، فقال: ما يصنع هذا? قال: يعمل مولد ابني. قال فسله أولاً هل هو ابنك أم لا?.
سأل رجل آخر عن درب الحمير، قال: ادخل أي درب شئت.
قال أبو بكر المقرئ: رأيت امرأة منكشفة بباب المسجد، فقلت لها: أما تستحيين? قالت: ممن? استعار رجل من آخر حماراً فأخرج إليه إكافاً وقال: اجعله على من شئت.
رجل بامرأة قد مات عنها خمسة أزواج، فمرض السادس، فقالت: إلى من تكلني? فقال: إلى السابع الشقي.
ومات زوج امرأة فراسلها في ذلك اليوم رجل يخطبها، فقالت: لو لم يسبقك غيرك لفعلت. فقال الرجل: قد قلت لك إذا مات الثاني فلا تفوتيني.
كان ليهودي غلام فبعثه يوماً ليحمل ناراً يطبخ بها قدراً، فأبطأ عليه ثم عاد بعد مدة وليس معه نار، فقال: أين النار? قال: يا سيدي. قد جئتك بأحر من النار، هذا صاحب الجوالي بالباب يطالب بالجزية.
غنّت قينة عند بعض الرؤساء فطرب وشق ثوبه، وقال لغلامه: شق ثوبك. فقال: كيف أعمل وليس لي غيره? قال: أنا أكسوك غداً. فقال: وأنا أشقه غداً.
أدخل رجل بغلة إلى سوق الدواب يبيعها فلقيه رجل فقال: بكم البغلة?. قال بخمسمائة درهم. قال: لا بأربعمائة. قال صاحبها: زدني شيئاً آخر. قال: أزيدك أ..ر حمار، فقال: اقعد أنت على سومك، فإن زادنا غيرك وإلا أنت أحق به.
كان عفان بن مسلم يروي الحديث، فقال بعض من حضره: إن رأيت أن تزيد في صوتك فإن في سمعي ثقلاً. قال: الثقل في كل شيء منك.
قال زيادي لرجل: يا ابن الزانية. قال: أتسبني بشيء شرفت به?.
قال أبو موسى ابن المتوكل لرجل: لم انقطعت عنا?. فقال: بيتك حر، ما خرج منه أحد فعاد إليه.
قال النخعي: ما رأيت أسرع جواباً من نصراني رأيته بالرقة. فإني دخلت عليه في الحمام، وهو يصب عليه ماء فأطال ومنعني الدنو من الحوض، فقلت وقد دخلني الغيظ: تنح ويلك فإنك بغيض. فترك ما كان فيه وقال لي: قد فعلت، ولكن لا تفارقني حتى تقول لي من أين حكمت عليّ بأني بغيض! قال فقلت: لأنك جعلت مع الله عز وجل شريكاً. فقال لي: أسرع من اللحظ: لا والله ما جعلت معه شريكاً، فإن كنت فعلت، فخذ كتابي إليه بالانصراف الساعة. فأخجلني.
قيل لبعضهم: زوجت أمك? فقال: نعم، حلالاً طيباً. فقال: أما حلال فنعم، وأما طيب فلا.
قالت امرأة لرائض دواب: بئس الكسب كسبك، إنما كسبك باستك. فقال: ليس بين ما أكتسب به وبين ما تكتسبين به إلا إصبعان.
قالت امرأة لزوجها: يا مفلس يا قرنان. قال: إن كنت صادقة فواحدة منك وواحدة من الله.
قيل لبعض الظرفاء من أهل العلم: أتكره السماع? قال: نعم، إذا لم يكن معه شرب.
كتب العباس بن المأمون، في رقعة: أي دواة لم يلقها قلمه? وألقاها بين يدي يحيى بن أكثم، فقرأها ووقع فيها: دواتك ودواة أبيك. فأقرأها العباس أباه المأمون، فقال: صدق يا بني، ولو قال غير هذا لكانت الفضيحة.
كان ليعضهم ابن دميم فخطب له إلى قوم، فقال الابن لأبيه يوماً: بلغني أن العروس عوراء، فقال الأب: يا بني، بودي أنها عمياء حتى لا ترى سماجة وجهك.
سمع رجل به وجع الضرس آخر ينشد:
قضاها لغيري وابتلاني بحبها |
اعتلت امرأة ابن مضاء الرازي، فجعلت تقول له: ويلك، كيف تعمل أنت إن مت أنا? وابن مضاء الرازي يقول: ويلك، أنا إن لم تموتي كيف أعمل?.
قال عبادة يوماً لأبي حرملة المزين: خذ ذقني. قال: يا مخنث، أضع يدي على وجهك وأنا أضعها على وجه أمير المؤمنين! فقال له: يا حجام أنت تضعها على باب أستك كل يوم خمس مرات لا يجوز أن تضعها على وجهي?!.
قيل لبعضهم: غلامك ساحر. قال: قولوا له يسحر لنفسه قباء وسراويل.
قال ابن مكرم لأبي العيناء: بلغني أنك مأبون. قال: مكذوب عليّ وعليك.
نظر رئيس إلى أبي هفان وهو يسارّ آخر، فقال: فيم تكذبان? قال: في مدحك.
وقيل لبعض ولد أبي لهب: العن معاوية. فقال: ما أشغلني: "تبت".
كان لخازم بن خزيمة كاتب ظريف أديب وكان يتنادر عليه، فقام يوماً من بين يديه، فقال له ابن خزيمة: إلى أين يا هامان? فقال: أبني لك صرحاً.
قيل لرجل كانت امرأته تشارّه: أما أحد يصلح بينكما? قال: لا، قد مات الذي كان يصلح بيننا. يعني ذكره.
قال بعضهم لصاحب له: متى عهدك بالن..ك? قال: سل أمك فقد نسيت.
كان رجل يكثر الحلف بالطلاق، فعوتي في ذلك، فقال: أحضروها فإن كانت تصلح لغير الطلاق فاقتلوني.
قيل لبعضهم وهو مقنع: إن لقمان قال: إن القناع مذلة بالنهار معجزة بالليل. فقال: إن لقمان لم يكن عليه دين.
حمل إلى معاوية مال من العراق، وعلى رأسه خصيّ يذب عنه، فقال: يا سيدي، من لي بكف منه? فقال: ويحك، وما تصنع به? إنك إن مت وتركته كويت به يوم القيامة. فقال: يا مولاي إن كان هذا حقاً فإن جلدك لا يشترى يوم القيامة بفلس.
وقف رجل مفرط الطول على بعض العيارين وهو يبيه الرمان، فقال: هذا رمان صغير. فقال له صاحب الرمان: لو نظرت أنا إليه حيث تنظر إليه أنت ما كان في عيني إلا عفصاً.
قالت امرأة عقيل له: والله لا يجمع رأسي ورأسك وساد أبداً. فقال عقيل: لكن أستاهنا تجتمع.
قال بعضهم: كنت نائماً على سطح لي، فسمعت في بعض الليل كلام امرأة من وراء الحائط تقول لزوجها: أنا عريانة بجنبك، وأنت تجلد عميرة! فقال لها: يا ويلك، إذا كان عميرة أفره منك كيف أعمل? قال الوليد بن يزيد لبديح: خذ بنا في التمني فوالله لأغلبنك. قال: والله لا تغلبني أبدا! قال: بلى والله ما تتمنى شيئاً إلا تمنيت ضعفيه. قال بديح: فإني أتمنى كفلين من العذاب، وأن الله يلعنني لعناً كبيراً، فخذ ضعفي ذلك. قال: غلبتني لعنك الله.
كانت رقية بنت عبد الله بن عمرو بن عثمان، وأمها فاطمة بنت الحسين عند هشام، وكان يحبها وتبغضه، فاعتلت فجلس عند رأسها، فقال: ما تشتكين? قالت: بغضك. فسكت عنها ساعة، ثم قال لها: ما تشتهين? قالت: فقدك.
كان بالبصرة رجل طبيب يقال له: حوصلة، وكان له جار يعشق ابناً له، فوجّه حوصلة بابنه إلى بغداد في حاجة له، ولم يعلم جاره بذلك، فجاء ليلة يطلبه، فصاح بالباب: أعطونا ناراً. فقال حوصلة: المقدحة ببغداد.
شكا رجل جاريته إلى إبراهيم الحراني - وكان قبيحاً دميماً - فقال له إبراهيم: هل رأيت وجهك في المرآة? قال: نعم. قال: أفرضيته لنفسك? قال: لا. قال: فكيف تلومها على كراهية ما تكرهه لنفسك.
كان رجل دميم قبيح الخلقة قد رزق ابنين مليحين، فدخل يوماً إلى بعض الأمراء وهما معه، فقال له: يا أبا فلان والدتهما حرة أم أمة? فقال: أيها الأمير أفي الدنيا حرة تمكن نفسها من مثلي?!.
سمع رجل بعض الحمقى يقول: اللهم لا تأخذنا على غفلة، فقال: إذاً لا يأخذك أبدا.
قال غلام لأبيه: يا أبه. أخبرني مستملي أبي خيثمة: أن أبا خيثمة يستثقلني، فقال: يا بني، فأنت ثقيل بإسناد.
كتب رجل إلى صديق له: وجه غليّ بدستيجة نبيذ، وغط رأسك من الحر، وسر إلينا، فقال في الجواب: ولم لا أكشف رأسي في بيتي، واشرب الدستيجة وحدي?.
قال بعض البصريين: كنا عند رجل ومعنا رجل من آل أبي معيط، وأبو صفوان حاضر، فأتيا بفالوذجة حارة، فكاع القوم عنها لحرارتها، وأهوى إليها المعيطي، وجعل يأكل، فقال أبو صفوان: انظروا إلى صبر آل أبي معيط على النار.
اتخذ ابن أخ لإبراهيم بن العباس منجماً وطبيباً، فقال له إبراهيم: والله ما أعرف لك في السماء نجماً ولا في الأرض طبعاً، فما تصنع بالطبيب والمنجم.
دخل بعض الولاة والمتغلبين إلى بلد واستتر منه الوالي قبله، فطلبه، وأخذ أصحابه وطالبهم بالدلالة عليه إلى أن أخذ وكيلاً له، فألح عليه إلحاحاً شديداً، فلما علم ذلك ووقف عليه لم يلبث أن خرج الأول من الاستتار، ووجد أعواناً فقبض على الآخر وحبسه، وانتقل هو إلى دار الإمارة، فجاء هذا الوكيل إلى الحبس، ودخل على المحبوس، وقال: كنت قد حلفتني أن أدلك على موضع الأمير إذا عرفته، وقد عرفت ذلك، وهو في دار الإمارة في الإيوان، فخذه إن أردت أخذه.
مدح رجل رجلاً عند الفضل بن الربيع، فقال له الفضل: يا عدو الله؛ ألم تذكره عندي بكل قبيح?! قال: ذاك في السر. جعلت فداك.
تزوج أعمى امرأة قبيحة، فقالت: رزقت أحسن الناس وأنت لا تدري! فقال: يا بظراء، فأين كان البصراء عنك?!.
قال رجل لآخر أصلع: إن صلعتك هذه لمن نتن دماغك، فقال: لو كان كذلك ما كان على حرأمك طاقة شعر.
دخل أبو العيناء إلى ابن مكرم، فقال له: كيف أنت? قال أبو العيناء: كما تحب? قال: فلم أنت مطلق?.
أهدى رجل إلى إسماعيل الأعرج فالوذجة زنخة، وكتب معها: إني اخترت لعملها جيّد السكر السوسي، والعسل الماذي، والزعفران الأصبهاني، فأجابه: برئت من الله إن لم تكن عملت هذه الفالوذجة قبل أن تمصر أصبهان، وقبل أن تفتح سوس، وقبل أن أوحى الله إلى النحل.
قيل للنتيف الأصبهاني: ما بقي معك من آلة الجماع? قال: البزاق.
قيل للجاحظ: لم هربت في نكبة ابن الزيات? قال: خفت أن أكون ثاني اثنين إذ هما في التنور.
رمى المتوكل عصفوراً بالبندق فلم يصبه، فقال ابن حمدون: أحسنت يا سيدي، فقال: هو ذا تهزأ بي، كيف أحسنت? قال: إلى العصفور.
كان بعض الكتاب يكتب كتاباً وإلى جنبه رجل يتطلع في كتابه، فلما شق عليه ذلك كتب في كتابه: ولولا ابن زانية أخو قحبة كان يتطلع في كتابي لأطلته وشرحت فيه جميع ما في نفسي، فقال الرجل: يا سيدي والله ما كنت أتطلع في كتابك، فقال: يا بغيض، فمن أين قرأت هذا الذي كتبته? قيل لأبي عروة الزبيري: أيسرك أنك قائد? فقال: إي والله، ولو قائد عميان.
تجارى قوم في مجلس لهم حديث الكمال في الرجال، ودخول النقصان عليهم للآفات، فقال بعضهم: من كان أعور فهو نصف رجل، ومن لن يحسن السباحة فهو نصف رجل، ومن لم يكن متزوجاً فهو نصف رجل. وكان فيهم أعور، ولم يكن يحسن السباحة ولا متزوجاً، فالتفت إلى ذلك الإنسان وقال له: إن كان عليّ ما تقول فأنا أحتاج إلى نصف رجل حتى أكون لا شيء.
قال بعضهم: مررت بمنجم قد صلب، فقلت له: هل رأيت في نجمك وحكمك هذا? قال: كنت رأيت رفعة، ولكن لم اعلم أنها فوق خشبة.
قال بعضهم: نزلت بعض القرى، وخرجت في الليل لحاجة فإذا أنا بأعمى على عاتقه جرة وفي يده سراج، فلم يزل يمشي حتى أتى النهر، وملأ الجرة وانصرف راجعاً، فقلت له: يا هذا، أنت أعمى، والليل والنهار عليك سواء، فما معنى هذا السراج? قال: يا فضولي، حملته معي لأعمى القلب مثلك يستضئ به، فلا يعثر بي في الظلمة فيقع عليّ ويكسر جرتي.
صدم اعور في بعض الأسواق امرأة، فالتفتت إليه وقالت: أعمى الله بصرك، فقال: يا ستي، قد استجاب الله نصف دعائك.
دخل إلى بعض العور رجل من جيرانه - ومعه حمار - فقال: أيها الأستاذ اشتريت هذا الحمار فأحببت أن أتبرك بنظرك إليه فكم يساوي عندك? فتأمله، ثم قال: يساوي خمسين درهماً. وكان الرجل قد اشتراه بمائة درهم، فقال: لا إله إلا الله ما أخطأت بفلس، فإني اشتريته بمائة، وأنت رأيت نصفه.
غنت مغنية بصوت فيه "الله يعلم.." فكررته مراراً، فقال ابن مكرم: أنك بغيضة.
سئل رجل عن سن امرأته - وكانت قديمة الصحبة له - فقال: خذوا عيار رأسها من لحيتي.
قال أبو حنيفة لشيطان الطاق: مات إمامك - يعني جعفر الصادق عليه السلام - فقال له: لكن إمامك لا يموت إلى يوم الدين. يعني، إبليس.
وناظره مرة في الطلاق، فقال له أبو حنيفة: أنتم معاشر الشيعة لا تقدرون على أن تطلقوا نساءكم، فقال شيطان الطاق: نحن نقدر على أن نطلق على جميع من خالفنا نساءهم. فكيف لا نقدر على ذلك في نسائنا? وإن شئت طلقت عليك امرأتك. قال أبو حنيفة: افعل. قال: قد طلقتها بأمرك، فقد قلت لي: افعل.
قال بعض العلوية لأبي العيناء: أتبغضني ولا تصح صلاتك إلا بالصلاة عليّ، إذا قلت: اللهم صل على محمد وآله? فقال أبو العيناء: إذا قلت "الطيبين" خرجت منهم.
أتى قوم بعضهم وقالوا: نحب أن تسلف فلاناً ألف درهم، وتؤخره سنة. فقال: هذه حاجتان ولكني سأقضي لكم إحداهما، أما الألف فلا يسهل عليّ، ولكني أؤخره ما شاء الله.
وسأل بعض الخلفاء من لا يستحق الولاية، فقال: ولني يا أمير المؤمنين أرمينية، فقال: يبطئ على أمير المؤمنين خبرك.
كان لبعضهم ابن متحنف، فقال له يوماً: ما أطيب الثكل! فقال الابن: أطيب منه والله يا أبي اليتم.
قال بعض القصاص - وهو يعظ: آه..آه!! فقال بعض المجان: من تحتي? فقال القاص: ومعي ثلاثة. يريد: لحمل نعشه.
قال رجل لحميد الطوسي - وكان عاتياً - رأيت في النوم كأن القيامة قد قامت، وكأن الله قد دعا بك، وغفر لك، وأدخلك الجنة. فقال: إن كانت رؤياك حقاً فالجور ثم أكثر من هاهنا.
مر الفرزدق وهو راكب بغلة فضربها فضرطت، فضحكت منه امرأة فالتفت إليها وقال: ما يضحكك? فوالله ما حملتني أنثى قط إلا ضرطت، فقالت له المرأة: فقد حملتك أمك تسعة أشهر يا ابن الضراطة.
قيل لمفلس: يا مربي. قال: فأل حسن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق